الحمد وابتداع الخلق: الدرس الثالث

 

المصدر: الصحيفة السجادية

 تابع سماحة الشيخ شفيق جرادي سلسلة الدروس المتعلقة بالحمد وابتداع الخلق، حيث أكمل شرحه في الدرس الثالث من هذه السلسلة للدعاء الأول من الصحيفة السجادية والذي يتمحور حول تحميد الله عز وجل.

وسنستعرض في هذه الخلاصة النقاط التي تحدث بها سماحة الشيخ شفيق  والتي تتمحور حول شرح الفقرة التالية: “ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ”.

لكن قبل البدء بشرح المقطع الجديد، عرج سماحته إلى الحديث عن أمر مرتبط بمسألة المشيئة؛ أي أن الله اخترع خلقه على وفق المشيئة.

  • فما هي المشيئة؟
  • المشيئة تعني أن الإرادة الإلهية عندما تتعلق بإيجاد الخلق، فهذا الخلق الذي نراه سواء أكان جبلًا أو أرضًا أو سماءً، أو إنسانًا.. كل هذا الخلق الذي من حولنا يمثل مشيئة الله عز وجل. وهو مظهر تحقق المشيئة الإلهية. وأن هذا الخلق الذي خلقه الله إنما قام على أساس الخير، وجود إلهي خيّر، بحيث إن الخلق بكل وجودهم وفي أصل وجودهم ليس لهم من أنفسهم شيء، كلهم خير؛ والسبب، أنهم وفق إرادة الله وخلق الله، والنظام الذي أراده الله لهذا الخلق.
  • فإذًا،هذا الخلق الخيّر هو مشيئة الله سبحانه وتعالى.
  • وحتى نثبت هذه الفكرة جيدًا بالأذهان؛ نحفظ منها ما يلي أن كل إرادة ومشيئة تتمثل بهذه الموجودات وبهذه المخلوقات التي أوجدها الله على الخير. هنا، نتعلم درسًا مفاده، أن النظرة الإسلامية للإنسان وللموجودوات وبقية المخلوقات، أن هذا المخلوق سواء أكان أنسانًا أو غيره أوجده الله تعالى على أفضل حال؛ الأصل فيه أنه خيّر، الأصل فيه أنه طاهر، الأصل فيه أنه يمثل وجه الرحمة.
  • الباري عز وجل أعطانا كامل الإمكانات والطاقات والقابليات لنكون على أفضل الكمالات المتوخاة.
  • بعض المفسرين الذين لهم طابع عرفاني يعتبرون أن المشيئة هي نَفَس الرحمان؛ ونفس الرحمان هو كامل الروح التي بها أصل قوام هذه المخلوقات، وهي قائمة على الرحمة، فالأصل في إيجاد الله لمخلوقاته إنما يقوم على أساس الرحمة.

 

  • “ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ”.
  • بعد المشيئة يقول لنا الدعاء أن الباري تعالى سلك بهم طريق إرادته؛ أي على الطريق التي يريدها الله عز وجل.
  • بالنسبة للإنسان، السؤال هنا، كيف نعرف ما هي السبيل التي أرادها الله بإرادته؟ هناك طريقين: لدينا طريقة أن نرى الخلائق كيف تتصرف، والناس كيف تتصرف، ولدينا طريقة ما حدّث الله عنه، أو ما حدّثنا الله فيه في كتابه العزيز.
  • العلاقة بين الشيء الذي نحن عليه كبشر وبين القرآن تسمح لنا أن نفهم أسرار خلق الله لهذا الإنسان ولهذا المجتمع البشري.
  • القرآن ملتفت أن هناك أناس فيهم الخيّر وغير الخيّر، وفيهم الصالح وفيهم غير الصالح، ما أوجده الله فيهم هي قابليات أن يكونوا أصحاب كمال، وما أوجده الله فيهم سرًا إنسانيًّا خاصًّا مفاده: أنك لتصل إلى كمالاتك لن يأتي الله ويمسك بيدك ويوصلك ، بمعنى أنك أنت الإنسان لا علاقة لك، ولا دخل لك ولا تعمل أي شيء، فقط الله يوصلك أنت إلى الجنة، وآخر يوصله الى جهنم، ليست المسألة هكذا، ليصبح الإنسان صاحب كمالات، وليصبج الإنسان صاحب خير، وليصبح الإنسان صاحب صلاح يجب أن يجاهد نفسه، وأن يُعمِل إرادته، فمن دون الإردة، وتشغيل الإرادة، وإعمال الإرادة الإنسانية بحيث تستقيم على الصراط وأن نعمل لنصل بسنن الله، نحن لا نصل.
  • مفتاح الكمال والخير ليس أنت، أو ابن من أنت، الأصل أنت كيف ربيت نفسك على هذا الهدي.
  • نحن كما اشتغلنا على أنفسنا، فهذا الذي يميز فرد عن فرد آخر، دور الله هنا أنه خلق لك الإرادة، وأوجد لك حق الاختيار.
  • بناء عليه، أن أكون مسلمًا فهذا أمر جيد، وأن أكون شيعيًّا فهذا أمر جيد أيضًا، لكن لا يوصلني هذا إلى أي مكان، بل علي أن أُعمِل إرادة الخير فيّ.
  • نحن نحدد ونختار هذا الدرب الذي نسلكه، والله فتح لنا كل الطرق.
  • إرادة الله سبحانه وتعالى على ما قيل: هي صفة توجب للحق حالًا يقع منه الفعل على وجه دون وجه.
  • إرادة الله هي فعل الله؛ أي ما إن يريد حتى يكون الفعل حاصلًا. إرادته هو فعله، هو ما يوجده. هذه إرادة الباري عز وجل
  • ما يهمنا، أمر مرتبط بالفقرة الثانية وكل هذه المقدمات حتى نصل إليها… لنعرف علي أي حال تقوم العلاقة بين الإنسان وبين ربه سبحانه وتعالى.
  • لدينا نحن في هذا الجانب أناس تقول: إن الباري عز وجل حينما يريد على الوجه الذي هو يعلمه عمومًا واختاره في هذه الموجودات؛ يعني الله مقدر ما هو المطلوب، والآن كانت إرادته متعلقة فحصل عنده هذا الأمر، فهل الفعل الذي قام به الله عز وجل هو فعل فيه نقص أم لا؟ هذا ما ناقشه العلماء. لذا عبّر العلماء، أن فعل الله لا نقص فيه، بل كله كمال.
  • نحن عندما ارتبطنا بالله عز وجل، لماذا ارتبطنا فيه؟ العلماء قالوا: إن الله خلق في الناس حب الكمال، وهم لأن هذا الأمر كامل يحبونه، وطبعًا هذا الأمر ليس حصرًا على المتدينين فقط، بل على كل الناس.
  • بناء عليه الكمال هو في ما تؤمن به.
  • فإذًا، أين علاقة الرغبة والشوق والحب، هذه العلاقة الوطيدة بين الإنسان وبين الله وعلى أي أساس؟ هي على أساس ما يجده الإنسان في نفسه من كمالات ترتبط به.
  • إذا كنا نحن نسعى للكمال، فأين نجد الكمال؟ نجده في خلقه، إذا نحن نعتبر أن الدين الذي نؤمن به، والذي نتقرب الى الله من خلاله هو دين صالح دين فيه صلاح، دين فيه خير، يجب أن نُظهر الخير الموجود في هذا الدين. لو تكلمت عن الإسلام  أن كل الخير فيه، من الان لتقوم الساعة، ماذا يقدم أو يؤخر هذا الأمر، لا شيء. لكن لو بذلت نفسي مرة واحدة في سبيل خير الإنسان لا لشيء، إلا لأنه إنسان، لأنه محتاج، لأنه مضطر، لأنه فقير، لأنه ضعيف، مرة واحدة فقد، وأقول إن ما بذلته هو من قلبي، وإنما بذلته لأتقرب به إلى الله، ليس أنا فقط أكبر في عيون الناس، بل الإله الذي أعبده يكبر في عيون الناس. لذلك موضوع الأدعية عندما تلفتنا للأبعاد الإيمانية دائمًا تربطها بالحمد..
  • كيف أحمد الله؟ الروايات تقول: أفضل موارد الحمد هي في خدمة عباد الله، في خدمة عيال الله، في خدمة هؤلاء الناس، في تقديم الغالي والرخيص من أجل هؤلاء الناس.
  • إذًا، ما الذي يقنع الناس بما نؤمن به من معتقدات ومن تشريعات؟ هي سلوكياتنا، هي أعمالنا، هي مواقفنا.
  • إذا أردنا أن نتحدث عن مشيئة الله، وإذا أردنا أن نتحدث عن إرادة الله، وإذا أردنا أن نتحدث عن خلق الله، من دون مضمون الحمد، هذا الكلام الذي لدينا يكون كلامًا ناقصًا. كيف يُتمم هذا البعد العقائدي والأخلاقي والذي نتعلّمه من الإسلام؟ يُتمم بأن نكون من الحامدين، وما معنى أن نكون من الحامدين؟ ليس أن أقول الحمد لله، بل يعني أن أجعل حياتي وفق ما أؤمن به، أن أبذل حياتي وفق ما أؤمن به، فإذا صار كذلك فهذا هو الحمد لله رب العالمين.

 

 


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<