أمة محمد، نظام إلهي

by الدكتورة صبيحة نباتي | نوفمبر 5, 2020 7:01 ص

 
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[2][1]                                                                                                                                   
السؤال: لماذا یستحیل التطبیع عند الأمة الواحدة کنظام إلهي؟                                                                                                                
هنالك فکرة منهجیة لحقيقة بناء الأمة الواحدة في الإسلام (مؤمنون، 52) التي توضح وتبیّن لنا أسمی الغايات الصحیحة في تأسيس هیکلیة الأمة الواحدة کنظام.
من الضروري في هذه الدراسة الموجزة تبیین مفهوم النظام، وبناء الأمة الواحدة، وبالتالي بیان أسباب انحراف الأمة الواحدة.
النظام عبارة عن مجموعة من العناصر المرتبطة والمتعاملة مع بعضها، والتي تكوّن الكل، وسيكون هذا الكل ناقصًا في حالة نقص أي جزء منه، وعليه فلا يمكن إلغاء أو حذف أي جزء منه باختيار.
 ومن جهة أخرى، فإن كل جزء من هذا الكل له خصائصه الخاصة به، بحيث إذا انفصل عن النظام (الكل) سيفقد فاعلیته المطلوبة. اعتمادًا على هذا التعريف، فالنظام هو تسییر المجموعة المترابطة نحو هدف تکاملیٍ معين[3][2].
وفقًا للرؤية الإسلامية، الأمة الواحدة، هي کیان طبيعي (زخرف، 33)، فطري (يونس، 19)، وإلهي (مائده، 48 / نحل، 93 / هود، 118 / شورى، 8). وهذه هي أهم وأسمی نظرة شمولية في حياة الإنسان.
فاعتبارها کیان طبيعي؛ لأنها تتلائم مع مبادئ التكوين وطبيعة الإنسان کسائر المخلوقات. العالم یتکامل بواسطة قانونٍ ونظامٍ باهرٍ علی مدار التعايش والتنسیق، والذي نراه بأشكال متنوعة في جميع المخلوقات.
واعتبارها کیان فطري؛ لأنها تتناسب مع مستلزمات البشر الفطریة. يبدو أن للإنسان محفّزین أساسيین لجميع أنشطته وهما: حب الذات، والطبيعة المدنية، اللذان یعتبران من الدوافع الساریة أیضًا في الکیانات الأخرى.
 – وتعتبر کیان إلهي؛ لأن الدين حینما یبيّن خصائص الأمة الواحدة، يستجيب لمتطلبات المجتمع والفرد في مجال هدایة الإنسان إلى الساحة الربوبیة. وبناءً علی ذلك من أجل تشکیل وبناء وتعزيز أواصر الأمة الواحدة، والحفاظ عليها كالعديد من الموضوعات الأخری یتم عرض برامج خاصة في التعالیم الدينية.
إن الأمة الواحدة تنشأ إثر العوامل الفطرية والتكوينية – ولیس إثر العقود الاجتماعية والاعتبارية البحته؛ أو نتيجةً للمطامع الاستكبارية والقرارات الانفعالیة- ويجب القبول بأنها تعتمد على ظروف عقلانية معيّنة مما یترتب علیها استقرار حياة سلیمة، آمنة، إيمانية. فلهذا، فإن الإسلام والرسول الأعظم (ص) أوصوا بتعلیمات خاصة، ومبادئ معینة في أصل الاختيار ونوعیة البناء ومعاييره.
بالتأكيد، الأمة الواحدة هي من ضروریات التكامل ونمو شخصية الإنسان، والشعور بالمسؤولية الاجتماعية وقبولها، والخروج من إطار الغطرسة والطبيعة الفردية، والالتزام أمام الآخرين، وهذا يدل على أن تعاليم القرآن الکریم جاءت للتعايش معًا، لوحدة الرؤیة والتفکیر والعمل الهادف، وهذه هي مؤلفات الأمة الإسلامية الواحدة.
وإن كل ‌ما نشهده اليوم في الأمة الإسلامية هو نتیجة سعي جاد من قبل الاستكبار العالمي والصهيونية للتشكيك في الرؤیة الصحیحة للنظام، مما أدّى إلى التآكل بين الأعضاء، والاضطراب في جسد الأمة الإسلامية نتیجة لانعدام الثقة به.
 (في کلام لقائد الثورة الإسلامية: يجب علينا نحن – العالم الإسلامي- أن نستخدم طاقاتنا لمواجهة الكيان الصهيوني، والحركة التي تحدث ضد القدس الشريف والمسجد الأقصى – والتي حركت العالم الإسلامي بأجمعه- ويجب علينا أن نهتم بالمشاكل التي سبّبها لنا الاستكبار في داخلنا).
فأکبر أنموذج في عصرنا الحاضر هو تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیوني الغاصب من قبل بعض حکّام الدول العربیة، ومشیهم في هذا المسار المنحرف یعتبر خیانة للأمة الإسلامیة، وخرقًا للنظام الإلهي وخاصة قضیة فلسطین التي یعتبرها الإمام الخمیني (قده) قضیة الإسلام، ولأن العداء المستمر لکیان الاحتلال وأمریکا من جهة، وتطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی المحتل من جهة أخری لن یعود بالسلام والاستقرار إلی المنطقة، بل سیزید من جشع هذا الورم السرطانی في المنطقة، وقتل الأبریاء في کل أرجاء العالم.
إن قوى الاستكبار العالمي من خلال دراسات مستقبلیة عميقة في العالم الإسلامي تهدف إلی هدم کیان الأمة الإسلامیة الواحدة للحصول علی مصالح طويلة الأمد. أمّا المنفّذين والمطيعين لأوامرهم فلا منافع لهم غير المصالح الفئوية على المدى القصير.
 ولكن بالتأكيد سنری في النهاية أن هذه الأهداف لن تتحقق، بل تبقی سرابًا، وإن تحققت، بسبب عبثية الهدف لا تقنع أصحابها، وهي لیست كافية لتحکیم بناء أمّة فحسب، بل سيكون الممثلين على المسرح هم أول ضحايا غطرسة الاستكبار بعد انتهاء صلاحيتهم. (ربما تشير آيات الأعراف، 34، والحجر، 5 إلى أن  كل أمة تحيا ما دامت تسير مع النظام الإلهي).
  سنشیر إلی بعض المبرّرات الخاطئة للتطبیع، والتي تشبه الأهداف المنحرفة للتكفيريين التي تقف مانعًا أمام الحركة المنهجیّة للأمة الإسلامية وهي:
  1. اختیار طريق یستهدف حل القضایا والمشاكل الناجمة عن الحرمان والضغوط الشخصية، والانحراف عن المسار الإلهي، والتفسير بالرأي لآيات القرآن، مما يؤدّي بشکل قاطع إلى إيجاد تيارات منحرفة.
  2. اختیار طريق یستهدف الاستقلال في اتخاذ القرارات واستغلال الآخرين.
  3. اختيار وسيلة تستهدف طرد أي رأيٍ، وأسلوبٍ وإجراءٍ مخالف لهم، وتکفیرهم، واعتبار أنفسهم الحق المطلق، ولا شك بأن هذا الهدف ینشأ من هذه الفکرة: (من کان معنا فهو الباقي، ومن لم یکن معنا فهو محور شر وفاني).
  4. اختيار ولي الکفر، وکسب رضی الأجانب. (آل عمران، 110 و 104و 113).
  5. استخدام الدين كأداة لتحقيق غایات أخرى، أو احتياجات كاذبة.
  6. الاختيار علی أساس النعرات العاطفیة الخارجة عن المنطق.
بالطبع التخطيط لهکذا فئات، يتم من قبل المستكبرين وسياستهم الغير إنسانية، وأن كل من الأدلّة والرؤی ومقدار تأثيرها یستحق التأمّل والدراسة؛ لكن هناك هدف مشترك بین العوامل الرئيسية والمخرجين خلف الكواليس، والممثلين في هذه اللعبة السياسية، أو ما يسمونها الاعتقادية، وهو تشتت نظام الأمة الإسلامية الواحدة.
 (نرى أن أولياء الكفر يهيئون تمهيدات ومعدات لفرق كداعش بالمساعدات المالية لبعض البلدان التي تبدو مسلمة، وهذا دليل على انحراف شديد عن أصل الإسلام والكرامة الإنسانية، ولذلك يحذر سماحة القائد الأعلى للثورة الإسلامية أن عوامل ومخرجي هذه الإبادة الجماعية في سوريا والعراق هو الاستكبار العالمي الذي يخالف أصل الإسلام).
بالنتیجة عند دراسة المصادر المختلفة والأدلة والشواهد التجريبية، والأهم من هذا، عند دراسة النظرة القرآنية، نرى أن الأصل فی تكوين وتقويم واستمرار الأمة الإسلامية کنظام، هو اختيار الولي الإلهي، والانقياد الواعي له، والتنظيم والتوزيع الهادف للوظائف والمسؤولیات، والمشاركة المنسجمة بین کافة الأجزاء.
 والحمد لله نری رفع مستوی الوعي والبصیرة عند الشعوب المسلمة وحتی غیرها علی ‌رغم المؤامرات وخیانة الحکّام، وما تقوم به الأنظمة الخائنة لشعبها أولًا، وللأمة الإسلامیة ثانیًا، یأتي فی سیاق التطبیع والتحالف مع أعداء الأمة، وبالأخص أمریکا مما یوجب علی کل أحرار الأمة التصدّي له، ومواجهته بالوعی والبصیرة، وبالجهاد فی سبیل الله حسب تعالیم الدین لإٍسقاط هذه الأنظمة العمیلة، وبناء الأمة الواحدة بإذن الله.                                                                                                                      
 
[2] سورة الأنبياء، الآية 92.
[3][3] فرشاد، مهدي، نـﮝرش سيستمى (الرؤية المنهجية)، (تهران: انتشارات امير كبير، 1353)، الصفحة 43.

Endnotes:
  1. [2]: #_ftn2
  2. [3]: #_ftn3
  3. [3]: #_ftnref3

Source URL: https://maarefhekmiya.org/10783/nizamelahi/