تأمّلات معنوية مختصرة حول الجائحة الحالية

by سيِّد حُسيْن نصر | نوفمبر 30, 2020 10:18 ص

ترجمة: محمد علي جرادي
إنّ حياة الإنسان على الأرض فانية، ولا يمكن لها إلّا أن تختلط بأشكال المخاطر، والكوارث، والمآسي الكبيرة أو الصغيرة. ولذا، وُجدت النصوص المقدّسة للحضارات المختلفة لتذكّرنا بهذه الحقيقة، وترشدنا إلى استقاء العبر الصحيحة من هذه الأحداث.
لقد عاشت الإنسانية التقليدية في عالم شارك فيه كل المحيط الكوني في المبادئ الأخلاقية والمعنوية التي حكمت حياة الإنسان. حتى في الغرب، حيث تعمّ أولًا فكرة كونٍ علماني بحت، خالٍ من أي حياة، أو أهمية معنوية، وحيث اختزلت النظرة العالمية المعاصرة الطبيعةَ إلى “شيء”؛ إلى آلة ميّتة لكن معقّدة، فحتى الماضي القريب كان كثيرون يجتمعون في الكنائس والساحات العامة خلال الكوارث الطبيعية ليقرأوا معًا مقدّمة إنجيل يوحنا باللاتينية: in principio erat verbum …[1][1]
ويمكن ملاحظة مثل هذه الأحداث اليوم في العالم الإسلامي، وفي الهند الهندوسية، وأماكن أخرى. وبسرعة نسي الإنسان المعاصر المبادئ الكامنة في هذه الممارسات.
إلا أنّ الطبيعة، حيّة ذات حياة مستقلّة، وانسجام وإيقاع خاص بها، سواء رأيناها كذلك أم لا.
وعاجلًا أم آجلًا، تردّ الطبيعة على جَور الإنسان وتلقّنه درسًا، كما يؤكّد القرآن في آيات كثيرة. إذ تعلّمنا الطبيعة درسًا معنويًّا، ومحظوظ من استطاع التعلّم منه.   
إذا أردنا الحديث دينيًّا، يعاني الإنسان المعاصر من خطيئة الغرور، من الغطرسة. فلنأمل أن تعلّمنا الكارثة العالمية الحالية التغلّب على هذه الغطرسة، وأن نعيش بتواضع وتعاطف أكبر، لا اتجاه الناس الآخرين فحسب، بل اتجاه كل الكائنات، صغيرها وكبيرها.
ويمكن للكارثة الحالية أن تشكّل فرصة لصحوة معنويّة، وأن ننظر إليها باعتبارها هبة من الله لتفتح أعيننا مجدّدًا على الحقائق المعنوية التي نسيها كثيرون.
وتقدّم لنا الكارثة فرصة للتوجّه أكثر نحو الباطن، وأن نتوجّه نحو التفكّر الذاتي، لنصبح أكثر ألفة مع باطننا، ولكي ننظر إلى الطبيعة باعتبارها صديقًا معنويًّا وعالمـًا من الحقيقة التي لا تحكمها قوى وقوانين عمياء، بل هي محكومة للإرادة الإلهية.
منذ عقود كتب فريجوف شوان رسالة ملائمة لواقعنا الحالي فعلًا. ففي كتابه إضاءة على العوالم القديمة Light on the Ancient Worlds، يصرّح بما يلي: “يندهش الإنسان من المصائب في هذه العالم، دون أن يخطر على باله أنها قد تكون أفعال رحمة، لأنها تمزّق، كما الموت، حجاب الوهم الدنيوي، وتسمح بالتالي للإنسان أن يموت قبل أن يموت، وأن ينتصر بالتالي على الموت”.
        فحينما تشّقق الأرض فجأة تحت أقدامنا، لن نجد أمامنا سوى خيارَين اثنَين: إما أن نغرق في الهاوية، أو أن ينمو لنا جناحان نطير بهما نحو السماء اللامتناهية.
فلنختر الجناحين والطيران، ولنتذكّر الآية القرآنية ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾. وهذا الوجه هو بمعنى من المعاني الوجه الذي نتوجّه به إلى الله. على أمل أن تعيننا المأساة الحالية على أن لا ندير ظهورنا لله، بل أن نتوجّه نحوه.
[1][2]  في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [1]: #_ftnref1

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11049/corona/