الشهادة الملهمة

by معهد المعارف الحكميّة | يناير 19, 2021 1:48 م

عقد المنتدى الدولي للحوار المسؤول، ندوةً فكريةً حوارية[1][1] بعنوان: “الشهادة المُلهِمة”. بإدارة الأستاذ حسن سليم، وبمشاركة كلٌّ من: سعادة المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار من إيران، وسماحة السيد علاء الجزائري من العراق، وسماحة الشيخ عبد المنعم قبيسي من لبنان، وفضيلة الشيخ مصطفى الأنصاري من العراق.
افتتح الندوة الأستاذ حسن سليم، وطرح جملة استفسارات يثيرها عنوان الندوة، من بينها: هل هنالك شهادة ليست بمقام الإلهام لغيرها؟ ولنفترض ذلك، فإذا لم تكن ملهمة فهل ذلك يعني أنّها بنيت على أصول وقواعد لا تتفق مع المفهوم الأصيل للشهادة ومقامها، الذي ورد في الآيات الكريمة وعلى لسان الرسول الأكرم (ص) وأهل بيت النبوة (ع)؟
وأشار الاستاذ سليم إلى أنه قلّما نجد في مجتمعنا وعلى اختلاف البلدان سيرة شهيد تخلو من بُعد سلوكي معيّن، أو عبرة ما يتناقلها على الأقل من عايشه. والمتابع لسِيَر الشهداء قلّما يجد شهيدًا إلا وقد تأثر بمن سبقه من الشهداء في درب الكفاح. وهنا نلاحظ وجود مستويات في التأثير، فنجد أسماء قد لمعت وتفوقت عن غيرها، فمثلًا الشهيد الشيخ راغب حرب، والشهيد السيد عباس الموسوي والقائد الحاج عماد مغنية، والشهيد ذو الفقار عز الدين، والشهيد محسن حججي، والشهيد مهدي ياغي، والشهيد القائد الحاج قاسم سليماني، والشهيد القائد أبو مهدي المهندس، واللائحة تطول. فما الذي ميّز هؤلاء عن غيرهم من الشهداء الآخرين؟ هل مسيرتهم الجهادية أم في طبيعة استشهادهم والكيفية؟
بداية الحوار كانت مع فضيلة الشيخ مصطفى الأنصاري[2][2] من العراق، حيث تحدث عن معيار تحديد الموت على أنّه شهادة، وقال: المعيار الذي حدده القرآن الكريم هو من أفضل المعايير في تحديد الشهادة، وهو أن يكون هذا الموت في سبيل الله. لأنّ الله تعالى في الرؤية الدينية هو المحور، بينما تجعل الرؤية الوضعية الحداثوية الإنسان هو المحور وتعلن نظرية موت الإله. ومن أفضل المجالات التي يضحي الإنسان في سبيلها هي خدمة المستضعفين وهذا ما حرّض عليه القرآن.
وأكّد فضيلته أنّ الشهادة ليست محصورة بالميدان العسكري، بل إنّ يوم القيامة يوزن مداد العلماء مع دماء الشهداء فيرجح مداد العلماء. وبحسب ما ورد في الخبر أنّ المجاهدين يدافعون عن أبدان الناس، والعلماء يدافعون عن أديانهم. والكل يسألون الله أن يوفقهم إلى الجمع بين العلم والشهادة.
وعن مقدمات الشهادة، قال فضيلته: نقتبس من كلام الحاج قاسم في بعض خطبه، ما قاله من خلال معاشرته للشهداء وملاحظته لسلوكياتهم: “اكتشفت حقيقة أنّه لا يموت شهيدًا إلا من عاش شهيدًا”. فما لم يحيا الإنسان حياة الشهداء لا يموت موت الشهداء. وهنا يطل على مفهوم قرآني عميق، أنّ الإنسان إذا كان في عمق وجوده طالبًا للشهادة سيرزقه الله تلك الشهادة.
ثم تساءل فضيلته انطلاقًا مما ورد عن النبي (ص)، إذا كان عمل الإنسان هو عمل أهل الجنة فلماذا يُختم له بعمل أهل النار؟ وقال: لعل النبي (ص) في حديثه يغوص في عمق النفس الإنسانية، لأنّ العمل يكون عمل أهل الجنة ظاهرًا، ولكن عندما نغوص في عمق النفس الإنسانية نجد أنّ هذه النفس لها توجه إلى الدنيا. كذلك عندما يقول (ص): الإنسان يعيش دهرًا يعمل بعمل أهل النار فيُختم له بعمل أهل الجنة، وهذا مرجعه لأن يُوفَّق الإنسان للشهادة.
وتابع سماحته، نحن نعتقد أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان الاختيار، وهندس له الحياة بناءً على اختياراته. وعند مراجعة خطابات ولقاءات الحاج قاسم وكذلك الحاج أبو مهدي نجدهما دائمًا يسألان الشهادة، ونشعر وكأنّ سؤالهما لم يكن من فضاء الفم ولا من الصدر، بل من عمق الوجود، ومن عمق النفس الطاهرة الزكية.
وأضاف فضيلته أنّ الموت هو ثمرة الحياة، والشهادة هي نتيجة طبيعية لها. وحياة الإنسان هي التي تحدّد طبيعة الميتة التي يموتها. ولقد أراد الله لكل شهادة أن تكون ملهمة، فعندما أصّل مفهوم الشهادة في وعي الأمة الإسلامية، جعله جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها، وعمل من خلال مراحل على أن تكون هذه الشهادة ملهمة، فنجد أنّ القرآن نهى أن يقال للشهيد ميت ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ﴾[3][3]. وقد لا يقال للشهيد أنّه ميت، ولكن الإنسان يعتقد ذلك، عندها رجع القرآن الكريم وأصّل أكثر فقال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾[4][4].
وختم فضيلة الشيخ مصطفى الأنصاري مستدلًّا بما جاء في كتاب الحماسة والعرفان للشيخ جوادي آملي: إنّ سر حياة الشهداء في عالم البرزخ أنّهم يحيون حياة لو قيس بها حياة سائر الناس، يُعتبرون سائر الناس أموات بالنسبة للحياة التي سيُعطاها الشهيد. لافتًا إلى أن واحدة من أسرار تلك الحياة التي سيُعطاها أنّه لا تنتهي علاقته بالعمل الجهادي، وبالمشروع وبالأهداف التي ضحّى من أجلها بمجرد أن يسقط على الأرض ويبقى مرتبطًا بها.
بعد ذلك تحدث فضيلة الشيخ عبد المنعم قبيسي من لبنان، عن انعكاس موضوع الشهادة وتطبيقه على المجتمع، وقال: الفرق بين الموت والشهادة هو في المنتَج. فالموت هو حتمية وقاعدة قانونية قهر الله بها عباده. وربما يستطيع الإنسان بهذه الحقيقة أن يوظف قدراته الفكرية والعقائدية والأخلاقية، ويحدّد المواقف بناءً على القرار الذي يمكن أن يتّخذه في عالم التقدير الذي أتاحه الله عز وجل بعنوان التكليف.
وتابع فضيلته: إذا كان الموت هو حتمية تنتهي بها كل الكائنات المخلوقة حتى عزرائيل (ع)، إلا أنّ المساحة التي أتيحت للإنسان كمسؤول ومكلف وخليفة في الأرض، تمكّنه أن يوظف العناصر المكوّنة بالاختيار والوعي والتعقل، وبتحديد الأولويات على هدي الفطرة والوحي، ويحوّلها إلى خيار يستقر في أعماقه، ويختار من خلاله كيف يوسّع من دائرة الاحتياج للنهاية التي يريد أن يصل إليها.
واعتبر فضيلته أنّ الله عز وجل قدّر للناس مواقعهم وظروفهم الأولية على مستوى الزمان والمكان. ولكن بمقدار القابليات التي يمتلكها الإنسان عليه أن يحوّلها إلى قرار، يحكم طبيعة التوجه الفكري والنفسي والمحتوى الروحي لديه، وينسجم مع النتائج التي عرضها القرآن الكريم.
وأكّد فضيلته على أنّه إذا التزم الناس خط التكليف والأوامر الإلهية سواءً اختاروا الجهاد الأصغر أم الأكبر، فلا شك أنّه بمقدار إخلاص كل واحد منهم ستكون بركة نتاجه في الدنيا والآخرة. وإن لم يكن شهيدًا بالمعنى الدموي القتلي ربما يكون له أجر الشهداء في الآخرة أو يكون له مقامًا موازيًا للشهداء.
وأوضح فضيلته أنّ باب الشهادة يولج إليه من باب أوّلي وهو باب الجهاد. ولقد استطاع الشهيدان قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس أن يمتلكا مفاتيح الخيار، وقرّرا منذ نشأتهما مع وجود الأقدار المناسبة لدخولهما في معترك الجهاد الأصغر باكرًا، فاستطاعا أن يثبتا عشرات السنين في ساحات الجهاد، لأنّهما اختارا الطريق الأقرب.
ثم فرّق فضيلته بين الموت وبين الشهادة، فقال: إنّ طريق الشهادة يتاح لكل الناس، ولكن يُوَفَّق له الإنسان بحسب عملية التكامل الداخلي المسمّى بالجهاد الأكبر. لافتًا إلى أنّ الشهادة هي حركة مسؤولة مصنوعة بتقدير وتوفيق إلهي نتج عن خيار قُدّر لهذا الإنسان أن يعيش في ظروفه، فيتمسّك به لخصوصيات جعلت منه أيقونة ومدرسة. مشيرًا إلى أن هناك علماء شهداء كالسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد باقر الصدر، والسيد عباس الموسوي وفي كل العالم الإسلامي، أغنوا الأمة بمدادهم ودمائهم وجمعوا المجد بطرَفَيه. ولكن هناك خصوصية تتلازم مع مسؤولية صاحبها من أجل أن تعطي نكهة للشهادة.
وقال فضيلته: هناك نوعان من الرؤى للحياة والموت، فمن ينظر إلى الدنيا كمنتهى مبلغ همّه لا شأن لنا بثقافته. ولكن عندما ننظر إلى الشهادة على أنّها من تجليات الإرادة الإلهية، نجد أنّ الإنسان المؤمن بالأصالة هو الإنسان المعصوم، وبالتبع هو الأدنى فالأدنى من درجات التكامل. فالإمام الحسين (ع) لم يخرج إلى كربلاء طالبًا للشهادة ولا للنصر، بل كان طالبًا للتكليف، ولكن عندما لم تتوفر الظروف الموضوعية لإسقاط الظالمين، انبرى ليتمسك بسلاح القتل من أجل أن ينتصر، فحقق (ع) كل الأهداف التي يريدها منذ لحظة شهادته. ثم وصلت ثمار انتصاره إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وإلى الإمام الخميني وإلى ولي الأمر، وإلى سيد المقاومة، وإلى الأحرار في العالم، ووصلت إلى الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس كقيادات محورية.
واعتبر فضيلته أنّ السر في هذين الشهيدين العزيزين منذ البداية أنّهما باعا قلبيهما لله، والله عز وجل جعل من هذَين القلبَين مرآة لنزول نصره، والله يقول في القرآن الكريم: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾[5][5]. ونجد أنّ يد الشهيد قاسم سليماني التي فيها الخاتم قد بقيت على الأرض، واختار الله أيدي المؤمنين من أجل أن ينتصر ويعذّب الكافرين، لأنّ الإنسان عندما يصبح قلبه إلهيًّا يصبح كأمة، والحدث الصغير الذي يقوم به تترتب عليه بركات عظيمة.
وتحدث فضيلته عن جهاد الحاج قاسم سليماني، فقال: إنّه أمضى أربعون سنة في الجهاد ونجا عشرات المرات، وأنّه كان مريضًا قبل أن يستشهد بأسابيع، وكان سيموت ميتة طبيعية لأنّه كان يعاني من أمراض بالدماغ، وقد نُقل إلى المستشفى عدة مرات ولكنّه نجا بأعجوبة. فنظر الله إلى قاسم سليماني بعد أربعين سنة، ورزقه الشهادة.
وختم فضيلة الشيخ عبد المنعم قبيسي كلامه بالقول: إنّ قاسم سليماني لم يكن شهيدًا مقتولًا فقط، بل كان رجلًا بالبعد الاقتصادي والسياسي والعسكري والإداري، وكان فوق كل ذلك عبدًا صالحًا. والشهادة هي خيار للفرد، ولكنّها حياة له وحياة للأمة. وهي اسم من أسماء الله عز وجل يتوّج فيه كل كمالات الإنسان في حياته، يبدأ بالتوبة، وينتهي بالشهود والشهادة تاركًا لنا العزة والكرامة.    
ثم تحدث بعد ذلك سماحة السيد علاء الدين الجزائري[6][6] من العراق عن تصنيف مقام الشهداء، ورتبتهم بين أهل الدنيا، فقال: إنّ مفهوم الشهادة هو من المفاهيم الأساسية التي أسّس لها الإسلام، يُراد منه الموت أو القتل في سبيل الله عز وجل. وخارجًا عن إطار الدين والإسلام يشغل مصطلح الموت بال الجميع. وهذا المفهوم ليس له مستوى واحد، بل إنّ ضابطة التقوى وإخلاص النية هي الضابطة الأساسية في تحديد قيمة العمل.
وبيّن سماحته مراتب القتل في سبيل الله، وعدّد أهمها:
الأولى: مرتبة مَن هو بمنزلة الشهيد، كما ورد في الروايات أنّ “مداد العلماء كدماء الشهداء”.
الثانية: مقام الشهداء والقتل في سبيل الله.
الثالثة: مقام سيد الشهداء الذي أُطلق على حمزة عم النبي (ص)، ثم أصبح من خصوصيات الإمام الحسين (ع)، واليوم في خط المقاومة هناك من يسمّى من قادتنا بسيد شهداء المقاومة، وشيخ شهداء المقاومة. وربما هذه المقامات والمراتب تُمنح بحسب استحقاقهم الإخلاصي، الذي ترتب على الأهداف التي انطلقوا من أجلها، والسيرة الطويلة التي عاشوا بها.
وأكّد سماحته أنّ الحياة ليست من مختصات الشهيد، بل ما بعدها. ومقام العندية (عند ربهم) ليس متاحًا لأي أحد، بل إنّ هذا المقام الخاص مُنح للذين عاشوا كالشهداء، وقتلوا في سبيل الله.
وقال سماحته: إنّ شهادة الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، ومن قبلهم السيد عباس الموسوي وقعت على كل جوارحهم، وكل جارحة من جوارحهم أخذت نصيبها من ألم الموت وحرارة السيف.
وأشار سماحته إلى أنّ جوارحنا ترتكب بعض الزلات واللمم في سلوكنا اليومي، ولكن عندما يريد الله أن يُنزل عبدًا منزلة خاصة، يجازيه على كل المخالفات الصغيرة التي ارتكبها، فتُجزى كل جارحة بما خالفت، ويقع القتل عليه بشكل يصيب جميع جوارحه، ثم يأتي إلى الله وهو صاف تمامًا، ومقامه كمقام الأنبياء، وليس في ذمته شيء.
وقال سماحته: واحدة من النقاط الأساسية التي تتركها الشهادة هي البُعد الاجتماعي في الأمة. فإذا نظرنا إلى الأمة الإسلامية التي عاش فيها الإمام الحسين (ع)، نجد أنّ كمية الانحراف والتزوير والخذلان والبُعد عن المفاهيم الدينية الإسلامية الصحيحة، أوصل الأمة إلى وضع أصبحت فيه غير قابلة للإصلاح من خلال النشاطات التبليغية أو الثقافية، بل وصلت إلى حالة تحتاج صعقة قوية تعيدها إلى مسارها الصحيح، وتنبهها من الغفلة.
وتحدث سماحته عن الحالة التي وصلت إليها الأمة في السنة التي سبقت شهادة الحاج قاسم من خلال المظاهرات، بسبب المنظومة التي عملت عليها الأيادي الأميركية والإسرائيلية. فيما حاولت المرجعية والقادة معها بالإصلاح والوعظ والبيانات، ولكن يبدو أنّ الأمة وصلت إلى حالة لا يمكن أن تستفيق إلا بصعقة وجرعة تضحية كبيرة، فكانت دماء الحاج قاسم والحاج أبو مهدي هي تلك الصعقة التي صعقت وجدان الأمة. وخاصة في العراق، فور وقوع الشهادة، خرجت الملايين لتشيّع الحاج قاسم والحاج أبو مهدي المهندس، ولا يوجد تشييع في العراق بهذا الحجم، ولا يوجد طاقة في عروق هذه الأمة بهذا الكم، وبهذا الاندفاع على مدى التاريخ.
وتابع سماحته قائلًا: قيمة ذلك التشييع في أنّه يكشف عن عظم الطاقة التي ضخّتها دماء القادة الشهداء في عروق ووجدان هذه الأمة. فاستطاعت أن تميّز حجم المؤامرة، وحجم الدور الأميركي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي. فكانت الثمار مباشرة فور تحقق هذه الشهادة، خرجت الجموع المليونية لتقول كلمتها أنّ على أمتنا أن تعود بالاتجاه الصحيح لهذا الخط.
وختم سماحة السيد علاء الدين الجزائري قائلًا: الشهادة الملهمة هي تلك الدماء الطاهرة، والكمية الهائلة من الطاقة التي ضخّتها دماء الشهداء في عروق هذه الأمة لتمنعها وتمنع ضميرها من الموت. وتعود بالاتجاه الذي ترى فيه الحق حقًا، والباطل باطلًا. ولتنقذ هذه الأمة من المؤامرة الكبرى التي رسمتها أميركا وإسرائيل ودول الخليج لتحطيم محور المقاومة وتحطيم الأمة، ومسخ هويتها وقيادتها باتجاه خطوط لا علاقة لها بالإسلام إلا من حيث الرسم.  
وفي الختام، كان الكلام لسعادة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية في لبنان الدكتور عباس خامه يار، عن مفهوم الشهادة وما تحمله من قيم نبيلة متعالية. فقال: نحن نعتبر أنّ الإمام الحسين (ع) هو الأنموذج للبطل وللمجاهد التاريخي، وقد تناول الكثير من المفكرين موقف الإمام الحسين (ع) والخيارات المتاحة له واختياره للشهادة.
وتابع الدكتور خامه يار أن الحديث عن الشهادة يتطلب معرفة متكاملة من حيث الأفعال الفكرية والمعنوية، وحتى الدنيوية والاجتماعية والسياسية إذا أردنا أن نتحدث عن المفردة الدنيوية. حينما يبذل الإنسان دماءه فداءً لقضية كبيرة أو الدين تنتفي كل أشكال السياسة وأدواتها، لأنّ الشهادة تصبح هنا لها مفهومًا أكثر عمقًا مما يتم توصيفه.
ولفت الدكتور خامه يار إلى أنّ للثورة وجهين وهما: الدم، أو الكلمة بمعنى الرسالة؛ وفي الدم رسالة خالدة؛ فالدماء المبذولة في سبيل الله والقضايا الإنسانية لا ينساها التاريخ. ويبقى صاحبها في جنّته البرزخية حتى يوم المعاد. مشيرًا إلى أن الشهيد سليماني كان يوصي، وهذه الوصية كانت من الشهيد كاظمي ومن الشهداء الآخرين، مفادها: “من يريد أن يموت شهيدًا يجب أن يعيش شهيدًا”. وربما هذا تفسير للمقولة المعروفة (موتوا قبل أن تموتوا).
وأكّد الدكتور خامه يار أنّ الحاج قاسم سليماني، كان يبحث على مدى أكثر من أربعين عامًا بين السهول والوديان والجبال، ليلقى هذا العشق الإلهي الذي كان يطلبه دائمًا ويتمنى الوصول إليه.
وعن إمكانية أن يرسم الإنسان لنفسه مسارًا يوصله إلى الشهادة الملهمة ليكون نموذجًا لغيره، ومؤثرًا على المستوى الاجتماعي، قال الدكتور خامه يار: هؤلاء من تلاميذ مدرسة الإمام الحسين (ع). وعندما نتحدث عن الإمام الحسين نتحدث عن الإمام الإنسان، وربما نغفل القضية التي من أجلها اختار الشهادة. لأنّ ثمة قضية أعظم منه تستحق أن يبذل الدم لكي يشكل بذلك منعطفًا تاريخيًّا يبقى نابضًا في قلوب المسلمين. وهو القائل مباشرة عند خروجه: “لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”.
وأضاف الدكتور خامه يار أنّ ثمة ما يستحق أن يترك الإنسان متعلقاته الدنيوية من أجله، وهو الإصلاح والسلام والعيش المشترك. وهو ما سار لأجل تحقيقه هؤلاء الشهداء والقامات الكبيرة في مدرسة الثورة الحسينية. لافتًا إلى أنه يجب أن نتحدث عن هؤلاء الشهداء كقامات ناضلت وجاهدت من أجل السلام، فعندما نتحدث مثلًا عن الزي العسكري المقدس للحاج قاسم سليماني، هو في الظاهر زي عسكري، ولكنّه يمثّل الحفاظ على ما يملكه، وللدفاع عن القيم الإنسانية التي يحاربون من أجلها، والهدف من التطور والتكنولوجيا العسكرية في المنظومة الدفاعية في إيران هو ردع الأعداء والحفاظ على القيم الإنسانية، والإنجازات العلمية الكبرى التي تحصل في هذا البلد.
وبيّن الدكتور خامه يار أنّ الشهداء حاربوا واستشهدوا لأجل إحقاق السلام، والحفاظ على المجتمع الإنساني الذي يريده الإسلام، والذي ناضل وجاهد من أجله الرسول وأهل البيت (ع). وقال: عندما ننظر من هذه الزاوية نجدهم وصلوا إلى أهدافهم السامية.
واعتبر الدكتور خامه يار أنه في ظل هذا الإعلام الكاذب، والإسلاموفوبيا، وإيران فوبيا، ومقاومة فوبيا، كانوا يدّعون بأنّ العالم بدون قاسم سليماني أكثر أمنًا، ولكن نستطيع أن نقارن العمق الأميركي والساحة الأوروبية بما يحصل اليوم بعد عام من استشهاده.
وختم سعادة المستشار الدكتور عباس خامه يار كلامه قائلًا: صحيح الاستشهاد هو غاية الإنسان المؤمن السائر في طريق الله، ولكنه ليس الغاية النهائية، بل هو إيجاد العدالة، وخلافة الله في الأرض بالمنطق الذي يبيّنه الإسلام، ومن هذا المنطلق إذا وصلنا إلى هذه النتيجة قد ننال ثواب الشهادة، وإذا لم نصل واستشهدنا في الطريق، فهذه هي الغاية الثانية وإحدى الحُسنيَين. ومن هذا المنطلق يجب أن ننظر إلى ما نتحدث عنه اليوم في مفهوم الشهادة والاستشهاد.   
   
[1][7] الأربعاء، 13/ 1/ 2021.
[2][8] أستاذ جامعي وحوزوي وعضو اللجنة العلمية في حوزة الإمام الخميني في البصرة، مستشار علمي وإداري في مؤسسة محمديون للثقافة والنشر.
[3][9] سورة البقرة، الآية 154.
[4][10] سورة آل عمران، الآية 169.
[5][11] سورة التوبة، الآية 14.
[6][12] باحث وأستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ومتخصص في مجال التخطيط التربوي وتصميم برامج التعليم الديني.

Endnotes:
  1. [1]: #_edn1
  2. [2]: #_edn2
  3. [3]: #_edn3
  4. [4]: #_edn4
  5. [5]: #_edn5
  6. [6]: #_edn6
  7. [1]: #_ednref1
  8. [2]: #_ednref2
  9. [3]: #_ednref3
  10. [4]: #_ednref4
  11. [5]: #_ednref5
  12. [6]: #_ednref6

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11772/shahada-molhema/