السيدة الزهراء الشّاهدة والشّهيدة

by الشيخ شفيق جرادي | يناير 26, 2021 10:49 م

يُقصد بكلمة “شهيد”؛ أي المقتول في سبيل الله، وهو من شارك في معركة وقُتِل. وللشهيد معنى آخر، هو الذي يشهد على أمر ما ويشاهده، فهو شاهد عليه. ولكن ليس كل شاهد على أمر ما هو شهيدٌ. بل حينما يكون هو نفسه حجة، وتكون صيغة (شهيد) هي صيغة التفعيل على دوره والتأكيد عليه، حينها يسمّى شهيدًا.
عندما نتكلّم عن الله عز وجل، أو عن النبي (ص) والأئمة (ع) بأنّهم شهداء على الأمة وعلى العالم، نقصد بالشهداء معنى الشهيد. إلّا أنّ موضوع حديثنا عن السيدة الزهراء (ع) أنّها شهيدة، حيث إن هذه المسألة تتعلق بثقافتنا الإسلامية، وبمعتقداتنا التي نؤمن بها ونعتقد بها، تجاه الله والمعصوم وأهل الصلاح.
معنى الشهيد والشاهد في القرآن الكريم.
وردت كلمة شهيد أو شاهد في ثلاثة أنواع من الآيات:  
النوع الأول من الآيات: يرتبط بالله، لأنّه أصل الشاهد الشهيد، ومن صفاته تعالى أنّه شهيد، وقد ورد في الآيات القرآنية: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾[1][1]؛ ولا يُقصد من الآية الكافر فقط، بل حتى المتدين، حينما تأتيه نعمة فلا يحفظها، ولا يشكر الله عليها، حينئذٍ يكون قد كفر بها. والله يراقب ويعلم أنّه أخطأ، أو تعرض لبلاء فاعترض على الله، وكفر بنعمته ولم يحمده على ما ابتلاه. فالكفر هنا يعني عدم الشكر.  
وفي آية ثانية: أنّ الله سبحانه وتعالى كان في الدنيا الشهيد المطلق، وعند فرز الأعمال في الآخرة، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[2][2]. ويُقصد بالأشهاد عندما يتم الفرز، ويُسأل عن الذي حصل. الله هو الشهيد عليهم وهو الذي ينصر أهل الحق والإيمان. لذلك ينبغي التأكيد على أنّ الله يتابع في الدنيا كل عمل يقوم به الإنسان ولا يتركه في الآخرة.
وفي آية ثالثة في هذا الصدد ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[3][3]؛ الله عز وجل يفصل بين الناس يوم القيامة ويشهد عليهم. حتى أنّ الملائكة لا تعرف بعض الأمور ولكن الله يعلمها. إذن، الله هو الشهيد وهو رقيب وعالم ومتابع.
النوع الثاني من الآيات، يتكلم عن النبي والنبوة. تقول الآية الأولى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾[4][4]، ويعني بالشاهد أنّ النبي (ص) حجة على الناس في الدنيا، أمّا المبشر والنذير فيقصد به الجنة والعقاب. إذًا، أيها النبي، أنت الشاهد (إنّا أرسلناك)، وهذا هو دورك، شاهد على مسيرة هذه الأمة وهذا العالم، وأنت المبشر والنذير.
بينما الآية الثانية لا تتكلم عن النبي (ص)، بل تتكلم عن أمته، فحين تلتزم هذه الأمة، التي تنتمي إلى رسول الله الشاهد، سنّته وخطّه، هي أيضًا تصبح أمّة شاهدة. والنبي شاهد لأنّه تعلق وارتبط بالله الشاهد الشهيد، وبسبب علاقته بالله، أُعطي هذه النعمة وهذه الصفة. وتصبح الأمة المرتبطة بنبيّها (ص) هي أيضًا أمة شاهدة.
وفي المورد نفسه تقول الآية الثالثة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾[5][5]. فالله تعالى يحتجّ بـ “الذين آمنوا” على كل الأمم، إنهم معيار القسط والحق والعدل. لذا، يجب أن يكونوا قوّامين بالقسط ليكونوا شهداء وحجة لله.
وفي آية رابعة يأتي نفس السياق للآية السابقة ولكن بطريقة أخرى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾[6][6]؛ أي “يا أيها الذين آمنوا” قوموا بما أراده الله، وكونوا أنتم المعيار بسلوككم كي يميّز الناس الحق من الباطل، فإذا أحسنتم إقامة العدل في الأرض ستأخذون الناس نحو الله.
النوع الثالث من الآيات: يتمحور حول تعميم مفهوم الشهادة بمعنى الشاهد الشهيد حتى على الملائكة. ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾[7][7] و﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾[8][8]، إنّ في هذا الدين وهذه الروحانية الكبيرة والمعنوية العالية لَذِكرى للخواص من أهل الله، أهل الحب والإخلاص. ومن كان له قلب وألقى السمع، لم يعتمد على ما يسمع من كل جانب، بل ربط كل أموره بالله الواحد الأحد، وهو شهيد على ما يُلقى في قلبه.
إنّ صفة الشاهد الشهيد تبني الإنسان الرسالي المطلوب، فيصل إلى مستوى أن يكون الحجة على البقية من الناس والأمم، وبمستويات لا يدركها إلا الله، كما السيدة الزهراء (ع). وسوف نتكلم عنها فقط، وعن مستوى حجيتها.
مستوى حجية السيدة الزهراء (ع).
ورد عن الإمام الحسن العسكري (ع) “نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة (ع) حجة الله علينا”، فالأئمة هم شهداء الله على خلقه، وسيدة نساء العالمين هي حجة الله على الأئمة (ع). هذه هي العظمة الكبرى لشهادة الزهراء وحجيتها، وهي تمثّل الرابط ما بين الله وخلقه، وتمثّل الأنموذج لكلّ شاهد على كل إنسان يؤخذ للمحاكمة بين يدي الله. وتمثّل أيضًا الفرقان ما بين الحق والباطل بين يدي الله. وتمثّل الحجة على كل أمر يريده الله من خلقه.
الزهراء (ع) هي الشاهدة، لذلك نلجأ إليها كشفيعة، تأخذنا من أزماتنا، من دركِنا، ومن مستوانا المنحدر لترفعنا إلى حيث هي ترضى به عنا.
 
 
[1][9] سورة آل عمران، الآية 98.
[2][10] سورة غافر، الآية 51.
[3][11] سورة السجدة، الآية 25.
[4][12] سورة الأحزاب، الآية 45.
[5][13] سورة النساء، الآية 135.
[6][14] سورة المائدة، الآية 8.
[7][15] سورة ق، الآية 21.
[8][16] سورة ق، الآية 37.

Endnotes:
  1. [1]: #_edn1
  2. [2]: #_edn2
  3. [3]: #_edn3
  4. [4]: #_edn4
  5. [5]: #_edn5
  6. [6]: #_edn6
  7. [7]: #_edn7
  8. [8]: #_edn8
  9. [1]: #_ednref1
  10. [2]: #_ednref2
  11. [3]: #_ednref3
  12. [4]: #_ednref4
  13. [5]: #_ednref5
  14. [6]: #_ednref6
  15. [7]: #_ednref7
  16. [8]: #_ednref8

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11849/fatemeyah1/