الأعمال الفنيّة والهندسة الخضراء (حديقة إيران أنموذجًا)

by معهد المعارف الحكميّة | مارس 22, 2021 3:07 م

شكّل الفنّ مفردة أساسية من مفردات الصحوة الإسلامية، حيث أخذ على طرح مسألة الوعي بدور الفن  وحدود حركته ووظيفتة لدى الشعوب، بعد أن أخذ منحًى متقدّمًا مع المشروع الفقهي الاجتهادي للإمام الخميني الذي بثّ فيه روح الحياة والتجدّد من خلال عدم الوقوف عند حدود الاحتياط المفرط الذي لم يقدر على تلبية الحاجات الإنسانية.

اتخذ الفن الإسلامي أبعادًا مختلفة منذ الثمانينات، أبرزها البعد التحرّري الثوري، شأنه شأن السلاح في ميدان المعركة، بعد أن أصبحت الحروب صورًا وأفكارًا بالدرجة الأولى، وازداد الاهتمام بصورة الشخصيات والأفكار والسياسات المؤثّرة على تكوين الصورة الذهنية وتطورها وتأثيرها على السلوك الشعبي العام، مما يساعد في رصد ما حدث أو يحدث، وذلك لبناء صور لدى الجمهور ومعرفة اتجاهاته، ومن ثم توقع سلوكياته مستقبلًا.

في لبنان، ومنذ فجر المقاومة الإسلامية ازداد الاهتمام بالفن مع ارتباط الظاهرة الفنية الثقافية والصور الذهنية بالحقائق وبالبعد التحرّري والثوري، والذي من إحدى مظاهره الهندسة الخضراء، التي  تعدّ جزءًا من التنمية المستدامة، ويأخذ بها عناية خاصة لأهمّيتها البيئية والجمالية، حيث باتت فن من الفنون الراقية من خلال تنسيقها وتشكيلها، وتعدّ الحدائق من أبرز المظاهر الحضارية. وكنموذج للهندسة الخضراء سنتناول حديقة إيران.

المكان والرمز

استحوذ رمزية المكان (مارون الراس) وعنوانه (حديقة إيران) بعدًا معنويًّا ونفسيًّا في الصراع مع العدو الصهيوني، هذا المكان الذي قام العدو بتدميره وحرقه أكثر من مرة، احتل البلدة عام 1978، وسقط العديد من الشهداء،  صمدت في وجه عدوان  2006،  وكانت النقطة الحدودية الأولى التي اجتازتها الدبابات الإسرائيلية للدخول إلى لبنان، وحدثت فيها أعنف المواجهات. أصبح لها رمزية خاصة في وجدان الشعب المقاوم، في المكان الذي أعطي فيه العدو الإسرائيلي دروسًا في المقاومة والتصدّي والصمود.

شُيِّدت حديقة إيران في بلدة مارون الراس بعد العدوان الصهيوني عام 2006، وكهدية للنصر الذي حققته المقاومة وشعبها، تمثّل بإقامة منتجع سياحي مميز، عبر “الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعادة إعمار لبنان”، ساهم في تصميمها المهندس الإيراني الشهيد حسام خوش نويس الذي  قال حين رأى المكان: “سأجعل من هذا المكان معتمرًا للناس، لأجعل عيونهم شاخصة إلى فلسطين[1]“. وضع حجر الأساس لها، رئيس اتحاد بلديات طهران مهدي شمران، ورئيس الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان الشهيد المهندس حسام خوش نويس. تجاوزت تكلفة إنشاء الحديقة أكثر من 3 مليون دولار إلى اليوم، أما الكهرباء فتستمد من الطاقة.

حديقة إيران والهندسة الخضراء.

تجلّت  مظاهر الجمال في حديقة إيران، وسط طبيعة خلّابة، تميّزت بالتنوّع الفنّي والإبداعي، عبر مجسّمات كل منها تحمل دلالة خاصة، ومشهديات تضج بمعاني تتجاذب الحواس لتستكشف المضمون المرسل إلى الوجدان، عبر رسائل فنيّة إنسانيّة، تنطلق من البيئة المقاومة، وإرادة الصمود. فتحوّل كل  من هذه الأمكنة إلى  مجمع ثقافي فني تعريفي بالمقاومة يأخذ الذاكرة إلى مكان الحدث، ويعمل على إعادة البناء النفسي والمعنوي للشباب العربي المسلم، من خلال نقل ثبات وصمود قوة الممانعة والمقاومة في وجه المحتل، فيرى المشاهد ويعيش الحدث ويعتز بالانتصارات، فتتغذى في شرايينها حركة الوعي.

تجتمع في هذا الأبنبة الفنّية المميّزة الحاجات النفعيّة والوظيفيّة والجماليّة الرمزيّة، التي تتوافق مع الموقع وطوبوغرافيته، مناخه، ثقافته، سكانه وزواره، لتشكل عمارة مستدامة متداخلة مع مختلف فروع الهندسة والفنون، فتتجاوز بذلك المفهوم الوظيفي لصناعة المحتوى المادي والفراغي للمبنى.

تمتد حديقة إيران على مساحة أربعين دونمًا، بمساحاتها الخضراء الخلّابة، وتتميز جغرافيتها بطبيعتها المتدرجة نزولًا نحو الحدود. الحديقة عبارة عن أماكن تتسع للفرح وسط الطبيعة الخلابة، خيم وحدائق خضراء. وتشكّل الحديقة استراحة للزائرين يتمتعون فيها بالهواء العليل النقي بعيدًا عن التلوث.

قسّمت عدة أجنحة، تحمل أسماء المحافظات الإيرانية والدلائل حولها، إضافة إلى خرائط محافظات إيرانية والتي ساهمت في تمويل تشييد الحديقة، والقرى والبلدات التي تضمّها كل محافظة مع معلومات إحصائية عن (السكان- المساحة- المناطق السياحية).

كما تضم الحديقة:

– يوجد فيها أبراج مراقبة بعلوّ 12 مترًا تشرف على مساحة واسعة من الأراضي الفلسطينية، يمكن رصد القرى اللبنانية السبع المحتلة، والقرى الفلسطينية في إصبع الجليل، وفيها أيضًا 33 خيمة من القش، داخلها 33 طاولة مستديرة على عدد أيام حرب تموز 2006  لاستضافة الزوّار، مجهزة بكل ما تتطلّبه العائلات.

البعد التحرّري والثوري.

تمثّل حديقة إيران النموذج الحيّ لنظرية الردع الاستراتيجي، التي صنعتها ثلّة مؤمنة من أبناء حزب الله، والذي أوجد نظرية جديدة تدرّس للأجيال، وذلك يعود لتكوين الصورة الذهنية من العمليات المعقدة التي تخضع لتفاعل العديد من العوامل النفسية والاجتماعية، كما تتأثّر صورة الفرد أو المنظمة بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والنفسية، فالإنسان هو الكائن الناطق الوحيد والقادر على نقل أحاسيسه وعواطفه، ويعتمد على أساس فكرة  “الدال” و “المدلول” من أجل التواصل. ويعتمد الاتصال على تحميل المعاني والأفكار من صور أو ألفاظ أو فنون تشكيلية وموسيقـى… غير أن الصورة هنا ليست تصويرًا عقليًّا فقط، وإنما هي تعبير عقلي وعاطفي في وقت واحد.

إن رمزيّة المكان، وجماليّة الهندسة الخضراء اتخذت بُعدًا ثوريًّا تحرّريًّا إنسانيًّا، ففي حديقة إيران (مارون الراس) التقت الثورة الإيرانية متحدة مع شعب لبنان وفلسطين وسائر الشعوب المستضعفة متضامنين في مواجهة القهر والاستكبار والاحتلال، وفق المبادئ العليا التي رسمها قائد الثورة الإمام الخميني.

جاء مشهد الحضور الإيراني الاستراتيجي ليكوّن مصدر قوة  لكل العرب والمستضعفين في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والهيمنة الأميركية، ومشروعهم التكفيري، حيث تحطّم جبروت الصهاينة، وانبعث الأمل بصنع ثقافة المقاومة بأشكالها كافة، الاجتماعية والثقافية والفنية والإبداعية.

 

 

البعد الثقافي والاجتماعي.

من أبعاد الهندسة الخضراء البعد الثقافي والاجتماعي للأعمال الفنيّة  في حديقة  إيران، والتي شكّلت متنفّسًا  للبنانيين، يقصدونها للتنزّه، يسرح ويمرح فيها وإلى جانب الأسلاك الشائكة على بعد أمتار من القوات الإسرائيلية التي يبدو عليها الخوف والذعر: فعاليات سياسية وحزبية وثقافية وإعلامية، وجمعيات أهلية، وتقام فيها عدة مناسبات وطنية، وإسلامية، نشاطات واسعة للمدارس، والكشافة، سياحة جهادية، معارض ثقافية وفنية، معارض زراعية. ورش عمل ولقاءات من أجل تعزيز الحوار والتواصل بين بعضهم البعض في مساحة عامة، يتخلل ذلك تسليط الضوء على الإنجازات المحلّية وتأثيرها على المشهد الفني الإقليمي والدولي.

تحولت حديقة إيران إلى معرض فني جمعت فيه منحوتات وأعمال فنية مختلفة منها كان  تحت عنوان: “صمود وإصرار”، لتشجيع الحوار الثقافي عبر الفن في الأماكن العامة،  كما أصبحت محطة رئيسية للجولات التي تقوم بها وفود لبنانية وعربية ودولية، ويحكي لنا سجل الحديقة الذهبي عبارات وشهادات وتواقيع الشرفاء.

ساهمت الهندسة الخضراء بنشر ثقافة الانتصار بما تتضمنه من استعداد للتضحية والمبادرة إلى العمل والفاعلية والإبداع، وربطت حركة الجماهير بالأحداث باستمرار لرص الصفوف وشحذ الهمم واستثمار الطاقات والإمكانات، لإنقاذ شعوبنا من براثن أنظمة الحكم التي حولت بلادنا إلى مصانع للاستبداد وانتهاك الحقوق ومصادرة الحريات، بنشر ثقافة المقاومة بما تتضمنه من استعداد للتضحية والمبادرة إلى العمل والفاعلية والإبداع.

ولا بدّ من التنويه بالدور الثقافي الذي تضطلع به الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لإرساء دعائم الثورات الفنية لدى الشعوب، والعمل على التبادل الثقافي  والتـأثير الحضاري بنقل الفنون الإيرانية الناجحة داخل المساحات الخضراء.

 

 

 

Endnotes:
  1. فلسطين: https://www.masress.com/city/%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86
  2. لبنان: https://www.masress.com/city/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86
  3. الجليل الفلسطيني المحتل: https://www.alalamtv.net/tag/2538996?t=%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%84

Source URL: https://maarefhekmiya.org/12506/greenarchitecture/