القيم فى الفلسفة الفينومينولوجية

by معهد المعارف الحكميّة | مايو 28, 2021 6:31 ص

اعتمدت الفلسفة الفينومينولوجية على مفاهيم أساسية مثل الماهية والتجربة الظاهرية، والخيال الظاهري، والتأمل الظاهري، والرد الظاهري، وقصديّة الوعي، واستعانت بهذه المفاهيم فى تفسيرها لظاهرة القيم فى المجتمع الإنسانى، واستطاعت هذه الفلسفة من خلال أدموند هوسرل وشوتز أنّ تجيب على سؤال: كيف نفهم العالم؟ فقررت أن فهم العالَم من حولنا يتمّ من خلال الوعي، وهذا الوعي لا يوجد فقط في رأس الفرد (الفاعل)، وإنّما يوجد أيضًا في العلاقات بين الفاعل والأشياء في العالم، والوعي هنا ليس داخليًّا أو باطنيًّا، وإنّما هو عملية علائقية على حدّ تعبير أدموند هوسرل، ومن ثم كانت القيم تمثل معاني أو مقاصد توجد في عقول الأفراد، ويتمّ إدراكها من خلال الوعي وعن طريق الخبرة بالعالم؛ إذ إنّ الأفراد (الفاعلين) يحملون في عقولهم قواعد وطرق اجتماعية ومفاهيم عن السلوك الملائم تمكّنهم من التصرّف في محيط عالمهم الاجتماعي، ويفضى ذلك إلى القول بالنشأة الاجتماعية للقيم، فالفرد يعيش دائمًا في جماعة تعمل على تكييف قواعد سلوكياته وعقائده، وهذه الجماعات يعتبرها شيللر وحدات روحانية، وأشخاص من مستوى أعلى، وهذه الجماعات التي لها أفعالها الخاصّة تغرس جذورها في مراكز الحياة المتعدّدة، وفي الحياة المشتركة في جملتها بدرجات مثل الجمهور، والجماعة، والمؤسّسات الدينية والمجتمع ثمّ الأمّة التي تمثّل دائرة الثقافة والقيم الثقافية. وتؤكد الفلسفة الفينومينولوجية على أنّ الوجود الفعلي يتمثّل في العلاقة بين الوقائع، وهذه العلاقة لا تأخذ شكلًا ثابتًا، وإنما هى متغيرة بتغيير الزمن، وعلى هذا الأساس تمّ التمييز بين نوعين من الوقائع، هما الوقائع الوجودية والوقائع المثالية، فالوقائع الوجودية: هي المحدّدة زمنيًّا أو مكانيًّا، والتي تشكّل البناء السياسي والاقتصادي، بينما الوقائع المثالية تمثل القيم والأفكار والمعاني، وهي صادقة دائمًا دون اعتبار للزمان والمكان. والوقائع الوجودية قد تشجّع أو لا تشجّع على استكشاف الوقائع المثالية (القيم والمعاني المستلهمة والأفكار) ولا يفترض أن تحدّد الوقائع الوجودية (السلطة- الإنتاج الاقتصادي) بشكل مطلق؛ القيم أو المعاني أو المقاصد، وأنّ الأفكار والقيم لا يمكن أن تصبح شيئًا ملموسًا له وجود واقعي ما لم تترابط بشكل ما في صورة ميول جمعية، ويتم تضمينها في أبنية نظمية، وتجلّي القيم وبروزها في المجتمع لا يتمّ إلّا إذا فرّقنا بين القيمة والأشياء التي توصف بالخير، تبعًا لقبولها والرغبة فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى ينبغي التفريق بين الأشخاص الحاملين للقيمة، وبين غرائزهم وتطلّعاتهم، وإرادتهم تفريقًا يبرز استقلال وجودها، ويجعلها (أي القيمة) قابلة للوصف والتعريف، ويمكن أن تشكل نظامًا هرميًّا، وهذا النظام يفرز على الأخصّ أربعة درجات صاعدة للقيم:

  1. قيم المستطاب وغير المستطاب.
  2. القيم الحيوية (الصحّة ـ المرض ـ الحياة ـ الموت).
  3. القيم الروحية (قيم جمالية ـ قيم حقوقية ـ قيم عرفانية).
  4. قيم المقدس وغير المقدس.

والقيم ليست مثلًا عليا، ولكنّها كيفيات لها القدرة على التجسّد في الواقع، فهي لا توجد فوقنا، ولكن بيننا وبجانبنا؛ إذ إنّ الأشياء التي تحيط بنا تقع في غمرة من القيم الإيجابية والسلبية المتناظمة، وعلى هذا فالأشياء التي توصف بالخيرات الواقعية ليست مجرّد واقعات نفترضها كما يرى المثاليون وعلماء النفس، بل واقعات تجسّد قيمًا موجودة فيها من غير أن تكون ناتجة عنها.

المراجع:

  1. بكشتانوفسكى وآخرون، علم الأخلاق، دار التقدّم، موسكو 1940، الصفحات 456 ــ 459.
  2. السيّد علي شتا، المدخل إلى علم الاجتماع الظاهري، سلسلة علم الاجتماع الظاهري، المكتبة المصرية، الإسكندرية: 2004، الصفحتان 9و 10.
  3. الربيع ميمون، نظريه القيم في الفكر المعاصر، الجزائر، الدار الوطنية للنشر والتوزيع، 1980، الصفحات201- 204.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13050/phenomenology/