رسائل العرفاء

by مهدي عز الدين | يونيو 11, 2021 5:02 ص

* محاضرات لسماحة الشيخ شفيق جرادي.

سوف نتناول في هذه السلسلة مجموعة من المراسلات التي قام بها بعض العرفاء في سبيل السير والسلوك إلى الله تعالى، وهم الشيخ العارف محمد البهاري، العارف الكربلائي، وهي عبارة عن نصائح، مواعظ، وتوجيهات كانوا يعطونها لمن يطلبها.

الرسالة الأولى: التقوى طريق السالكين

يقول الشيخ البهاري في المراسلة الأولى التي أوردها في كتاب “تذكرة المتقين”: إن أول ما يجب أن يتأمل فيه السالك إلى الله هو كونه حرًا أم عبدًا في العلاقة مع ربّه، أي أنه يريد أن يستقل عن الباري عزّ وجلّ ويفعل ما يمليه عليه هواه من معاصي دون أي رادع، أم أنه يريد أن يكون عبدًا طائعًا طيّعًا لربه. فإن كان حرًا، فليعمل ما شاء، أمّا إن كان عبدًا، فعليه في الخطوة الأولى أن يراقب نفسه بدقة، بحيث تكون كلُّ خطوةٍ من خطواته خالصةً لله، وأن يكون سعيه في تحصيل رضا المولى، وإن لم يرض عنه الآخرون. ومن الواضح أن رضا الله لا يتحصّل إلّا بالتقوى، والتي تُعرَّف على أنها ترك المعاصي وفعل الطّاعات، والتّخلص من كل ما في القلب سوى الله. وللتقوى ركيزتين أساسيتين، هما حبّ الله ومعرفته، فعندما يعرف العبد ربّه سيعظم في عينه ويصغر كلّ ما سواه، وسيعرف عظم حاجته له، وبالتالي يزداد حبّه له حبًّا ينسيه ما سواه، فإذا أحبّه، فسيرعاه الله، ويحصّنه بحصانةٍ منه، وبلطف.

ولتثبيت هذه التقوى القائمة على أساس معرفة الله وعلى الحبّ، هناك أربعة أركان:

الرسالة الثانية: إرشادات للسالك إلى الله تعالى

يذكر الشيخ البهاري في موضعٍ آخر، أن الإنسان إذا ما توجه بإخلاص إلى ربّه، سيجبر الله له أي تقصيرٍ حاصلٍ منه، فعلى الإنسان العمل بما يعلم، والله يتكفل تعليمه ما لم يعلم. يذكر الشيخ العارف بعدها جملة من الإرشادات تفيد السالك في طريقه إلى الله سبحانه، فيطلب منه المثابرة على القيام بالمستحبات، وعدم الاكتراث لوسوسات الشياطين الهادفة لتيئيس عباد الله. وألّا يتورط بمجالس اللهو والغيبة، وأن يجعل لكل عملٍ وقته الخاص، ويخطط لقادم أيامه. وينصح أيضًا بالنوم المبكر، ليتمكن من الاستيقاظ لصلاة اللّيل، وليكمل نهاره قويًّا نشيطًا، وأن يبدأ صلاة الليل بسجدة شكر، وأن يتأمّل ويتدبّر بآيات ربّه، ويبدأ نهاره بأداء حقوق المخلوقين، وخاصةً الوالدين منهم والأرحام، وينصح أيضًا بتعويد نفسه على بعض الأذكار إذا ما دخل إلى سوق العمل والحياة. بالإضافة إلى ذلك كلّه، ينصحه بعدم التدخل فيما لا يعنيه، والتقليل من الكلام إلّا في موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويؤكد على ضرورة بقائه على طهارةٍ بالوضوء، وأن يداوم على قراءة سورة القدر عشر مرّات بعد كلّ عصر، وأن يسجد سجدةً طويلة لمرّة واحدة خلال النّهار مما يساعده على التقدّم في رحلة سيره وسلوكه.

الرسالة الثّالثة: شروط الخروج من الظلمات إلى النّور

يوجد عدّة شروط ذكرها العارف البهاري على السّالك مراعاتها لتساعده على الخروج من سجن الظلمات إلى رحاب النور والهداية الإلهية، فعلى السالك أن لا يطمع في شيء من هذه الدّنيا، بل يكون هدفه هو تخليص الناس من الظلم، وإصلاح أحوالهم حتى لو كلّفه الأمر تحمّل الأذى في سبيل ذلك. عليه أيضًا أن لا يستعجل في أمرٍ من أموره، فالعجول يقع في المهالك من حيث لا يشعر. وأن يجعل قوّة الغضب عنده مقهورةً بالعقل، وإلّا فإنه سيفشل ويهدم كلّ ما بناه. وقد أكد على كون السّالك كتومًا للأسرار، غير ناصحٍ أو مشفقٍ على نفسه، بل مؤدّبًا ومعاقبًا لها. وأن يكون ذا نظم في كلّ شؤونه وأوقاته، ولا يتكل في أمرٍ من أموره على حوله وقوته، بل عليه تعويد نفسه نسب الحول والقوّة إلى الباري سبحانه، والتوكل عليه في أموره كلّها.

الرسالة الرّابعة: من هو العبد الذي يرحمه الله ويرعاه؟

في إجابةٍ له على رسالةٍ لأحدهم يشكو فيها سوء حاله يقول: إن على المؤمن ألّا يخاف وألّا يحزن، فإن الله تعالى نعم الرّب، وإن محمّدًا (ص) نعم الرّسول، وإن عليًّا وأولاده نعم الأئمة، وليعلم أن العبد الضّعيف إذا ما توسّل بذيل رحمة الله وكرم آل محمد لأوصلوه إلى حظيرة القدس وأرفع المراتب، فالعادة الإلهية جرت بكرمٍ على أن لا يُترك الضعيف يكابد ضعفه، ذلك الضعيف الذي استعان بالتّوكل لدنياه وبالتّقوى لأخراه، واستصحب العفّة، واتّخذ القناعة حرفة، وزيّن فقره بصبره وغناه بشكره، وأوجز في كلامه وأكله ومنامه، ونسي حظّ نفسه، وحفظ سيئة أمسه فندم عليها، وشاور إخوانه ودارَى أعوانه، وكان في حوائجهم من السّاعين ولهم من الدّاعين، موظفًا وقته في طاعة ربّه، غيرَ مضيّعٍ لصلاته خصوصًا صلاة اللّيل، آمرًا نفسه بالمعروف بعد ما نهاها عن المنكر، غير ناظرٍ إلى حسناته، فإن ما هو فيه من الأمر فمن رشحات قدسه سبحانه، وكل هذا الفضل قد تحقق بطلبٍ منه وقبولٍ من الله، وليتحيّن كلّ الفرص وكلّ الظروف ولا ييأس، وليستغل كلّ المنافذ لطلب لطف الله وكرم محمّدٍ وآله، فيفتح الله عندها عليه من كثير كرمه.

الرسالة الخامسة: من هم أهل المعرفة؟

    هناك عدة شروط يجب مراعتها لمن يبتغي أن يكون من أهل المعرفة، إذ عليه أن يكون صاحب مزاج سليم، أي أن لا يكون مشتتًا، بل يكون متوجهًا بأعماله كلها إلى الله عزّ وجلّ. وأن يكون متأدّبًا بآداب الشرع، تاركًا للمعاصي، متألمًا من ارتكابها. فلا يقوم بالفرائض فقط من أجل إسقاط الواجب، بل يتحلّى بالآداب والأخلاق الإسلامية، ويربّي نفسه لتكون أعماله مستقيمة ومقبولة عند الباري عز وجل. ومن أهم الأمور في هذا المورد، أن لا يرتكب المعاصي، وأن يبقى قلبه متألمًا إذا ما قام بها لسببٍ من الأسباب، فهو قد عصى أرحم الراحمين الذي تلطف به في كل أمرٍ من أموره. عليه أيضًا أن يكون فارغ البال في أمر المعاش، أي أن يكون قنوعًا ولا يشغل فكره في كيفية جمع المال وزيادته، وأن يكون معظّمًا للعلم والعلماء، فينغمس في مسألة العلم، ويكون في شوق دائم لزيادته، عارفًا بقيمة هذه العلوم وأهميتها، ومن يحملها من العلماء. والعارف يكون حزينًا في قلبه، بشره في وجهه، ضحوكًا بسومًا، فهذا حزن من فارق حبيبه، وحزن من يريد أن يبتعد عن كل شيء ويلتحق به هو، وبما يربطه ويذكره به. أمّا الأمر الأخير، فهو كتم الأسرار والنعم التي أنعم الله بها عليه عن الناس، فلا يبدأ بالحديث عن نفسه وعن ما أنعم الله به عليه بعجب وغرور، فهذا يسقطه من إمكانية كونه من أهل القابلية لنيل كرامة المعرفة الإلهية. لذلك، على من يريد مثل هذه المعرفة من النعم الإلهية، أن يعلم بأن من يستهتر بصلاته والنوافل من العبادات، وبخدمة الناس والسعي في أمورهم، لا يحق له طلب النعم الإلهية، وليس أهلًا لأن يتلقى هذه النعم من المعرفة الإلهية، ولا يمكن أن يكون صاحب لهذه الأهلية، فلا يطلب أحدٌ أن يكون ممن يعرفون معارفًا إلهية، وهو لا يحترم أوامر الله ومحضره.

الرسالة السادسة: من هم العلماء الذين يستحقون منا التعظيم؟

بعد الكلام في الرّسالة السّابقة عن ضرورة تعظيم العلم والعلماء، يذكر العارف البهاري بعض صفات العلماء الذين يستحقون التعظيم. فقد أورد في إحدى رسائله أن المراد من “العلماء ورثة الأنبياء” ما يكون من جهة تبليغ الأحكام، وإرجاع العامة إلى الجادة المستقيمة، فهم من ينشرون المعارف الإلهية، ويستقطبون الناس ويعيدونهم إلى الدين والهدى، ويعملون على تثبيتهم عليها ما أمكن لهم ذلك. وبناءً عليه، على هذا العالم أن يراعي جملة من الأمور، منها أن لا يكون حبيس داره مع ما يرى من مواظبة الناس على المنكرات الواضحة، فإن كان عالمًا بكثير من الأمور الدينية، عارفًا بأسرار الشّريعة، لكن محيطه قد غرق في وحول الجهل والخطيئة، ولم يحرّك هو ساكنًا لإصلاح ذلك، فهذا إنّما يدلّ على خلل في معرفة ماذا يعني العلم الذي يريده الله أن يتعلمه، فالله يريد ذلك حتّى يبثّ العالم روح العلم بين الناس، فعليه كعالمٍ التصدي لهكذا أمور، وأول من عليه إصلاحه هو نفسه، ثم أولاده وعائلته ومحيطه، وكلما زادت قدراته وإمكاناته وطاقاته، يجب أن يبذلها إلى دائرةٍ أوسع، حتّى لو وصلت أن تسع الدّنيا وما فيها. وليس هناك واجبًا، عينيًّا كان أو كفائيَّا، أفضل من ذلك الواجب، فأين هو المداهن والمسامح من هذه الوظيفة؟

على العالم أيضًا أن يكون صابرًا محتسبًا، فهذا من موجبات العمل بين الخلائق، فحتّى الأنبياء قد عانوا ما عانوه، لكنهم صبروا واحتسبوا، فهذا الأمر العظيم يحتاج إلى إرادة وجهد عظيمين. وعليه أن يكون ملجأً وملاذًا للمسلمين حقيقةً في حاجاتهم وابتلاءاتهم، فالنّاس تقصده لحلّ مشاكلهم، فلا يغلقنّ الباب أمامهم إن كان يستطيع مساعدتهم، أو إذا كانوا تحت إمرة ظالمٍ ينتهك حقوقهم، فلا يوفرنّ جهدًا لمواجهة هذا الظلم والاعتداء. ولا يكون له همّ وغرض سوى هداية الخلق وسوقهم إلى الشريعة، وبأي سبب حصل فلا يتبرم إذا جرى الخير على يده في الباطن ونُسب إلى غيره في الظاهر، فهدفه من نشر معالم الدين هو تحقيق الهدف – وهو تحقق الهداية – وليس الشهرة ومعرفة الناس له. فعندما يتحقق الهدف عليه بالاطمئنان، بغض النظر عن من أخذ القيادة والشهرة والسمعة، فالعلاقة يجب أن تبقى مع الله والهدف الذي يريده الله. ومنها أن يكون متواضعًا لله عز وجل في ذاته، فليس هناك أمر من أمور هذا الدين إلّا وقرينه وجوب التواضع فيه، من صلاة وتبليغ وغيرها من الأعمال العبادية، فشرط نجاحه الفعليّ بين يديّ الله هو هذا التّواضع بين يديه. وألّا يكون غافلًا عن مولاه في آن من الآنات، بل يكون راعيًا لمراقبته، وشاعرًا بوجوده في كلّ أعماله، في موته وحياته وصلاته وتعبه وراحته. وأنّه لا بدّ أن يكون منصورًا بالرعب بعد قطع طمعه عن حكّام الدّنيا، فيصبح ذا وقار، وينظر الناس إليه بإكبار لعدم ركونه إلى أحدٍ في هذه الدّنيا، فهو لا يحتاج إلى أحدٍ منهم، بل يجد جميع حاجاته عند الله عز وجل. وتمكين الخوف الإلهي جلّت عظمته في مكنون سيرته، فقلبه لا يخشى ولا يخاف إلّا الباري، فإذا كان يخشى الله، جعل الله من شخصه أمرًا يخشى منه النّاس، لأن قلبه عرش الرحمن، فإذا كان له خشية فيه، خشت الناس والعباد منه.

الرسالة السابعة: كيف يمكنك معالجة الفتور في العلاقة مع الله تعالى؟

    في واحدة من مراسلات الشيخ العارف يقول فيها إنّه اطلع على أحد طلابه فرآه كسلًا فاترًا، وليس عنده جدّ وهمّة في العبادة والتقرب إلى الله، فأرسل إليه جملة من المواعظ، يقول فيها: رأيتك في ليلة من الليالي كسلًا فاترًا، ولم أعرف الحكمة في ذلك، فلو كان فتورك للدنيا، فاعلم أن العبد لا يأخذ أكثر من قوته المقدّر له، وإن كان فتورك للآخرة، فاعلم أن الله تعالى يستقبل العبد الهارب بأول سعي منه إليه، فإن كنت فزعًا على آخرتك بسبب تقصيرٍ منك، لكنك جلست ولم تعمل على تطوير وضعك العبادي، فأنت تفوت على نفسك الفرصة، فحتّى لو كنت مقصرًا لسنوات، وفي بضع دقائق توجهت بإخلاصٍ إلى الله، وفتحت قلبك ونفسك على التوجه إليه، فإنه ينتظرك، ويأخذهم منك، ويعوض عليك كل هذه الخسارة، إذ إن الراحل إليه قريب المسافة، فما إن يطلب المرء ربّه حتى يستقبله الباري عز وجل، أوَ ما سمعت قوله تعالى: “لو علم المدبرون كيف اشتياقي إليهم لماتوا شوقًا”، فعجّل قبل فوات الآوان.

وإذا رأيت نفسك لا تقبل على العبادة، فالتجئ إليه بالتّضرع والمسكنة، فإن العطاء بلا حساب واستحقاق، إنما هو ديدنه وعادته، فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان في أنه لا مجال للتوبة بعد تكرر المعصية، فإنّه جلّت عظمته توّاب غفور، وأولياؤه أيضًا مأمورون بذلك. وأمّا لو كان فتورك وضيقك لأجل فراق الإخوان، فأقول لك بأن للكلام تفصيلًا وفروعًا، والحق أنه لو كانت صداقة الإنس هذه من موجبات الالتذاذ بالدنيا، فلا معنى للضيق والفتور أبدًا، بل لا بد من الفرح والسرور لتخلصك من هذه البلية، فأنت لم تخسر شيئًا على الإطلاق، إنّما قلّت السّاعات التي تكون فيها غافلًا عن ذكر ربّك، وهذه نعمة. وأمّا لو كانت أُخوّتك في الله تعالى، فإنّما مفارقة الأنيس، وإن كانت موجبة للوحشة، إلّا أنّ علاجها ليس بالضّيق والتبرم، بل عليك بالإحسان إليه، والقيام بحقوق أخوته، ولو في غيابه، فإنّ الأخوّة عقدٌ يجب الوفاء به. وليس القصد هنا التفصيل في بيان حقوق الأخوّة، بل على المؤمن أن يعين إخوانه على الثبات على لوازم الأخوّة، ليقطفوا جميعًا ثمارها، وإنّ من ثمارها الخلاص ممّا يقع فيه كلّ واحدٍ منهما من البلاء في أهوال الآخرة.

الرسالة الثامنة: كيف يمكنك أن تتقرّب إلى الله تعالى؟

من يريد أن يتقرّب إلى الله، عليه أن يحافظ على مضمون أعماله، فإذا كان يستغفر الله مثلًا، فهل هو يلقلق باللسان فقط، أمّا هل هناك شيء يحصل في قلبه وعقله وروحه، فينبغي أن يكون هناك مضمونًا لما يقوم به من أعمال عبادية، وهو أن يستحضر وجود مولاه ليلًا ونهارًا، نومًا ويقظة، وفي كلّ حركاته وسكناته، بحيث لو أمكنه أن لا يغفل عنه طرفة عين لفعل، فهذا الحضور الإلهي في حياته هو الذي يمثّل مضمون عباداته، ومضمون حياته كلها، فتصبح حياته حياةً إلهية، وهو الذي يضمن سلامة وصحّة ومقبوليّة كلّ عمل يقوم به، وكلّ لحظة من لحظات حياته، بحيث يصبح حتى نومه عبادة، وأنفاسه تسبيح. وليبذل قصار جهده، ويستحضر عقله وحضور عقله وتفكيره وإيمانه ويقينه وقناعته وقلبه واطمئنان قلبه، ليتوجّه ويتوسّل بصاحب الأمر (عج)، فهو الآن إمامنا ومولانا ووسيلتنا إلى الله، وهو الباب الذي فتحه الله لنا لنصل إليه سبحانه وتعالى، فإيّاه أن يخرج أو يعبث بالعلاقة مع هذا السبيل الذي فتحه الله إليه. ولا يغفل عن الدّعاء “اللهم عرّفني نفسك…” بعد الفرائض، ولا عن قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات وإهدائها إلى صاحب الأمر (عج). وليواظب كذلك على دعاء “إلهي عظم البلاء…”، وليسعى أن يبقى على وضوء وطهارة في كلّ جهده وأيّامه، فإذا تمكّن من النوم على وضوء فهذا عمل مهم جدًا، وأن يلتزم بتسبيحات الزهراء (ع) قبل المنام، وقراءة آية الكرسي قبله وبعد الفرائض، وسجدة الشكر بعد الاستيقاظ، وقراءة آية ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾، ويتدبّر في مضامينها ويتأمّل في الكواكب والآفاق. فهنا ذكرٌ وحضور قلب وتفكر، وهي عملية متكاملة، فلا يغني الذكر عن التفكر، ولا التفكّر يغني عن الذكر، فالعقل والإيمان هما جوهر الإنسان، وإذا كان الله حاضرًا في هذا الجوهر الذي هو عليه، أصبح فكره فكرًا مقدّسًا، وذكره ذكرًا مقدّسًا. وليختمها بدعاء الصحيفة بعد صلاة الليل، ودعاء الحزين أيضًا من الأدعية التي يمكن أن تُقرأ بعدها.

الرسالة التاسعة: نصائح العارف الكربلائي للسالك

يرجو العارف الكربلائي للسالك أن يكون ممن يواظب على فعل الطاعات وترك المحرمات كلّها، وذلك باتباع أسلوب التواصي مع النفس، أي أن يوصي نفسه بشكل دائم ويحذّرها من فعل الحرام وترك الواجب، فيوصيها في أوّل النهار، ويراقبها أثناءه، ويحاسبها عند نومه، فيتدارك ما فاته، ويعاقب نفسه إذا ما أخطأت أو قامت بعمل مشين. كما عليه أن يكون له مع الله خلوة خاصة، بعيدًا عن الناس وأعينهم، وأفضل أوقاتها خلال اللّيل، بالتّضرع والتّبتل والخضوع والخشوع. وليجعل ذلك في كلّ ليلة بين صلاة المغرب والعشاء، أو بعد صلاة العشاء، فيسجد سجدة الشكر، ويذكر الله بما ساعد عليه التّوفيق. وهنا يجب الإشارة إلى أن البعض سأل العارف الكربلائي عن كيف يمكن للشخص أن يصبح من أهل التضرع، فأنّب هذا السّائل، وقال بأنّه لو كان من أهل الذكر وأهل الفكر ما كان ليسأل هذا السؤال، ثمّ أجابه قائلًا: أوَ هل الثكلى تحتاج لمن يعلمها أن تبكي وتندب ابنها؟ لذا وفي كثير من الأحيان عندما يسأل البعض عن كيفية وصولهم إلى مرحلة محددة، كيف يمكن أن يتحصّل لديهم الخوف من الله، أو كيف يمكنهم أن لا يعصوه، فهذا مستوى عليهم هم أن يصلوا إليه، وعلى قلبهم العمل ليصل إلى ذلك. وإذا ما عجز عن الذكر، فلينشغل بالتفكير، وسؤال نفسه من أنا؟ وأين أنا؟ وما هو موضعي في هذه الدّنيا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟، فهذه الأسئلة المركزية التي يجب أن يوجهها إلى نفسه إذا لم يستطع أن يكون من أهل الذكر. وليسأل الله عندئذٍ أن يعرّفه نفسه، فهو من أعظم المطالب، وإذا ما نالها أيّ أحد، فإنه يمكن أن يصل إلى مقاماتٍ لا تقدّر، ولا يمكن أن يُعرف حدودها ومداها ومستواها. وليشتغل بنافلة الليل مع كمال الإقبال، ولا يغفل عن قراءة القرآن، والتعقيب إلى طلوع الشمس إذا استطاع.

وليلزم الاستغفار سبعين مرّة أو مئة مرّة صباحًا ومساءًا، وكذلك التّهليل، ولا يغفل عن الأذكار المعهودة، كـ “سبحان الله العظيم وبحمده” و”أستغفر الله”، أقّلها عشر مرّات صباحًا ومساءًا، و”لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، و “ربّي أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك يا رب أن يحضرون إنّك أنت السميع العليم”، و”أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير”، وهذه مجموعة نصائح وأذكار يمكن لمثل هذا العارف أن يقدّمها لمن يريد، فينصح بتكرار هذا الأذكار والتزامها.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13101/rasael11/