محاورة لقمانية مليكة وليل غزة وسورة الإسراء | الحلقة الثانية

by معهد المعارف الحكميّة | يوليو 22, 2021 8:02 م

ضيفة مليكة

كانت الليلة التاسعة من “سيف القدس” عنيفة جدًّا. كان المجاهدون ينوّعون أسلحتهم، مطلقين إياها على المُغتَصَبات الصّهيونية، فنتأمل سماء أواخر رمضان المحتفلة بها، كأنها النجوم التي احتفلت برحلة سيدنا محمد (ص) إلى القدس. ولكنْ كان قصف الشياطين على المدينة أقسى من ذي قَبْلُ.

كان جارنا أبو مَرْيم، قد دُمِّر منزله البارحة، ومن ألطاف الله تعالى أن نجا أفراد الأسرة الصغيرة من الموت. وقد ساعدتهم أسرتي على حمل ما بقي صالحًا إلى منزلي. قلتُ لأبي مَرْيَم: “هلمَّ اسكُنْ معنَا، حتى يفرّج علينا الله تعالى!”. قال لي: “وهل إن ذلك ممكن يا صديقي، وأنت منزلك صغير؟!”. قلتُ له: “المنزل واسع بقَدْر سَعَة قلوب ضيوفه!”.

كانت مليكة جَذْلى بصديقتها مريم. فتقاسَمَتْ معها مأكلها ومَشْرَبَها ومَلْبَسها ولُعَبَها. كان خوف ابنتي أقلّ من ذِي قَبْلُ، بسبب حضور صديقتها. لعلَّها تتقوَّى بها، أو لعلَّها تتناسَى الخطر بانشغالها بحضور صديقتها.. في كل الحالات، اكتشَفتُ أن حضورَ الصغير في نفس الصغير أقوى من حضور الكبير، حتى إن كان أمَّهُ أوْ أباهُ…

لا وجود للغة عبرية علميًّا هناك لغة سريانية خالدة

لخصتْ مليكة لمريم ما مرّ بنا من تدبّر في سورة الإسراء.

قالت مَرْيم: “لقد رجعتَ يا عمّو إلى اللغة السريانية …ولكن لعلك نسيت اللغة العبرية التي لطالما حدثنا عنها معلمونا بالمدرسة…”. قلت: “هذا خطأ فادح… فلا وجود لعبري، ولا للغة عبرية… إنما هناك لسان عربي، منه اللغة السريانية، أي اللغة العربية – السورية القديمة… وما فرية ”اللغة العبرية” وأسطورة  ”الجنس السامي” إلا اختلاق لوهم ابتكره رجال دين كانوا مع المنفيين ببابل، ثم كرسه مستشرقون صهاينة، غير برهانيين، في نهاية القرن التاسع عشر، تمهيدًا لاحتلال شرعي لوطن مزعوم… ومن سوء الحظ، أن العرب من المسيحيين والمسلمين ما زالوا يكررون هذه المعطيات غير العلمية، فنصبح تطبيعيين مع العدو نسْبيًّا دون أن نشعر… كل لفظة ادعيَ أنها عبرية إنما هي لفظة عربية – سريانية…  ومن الطبيعي أن نجد القرآن الكريم محتفيًا باللغة العربية-السريانية (أسماء الأنبياء والملائكة…)؛ لأنها أول لغة عربية تبدع الحرف في العالَمين، وأول لغة تحتفي بالتوحيد، ولأن أرض السريان (أي السوريين) أرض آخر معركة بين راية العدل وراية الجور، بين أرض ﴿عِبَاداً لَنَا﴾، وبين أعلى درجات الاستعلاء البشري… إنها لغة النبي السوري – الفلسطيني، المسيح، وزير إمامنا المهدي في تلك المعركة التي يجب أن نمهّد لها”…

 الاستنفار العالمي من أجل الدولة الصهيونية

قالت مريم: “عَمُّو!.. هل إن مُدَّعي بُنوّة الإسرائيل السوري، هؤلاء، نستطيع أن ننتَصِر عليهم وهم أقوياء جدًّا، منصورون بالإمبريالية الأمريكية والبريطانية والغرْبية، وأموال الطغاة العرب؟!!”…

– ها إنّ سورة الإسراء، عليها السلام، تؤيّدكِ في قولك إنهم أقوياء: ﴿وَأَمدَدناكُم بِأَموالٍ[و”أموالٍ” نكرة، فهي لا تنتهي، لأنكم الأغنى في العالَم]، وبَنينَ [حتَّى الذين هم غير منحدرين من الذين ﴿هَادُوا﴾ أي الذين رجعوا من المنفى البابلي معكم، كالخَزَر والفلاشا الأثيوبيّين]، وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِیرًا [أي الأكثر استنفارًا عالميًّا في التاريخ الإنساني بدعم أعظم استكبار بشري لكم]﴾ (سورة الإسراء، الآية 6)… كل ذلك –يا عزيزتي- سَمَح لهؤلاء، أدعياء بنوّة الإسرائيل السوري وأرضه السورية-الفلسطينية، أن يكونوا أصحاب أكبر “عُلُوّ” في التاريخ الإنساني: ﴿وَلَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبيرًا﴾ (سورة الإسراء، الآية 4). وذلك بتأسيس الكيان الصهيوني المدَّعي لتلك البنوة فسمّى نفسه “إسرائيل” سنة 1948…

قالت مَليكة: “… وهل نستطيع أنْ نَحْتَمِلَ أنّ ﴿نَفيرًا﴾ يدخل ضمْنَها أيضًا الاستنفارُ الأعْرَابي ماليًّا وخيانةً سياسيةً وسِفارية (دبلوماسية)، كاستنفار “صفقة القرن” والتطبيع الجاري الآن؟.

– نعَمْ… نعَمْ…

الاستعلاء الإمبريالي- الصهيوني أعلى مراحل الاستكبار حسب سورة الإسراء

قالت مَرْيم: “… وما “العُلُوّ” في الاصطلاح القرآني يا عمَّاه!”…

– “العُلُوّ” هو الاستكبار في أعلى مراحله التاريخية. يتميز بأن يكون ذا حِمى واسع، إقليمي أو عالمي (=”الأرض“: سورة الإسراء، الآية 4، سورة القصص، الآية 3)، و بـ”الإسراف“، أي الفساد البيئي وسوء التصرف في الموارد الطبيعية (سورة يونس، الآية 83، سورة الدخان، الآية 31، سورة القصص، الآيتان 77و83)… ويتميز بأعلى درجات “التشايع“، عوض أن يكون الاجتماع “شيعة” واحدة: ﴿وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعا﴾ ≠ ﴿وإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبْرَٰهِيمَ﴾… ويتوسل السلطان الاستعلائي بـ “إهانة” الناس و”الإخافة” و”الاسترهاب السحري” (سورة الدخان، الآية 30، سورة الأعراف، الآية 116) من أجل “تعبيد” المستضعفين (سورة المؤمنون، الآية 46)… وحسب سورة الإسراء تكون دولة مدعي بُنوَّة إسراء الإيل السوري أعلى درجات “الاستعلاء“…

قالت مليكة: “… وهل وَضَعتْ سورة الإسراء، عليها السلام، توقيتًا للقضاء على دولة ادعاء البُنوَّة الكاذبة الاستعلائية؟”…

–  عزيزتي مَلّوكة… القرآن الكريم والرسول محمد (ص)، لا يضعَان توقيتًا، بل يشخِّصان وضعيات. وأمّا التوقيت، فالمجاهدون يتحكّمون فيه -نِسْبيًّا- بالتخطيط وبالوحدة، تقول سورتنا:﴿لِتَبْتَغُوا فَضْلاً[الانتصار] مِّن رَّبِّكُمۡ، وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ (سورة الإسراء، الآية12). فلا بدّ من السَّوْق التفصيلي. فالتخطيط والوحدة شرطان للتحديد الاحتمالي-التوقعي- البَدائي ليوم التحرر الوطني الفلسطيني، وهو يوم تحرر كل البشرية، لأنه يوم التحرّر من أعظم “عُلُو” في التاريخ، وأسوأ احتلال أجنبي في عمر الشرّ الاستكباري… اقرَئي يا مَرْيَومة على مقَام العجم  بارتكاز جهار كاه، مَقام الحَماسة الأقصى، الآيات 4 و5 و6..

زوال الدولة الصهيونية بين وعد الجوس ووعد التتبير

مريومة الناجحة في السنة الفارطة مع مَلّوكة في مسابقة التجويد والحفظ التي نظمتها عَنْ بُعد في رمضان الفارط إحدى القنوات التلفزيونية السورية قرأت علينا: ﴿وَقَضَينا إِلى بَني إِسرائيلَ فِي الكِتابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الأَرضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبيرًا * فَإِذا جاءَ وَعدُ أولاهُما بَعَثنا عَلَيكُم عِبادًا لَنا أُولي بَأسٍ شَديدٍ فَجاسوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعدًا مَفعولًا* ثُمَّ رَدَدنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيهِم وَأَمدَدناكُم بِأَموالٍ وَبَنينَ وَجَعَلناكُم أَكثَرَ نَفيرًا * إِن أَحسَنتُم أَحسَنتُم لِأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأتُم فَلَها فَإِذا جاءَ وَعدُ الآخِرَةِ لِيَسوءوا وُجوهَكُم وَلِيَدخُلُوا المَسجِدَ كَما دَخَلوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّروا ما عَلَوا تَتبيرًا﴾ (سورة الإسراء، الآيات 4-7).

طلبتُ من أم مليكة ومن أبي مريم وأم مريم المشاركة في النقاش… ولكنهم خيّروا أن أترك البنتين تتحاوران وحدهما معي.. فقلت…

-جاءت الدولة الصّهيونية المدعية للبنوة لتمزق الوحدة السورية (= الوحدة الشامية): ﴿ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ﴾ (سورة الإسراء، الآية 3)، تلك الذرية السورية التي أصبحت تابعة لإسراءِ إيلٍ جديد هو عيسى: .. ﴿كما قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ؟ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ: نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ ! فَـَٔامَنَت طَّاۤىِٕفَة مِّنۢ بَنِیۤ إِسْرَائِيلَ [من مُدَّعى بنوته، فكانوا فعلًا كذلك]. وَكَفَرَت طَّاۤىِٕفَة. فَأَیَّدۡنَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ [الذي رفض إسراء الإيل الجديد] فَأَصۡبَحُوا۟ ظَـٰهِرِینَ [أي أكثر عددًا ديمغرافيًّا في سوريا الكبرى]﴾… وها هو إسراءُ إيل العالمين، محمد(ص)، يقول للسوريين: ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ؟!﴾، فكانوا جميعًا (إلا من أبَى) مع محمد ﴿عَبْدُ اللَّـهِ﴾، حتى النصارى ﴿أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾ الذين ﴿أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾…

أضافت أم مليكة: سيكون ظهور المسيح وأنصاره على مدعي بنوة إسراء الإيل السوري فعليًّا بائتمامهم بإمام العالَم، المهدي (ع) … فلم يحدث هذا الظهور العسكري مطلقًا في الماضي: “ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق”، “يلتفت المهدي، وقد نزل عيسى بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدّم صلّ بالناس، فيقول عيسى: إنّما أقيمت الصلاة لك، فيصلي خلف رجل من ولدي، فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فبايعه”… وهنالك تبدأ معركة الوعد الحاسم، معركة التتبير”

قالت مليكة: “هل الدولة الصّهيونية ستكون مَرَّتَيْن؟؟!”.

– نعم… حسب سورة الإسراء… المرة الأولى، تبدأ عام 1948 لتنتهي بـ ﴿الوَعدُ﴾ الذي يُقرّبُهُ المجاهدون، بَنُو ﴿عَبْدُ اللَّـهِ﴾، محمد (ص) اسمًا وحقيقة.

قالت مريم: “﴿الوَعدُ﴾ الأوّل ينهي هذه المرّة الأولى..؟!”.

– نعمْ… في هذا ﴿الوَعدُ﴾ مشروط بـ: عُبودية المجاهدين القصوى لله تعالى، فالصّعب (تحرير أرض مدعومة باستنفار عالمي غير معهود مِنْ قبْل) مشروط بذلك: ﴿عِبادًا لَنا﴾. والشرط الثاني: ﴿أُولي بَأسٍ شَديدٍ﴾. ذلك ﴿البأسٍ﴾ هو الذكاء القتالي (القتال المدني- الاقتصادي والفني والثقافي والعسكري) الذي ينبغي أن ينتصر على الكمّ الاستنفاري العالمي… الهائل… ستتطوّر تلك الإبداعية القتالية إلى لحظة الالتحام البرّي: ﴿فَجاسوا خِلالَ الدِّيارِ﴾، أي جاسوا خلال المُغتصبات الصهيونية مِتْرًا مترًا…

قالت مليكة: “ولكن يا أبتاه: ﴿ثُمَّ رَدَدنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيهِم﴾، أي على هؤلاء المحرِّرين ﴿عِبادًا لَنا﴾؟!!”…

– لا تخافي يا عزيزتي… أكْملي، بَعْد سطريْن فحسب… اقرئيها بمقام العجم بارتكاز جهار كاه، وهو مقام الحماسة الأقصى…

قرأت مليكة: ﴿فَإِذا جاءَ وَعدُ الآخِرَةِ لِيَسوءوا وُجوهَكُم، وَلِيَدخُلُوا المَسجِدَ كَما دَخَلوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلِيُتَبِّروا ما عَلَوا تَتبيرًا﴾ (سورة الإسراء، الآية7).

– إذن… المرّة الثانية، وهي مجرد “كرّة“، أي لحظة في معركة، لا تدوم، تنتهي بـ﴿وَعدُ الآخِرَةِ﴾، أي الوعد النهائي… لنْ تكون مجرد “جَوْس“، بل ستكون إساءة للوجوه الصهيونية الاستعلائية، ولكل الاستنفار العالمي – الاستكباري (الإمبريالي والأعرابي) الداعم لها…

قالت مليكة: “… فيدخلون المسجد الأقصى، كما دخلوه في الوَعْد الأوّل: ﴿وَلِيُتَبِّروا ما عَلَوا تَتبيرًا﴾…”…

قالت مريم: “ماهو التّتْبير يا عمَّاهُ؟!”.

– “التّتبير” في الاصطلاح القرآني هو تدمير النظام السياسي – المعاشي – الثقافي الاستعلائي نهائيًّا، بحيث لن يستطيع أن يجد فُتاتًا من بنائه السابق يستغله لإعادة البناء…

الأعراب يؤمّرون مترفيهم مظاهرين الاستعلاء لقتل الناقة الفلسطينيين

قالت مليكة: “… وهل أتت سورة الإسراء على مَنْ هم أمثال سفير قطر وسفير الإمارات وسفير البحرين في تل أبيب، من عناصر الاستنفار الأعرابي لدعم دولة الاستعلاء الصهيوني؟”.

– دون شك… اقرئي برواية قالون، وبمقام السيكاه الآية 16.

قرأت مليكة: ﴿وَإِذا أَرَدنا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَّرنا مُترَفيها [كانوا هم الأمراء، السلطة السياسية] فَفَسَقوا فيها، فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ، فَدَمَّرناها تَدميرًا﴾.

قالت مريم: “ما ﴿القرية﴾ في الاصطلاح القرآني؟”…

قلت لها: “لتقرئي أوّلًا مقطع رُسِل أنطاكية في سورة ياسين (من الآية 14 إلى الآية 27(“…

قالت مريم: “عجبًا!! كانت أنطاكية في البداية “قرية” (الآية 14)، ثم أصبحت “مدينة” بالآية 20؟!!

قلتُ: “… ذلك لأن “القرية” في الاصطلاح القرآني هي: النظام الاجتماعي – الثقافي للمجموعة البشرية الواحدة، أما “المدينة” فهي الدولة في اللغة العربية- السريانية… إذن، فكل “قرية“، (كالقرية العربية الراهنة) سبب هلاكها بيدها. فلقد “أمّرت” عليها (أي جَعلت أصحابَ السلطة السياسية) هم “المترفين“، أي المحتكرين للثروة الوطنية.. وبذلك ﴿ففسقوا﴾، أي انحرفوا عن العقل والشريعة الواضحة: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً، أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا، فَفَسَقُوا فِيهَا، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ، فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾… وتلمّح الآية الموالية(17) إلى تآمرهم ضد ﴿ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ﴾، أي أبناء سوريا الكبرى (ومنها فلسطين)، في سياق ذلك ﴿الفسق﴾: ﴿وَكَم أَهلَكنا مِنَ القُرونِ مِن بَعدِ نوحٍ ﴾، تمامًا كما يفعل الصهاينة (الآية 3) ودعمًا لهم… فآية تأمير المترفين جاءت في المقطع الأول من سورة الإسراء، وهو ككل مقطع قرآني مترابط متكامل، يفسّر بعضَهُ بعضًا.

قالت مريم الذكية: “عمَّاهُ!… أتكون “ثمود” العربية، السورية-الجزيرية، إشارة أيضًا، في مقطع آخر من السورة، لقرية “المترفين” “الأعراب” أيضًا في حربها على سلام الشعب الشامي، ومنه الشعب الفلسطيني؟!”.

قلت لها: “كيف؟”.

قرأت علينا مريومة بمقام النهاوند: ﴿وَآتَينا ثَمودَ النّاقَةَ مُبصِرَةً فَظَلَموا بِها. وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلّا تَخويفًا * وَإِذ قُلنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ. وَما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتي أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلعونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إِلّا طُغيانًا كَبيرًا﴾ (سورة الإسراء، الآيتان 59و60)… ثم أردفت: “ألم تكن ثمود الأولى ضمن المجال السوري -الجزيري؟ وألم يكن بنو أمية ضمن نفس المجال؟”.

– نعمْ … سبحان الله!… لم يُسَمّ الله تعالى بسورة الإسراء (من غير العناصر الأصلية التي ذكرناها من قبلُ) إلا ﴿ثَمودَ﴾، وهي ﴿قرية﴾ عربية كانت تسكن جنوب بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية.. فهي إشارة إلى العرب المترفين المتذيلين، الذين يضربون وحدة سوريا الكبرى وسلام شعوبها، وخاصة شعبها الفلسطيني… فـ﴿ثَمود﴾ لغويًّا تعود إلى “الثمَد” وهو الماء القليل، وهو رمز الإسلام التظاهري المبطن للنفاق. فـ”الثمودية” هي العروبية الشرّية، أي التبعية العربية لـ”الاستعلاء” التفرعني على “الأرض“… هي الأعرابية عندما تتلبس الإسلام دون إيمان، وتتلبس الترفَ بالتبعية للاستعلاء اليهودي والاستكبار “الرومي” (=الغربي في الاصطلاح القرآني)… وقد كانت “الشجرة” الأموية “الملعونة” (أي التعصب التديني لإسلام النفاق الأعرابي) حتى اليوم، رأس الاستنفار الأعرابي للكيان الصهيوني…

قالت مريم: “فما “الأعراب” في الاصطلاح القرآني؟”.

-“الأعراب” في القرآن الكريم لا علاقة لهم بالبداوة. فأسرة يوسف، بمن فيهم يعقوب (ع)، ﴿مِنَ الْبَدْوِ﴾ (سورة يوسف، الآية100)، وسيدنا أبو ذر وقبيلته بنو غفار بدو أيضًا، أسلموا مبكرًا… “الأعراب“، في الاصطلاح القرآني، هم الطائفة العربية الأشد كفرية ونفاقية في التاريخ العربي، “تربصًا” بالثورة، و “تخلّفًا” عنها أمام أقوى قوم “بأسًا” في التاريخ البشري بسبب الاستنفار الاستكباري العالمي، وهو قوم الكيان الصهيوني (سورة الفتح، الآية 16). وأي مسلم يدّعي الإسلام ويكون بهذه الصفات هو “أعرابي” أيضًا: ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ [التحالف الاستكباري العالمي] يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ [لو أنهم بدؤوا من قبل في الأعرابية]﴾(سورة الأحزاب، الآية20).

قالت مريم: “… ولكن، ها إننا نرى بعض هؤلاء “الأعراب” ينفقون على إعادة الإعمار في غزة!”.

-عزيزتي مريومة…  أنت تحفظين سورة التوبة… لنقرأ من آيتها الثامنة والتسعين: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا﴾… فهم يتظاهرون بالإنفاق على مظلومي “الاستعلاء” الصهيوني ليستعملوا المال المنفَق عليهم ابتزازًا وشراءً لذممهم الثورية، الجهادية، حتى يلينوا للاستكبار “الرومي” (أي الغربي في الاصطلاح القرآني) وللاستعلاء الصهيوني.

-… ولكن كيف سنعيد يا عمّاه إعمار هذا الدمار؟

– انظري يا مريومة إلى تقييم الله تعالى لأولئك المنفقين الخادمين للاستكبار: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ [منحرفين عن جبهة المستضعفين]…  فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا﴾، )سورة التوبة، الآيتان 53 و 55)… والله يا بنيتي، إن الأموال النظيفة من القلوب النظيفة والصديقة في جميع أنحاء العالم كثيرة جدًّا، وهي أكثر إثمارًا لـ “الناقة” الفلسطينيين من أموال “المَغْرَم” التي تشبه المال الحرام…

قالت مليكة: ” … يبدو أنك يا أبتي تتناول “ناقة” معاصرة تقتلها ثمودية معاصرة؟؟”…

قالت مريم: “… والله يا عمّو، كنت سأسألك نفس السؤال!”… ضحك أبو مريم وأم مريم وأم مليكة…

– … أحسنتما! إنه سؤال ذكي جدًّا يضع القرآن الكريم في قلب حاضرنا ومستقبلنا… إن من معاني “الناقة” أنها: جمْع “أنيق“. وقد جاء في زيارة الإمام علي (ع): “السَّلامُ عَلى الشَّجَرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالدَّوْحَةِ الهاشِمِيَّةِ، المُضِيئَةِ، المُثْمِرَةِ بِالنُّبُوَّةِ، المُونِقَةِ بالإمامة”… إن يزيدًا قتل الناقة من أهل البيت(ع) وأنصارهم (رض)… أما الصهيونية، فتقتلُ “الناقة” الفلسطينين، ومَنْ هُمْ في تَضامُنٍ معهم بالعالَم اليوم، وهم جمال البشرية الراهنة بما يحملون من قيم أصبحت نادرة… وانظرا ما جاء في سورة الإسراء عن التعاضد بين الاستعلاء “الرومي” (أي الغربي) -الصهيوني وبين شياطين الثمودية والتبعية: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ[الشيطان الأكبر] إِلَّا غُرُورًا﴾… فالشيطان “الأعرابي” يشارك غيره من الشياطين التابعين للشيطان “الرومي” الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية) بالصوت الفني والإعلامي والإفتائي والدعم “الخَيْلي” (= العسكري) والأمواليّ و”الأولادي” (الدعم حتى بالمليشيات “الأعرابية” المتعصبة لإسقاط محور المقاومة، أو حتى بالشرطة التي تَقْمَعُ المسيرات الشعبية المؤيدة لحق “الناقة” الفلسطينيين)…

قالت مريم: “لكن قوة ﴿عِبَادًا لَّنَآ﴾ لن تتأثر بذلك “الاستفزاز” وتلك “المشاركة“: ﴿إِنَّ عِبادي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطانٌ، وَكَفى بِرَبِّكَ وَكيلًا﴾ (سورة الإسراء، الآية 65)، ذلك الوكيل الذي تركه أدعياء بُنوة إسراء الإيل (الآية2) وداعميهم من “الروم” و”الأعراب“.

قامت مليكة مصفقة لصديقتها، وهي تهتف: “ما أروعك يا مَرْيومة الذكية!!”…

*-*-*

كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلًا بتوقيت القدس… لم تكن الطفلتان لتعترفا بإرهاق هذا اليوم الطويل جدًّا… ولكنني طلبتُ منهما أن نختم حواريتنا اللقمانية…

قالت مليكة: “لتختم مريم بسورة النصر التي دائمًا ما تختار لها مقام الرست”…

قلت: “ولماذا هذا المقام بالذات!!”…

قالت مريم: “إنه مقام حماسة، ولكن بروح لطيفة. فالانتصار بسورة النصر، مقترن بالتسبيح والاستغفار للبشرية. فهو الانتصار النهائي للعدل على الجور!!”… بسملتْ ثم قرأتْ: ﴿إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ. إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.

تلوْنا معهما دعاء الانتصار الذي علمه إيانا الرحمةُ للعالمين (ص): “لا إِلهَ إِلاّ الله إِلهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. لا إِلهَ إِلاّ الله وَلا نَعبُدُ إِلاّ إِياهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ. لا إِلهَ إِلاّ الله ربُّنا وَرَبُّ آبائِنا الأوّلِينَ. لا إِلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ. أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَه، وأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الاَحْزابَ [=التحالف الاستكباري العالمي] وَحْدَهُ. فَلَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيْتُ، وَيُمِيْتُ وَيُحْيِي، وَهُوَ حَيُّ لايَمُوتُ. بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيٍ قَدِيرٌ”.. انهمرت عيوننا دموعًا كالمطر الغزير حنينًا إلى لحظة الانتصار الفلسطيني- العالمي على كل الجور البشري وعلى أعظم استعلاء عاشه المستضعفون في التاريخ…

***

التفت إلي أبو مريم وأم مريم قائلين: “لقد ساعدتَهما على إخراج مقولة  “بنو إسرائيل” القرآنية، من الأسطورة إلى القرآن الكريم، من تجزيئية أساطير كعب الحاخامات وقتادة ووهب بن منبه إلى عقل سورة الإسراء… بوركت يا وريث لقمان!”.

وضعت مليكة يدها في يد مريم ومضيا إلى غرفتهما… تمتمتُ وأنا أتابعهما بعينيّ: “ليحفظْ الله كل أطفال فلسطين!!…”. قالت أم مليكة: “يا رب المستضعفين!”.

 

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13413/ghaza-2/