تاريخ علم الكلام | الدرس الحادي عشر | الكلام الإمامي في حقبة تشكُّل الجوامع الكلاميّة مدرسة قم الكلاميّة

تاريخ علم الكلام | الدرس الحادي عشر | الكلام الإمامي في حقبة تشكُّل الجوامع الكلاميّة مدرسة قم الكلاميّة

أهداف الدرس

1- تبيين أهميّة مدرسة قم الكلاميّة في تاريخ الفكر الإمامي؛

2- التعريف بالتيّارات الفكريّة التي ظهرت في مدرسة قم وبيان التمايزات الفكريّة بينها؛

3- إيضاح خصائص الكلام الإمامي في مدرسة قم.

 

تذكرة

تبيّن في الدرس السابق أنّ مدرسة الكوفة الكلاميّة تشكّلت أوائل القرن الثاني للهجرة في فترة إمامة الباقر (عليه السلام)، وأن أهمّ خصائصها تمثّلت في بيان المعارف الاعتقاديّة المبتنية على تعاليم أهل البيت (عليهم السلام). وتبيّن أيضًا أنّ تيّارَين فكريَّين على الأقلّ حضرا وكانا ناشطَين في هذه المدرسة، أحدها تيّار المتكلّمين المنظّرين الذي سعى إلى تقديم بيان عقلاني للمعارف الواصلة عن أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عنها في مواجهة الأفكار المنافسة، ما تطلّب اعتماد أدبيّات جديدة بطبيعة الحال. وفي مقابل هذا التيّار كان تيّار المحدّثين المتكلّمين الذي سعى إلى تحصيل الفهم الدقيق للروايات وبيانها، وتجنّب الدخول في ميدان التنظير وتقديم البيانات من خارج إطار النصوص. وهكذا كان التمايز بين هذَين التيّارَين يكمن في التقيّد بإطار النصّ أو الخروج عنه.

مسألة أخرى تمّت الإشارة إليها هي أنّ تيّار الكلام التنظيري الكوفي لاقى – لأسباب مختلفة – أفولًا بعد مضيّ فترة قصيرة، أي في حدود العام 180 للهجرة، أمّا تيّار المحدّثين المتكلّمين الكوفي فظلّ حاضرًا وناشطًا حتّى نهاية عصر الحضور في منتصف القرن الثالث للهجرة.

 

مدرسة قم الكلاميّة[1]

سنتناول في هذا الدرس مدرسةً أخرى من المدارس الفكريّة الإماميّة التي ظهرت بعد مدرسة الكوفة، والتي تُعدّ في الحقيقة استمرارًا لنشاط وفعاليّة الكلام الإمامي في مدرسة الكوفة. هذه المدرسة التي تشكّلت وتمركزت في مدينة قم هي واحدة من أهمّ المدارس الكلاميّة، ويمكن اعتبار الفترة الممتدة بين القرنَين الثالث والرابع للهجرة أكثر فترات الفكر الكلامي الإمامي عظمةً وافتخارًا.

لكن، قبل الخوض في بحث تشكُّل مدرسة قم وتيّاراتها الفكريّة الإماميّة، سنمرّ باختصار على ظروف هذه المدينة ما قبل تشكّل مدرسة قم الكلاميّة.

 

تاريخ مدرسة قم

كانت منطقة قم قبل مرحلة الفتوحات عبارةً عن مجموعة قُرى مبعثرة تشكّل مساكنَ للمجوس والزردشتيّين، لكنها باتت في أواخر القرن الأوّل للهجرة – أو أوائل الثاني بحسب بعض النقولات – ونتيجةً لهجرة مجموعة من العرب – الأشاعرة وغيرهم – الساكنين في الكوفة إليها، مستقرًّا ومسكنًا للمهاجرين الشيعة، وظهرت بهمّتهم شيئًا فشيئًا مدينة مستقلّة في منتصف القرن الثاني. وهكذا، عرف الفكر الشيعي منذ بدايات تشكّل مدينة قم انتشارًا وتوسّعًا فيها، وتدريجيًّا دخلت مجموعة من هذه الشخصيّات في عداد رواة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ومعارفهم، وتمّ تدوين مجموعات من الأحاديث في هذه المنطقة.

في هذه المرحلة، أي منذ بدايات القرن الثاني للهجرة وحتّى أواخر هذا القرن، عملت شخصيّات عدة من بين الساكنين الجدد في مدينة قمّ من أصحاب الميول الشيعيّة على تدوين مجموعات من روايات أهل البيت، مستفيدين من سفرهم إلى المدينة وحضورهم عند أهل البيت، بالإضافة إلى سفر بعضهم إلى الكوفة وسماعهم للروايات من الكوفيّين. غير أنّ حجم هذه الكتب والمؤلّفات التي دوّنت حتّى أواخر القرن الثاني للهجرة كان قليلًا، ولا يُعتدّ به مقارنةً مع الميراث الذي كان قد ظهر في مدرسة الكوفة.

أمّا الحدث المهمّ الذي وقع أوائل القرن الثالث للهجرة فكان قيام عددٍ من المشايخ والمحدّثين الكبار في الكوفة بالإضافة إلى بعض الشخصيّات القميّة من قبيلة الأشعري بنقل الميراث الحديثي من الكوفة إلى قم. وقد أدى هذا الانتقال، الذي بدأ في زمان إمامة الإمام محمّد التقيّ (عليه السلام) تقريبًا، وفي فترة لا تزيد عن نصف القرن – أي حتّى منتصفات القرن الثالث للهجرة -، إلى انتقال معظم أحاديث الشيعة من الكوفة إلى قم. وقد شكّل انتقال هذا الحجم الكبير من الروايات بالإضافة إلى حضور مجموعة من الرواة والعلماء المميّزين في قم نقطة تحوّل كبيرة في هذه المدرسة الحديثيّة. إذ من الطبيعي أن يشكّل حضور مجموعة من المحدّثين والفقهاء الكبار في منطقة ما، مع ملاحظة المجالات الدرسيّة التي ستتوفّر وحضور الطلّاب والارتباط العلمي بينهم، مضافًا إلى النتاج العلمي الجديد، سببًا في تشكّل مدرسة جديدة.

وبشكل سريع، وحتّى نهاية القرن الثالث للهجرة، تبدّلت مدرسة قم الحديثيّة لتصبح أكبر مركز للحديث والمعارف الشيعية، وظهرت مدرسة فكريّة يمكن لها أن تشغل المكان الذي تركته مدرسة الكوفة؛ ذاك أنّ المشاكل والظروف التي واجهها الكوفيّون في هذه الفترة، مضافًا إلى انتقال كبار المحدّثين الشيعة من الكوفة إلى قم، كانت قد أدّت إلى إضعاف هذه المدرسة وأفولها، وفي مقابل هذا الواقع عرفت مدرسة قم اليافعة توسّعًا وانتشارًا، ووجدت لنفسها نشاطًا علميًّا.

بملاحظة المنهجيّة والأسلوب الحاكم على النشاط الكلامي لمتكلّمي الإماميّة وعلمائها في قم، يمكن القول إنّ هذه المدرسة شكّلت امتدادًا لتيّار المحدّثين المتكلّمين الكوفيّ، حيث تبيّن في الدرس السابق أنّ تيّارَين فكريَّين أساسيَّين كانا ينشطان في الكوفة هما: تيّار المحدّثين المتكلّمين وتيّار المتكلّمين المنظّرين. وبما أنّ التيّار الفكري الغالب في قم كان ذا نزعة حديثيّة تعتمد على معايير دقيقة وصارمة، فإنّ التنظير الكلامي المستند إلى العقل والمعطيات العقلانيّة لم يجد له المكان المعتدّ به فيها. ومن ناحية أخرى، أدى أفول تيّار المتكلّمين المنظّرين أواخر القرن الثاني للهجرة بالتزامن مع انتقال الميراث من الكوفة إلى قم، إلى افتقاد تيّار الكلام التنظيري إلى وجود ممثّلين فاعلين يمثّلونه. ومن هنا، فإنّ التراث الذي انتقل من الكوفة إلى قم كان بعمدته عبارةً عن تراث المحدّثين المتكلّمين، ونتيجةً لذلك انتقلت المنهجيّة الكلاميّة للمحدّثين المتكلّمين أيضًا. وكما نعلم، فإنّ تيّار المحدّثين المتكلّمين كان قد أفرد لنفسه في الكوفة مكانةً مُعتبرةً في الواقع الكلامي وخلّف فيها ميراثًا مهمًّا. وقد امتلك هذا التيّار نفسه الحصّة الأكبر من التأثير في مدرسة قم الكلاميّة، واستطاع من خلال السياق التاريخي الذي تمتّع به في الكوفة أن يخلق تيّارًا مؤثّرًا ومستمرًّا في تاريخ كلام الإماميّة.

خصائص مدرسة قم الكلاميّة ومميّزاتها

على الرغم من أنّ مدرسة قم كانت استمرارًا لمنهج تيّار المحدّثين الكوفيّين وفكره، غير أنّها حازت على بعض الابتكارات التي جعلتها تتمايز وتختلف عن مدرسة الكوفة، فمع كون مدرسة قم مركزًا حديثيًّا كبيرًا إلّا أنّها لم تكن مجرّد مدرسة وتيّار ناقل للحديث، بل قد كان النشاط الحديثي للمشايخ القميّين يحدث ضمن إطار نظريّ وكلاميّ متّبعًا منهجيّةً علميّةً محدّدةً تستحقّ في نفسها بحثًا وتحقيقًا شاملًا، وقد أُشير إلى هذا في بعض الأبحاث.

هذه الاهتمامات والميول الكلاميّة للمشايخ القميّين أدّت إلى ظهور ميزتَين في هذه المدرسة، تمثّلت أولاهما في تصفية الميراث الحديثي وتنقيته. فقد كانت الكوفة، كما هو معلوم، مدينةً تعجّ بالتيّارات الفكريّة المختلفة، وقد حضر فيها العديد من التيّارات الكلاميّة والاعتقاديّة، كما أنّ هذه المدينة شهدت حضور ممثّلين عن مختلف المذاهب من شيعة وغيرهم، وكانت جميع هذه التيّارات تعمل على تدوين الأحاديث. وهكذا، كان الميراث الموجود في الكوفة يشتمل بالإضافة إلى الميراث الفكري للشيعة الإماميّة على الموروثات الحديثيّة التي كانت قد خلّفتها التيّارات الفكريّة الأخرى أعمّ من الشيعة وغيرهم. وقد كانت العلاقة بين هذه التيّارات سببًا في بعض الأحيان لاختلاط جزء من هذا التراث بعضه ببعض. ولكن عند انتقال هذا التراث من الكوفة إلى قم، عمل محدّثو قم ومتكلّموها على تصفية هذا التراث وتهذيبه استنادًا إلى معايير صارمة وقاسية في تقبّل الحديث، تجنّبوا فيها قبول الأحاديث الغريبة وغير الموثوقة.

والواقع أنّ تعامل مشايخ قم مع التراث الواصل إلى هذه المدرسة وقبول هذا التراث أو عدم قبوله كان يعتمد – بالإضافة إلى طرق قبول الرواية التي كانت معروفةً بين المحدّثين – على قيمة هذا التراث ومضامينه الاعتقاديّة، أي إنّ واحدةً من معايير مشايخ قم في قبول الروايات والتراث الحديثي تجلّت في الاعتماد على مدى صحّة موضوعات هذه الروايات ومضامينها، فكان ما يشتمل من التراث المكتوب والروايات على مسائل ومضامين لا يمكن الوثوق بها لا يُنقل ولا يُروى في قم. ولقد أدى هذا الأداء المعتمد من قبل مشايخ قم إلى تصفية كامل الميراث الحديثي، فكان المروي عن مشايخ قم عبارةً عن مجموعات من الروايات المعتمدة والمتينة المستندة إلى معايير موثوقة، سواء من حيث الرواة أو من حيث المحتوى والمضمون الداخلي للروايات.

الخاصّيّة أو الميزة الثانية في مدرسة قم الكلاميّة كانت عبارةً عن إنتاج المجامع الكلاميّة، حيث كان تنظيم الروايات الاعتقاديّة وتبويبها وترتيبها ضمن مجموعات واسعة استنادًا إلى أُطر معرفيّة قد حصل لأوّل مرّة في قم. فعلى الرغم مما ذكرناه سابقًا من أنّ محدّثي مدرسة الكوفة ومتكلّميها قد أنتجوا مؤلّفات عدّة، بعضها مجموعات روائيّة وأخرى شروحات كلاميّة، إلا أن الجوامع الكلاميّة لم تظهر في الكوفة، بمعنى أنّ كلّ واحد من هذه الكتب تناول موضوعًا جزئيًّا واحدًا.

فعلماء الإماميّة ومشايخها في مدرسة قم عملوا على جمع وتنظيم التراث الواصل من الكوفة والمؤلّفات التي كان الكوفيّون قد ألّفوها، أي إنّهم دوّنوا مجموعة المعتقدات الشيعيّة ضمن نظام مترابط وجامع، وهذه الجوامع الكلاميّة لم يكن لها سابقة قبل مدرسة قم، وقد تمّ إنتاجها لأوّل مرّة من قبل مشايخ هذه المدرسة. ومن النماذج المعروفة والمشهورة لهذه الجوامع الفكريّة يمكن عدّ كتاب الكافي للكليني (رحمه الله)، فكتاب الكافي أو القسم الأوّل منه الذي يتناول المسائل الاعتقاديّة المعروف باسم أصول الكافي هو عبارة عن مجموعة مترابطة وجزء من نظام فكريّ واعتقاديّ محدّد، كما ويمكن تتبّع العديد من النماذج الأخرى من هذه المجاميع والنظم الفكريّة ضمن آثار سائر مشايخ قم.

وعلى الرغم من أنّ مدرسة قم شهدت حضور تيّار فكريّ واحد هو تيّار المحدّثين المتكلّمين، لكن قد وُجدت في الوقت عينه اختلافات بين بعض مشايخ الحديث والكلام فيها، ما أدّى إلى تشكّل خطوط فكريّة متمايزة. فقد شكّلت عوامل الاختلاف بين أبرز المتصدّين لنقل الميراث الحديثي من الكوفة، وأصحاب الدور الفريد فيه، عاملًا هامًا في أن يشكّل كلّ واحد منهم بدايةً لخطّ فكريّ خاصّ في مدرسة قم الكلاميّة. وفي هذا السياق، يُعدّ كلّ من أحمد بن محمّد بن عيسى – من أشعريّة قم – وإبراهيم بن هاشم – من كبار الكوفيّين – صاحبا أهمّ تأثير وأوسعه في انتقال التراث من الكوفة إلى قم، ويُعدّ كلّ واحد منهما أيضًا بداية خطّ فكريّ خاصّ في قم.

أمّا أحمد بن محمد بن عيسى فقد كان من أصحاب الأئمّة الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام) وقد حاز في قم مقام الرئاسة ومكانةً اجتماعيّةً مهمّة، وكان من جملة خصائصه سعيه في مواجهة الغلوّ والحدّ من انتشار تراث التيّارات المنحرفة فيها. ميزة أخرى من ميّزات أحمد بن محمد بن عيسى وخصائصه كانت أنّه كان يُعدّ من منتقدي تيّار التنظير الكلامي، وكان ثمة فاصلة كبيرة ومسافة كذلك بين آرائه وآراء آخرين كهشام بن الحكم ومدرسته الفكريّة.

وقد كان لأحمد بن عيسى تلامذة كثر شكّلوا شبكةً واسعةً من المحدّثين المتكلّمين وتابعوا خطّه الفكريّ حتّى أواخر أيام مدرسة قم، ومن جملة هؤلاء كان: سعد بن عبد الله الأشعريّ ومحمّد بن حسن الصفّار وعبد الله بن جعفر الحميري وغيرهم الكثير من مشايخ مدرسة قم وعلمائها.

وأما الشخصيّة الأخرى التي شكّلت بدايةً لخطّ فكريّ في مدرسة قم فهي إبراهيم بن هاشم الذي كان من كبار مشايخ الكوفة. لقد انتقل عن طريق إبراهيم بن هاشم – الذي يُعدّ أيضًا من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) – جزء معتدّ به من تراث الكوفة الحديثي إلى قم، وعُرف بكونه أوّل من نشر حديث الكوفيّين في قم. إبراهيم بن هاشم وعلى الرغم من كونه جزءًا من تيّار المحدّثين المتكلّمين، غير أنّه – وبخلاف أحمد بن محمّد بن عيسى – كان واسطة انتقال أفكار المدرسة الكلاميّة لهشام بن الحكم وتيّار المتكلّمين المنظّرين إلى قم، ومن هنا كان ابتعاده عن خطّ أحمد بن محمد بن عيسى. فالواقع أن كلًا من إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمّد بن عيسى كان في عداد تيّار المحدّثين المتكلّمين، والاختلاف بينهما إنما كمن في ميولهما الفكريّة وفي مدى قرب الواحد منهما أو بعده عن الفكر الكلامي لمتكلّمي الكوفة. وبعد إبراهيم بن هاشم يمكن عدّ ابنه علي بن إبراهيم وفيما بعد محمد بن يعقوب الكليني مؤلّف كتاب الكافي ورثة هذا الخطّ الفكري.

عوامل أفول مدرسة قم

شهدت مدرسة قم التي تشكّلت في أوائل القرن الثالث للهجرة توسّعًا وانتشارًا على طول القرنَين الثالث والرابع تاركةً تراثًا مهمًّا، وفي منتصفات القرن الرابع وبعدما قوي الكلام العقلي في بغداد بدأت هذه المدرسة تتّجه شيئًا فشيئًا نحو الأفول. في هذه الفترة، اكتسب تيّار الكلام العقلي قوّةً في بغداد، ومع انتقال التراث الفكري الإمامي من قم إلى هذه المدرسة الجديدة – أي بغداد – بدأت مدرسة قم تخسر رونقها وتفقد بريقها تدريجيًّا. ومن ناحية أخرى فإنّ اعتراضات مشايخ بغداد وأصحاب النزعة العقليّة فيها تجاه المدرسة الفكريّة في قم، وتوسُّعَ المواجهات والنزاعات الخارجية لدولة آل بويه التي كانت تحتاج إلى النقاشات العقليّة والكلام العقلي، مهّدت الأرضيّة لأفول مدرسة قم، وبسطوع نجم مدرسة بغداد وتألّقها خسرت مدرسة قم بريقها. ولهذا، يمكن لنا عند الحديث عن آخر شخصيّات مدرسة قم البارزة والمشهورة ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله)، الذي لم يُعرف بعد رحيله عام 381 للهجرة سطوعُ نجمٍ جديدٍ وشخصيّةٍ بارزةٍ في مدرسة قم.

 

خلاصة الدرس

ـ مع انتقال تراث الكوفة الحديثي، التي كانت تمثّل قاعدة التشيّع وحاضنته، تهيّأت الأرضيّة لتَشَكُّل مدرسة كلاميّة في قم، وبحضور الرواة وعلماء الشيعة في قم تشكّلت مدرسة كلاميّة فيها في أواسط القرن الثالث للهجرة.

ـ كانت مدرسة قم استمرارًا لتيّار المحدّثين المتكلّمين الكوفي على صعيد التوجّه والنزعة الفكريّة، فيما لم يجد التنظير الكلامي المستند إلى المعطيات العقليّة مكانًا له فيها.

ـ سجّلت مدرسة قم إنجازَين مهمَّين، الأوّل هو تنقية الأحاديث، والثاني هو تنظيم الجوامع الحديثيّة وإنتاجها.

ـ على الرغم من كون الشخصيّات المهمّة في مدرسة قم تنتمي إلى تيّار المحدّثين المتكلّمين، إلّا أنّ اختلافات ظهرت داخل هذا التيّار نفسه أدّت إلى تشكّل خطوط فكريّة مختلفة، ولقد كان خطّ أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وتلامذته وخطّ إبراهيم بن هشام أهمّ الخطوط الفكريّة في هذه المدرسة.

 

أسئلة الدرس (لا تفوّتوا فرصة الحصول على شهادة تحصيل المادّة عند إجابتكم على الأسئلة في نهاية كلّ درس عبر التعليقات)

1- كيف تشكّلت مدرسة قم الكلاميّة؟

2- أيّ التيّارات الفكريّة الكوفيّة انتقل إلى قم؟ ومن هم قادة أهمّ الخطوط الفكريّة في هذا التيّار؟ وما هي الاختلافات التي كانت بينها؟

3- ما هي أهمّ خصائص مدرسة قم الكلامية وأهم إنجازاتها؟

4- متى أفلت هذه المدرسة ولأيّ سبب؟

[1] للاطّلاع بشكل أكبر على مدرسة قم الكلاميّة، راجع: مجموعة من المحقّقين، جستارهايي در مدرسه كلامي قم (قم: دار الحديث، الطبعة الثالثة، 1397 هـ.ش).



المقالات المرتبطة

منهجية سيد قطب في قراءة الإسلام

شكّل الإسلام السياسي منذ سقوط السلطنة العثمانية، وإلى يومنا هذا، الشغل الشاغل للمهتمين بالواقع السياسي للعالمين العربي والإسلامي…

مفهوم الحداثة في فكر محمد سبيلا

يعدّ المفكّر محمد سبيلا أحد أعمدة الفكر المغربي المعاصر، نظرًا لما خلّفه الرجل من غزارة في التأليف والكتابة الفلسفية

العلمانية والدين الحدود من وجهة النظر الغربية

العنوان المعطى لعرضي قصد به “حدود العلاقات بين العلمانية والدين” من المنظور الغربي. ومن خلال سياق هذه المناظرة سأركّز بشكل رئيسي على العلمانية من جهة، والإسلام من جهة أخرى.

  1. نجوى علي فقيه
    نجوى علي فقيه 3 سبتمبر, 2021, 15:50

    1. مع انتقال تراث الكوفة الحديثي، التي كانت تمثّل قاعدة التشيّع وحاضنته، تهيّأت الأرضيّة لتَشَكُّل مدرسة كلاميّة في قم، وبحضور الرواة وعلماء الشيعة في قم تشكّلت مدرسة كلاميّة فيها في أواسط القرن الثالث للهجرة.

    2.الأوّل هو تنقية الأحاديث، والثاني هو تنظيم الجوامع الحديثيّة وإنتاجها.

    3.على الرغم من كون الشخصيّات المهمّة في مدرسة قم تنتمي إلى تيّار المحدّثين المتكلّمين، إلّا أنّ اختلافات ظهرت داخل هذا التيّار نفسه أدّت إلى تشكّل خطوط فكريّة مختلفة، ولقد كان خطّ أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وتلامذته وخطّ إبراهيم بن هشام أهمّ الخطوط الفكريّة في هذه المدرسة.

    الردّ على هذا التعليق
  2. محمد محمود ابراهيم
    محمد محمود ابراهيم 28 سبتمبر, 2021, 15:37

    تشكلت مدرسة قم الكلاميةعقب هجرة مجموعة من العرب الأشاعرة الكوفيين الى مدينة قم واستقرارهم فيها تشكلت مجموعة من الشخصيات اهتمت بمعارف وروايات أل البيت عليهم السلام ، وأصبحوا رواة حديث وقاموا بتدوين مجموعات من الأحاديث فى مدينة قم وم ثم عرفوا بمدرسة قم .

    و انتقل التيار الأشعرى الى مدينة قم الايرانية، ومن أهم قادتة الفكرية: أحمد بن محمد بن عيسى، ابراهيم بن هاشم، ويمكن تحديد الاختلاف فى مدرسة قم من خلال انقسامها الى تيارين وكلا التيارين ينتميان الى تيار المحدثين المتكلمين: الأول يتزعمة أحمد بن محمد بن عيسى، وكان هذا التيار ينتقد التنظير الكلامى، والتيار الثانى تزعمة ابراهيم بن هاشم كان يروج لأفكار هشام بن الحكم الكلامية المنتمى الى المتكلمين المنظرين، وهذا الأمر ادى الى استياء التيار الأول فدب الخلاف بينهما، وقد يكون هذا الخلاف من ضمن عوامل افول مدرسة قم.

    وتميزت مدرسة قم بعدة خصائص وانجازات منها:
    1- تصفية وتنقية التراث الحديثى وفق اطر ومعايير صارمة موثوق بها ومعتمدة على صحة موضوع ومضمون الرواية وعلى مدى ثقة الراوى ومدى اتساق المضمون الداخلى للروايات.
    2- انتاج المجامع الكلامية من خلال تنظيم وتبويب وترتيب الروايات والاحاديث ضمن مجموعات تعتمد على اطر معرفية مترابطة.

    وقد أفل نجم مدرسة قم فى منتصف القرن الرابع الهجرى نتيجة للاسباب الاتية:
    1- الخلافات بين تيار احمد بن محمد بن عيسى و تيار ابراهيم بن هاشم
    2- انتشار الكلام العقلى وبداية بزوغ مدرسة بغداد
    3- انتقال التراث الفكرى الامامى من قم الى بغداد أضعف وبلا شك مدرسة قم.
    4- العامل السياسى حيث تشجيع دولة آل بوية للاتجاة العقلى وكان ذلكعلى حساب المتكلمين المحدثين.
    5-سطوع نجم مدرسة بغداد الكلامية خسرت مدرسة قم مركزها وأفل نجمها.

    الردّ على هذا التعليق

أكتب تعليقًا

انقر هنا لإلغاء الرد.

<