تطورات الخطاب الإعلامي المقاوم بعد انتصار الثورة الإسلامية

by معهد المعارف الحكميّة | أغسطس 31, 2021 9:08 ص

ظهرت في مطلع الثمانينيات القرن الماضي مدارس عديدة لتحليل الخطاب الإعلامي ومكوناته، اختلفت هذه حول المفهوم، إلا أنها اتفقت بأن الخطاب الإعلامي ممارسة اجتماعية متغيرة متطورة، وهناك عددًا من الخطابات الإعلامية المتصارعة أو المتعاونة، كما أن هناك تداخلًا بين أكثر من خطاب.

ويعدّ الخطاب الإعلامي المقاوم شكلًا من أشكال التواصل يتميز بقدرته على إحداث التأثير في المتلقي، كما أنه يساهم في إعادة تشكيل وعيه وبلورة آرائه (بشير، 2008، ص 95)، وهو أداة رئيسة في تشكيل الوعي المجتمعي، اتجاه قضايا المقاومة منها القضية “الفلسطينة”، لقدرته على تشكيل الرؤى والتصورات الخاصة بفهم الواقع، من وجهة نظر المرسل للمرسل إليه وقبوله، أو حتى رفضه، كترسيخ عبر الإعلام مقولة: إسرائيل إلى زوال.

يساعد تحليل الحظاب الإعلامي على بلورة صورة عميقة وشاملة للخطاب، وذلك برصده الحجج والبراهين والقوى الفاعلة والأطر المرجعية وغيرها (عبد العزيز، 2012م، ص 303) كما يساعد في إعادة ترتيب أولويات الفئات المجتمعية المستهدفة، ودفعها لتبني المزيد من المفاهيم والمركبات الذهنية، وتفكيك التراكيب الدخيلة  المختلفة، عبر حرب ناعمة وغيرها، من هنا تأتي أهمية متابعة مصادر الخطاب الإعلامي، والتحكم في سياقاته ومنابره الإعلامية، وأهمية قدرة الأشخاص الوصول إلى مصادر الخطاب للتأثير.

انطلق الإعلام المقاوم بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للثورة الإسلامية، كانت علاقة النص بالسياق وثيقة، ذات صبغة إنسانية تبنت القضايا المحقة العادلة، والدفاع عن المقدسات والأرض. فقد جاء خطابها الدائم للمستضعفين والمقهورين في أنحاء العالم، وجاء إعلان يوم القدس العالمي يوم للمستضعفين، يوم للمقاومة وكل أشكال الظلم والاضطهاد. وكان نصّ خطابها المقاوم من تراث الأمة وهويتها الثقافية، فكان كل ما عندها من كربلاء، ومضامينها الثورية التحررية، وبُعث من جديد مفهوم انتصار الدم على السيف، وأنّ الطريق إلى القدس عبر كربلاء.

تبنى خطاب الثورة الإسلامية الإعلامي المقاوم، قضية فلسطين وتحرير القدس، ونظرة أن إسرائيل غدة سرطانية يجب إزالتها، قلب هذا الخطاب الموازين الدولية، وغيّر المواثيق والمعاهدات التي كانت قد بدأت بعقد مصر معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني. ونقل القضية الفلسطينيّة من الإطار العربّي إلى الإطار الإسلاميّ، بل الإنسانّي وهذا ما أشار إليه القائد آية الله علي الخامنئي دام ظله.

وسريعًا ما لقى هذا الخطاب الإعلامي المقاوم صداه في لبنان، الذي كان يتعرض لانتهاكات يومية من قبل العدو الصهيوني، وكانت تحاك المؤامرت ضده ليكون تابعًا للكيان الغاصب، فجاء خطاب المقاومة الإسلامية يردد شعار كل أرض عاشوراء كل يوم كربلاء، وانطلقت المقاومة الإسلامية كحركة جهادية هدفها ثابت وواضح: حربًا حربًا حتى النصر، زحفًا زحفًا نحو القدس. وما لبثت أن التحقت بها الانتفاضة الفلسطينة وصاغت خطابًا إعلاميًّا مقاومًا في نفس السياق. وكان النص الإعلامي المقاوم يعكس حراك المقاومة وانتصارها وصمود الشباب الفلسطيني.

جاء الخطاب الإعلامي المقاوم في البداية منتج مؤسسات نخبوية في المجتمع، حاله كحال أي خطاب إعلامي في تلك الفترة، من خلال النص وكل السياقات المحيطة به لإيجاد القدرة على التأثير والتغيير بفعل المراكمة، وإرسال الرسائل عبر أكثر من وسيلة إعلامية، الصحف المجلات الراديو التلفزيون وحتى الإعلانات الطرقية.

وفي التسعينات ومع دخول الكاميرا إلى أرض المعركة ونقل الحدث مباشرة في توجيه الضربات مباشرة للعدو الغاصب شهد الخطاب الإعلامي للمقاومة نقلة نوعية تُوّجت في نقل مباشر وحيّ لأعراس النصر والتحرير  عام 2000 ودحرّ جيش الكيان الغاصب.

شكّلت حرب تموز2006 فصلًا جديدًا من فصول الإعلام المقاوم، حيث أدت التغطية الإعلامية خلالها دورًا مهمًّا في رسم مسار الحرب وتوجّهاتها توازيًا مع الدعاية والحرب النفسيّة (بن عبد الله، الحرب في وسائل الإعلام: آليات بناء المعنى وإنتاج المعرفة، المستقبل، ص 96)، فكان الإعلام أداة استراتيجيّة من أدوات المعرفة. وازداد تأثير وسائل الإعلام في بناء المعرفة عند المتلقّي لمعرفة الأحداث، وترقّب النتائج لأنّ المتلقي يكون أكثر استعدادًا للتأثّر.

اكتسب الخطاب الإعلامي المقاوم أهمّيته خلال حرب تموز، فهو لم يكتف بتصوير الوقائع ونقلها، بل عمل إلى تهيئة الأرضيّة المعرفيّة والسياقيّة المناسبة للمتلقّي، خاصة عندما كان ينقل خطاب الأمين العام لحزب الله بشكل مستمر، وبطولات المقاومة، وصمود جماهير المقاومة.

حمل الخطاب الإعلامي المقاوم، في حرب تموز رسالة جديدة  من خلال إظهار التطوّرات المستجدة إعلاميًّا تحت مُسمّى “مفاجآت”.  التي صعقت العدو (اسكندر، من تموز 2006 إلى “سيف القدس”.. ترويض “المستحيل”، الميادين،2021):

ضاق العدو ذرعًا من الإعلام المقاوم الذي كشف ضعف العدو وهزيمته، وفي محاولة منه لإسكات هذا الصوت قام باستهداف قناة المنار.

واكب الخطاب الإعلامي المقاوم السياق السياسي والأيديولوجي الذي رافق هذه الحرب، وتبيّن لنا من خلاله أهميّة اللغة في صياغة الاستراتيجيات الإعلامية، وأظهرت المقالات الإخباريّة والافتتاحيات وأعمدة الرأي في الصحافة إضافة إلى الموقع الإلكتروني للمقاومة الإسلامية، والفضائيات ومحطات التلفزة، أنّ عملية بناء واقع الحرب إعلاميًّا أنتجت تصوّرات جديدة عن الحرب عبر عملية توجيه واعية للمتلقّي.

عمل الخطاب الإعلامي للاستكبار العالمي في الجبهة المقابلة، على تأسيس خطاب إعلامي  صهيو- أميركي لمعارك حرب ناعمة، استطاع من خلالها:

وهكذا أسس وسائل التواصل الاجتماعي لظهور مرحلة جديدة في الخطاب الإعلامي، انتشرت بعده التكنولوجيا الرقمية التي ربطت النص بالكثير من السياقات وخاصة على مستوى قياس الأثر الفوري للخطاب، من خلال وضع الإعجابات، والتعليقات، وغيرها من وسائل قياس بشكل مجاني، وساهمت في مشاركة  الجميع في إنتاج خطابها الإعلامي.

واكب خطاب الإعلام المقاوم النهضة الرقمية الجديدة وأثبت جدارة على الساحة الإعلامية، إلا أنه واجهته تحديات فيها الكثير من الخطورة، حيث يقوم العدو الصهيوني والمؤسسات الأمنية الغربية بفرض خطابهم الإعلامي بتزييف الحقائق، والتشويش، حتى في أخطر القضايا التي تمسّ وطنه وقضايا أمته.

حقق الخطاب الإعلامي المقاوم حضورًا قويًّا في معركة “سيف القدس” حيث شهد تفاعل العالم ‏أكثر من أي معركة سابقة، فقد ساهم دخول مجموعة من  الناشطين على خط الدبلوماسية الرقمية في تعزيز الأداء المقاوم الفلسطيني، فمع اندلاع هبّة القدس وتسارُع قضية التهجير القسري لسكان الشيخ جرّاح، تزايد الاهتمام بمخاطبة الرأي العام العالمي، منها: ما تجسّد في تصدُّر هاشتاغ (#انقذوا_حي_الشيخ_جرّاح) قائمة الأكثر تداولًا على منصات التواصل الاجتماعي العربية، والحال نفسها مع هاشتاغ #SaveSheikhJarrah باللغة الإنكليزية. (بدر، الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية،2021/6/23).

وتعزز الخطاب الإعلامي المقاوم لـ”هبّة القدس” من خلال:

-البثّ المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي للأحداث من القدس (باب العامود، الشيخ جرّاح، المسجد الأقصى).

– التضامن الكبير، واشتراك مجموعة من المؤثرين (انفلونسر) على مستوى العالم لفضح الممارسات الإسرائيلية، شاركت بالبث المباشر في الفايسبوك وتويتر وإنستاغرام والتيك توك وغيرها.

إن الإبداع الحقيقي للخطاب الإعلامي المقاوم – الفلسطيني تجاوز محاربة المحتوى من خلال:

– “المقاومة بالحيلة” ( كما عرّفه جيمس سكوت) (سكوت، “المقاومة بالحيلة: كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم”، بيروت: دار الساقي، 1995)، وذلك لتجاوُز خوارزميات منصات التواصل، منها تقطيع أحرف الكلمات التي تتم محاربتها ككلمة شهيد، أو من خلال عدم تنقيط الكلمات.

– شنّ هجمة مضادة على بعض المواقع كفايسبوك لخفض تقييمه، مما تسبب في خسارة الملايين من قيمة أسهمه.

وهكذا نجح الخطاب الإعلامي المقاوم مرة أخرى بإحداث تأثير على نطاق أوسع  ظهر بتزايد التضامن  العالمي مع الشعب الفلسطيني ومظلوميته.

يشكّل الخطاب الإعلامي المقاوم جزءًا أصيلًا في المعركة، ما يَجري في الساحات الأخرى أو الميادين، عسكريًّا وأمنيًّا وسياسيًّا، ويستند هذا الخطاب إلى عناصر قوة أساسية:

وفي الختام لا بد من القول: إن الخطاب الإعلامي بالرغم من إنجازاته ونجاحاته وتكيّفه مع الظروف والأحداث المستجدة، فإن لديه العديد من التحديات أبرزها:

 

من هنا جاء عقد مؤتمر تجديد الخطاب الإعلامي في بيروت، والذي كان بتاريخ 2021/7/5. تناول فيه سماحة الأمين العام هذا الأمر، ومن الضروري تحليل خطابه الإعلامي المقاوم، الذي رسم مسارًا واضحًا لأدوات تجديد الخطاب الإعلامي المقاوم.

 

 

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13652/islamicrevolution/