الفكر العربي الحديث والمعاصر | نصر حامد أبو زيد والتأويلية

by الدكتور أحمد ماجد | أغسطس 31, 2021 9:08 ص

يعتبر نصر حامد أبو زيد من الشخصيات المركزية في الفكر العربي المعاصر، ويتميز باتجاهه التأويلي، الذي حاول من خلاله إعادة النظر بالقراءات التقليدية للدين، وهو في سبيل هذه الغاية عمل على إعادة تفعيل آليات التأويلية التقليدية لا سيما الاعتزالية بالإضافة إلى إعادة تفعيل ابن عربي، وهذه الاستعادة لم تكن لذاتها إنّما من أجل غاية أكثر عمقًا، تتمثل في دفع الفكر التأويلي المعاصر في دراسة الفكر الإسلاميّ، وهذه المقاربة ستظهر دور نصر حامد أبو زيد في الفكر العربي المعاصر.

  1. حياة نصر حامد أبو زيد.

 وُلِد نصر حامد أبو زيد عام 1943 ميلاديًّا في طنطا محافظة الغربية، بدأ رحلته العلمية في مدارس القرية القرآنية وكتاتيبها، ليلتحق بعد ذلك بالتعليم المدنيّ ثم التعليم الفنيّ الثانويّ الصناعيّ بعد أن تُوفي والده، وفرض عليه الواقع أن يكون المُعيل الوحيد لعائلته، فتخرج عام 1960 بدبلوم صناعيّ قسم اللاسلكي[1][1]. ولكن أبو زيد لم يستسلم لهذا الأمر إذ واظب على الدراسة الأكاديمية وأنهى المرحلة الثانوية والتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة. وهناك بدأت رحلته مع الأدب والفكر حيث تعرف على أعمال المنفلوطي وطه حسين ومن ثم سيد قطب ومحمد قطب ومحمد غزالي الأمر الذي ترك في نفسه إعجابًا بجانب من الفكر الدينيّ[2][2] لا سيما أعمال سيد قطب التي عالجت القرآن الكريم معالجة أدبية في كتبه “منهج التحليل الأدبي في القرآن”، و”مشاهد يوم القيامة”، و”التصوير الفني في القرآن”، وهذا ما حفّزه للسعي من أجل القيام بتجربة مماثلة على المستوى الأكاديمي.

وفي جامعة القاهرة وجد أبو زيد أنّ المنهج الأدبي مُستخدم من قِبَلِ الشيخ محمد عبده، الذي تكلّم عن التمثيل في القرآن، واعتبر القصص القرآني تمثيلات بما فيها قصة آدم وخروجه من الجنة، كما تأكد من أنّ هذا المنهج ورد عند طه حسين لا سيما في كتابه “في الشعر الجاهلي” عندما أشار إلى أنّ القصة القرآنية عن النبي إبراهيم (ع) ليس من الضرورة اعتبارها واقعية[3][3]، ولاحظ أيضًا أنّ أمين الخولي وشكري عياد ومحمد أحمد خلف الله، عملوا على هذا الجانب التفسيريّ.

وهكذا، تفتح وعيّ نصر حامد أبو زيد على التفسير القرآنيّ، وأدرك أهميته، وهذا ما شكّل دافعًا له ليكون موضوعًا من الموضوعات التي يعمل عليها، من هنا عمل على دراسة التفسير القرآني عند القاضي عبد الجبار في مرحلة الماجستير[4][4]، والتفسير عند ابن عربيّ في مرحلة الدكتوراه[5][5]، وكان هذا الموضع محور معظم الأبحاث والكتب التي عمل عليها في مرحلة لاحقة.

تخرّج أبو زيد من جامعة القاهرة عام 1972، ثمّ تلقى في سنة 1975-1977 منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تلتها في سنة 1978- 1979 منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن سنة 1985-1989 عُيِّن في اليابان، جامعة أوساكا للغات الأجنبية أستاذًا زائرًا، ثم عاد إلى مصر حيث شغل سنة 1995 منصب الأستاذية بقسم اللغة العربية وآدابها في الكلية نفسها.

اهتمام نصر حامد أبو زيد بالتفسير الأدبيّ للقرآن الكريم وتأثره بسيد قطب، لم تؤدِ إلى انحياز الكاتب إلى جماعة الإخوان، بل إنّ نصر حامد أبو زيد لم يمِل إلى التيار الإسلاميّ من الناحية السياسية إذ بقي مشدودًا إلى المرحلة الناصرية، يقول: “وجدتني دائمًا أقرب من الوجهة السياسية والفكرية إلى حزب التجمع الوطنيّ التقدميّ الوحدويّ، الذي بدا منبرًا من منابر “الاتحاد الاشتراكي العربي” بصيغته الليبرالية ونزوعه الاشتراكي والقومي والوحدوي ومقاومته للتبعية في كلّ أشكالها وأنماطها. لكنّي لم أكن أبدًا عضوًا عاملًا بالمعنى الحزبي، وإن شاركت في كثير من الندوات والأنشطة الثقافية، وما أزال أحرص على هذه المشاركة”[6][6].

وعلى هذا الصعيد، ذهب نصر حامد أبو زيد بعيدًا في نقده لهذا التيار وتوجهاته على الصعيد المصريّ والعربيّ، فعمل على إبراز المواقف السلبية من القضايا العربية، ثمّ تحدث عن دورهم في شركات توظيف الأموال التي أدت إلى عدد كبير من عمليات الإفلاس، وهذا الموضوع ردّ عليه التيار الإسلاميّ من خلال تقديم دعوى حسبة اتهمته بالردة عن العقيدة الإسلاميّة، ودعت إلى التفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسيّ في جامعة القاهرة. وهذه الدعوى دفعته للخروج من مصر بعدما رفض النطق بالشهادتين في المحكمة، لأنّه اعتبر هذا الأمر تشكيك بإيمانه، ولأنّه إذا وافق على هذا الأمر يؤسس: “لسلطة تبحث في قلوب الناس”[7][7]، وفضل التوجه إلى هولندا حيث استقر كأُستاذ في جامعة ليدن، وهناك استهلّ محاضراته بالبسملة ونطق بالشهادتين، لأنّه أراد أن يُثبت للسامعين أنّه: “باحث داخل دائرة الحضارة العربية الإسلاميّة”[8][8].

منحته مؤسسة ابن رشد للفكر الحر جائزتها _ والتي تتخذ من برلين مقرًا لها –  وذلك عن مجمل أعماله التي وصفتها لجنة التحكيم بأنها قراءة معاصرة للقرآن تقرب بين الفكر الإسلامي والحداثـة. تُوفي نصر حامد أبو زيد في 5/7/ 2010 بعد إصابته بمرض عضال.

  1. 2. أعماله الفكرية.

ترك نصر حامد أبو زيد مجموعة من الكتب أبرزها:

هذا ويُختَمُ الكتاب ببحث يتعلق باللغة الدينيّة، وفيه يصوّر أبو زيد كيفية استيلاء هذه اللغة على الإنسان عن طريق امتلاك وعيه ليبقى داخل دائرة الإيمان والجماعة الذي تؤسسه اللغة الدينيّة من خلال نسقها الخاص الذي يحاول فرض سيطرته على النظام اللغويّ، وذلك عن طريق ما يسمى بالعلامة، حيث تستولي اللغة الدينية على اللغة وتحوّلها إلى نسق من العلامات.

تطرق القسم الأول إلى الخطاب التنويريّ في السجالات المعرفيّة، وأفرد فصلًا للمفكر زكي نجيب محمود، لينتقل للحديث عن دور الخطاب الإسلاميّ في تلويث الخطاب التنويريّ، فقام بعرض هجوم الدكتور محمد عمارة على كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق، ليختتم هذا القسم بما قدمه محمد أركون من قراءة تأويلية للإسلام، حاولت على الرغم من علميتها الوصول إلى تسويات تحفظ موقع أركون داخل الثقافة.

هذا، وعالج القسم الثاني العلاقة بين التراث والتأويل، ومن خلاله بيَّن أبو زيد كيفية بقاء الخطابين المتصارعين الأوروبيّ والعربيّ الإسلاميّ مسجونان في نفق مُظلم، ثمّ يُناقش إشكالية التراث بين التجديد والترديد، ليصل في النهاية إلى بحث المقاصد الكليّة كمشروع لقراءة جديدة يتبناها نصر ليعيد النظر أولًا في صياغة هذه المقاصد الكليّة التي لا تتعلق إلا بجانب العقوبات.

هذا ويختتم الدكتور أبو زيد كتابه بمناقشة الدكتورة فاطمة المرنيسيّ، واعتبر أنّ هذه الكاتبة تلمّست الجذور العميقة لما يبدو أزمة المرأة  في الواقع والتاريخ.

 

مصادر البحث:

[1][24] نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، (الدار البيضاء/ بيروت، المركز الثقافي العربي، 2008)، من الصفحة 213 إلى الصفحة 220.

[2][25]  المصدر نفسه، الصفحة 223.

[3][26]  حوار لنصر حامد أبو زيد مع محمد علي الأتاسي منشور في ملحق جريدة النهار الثقافي، دمشق، 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2002 ميلاديًا.

[4][27]  صدرت هذه الرسالة لاحقًا في كتاب تحت عنوان: “الاتجاه العقليّ في التفسير دراسة قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة”.

[5][28]  صدرت هذه الأطروحة لاحقًا في كتاب تحت عنوان: “فلسفة التأويل دراسة في تأويل القرآن عند محي الدين بن عربي”.

[6][29] نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، مصدر سابق، الصفحة 220.

[7][30]  حوار لنصر حامد أبو زيد مع محمد شعير منشور في جريدة الأخبار، بيروت، العدد 728،  22 كانون الثاني 2009 ميلاديًّا.

[8][31]  المصدر نفسه.

[9][32]  نصر حامد أبو زيد، الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، (بيروت، دار التنوير، الطبعة 3،  1993)،  (بيروت/ الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة 4، 1996).

[10][33]  نصر حامد أبو زيد، فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، (بيروت، دار التنوير، الطبعة 2، 1993). (بيروت/ المركز الثقافي العربي، الطبعة3،  1996).

[11][34]  نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا، إشراف مشترك مع سيزا قاسم، (القاهرة، دار إلياس العصرية، 1986). (الدار البيضاء، دار عيون، 1987.(

[12][35]  نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة 2، 1994). (بيروت/ والدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة 7، 2008).

[13][36] نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، (بيروت/ والدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة 8،  2008).

[14][37] نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية، (القاهرة، دار سينا، الطبعة 1، 1992)، (القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة 2، 1996).

[15][38] نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الدينيّ، (القاهرة، دار سينا، الطبعة 2، 1994)، (القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة 3، 1995). وقد تُرجِم الكتاب إلى الألمانية بعنوان: lslam und Politik, kritik des Religiosen Diskurses ترجمة: شريفة مجدي، وتقديم: نافيد كرمان، دار نشر ديبا Dipa فرانكفورت 1996.

[16][39]  نصر حامد أبو زيد، المرأة في خطاب الأزمة (القاهرة، دار نصوص، 1995).

[17][40] نصر حامد أبو زيد، التفكير في زمن التكفير، (القاهرة، دار سينا، الطبعة1، 1995)، (القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة 2، 1995).

[18][41] الخلافة وسلطة الأمة، ترجمه عن التركية: عبد الغني سني بك، قدم له ودرسه: نصر حامد أبو زيد، (القاهرة، دار النهر، الطبعة1،  1995).

[19][42] نصر حامد أبو زيد، القول المفيد في قصة أبو زيد، (القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة1،  1996).

[20][43] نصر حامد أبو زيد، النص، السلطة، الحقيقة إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، (بيروت/ الدار البيضاء،  المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة 3، 1997).

[21][44] نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، (بيروت /الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة 1، 2000). (بيروت /الدار البيضاء،  المركز الثقافي العربي، الطبعة 3،  2008).

[22][45]  نصر حامد أبو زيد، هكذا تكلّم ابن عربي، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة1، 2002)، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة 2، 2004).

[23][46] نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة 4، 2004).

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [3]: #_ftn3
  4. [4]: #_ftn4
  5. [5]: #_ftn5
  6. [6]: #_ftn6
  7. [7]: #_ftn7
  8. [8]: #_ftn8
  9. [9]: #_ftn9
  10. [10]: #_ftn10
  11. [11]: #_ftn11
  12. [12]: #_ftn12
  13. [13]: #_ftn13
  14. [14]: #_ftn14
  15. [15]: #_ftn15
  16. [16]: #_ftn16
  17. [17]: #_ftn17
  18. [18]: #_ftn18
  19. [19]: #_ftn19
  20. [20]: #_ftn20
  21. [21]: #_ftn21
  22. [22]: #_ftn22
  23. [23]: #_ftn23
  24. [1]: #_ftnref1
  25. [2]: #_ftnref2
  26. [3]: #_ftnref3
  27. [4]: #_ftnref4
  28. [5]: #_ftnref5
  29. [6]: #_ftnref6
  30. [7]: #_ftnref7
  31. [8]: #_ftnref8
  32. [9]: #_ftnref9
  33. [10]: #_ftnref10
  34. [11]: #_ftnref11
  35. [12]: #_ftnref12
  36. [13]: #_ftnref13
  37. [14]: #_ftnref14
  38. [15]: #_ftnref15
  39. [16]: #_ftnref16
  40. [17]: #_ftnref17
  41. [18]: #_ftnref18
  42. [19]: #_ftnref19
  43. [20]: #_ftnref20
  44. [21]: #_ftnref21
  45. [22]: #_ftnref22
  46. [23]: #_ftnref23

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13659/nasrhamed1/