عبر المعنى إلى المعنيّ

by معهد المعارف الحكميّة | نوفمبر 5, 2021 12:55 م

علم التفسير ـ أو الهرمنوطيقا ـ ميدان قديم الاستعمال، حديث التوثيق، ممتدّ المنظور، ومتشعّب المضامير. راج التأليف فيه، والبحث عن متشعّباته، في العصر الحديث، بفضل أعمال مارتن هايدغر، وليو غيورغ غادامر، وبول ريكور، وغيرهم. ولا يزال يقدّم كثير من المفكّرين نتاجًا غزيرًا في هذا الميدان، محاضرة، وتأليفًا، وإسهامًا، وتعليمًا. أمّا معرفتنا به، في عالمنا العربيّ، فلا تزال على هذا المستوى العلميّ فتيّة، ربّما بسبب الحذر منه، ومن طريقته تحديدًا، التي يسلك بها إلى النصوص الدينيّة. هو حذر مشوب، بلا ريبة، بارتياب من النتائج التي قد يفضي إليها؛ غير أنّ كلا الحذر والارتياب، في نظرنا، مبعثهما خوف في غير محلّه على قدسيّة النصّ الدينيّ.

وإذ إنّ صرف من يخاف عن خوفه لا يجدي الصارف الغيور نفعًا، إذا ما اكتفى بأن يقول: “لا تخف”، أو “لا داعي للخوف”، مخاطبًا المرتعد الفرائص واللبّ، نعمد إلى الطريقة التربويّة في هذا المضمار، فنحاول انتزاع الخوف من نفوس من يتوجّسون خوفًا من علم التفسير. ونختار لمقصدنا هذا، أن نشرع في إظهار الطريقة التي يرتادها المختصّون بهذا العلم، عسى أنّ الإيضاح يغلب على التعتيم، والاطمئنان إلى العلم على التبجّح به جهرًا. ونجتزئ من عمارة الرهبة جناحًا واحدًا فقط، نجول في أرجائه، مستطلعين أقسامه، مطلّين منها على البناء برمّته. فالمعنى، الذي هو خاتمة مطاف عند كلّ عمليّة تقصّ في قلب نصّ من النصوص ليس بديهيًّا، وليس هو نتيجة مباشرة لفعل القراءة. وليس هو، كذلك، معنًى منعزلًا عن سائر المعاني. فالنصّ الحامل معنًى هو النصّ الذي يحتلّ موقعًا في الفكر، أي الذي يحمل بلاغه رسالة إلى ذهن من يقرأه. ومن هذا القبيل نقول: إنّ معنى النصّ معبر يخطو القارىء عليه حتى يصل إلى المراد بالنصّ، إلى المعنيّ بالكتابة.

إنّ الأسطر التالية تحاول أن توضح “معنى” نصّ من النصوص، عبر تصفّح أوجهه المتعدّدة، التي قد يُنظَر منها إليه؛ بل لا بدّ لكلّ مفسّر أن يطلّ منها على معنى النصّ، قبل أن يبادر إلى إطلاقه في تأكيدات جازمة.

1- منبت اللفظ اللغويّ

يفيدنا “علم الدلالات” اطّلاعًا واسعًا على النظام البنيويّ، الذي تندرج لغة من اللغات في نسقه. فكلّ لفظ، في أيّ لغة من لغات العالم، ذو جذور عائليّة، أي أنّ صوغه، أو النطق به، على نحو معيّن، يدلّ على منحى فكريّ، ضمن فكرة رئيسيّة. تدعى هذه الفكرة الرئيسيّة “أفهومًا”، لأنها تعزل فهمًا للّفظ دون فهم آخر للفظ آخر، كقولنا، مثلًا، “العطاء”، و “المنح”، و”الإسداء”، رغم ما قد ينشب من شبه “معنويّ” بين الألفاظ الثلاثة. يفيد “العطاء” فكرة رئيسيّة، تختلف “جذريًّا” عن أفهوم “المنح”: فالعطاء، كأفهوم، يصوّر مستوى أفقيًّا لفعل، يقدّم فيه أحد الطرفين غرضًا ما لطرف آخر، يوجد على مستوى المعطي؛ فيما تعكس الفكرة الثانية، أي فكرة المنح، صورة مستوى، يتفاوت فيه كلّ من المانح والمستفيد من المنح. وعندما نقف بإزاء الفكرة، التي يعبّر عنها أفهوم “الإسداء”، نجد أنفسنا مضطرّين إلى تصوّر فعل، تُقدَّم فيه الأشياء على مستوى، ليس فيه علاقة مودّة بين الطرفين المعنيّين. وهكذا، نقف بثلاثة أفاهيم متباينة فيما بينها، رغم الشبه المعنويّ القويّ، الذي يربط بين كلّ أفهوم وآخر.

على صعيد آخر، لو أخذنا كلّ أفهوم من الأفاهيم الثلاثة، التي تقدّم التنويه بها، على حدة، ونظرنا في مشتقّاته المتعدّدة، التي تصدر منه، وفق صيغة محدّدة، لوجدنا أنفسنا أمام سلالة لفظيّة، أو أفهوميّة، متنوّعة المدلول، على حسب الوزن، الذي ينخرط فيه اللفظ، انطلاقًا من الأفهوم عينه. فلو تمعنّا، مثلًا، في سلالة أفهوم “العطاء” اللفظيّة، لوجدنا أنّ لفظ “المعطي”، الذي يدلّ على معنى محدّد، يشير إلى معنى مختلف عن لفظ “المعطاء”، المشتقّ من الأفهوم عينه، بصيغة مختلفة، والذي يدلّ على معنى قريب منه؛ وأنّ لفظ “العطيّة” ينحو مثله، بإزاء لفظ “العطاء”. وهذا، بإزاء لفظ “الإعطاء”؛ وكذلك الجمع “العطايا”، فهو ذو مفهوم مختلف عن الجمع “العطاءات”. ولا يدلّان كلاهما معًا على قرابة ما مع الجمع “معطَيات”. وهكذا دواليك، مع الأفهومين الآخرين: “المنح”، و”الإسداء”، بنسبة أدنى من المشتقّات. فهذه تعزو إلى الأفهوم الأول مفاهيم يدلّ كلّ مفهوم منها على جانب معيّن.

يقوم علم التفسير، في إحدى عمليّاته التحليليّة، على تحديد المفاهيم في النصّ. وهو، من ثمّ، علم يستند إلى علم آخر، ليؤدّي وظيفته هذه، أعني به “علم الدلالات”. فهو يستعينه، كي يمهّد الطريق أمام المفسّر، الذي يبغي كشف المراد من خطاب، أو الإضاءة على فكر عَلَم من الأعلام الأفذاذ. ومن هذا الوجه، يبدي علم التفسير احترامًا للنصّ وصاحبه، لأنه يبحث بموضوعيّة منزّهة، لا موجّهة، عمّا يفهم القارئ، أو يجب عليه أن يفهم، لدى قراءته خطابًا. وهو، أيضًا، كعِلْم، سند قويّ في إبراز الموحى به، عبر النصوص الدينيّة، بناء على ثقافات دهريّة، لا حسب هوى المفسّرين، الذين قد يسيئون إساءة إلى الوحي عينه، عندما يأفكون، إذ هم يُلْبِسون النصّ غير معانيه. لذا، يُعَدُّ التجرّد من الفضائل، التي يجب التحلّي بها، عند الإقدام على تفسير النصّ الدينيّ، لئلّا يقحم المفسِّرُ فيه من “عنديّاته” تعاليم وشروحًا ليست من الأصل الإلهيّ. إنّ علم التفسير واسطة لكسب هذا التجرّد. وتُعَدّ النزاهة حلية، كذلك، عند المفسّر الصادق، لاشتمالها على جرأته بالسير خلف المعنى المنقّب عنه في ثنايا النصّ الدينيّ، لا أمامه، وكأني به يحدو عليه أمام أعين القارئ. وإنّ علم التفسير يلقّن النزاهة، كيف تسود على البحث. التجرّد والنزاهة، لدى المفسّر، عندما يستقرّان له في عمله، يرفعانه مرتبة، في عالم القدسيّات.

من ناحية أخرى، يجد علم التفسير دعمًا له في علم آخر، يُعرَف باسم “اللسانيّات”، ويسخّر له طاقاته. وفي كلامنا على منبت اللفظ اللغويّ، لا بدّ من اللجوء إلى هذا العلم، للإفادة ممّا يمليه. إنّ علم الألسن يولي اهتمامه نحت الألفاظ، أي تكوّنها، وترسّخها، وفق نطق معيّن، في لسان من الألسن. فلفظ ” الملائكة”، ولفظ “الأسباط”، و”إسرائيل”، و”إبليس”، لا ورود لها في اللسان العربيّ جذرًا، بل نحتًا. وألفاظ أخرى غيرها كثيرة وردت في النصوص المقدّسة، لا يمكن مدّها بالمعنى المناسب، على الأصل العربيّ. وثمة ألفاظ، فوق هذا، أعجميّة الأصل، شقّت طريقها إلى لسان، واكتسبت فيه معنى آخر، غير معناها الأصليّ، لأسباب مختلفة، مثل “الجنّة”. فإنّ معنى اللفظ الأوّل هو “البستان، الحديقة”؛ ثمّ، طفق يدلّ على موضع الخلد والثواب، في النصوص الدينيّة. و”الشيطان”، الذي يراد به، في الأساس الآراميّ الفلسطينيّ، محامي الدفاع عن الشخص الماثل أمام القضاء، ثم غدا اسمًا موصوفًا، يُستدَلّ به على الشرّير مغوي الناس للسقوط في الإثم. إنّ علم اللسانيّات، الذي يبرز معاني الألفاظ الأولى، ويبعثها من مخادعها الأصليّة، يمدّ علم التفسير بوسيلة علميّة إضافيّة لفهم النصوص.

2- معنى اللفظ الاصطلاحيّ، أو الموثّق

يرشدنا علم التفسير، من حيث إنّه منهج تحليليّ يستخرج المعاني من حنايا الخطاب، أو النصوص، إلى سبل أخرى، من أجل رفد التقصّي عن المعاني، في قلب النصّ، بوسيلة إضافيّة. لا تغني هذه عن الغوص في علمي الدلالات واللسانيّات، اللذين تقدّم الكلام عليهما، وإنما تغنيهما كرديف متين، وتزيد النتائج، التي يفضي إليها البحث بواسطتهما، وثوقًا وتأكيدًا.

تقوم هذه الطريقة، في أساسها، على ملاحظة فحواها؛ أنّ كلّ كاتب يؤثر اللجوء، عن غير قصد منه، إلى جملة من المفردات، تتكرّر عنده، في نصّه، أكثر من سواها. تؤلّف هذه الباقة من المفردات المصطفاة، إذا ما جمعت بعناية، سجلًّا تظهر معالمه بوضوح، إذا جرى إحصاء المرّات التي يرد فيها لفظ ضمن النصّ، ثمّ ترتَّب الألفاظ بطريقة تنازليّة، ابتداء من اللفظ، الذي يرد أكثر من سواه، فتاليه في الترتيب، وهكذا دواليك. بعد ذلك، يقوم الدارس بالتقصّي عن معنى لفظ، في كلّ سياق يرد فيه، فيستكشف، من جرى تقصّيه هذا، وحدة المعنى، الذي يبثّه استخدام اللفظ، أو تقاربًا في المعنى المألوف، أو حتى غمزة إلى مفهوم مجاور. ويضع الدارس، بعد أن يتمّ بحثه المذكور، خلاصة تفيد في النظر إلى النصّ، انطلاقًا من معاني الألفاظ المستخدمة فيه.

وفي مرحلة ثانية، مكمّلة للسابقة، ينظر الدارس إلى المترادفات، ويحاول أن يجمعها بالطريقة السابقة الوصف، محصيًا المرادفات، كما هي الحال، مثلًا، مع لفظة “الإثم”. فينظر ورود ألفاظ “الذنب”، و”الخطيئة”، و”المعصية”، و”الجرم”، وسواها، في النصّ الخاضع للدراسة. وهو، إذ يفعل هذا، يتبيّن له موقع اللفظ في سجلّ الألفاظ المرادفة له، عند الكاتب، فيبني كذلك، من ثمّ، الدارس بالطبع استنتاجاته، بناء على ملاحظاته.

إنّ اتّساع سجلّ المترادفات يشير إلى اتّساع المعرفة، عند الكاتب، الذي يظهر بهذا إلمامه بالأفهوم. فيطرق مفاهيمه المختلفة، عبر مترادفات مختلفة. والعكس صحيح، فإن شحّ عدد مرادفات اللفظ، يمكن الدارس أن يستنتج ما لدى الكاتب من معاني، بخصوص الأفهوم؛ فيحدّده، بناء على ألفاظ المترادفات. وإن ظهر الأفهوم مرّة واحدة لا غير، عند كاتب، يحاول الدارس إذ ذاك أن يحدّد مفهومه له، في سياق الاستخدام الذي يورده فيه.

لا نتوهّمْ سهولة المهمّة، فعمل المفسّر دقيق وشاقّ؛ ويستند إلى خبرة ومعرفة واسعتين. فإن قرن هاتين بطريقة أتت نتائج بحثه أشدّ إحكامًا، وأثبت استخلاصًا. وإن أغفل الأخذ بها مال إلى أحكامه المسبقة، أو إلى استخلاص تأكيدات اعتباطيّة. وفي موضوع التفسير، تكون هذه الأخيرة متيقّظة، جاهزة أتمّ الجهوز، لتنطلق إلى يراع المفسّر الطليق، المندفع تحت تأثير الإيمان الغيور، أو العقيدة الراسخة، أو الحسّ الدينيّ المرهف. وخير وسيلة له تنجّيه من فخ الإساءة إلى كلام الله، أو أحبولة الخداع بحذلقة اللسان، أو بهرجة التفسير، أن يضبط فكره بتحليل رصين، يستند إلى أصول علميّة، ومنهجيّة قويمة. فاللفظ، أيّ لفظ، في نصّ مقدّس، لم يودع موضعه إلا وفق رؤية بلاغيّة، “لأناس يتفكّرون”. تراه قال هذا، حتى يسلّم القول الإلهيّ لفكر عابث، أو عقل لاهث؟ أما قاله، حتى ينبعث من قلب الناس أفكار وقورة، تليق بالجلالة الإلهيّة؟

3– معنى اللفظ التاريخيّ

للألفاظ، التي نلجأ إليها في حديثنا، معنى يرتبط بالظرف، الذي نعيش فيه. فإنّ فهم الكلام بين متحاورين يتمّ غالبًا بمشاركتهما المتبادلة والآنيّة في ظروف مشتركة، تمدّ المتحاورين بإطار معنويّ. واللفظ الذي يتّخذ معنى له في إطار تاريخيّ، يحمل معنى آخر أيضًا، في إطار تاريخيّ مختلف. لهذا السبب، يصعب التحاور بين طرفين لا يتقاسمان الثقافة عينها، لأنّ البعد التاريخيّ بينهما شاسع ومتباين إلى حدّ كبير، يجعل ذهنيّة كلّ طرف تستوعب، بدرجة متفاوتة، حديث الطرف الآخر، الشريك في الحوار؛ والعكس صحيح. فإنّ ما يراه فرد، في قلب جماعة، أنّه أمر بديهيّ، أو برهان دامغ، ينظر إليه آخر، من خارج الجماعة، نظرة نقد وارتياب.

من مهمّات المفسّر الأساسيّة أن يقيم وزنًا لهذا الجانب، عندما يشرح نصًّا، أو يعلّق على فحواه شارحًا ألفاظه. وتقع على عاتقه مسؤوليّة جسيمة، إذا ما أخفق في أداء مهمّته، لأنّ المعنى الذي يصدره يوثق به عقولًا، ويقيّد بإيعازاته قلوبًا متّقية. فهو أولى به، أوّلًا، أن يتبصّر لنفسه هل يلمّ بمراد القائل حقًّا، أم هل يودّ أن يحمّله ما يضمره صدره. أليس أنّ ظروف الخطاب مغايرة تمامًا للظروف التي يفسّر فيها؟ أم أنّ الأحداث، التي اكتنفت وضع الخطاب قد زالت، ولاشت معها مدلول كثير من الألفاظ أيضًا؟ إنّ لفظ “أخ”، مثلًا، قد يدلّ على قرابة متنوّعة بين شخصين، على حسب البيئة، التي يُستخدَم فيها، ليشير إلى العلاقة بينهما. ومثله لفظ “الابن”، و”العبد”، و”الربّ”، و”الملك”، و”الخليفة”، وسوى هذا كثير في اللغة. ففي هذه الألفاظ مفاهيم “تاريخيّة”، أي لها مدلولاتها المرتبطة مباشرة بالآونة التي سادت فيها ظروف تاريخيّة معيّنة، حتى إنّ تفسير اللفظ يحتّم الكشف عن المعنى المروم، عند صاحب النصّ، في زمانه هو، لا في زمن من يفسّر خطابه.

وفي هذا الموضوع، يحسن بالمفسّر أن يبحث عن معاني الألفاظ، لدى كتبة معاصرين، وسابقين، للكاتب الذي يتناول نصّه بالتفسير؛ ذلك بأنّ التدقيق، قبل الجزم، فطنة العالم الجادّ. لا هذا فقط، فإنّ بعض الألفاظ تستعار أيضًا من ثقافات مجاورة، لكي تعبّر عن مدلول جديد، في الثقافة الأحدث منها. ومن هذا القبيل، يحتّم البحث على المفسّر أن يغوص في مدلول اللفظ، مقارنة، وتاريخًا، واشتقاقًا، ونصًّا، قبل أن يطلق العنان للبتّ في المعنى. ويخطر في البال معنى لفظ “نفس” للتوّ. إنّ الإكتفاء بتفسيره على أنه المركّب غير الماديّ، الذي يؤلّف والبدنَ وحدة الكائن البشريّ، دليل على محدوديّة المفسّر، الذي يجب عليه الذهاب أبعد من هذا، في تفسيره. فاللفظ ساميّ، واللغات الساميّة الأخرى لا تجهله. ولكنّ معرفتها به لا تعني أنّها دلّت على وحدة معناه عندها. وعليه، يجد المفسّر نفسه مضطرًّا إلى التقصّي عن مدلول اللفظ، لدى هذه الثقافات المختلفة، بحثًا عن “تناسله التاريخيّ”، قبل أن يبلغ إلى نصّ معين.

يتطلّب علم التفسير من صاحبه القائم به جهودًا يبذلها سخيّة، بقصد الحصول على المعرفة. فلا يضّن مرّة بعناء، يفرض عليه التقصّي عن معنى. فإن وجده يبسطه على الملأ حرًّا، من غير طعن، أو تبجّح، لأنّ العلم الحقّ ضعة وحِلم. وكلّما ازداد البحث سعة وغنى، وفرت المعرفة، وعلت النفوس السمحاء. فإنّ علم التفسير مهمّة شاقّة، ورسالة يوظّف لها صاحبها علمه، ووقته، وصحته، من غير ما مكسب خسيس؛ إذ جلّ مبتغاه الوصل بين الناس، وإن باعدت بينهم الأزمان، وجلاء الحقّ، وإن تكوّنت فوقه حزم من التاريخ، أحداثه وأبطاله. والحقّ يقال، إنّ مفسّرًا كفؤًا بعمله خير من ألف داعية! فالأوّل يدعو الأجيال بعده، ومرمى الثاني أبناء جيله.

 

 

 

 

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13953/hermeneutics/