التأمّل وتكامل الإنسان والمعرفة

التأمّل وتكامل الإنسان والمعرفة

التأمّل حركة نفسيّة يمارسها الإنسان بتمام كيانه المعنويّ، ويتوجّه فيها بتمام وعيه وإدراكه الجامع لتعلّقه بوجدانه نحو الموضوع الذي يقصد النفوذ إليه ليستطلع ويستكشف أسراره وطاقاته المخبوءة وخفاياه… ساعيًا بمعاينته إلى مماهاة معناه، بحيث يتوحَّد فيه ملغيًا كلّ المسافات الفاصلة بينه وبين ذاك الموضوع.

هذا وما يميِّز الإدراك التأمّلي، عن الإدراك العلميّ، خصائص منها:

  • إنّ الإدراك العلميّ يعمل على تجزئة المعرفة، في الوقت الذي يوحّد التأمّل الظواهر والمظاهر ليرى فيها وحدتها المتكثِّرة، فيلامس أصل حقيقتها المنشئة لتنوّعها وتعدّدها. وهو بذلك يستدعي كلّ معرفة علميّة ببصيرة نافذة لا تختزل الحقيقة بالشكل. وهذا ما يمكن أن نسمّيه بالمعرفة الشاملة التكامليّة.
  • اقتصار الإدراك العلميّ على صورة الموضوع، في الوقت الذي يصير التأمّل مادّة الموضوع وجوهره ليرى اندراجه في رتب الوجود العاموديّة، واضعًا إيّاه ضمن تسلسله العلليّ ليعاين علاقته بأصل كلّ علّة، وليشاهد بكشفه الشهوديّ؛ أو إن شئت فقل بكشفه الوجوديّ، تجلّيات الحقيقة فيه، وما يمثّله من مظهر لتلك الحقيقة، فلا يكون في البين إلّا الواحد الجامع لكلّ مظهر وظاهر.

ج. يستحفظ الذهن دائرة الإدراك العلميّ بصور تفيد مقاربة المعرفة بوجه من وجوهها، وبتوسّط آليّات ووسائل منطقيّة ومنهجيّة تنبني قيمتها بحسب خصوصيّة الموضوع المُعالج، فتتفارق النتائج بحسب الوسائط المصطنعة والقبليّات الحاكمة على فهم الموضوع. في الوقت الذي يكتسب فيه التأمّل قيمته الذاتيّة من فطرة ما، جُبل عليه الإنسان الجامع في أصل خلقته لكلّ حقائق هذا العالم ولحقائق الوجود، دونما توسّط. ممّا يسمح له بمعرفة مباشرة لا يخرجها عن صدقيتّها إلّا تنزّلها إلى دائرة التعبير المسانخ لعالم الاكتساب المعرفيّ المشوب بالمعتقدات والتخلّقات المكتسبة، والتي إن تجرّد الإنسان عنها عرف الحقّ. ومن هنا قيل: “من عرف نفسه فقد عرف ربّه”، ومن هنا جاءت الحكمة الراشدة “اعرف نفسك”….تحميل المقال

 

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.



المقالات المرتبطة

دلالة الرؤية الكونيّة التوحيدية

ليس بذي بال أن نبحث عن أول انطلاق مصطلح ما، إلا بمقدار ما يفيدنا هذا البحث في تحديد المعنى المقصود من المصطلح.

لذا، فإن الرؤية الكونيّة وإن كان التعبير عنها أول ما جاء في أدبيات الفلسفة الألمانية، إلا أن المراد الذي تحمله بما يعنيه من إحساس بالعالم ومعرفته العميقة

نشأة الباطنية وأثرها في الأديان (1)

تعريف الباطنية لقد عرفت الحركة الباطنية عدة تعريفات، يجمعها تركيز الباحثين على الحركات الباطنية في الإسلام، ولم يتحدث هؤلاء الباحثون

المراسم العاشورائيّة.. التوازن بين الشكلانيّ والمضمونيّ

في مثل هذه الأيام من كل سنة تكثر الكتابات عن عاشوراء لا سيما حملات النقد الواسعة التي تطال ما يسمى “المراسم العاشورائية”، وبعض ما يعتريها من مشهدية إحيائية تتعلق بالتطبير وضرب السلاسل وغيرها.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<