البرهان الفلسفي والعرفان الذوقي في فكر الشيخ ميثم البحراني

by الدكتور علي أبو الخير | ديسمبر 20, 2021 1:22 م

تقديم

لم يتفق العلماء ـ على اختلاف مذاهبهم ـ في العالم الإسلامي حول إحدى الشخصيات العلمائية كما اتفقوا على شخصية الشيخ ميثم البحراني؛ ذلك العالم الرباني الذي جمع بين الفلسفة واليقين الروحي، أو بين البرهان الفلسفي بما فيه من الأدلة العقلية، وبين العرفان الذوقي بما فيه من عطية إلهية؛ فهو أحد أعلام علم الكلام الإسلامي الذين بحثوا في قضايا العقيدة الإسلامية ودافعوا عنها حيال الفلاسفة والمخالفين الفكريين بالحجة والمنطق والمنهج العقلي السمح من واقع إيمانهم الإسلامي دون غلو أو تشدد (1)، كما كان عرفاني النهج والسلوك، متصوف في داخله، لا يرى أي تناقض بين الفلسفة والذوق أو بين العقل والقلب؛ وهي مزاوجة قليل ما يدركها إلا الذين رسخوا في العلم؛ هذا إلى جانب نبوغه في علوم الفقه والشريعة والبلاغة واللغة؛ ولكنا في هذا البحث سنحاول إلقاء الضوء على جانبي العرفان الذوقي والبرهان الفلسفي من فكر الشيخ ميثم المتعدد الجوانب الفكرية، كما نعطي دلالة على ذلك في رؤيته لمناسك حج بيت الله الحرام؛ ولكن قبل ذلك لا بدّ من توضيح نقطة هامة ألا وهي أن التراث الفكري للشيخ ميثم البحراني ينبع من فكر أهل البيت (ع) وهو الفكر الذي لا يرفض الآخر ولا يتهمه في العقيدة أو المذهب أو السلوك، كما أنه الفكر الرسالي الذي يحرص على الوحدة الإسلامية والذي يزاوج بين العقل والنقل؛ بين الفلسفة والعرفان؛ أي أنه الفكر الشامل..

الإطار الفكري للشيخ ميثم البحراني 

إن الإطار الفكري للشيخ ميثم هو تشيعه لأهل البيت عليهم السلام، والتشيع هو قبول الآخر والتسامح مع المخالف، بالإضافة إلى الإعلاء من شأن العقل بالتوازي مع القلب، وهذا ما يمكن وضعه كإطار فكري للشيخ ميثم،  وهو إطار نظري وعملي عرفاني وبرهاني، عقلي وقلبي، ولا يمكن الحديث عن فكر الشيخ ميثم وإطاره الفكري العقلي والقلبي إلا بالإطلالة على فكر الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، لأنه الإطار الذي استقى منه  الشيخ البحراني وغيره من العلماء الربانيين…

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة أبي الفوارس سعد بن محمد بن سعد التميمي الفقيه الشافعي الشاعر المعروف بحَيْص بَيْص (2): كان فقيهًا شافعي المذهب، تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان، وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر، وأجاد فيه مع جزالة لفظه… وأخذ الناس عنه أدبًا وفضلًا كثيرًا، وكان من أخبر الناس بأشعار العرب”.

وقال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقات أهل السنة: رأيت في المنام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتمُّ على ولدك الحسين يوم الطف ما تم؟! فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا، فقال: اسمعها منه. ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص فخرج إليَّ فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطي إلى أحد! وإني كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم أنشدني:

ملكنا فكان العفوُ منا سَجيَّةً فلما ملكتم سالَ بالدَّمِ أبطحُ
وحلَّلتمُ قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نَعُفُّ ونصفح
فحسبكُمُ هذا التفاوت بيننا وكلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ

فبنو أمية ينضحون بما فيهم، وهو التكبر ومعاداة القيم، وإجبار الناس وقهرهم على بيعة خليفتهم وأتباع مذهبهم، واضطهاد من خالفهم أو سكت ولم يعلن الخضوع لهم، وعقابه القتل أو يبايع على أنه عبد قنٌّ رقٌّ طلقٌ لهم، كما فعل يزيد بالصحابة والتابعين في المدينة، في وقعة الحَرَّة ؛ أما أهل البيت النبوي من بني هاشم الذين اختارهم الله للنبوة والإمامة عليهم السلام فهم ينضحون بما فيهم، وهو الإنسانية واحترام الإنسان وإن خالفهم بالرأي، وعدم إجبار الناس على موافقتهم، والتعايش معهم بسعة صدر حسب أحكام الإسلام، والتمسك في نفس الوقت بعقيدتهم وقيمهم، والعمل لها بحكمة وعقل، والتضحية من أجلها إذا لزم الأمر. وعلى نهج كلٍّ سار شيعتهم عبر التاريخ، حتى أنك تستطيع القول: إن أهل البيت عليهم السلام هم الذين ضَخُّوا في وجود الأمة دم البقاء، وشكلوا في تاريخها دفعًا متواصلًا لحقوق الإنسان المسلم وسقيًا لحريته في العقيدة والتعبير!(3).

إن عليًّا عليه السلام عمل على إعادة العهد النبوي في احترام الإنسان، فلم يكن عنده إجبار لأحد على بيعته ولا حطبٌ ولا حرقُ بيوت! قال عليه السلام: “والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها! ما لعليٍّ ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى”!(4).

قالوا له: إن عبد الله بن عمر وسعد بن وقاص وأسامة بن زيد تخلفوا عن بيعته، واستأذنه عمار بن ياسر أن يأتي بهم ليجبرهم على البيعة كما جرت سنة قريش! فقال له: دع عنك هؤلاء الرهط الثلاثة، أما ابن عمر فضعيف في دينه وأما سعد بن أبي وقاص فحسود، وأما محمد بن مسلمة فذنبي إليه أني قتلت قاتل أخيه مرحبًا يوم خيبر (5 ). ولذلك كان علي عليه السلام الخليفة الوحيد الذي أعطى الحرية لمعارضيه وناقديه والعاملين ضده، ولم ينقص من حقوقهم من بيت المال ولا غيره شيئًا، حتى دعوا إلى الثورة عليه وشتموه في وجهه! (كان عليه السلام جالسًا في أصحابه، فمرت بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام: إن أبصار هذه الفحول طوامح وإن ذلك سبب هُبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي امرأة كامرأة! فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافرًا ما أفقهه! فوثب القوم ليقتلوه فقال عليه السلام: رويدًا إنما هو سبٌّ بسب أو عفوٌ عن ذنب) (6).

وبهذه الحرية التي أعطاها أمير المؤمنين عليه السلام لخصومه فَضَحَ القرشيين الذين قتلوا المسلمين على الكلمة وبطشوا فيهم على التهمة، وجعلوا شيخ القبيلة رئيس الدولة أعظم حرمةً من الله تعالى ورسله عليهم السلام! كان علي هو الخليفة الوحيد الذي لم يُجبر أحدًا على الحرب معه، بل ندب المسلمين إلى نصرته وأوضح لهم حقه وباطل أعدائه، فاستجاب له من أراد وتخلف عنه من أراد! ولم يُنقص من حقوقهم شيئًا! ففضح بذلك سياسة إجبار الناس على القتال!  لقد كان حكم علي عليه السلام دفعةً ربانية ونسيمًا نبويًّا رَفَد جسم الأمة بالبقاء، وأثبتت للناس أن هذه الأمة فيها نبوةٌ وقرآنٌ وقيمٌ، واحترامٌ لإنسانية الإنسان!

وقد أسهم في هذا الإثراء الإنساني أتباع عليّ عليه السلام ومنهم أمويون انشقوا عن بني أمية واستبصروا بنور علي عليه السلام كخالد بن سعيد بن العاص وأخوه أبان وأخوه عمرو، ثم معاوية بن يزيد رحمه الله الذي بايعوه بعد هلاك أبيه يزيد، فخطب خطبة العرش وفضح جده معاوية وأباه يزيدًا وبني أمية، وأشاد بالنبي صلى الله عليه وآله وعلي والعترة النبوية الطاهرة عليهم السلام. قال لهم في خطبة البيعة: (فاختاروا مني إحدى خصلتين: إما أن أخرج منها وأستخلف عليكم من أراه لكم رضًا ومقنعًا، ولكم الله عليَّ ألا آلوكم نصحًا في الدين والدنيا. وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها. قال: فأنفَ الناس من قوله وأبوْا من ذلك وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم! فقالوا:  ننظر في ذلك يا أمير المؤمنين ونستخير الله، فأمهلنا. قال: لكم ذلك وعجِّلوا عليَّ. فلم يلبثوا بعدها إلا أيامًا حتى طُعن).(7). كان هذا الشاب الأموي مؤمنًا بالله ورسوله وقيم الوحي المنزل عليه، وكان يعرف أن بني أمية لا يفوضونه أن يولي عليهم من يراه أهلًا للخلافة لأنهم يعرفون أنه سيولي زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام الذي قتلوا أباه الحسين بالأمس! ولكنه مع ذلك ضحى بإمبراطوريته ودمه وهو في سن الثلاث والعشرين! فكانت تضحيته رفدًا لمسيرة الأمة بإنسانية علي عليه السلام والنبي صلى الله عليه وآله.

ثم جاء شعار القيم التي ادعاها الثوار الحسنيون والعباسيون برفعهم شعار: ثارات الحسين عليه السلام وظلامة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، ودعوا الأمة إلى إنهاء جور بني أمية وسلبهم لحرية الأمة ومقدراتها! فحققت ثورتهم انفراجًا ما، وأعطت هامشًا من الحرية لكنه سرعان ما انتهى وتبنّى الطاغية المنصور نفس سياسة بني أمية، وزاد عليها!

ثم كانت مرحلة صراع أبناء هارون الرشيد على خلافته فتبنى المأمون التشيع النظري، وفرض على الإمام الرضا عليه السلام القبول بولاية عهده ليغيظ العباسيين الذين عزلوه! ونتج عنه هامش حرية للإمام علي الرضا (ع) وشيعته، وظهر منه العلوم والمعجزات فكانت دفعة جديدة من روح الدين والإنسانية في الأمة.

وقد تحول هذا التراكم الشيعي مع السنين إلى مخزون في وجدان الأمة اتسع بسببه التشيع لأهل البيت عليهم السلام، حتى تمثل بقيام دولة لهم في طبرستان في شمال إيران وفي اليمن. ثم تمثل بثورة البويهيين الشيعة في إيران، فاكتسحوا بغداد وفرضوا على الخليفة الاعتراف بقائدهم سلطانًا وحاكمًا للدولة الإسلامية كلها، وجعلوا الخليفة أشبه بموظف عندهم! وكان حكمهم على سيئاته دفعة في الانفتاح والحرية والاحترام النسبي للإنسان، خاصة أنه تزامن مع نشوء الدولة الفاطمية التي كانت تتبنى التشيع وحرية المذاهب، وترفع شعار احترام الإنسان المسلم.

واستمرت حالة الأمة على ذلك حتى سقطت الدولة البويهية بيد السلاجقة الأتراك المتعصبين، وسقطت الدولة الفاطمية بيد الأكراد السنة المتعصبين ثم مماليكهم.

ومن عجائب حيوية التشيع والحرية فيه، أنه حتى بعد سقوط البويهيين في العراق وسقوط النظام الفاطمي الشيعي الإسماعيلي في مصر، احتفظ التشيع بجاذبيته فتبنت الخلافة العباسية في بغداد مذهب التشيع على يد الخليفة العباسي الناصر، وكان ذلك معاصرًا لتحريم التشيع في مصر وإبادة الشيعة بمقابر جماعية على يد صلاح الدين ونائبه قراقوش، الذي ما زال يضرب به المثل.

ثم عادت بعد الخليفة الناصر سياسة التعصب السني، وعاد الاضطهاد المذهبي العباسي حتى الغزو المغولي وقيام الدولة الشيعية بتوجيه نصير الدين قدس سره.

إن الحكم والنفوذ الشيعي كان دائمًا يحارب الاضطهاد المذهبي، ويعمل لتحقيق الحرية المذهبية له ولغيره، وإلى هذا وجه مراجعهم السلاطين المغول الشيعة، وشهدت به الدراسات المنصفة لعهد الحكم المغولي في العراق وإيران.

ذلك هو المناخ الفكري العلمي والنظري العرفاني والبرهاني العقلي والقلبي الذي استقاه الشيخ ميثم وباقي علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو المذهب الشامل الذي لا يرفض الغير؛ وهو الفكر الذي يستقي تعاليمه من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ لذا فإن تراث أهل البيت لا يوجد فيه ما يتناقض مع المفاهيم الرسالية للقرآن العظيم.

الشيخ ميثم: صورة من عصره

عندما نكتب عن الشيخ البحراني لا بدّ أن نعطي بعض الأفكار عن عصره وميلاده وأقوال العلماء في فكره، ذلك لأن العصر الذي ولد فيه الشيخ كان عصر أفول الحضارة الإسلامية، وهو العصر الذي كان لا بدّ لأمثال الشيخ البحراني أن يوجد فيه، فقد ولد الشيخ الفيلسوف الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني  في 1238، وتوفي في 1299، وعاصر الشيخ ميثم الكثير من التغيرات في الماحوز، من الضواحي الحالية للعاصمة المنامة – البحرين، حيث يوجد قبره فيها. وكانت الماحوز منطقة السياسة في البحرين وخارجها.

لقد عاصر الغزو المغولي لبغداد في العام 1258م، وانتهاء الدولة العباسية وانتقال الخليفة العباسي إلى القاهرة ليكون شرعية دينية أو واجهة فقهية للماليك الذين حكموا مصر والشام، ورغم انتصاراتهم العسكرية؛ إلا أن المسلمين كانوا بالفعل في سبيلهم إلى سبات فكري وحضاري؛ وتعتبر الفترة التي عاصرها الشيخ ميثم من الفترات الذهبية بالنسبة للعلوم والفلسفة الإسلامية (رغم بوادر الانهيار)، وهي الفترة التي استطاع فيها المسلمون الوصول إلى القمة (مقارنة مع غيرهم) في مجالات الحياة المختلفة، ولهذا عكست أفكار الشيخ ميثم مزيجًا مطورًا للأفكار المطروحة حينها، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقة بين الوحي والعقل ومتطلبات الاجتماع السياسي. والشيخ ميثم – بصفته فقيهًا وفيلسوفًا – كانت له آراء ومطارحات في هذه المواضيع.

هذا في الوقت الذي شهد هزائم عسكرية كانت بداية انهيار الخلافة العباسية ودخول المسلمين في أنفاق هزائم عسكرية انتصروا بعدها ولكنها في النهاية أودت بالعقل الإسلامي، خاصة بعد أن أغلق باب الاجتهاد في العالم السني؛ ولذلك نجد أن الشيخ ميثم تمكن مع آخرين ملء الفراغ الناتج عن هذه الأوضاع.

تميز الشيخ ميثم عن غيره بأنه حظي باحترام الفقهاء والفلاسفة في آن واحد، فهو فقيه متبحر في الدين وأصوله وفروعه، وكان في الوقت ذاته فيلسوفًا وحكيمًا مطلعًا على الفلسفة اليونانية من مصادرها الأساسية، ومطورًا للفلسفة الإسلامية؛ فالفلسفة الإسلامية لدى الشيخ ميثم تضمنت علمه بالمنطق والرياضيات وعلم السياسة المتخصص في رعاية مصالح الناس الدنيوية وأنظمة الحكم.

 

 

أقوال بعض العلماء فيه: (8)

قال أحد أعلام البحرين الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني فيه: “إن الشيخ ابن ميثم ضم إلى إحاطته بالعلوم الشرعية، وإحراز قصبات السبق في العلوم الحكمية، والفنون العقلية، ذوقًا جيدًا في العلوم الحقيقية، والأسرار العرفانية، ويكفيك دليلًا على جلالة شأنه، وسطوع برهانه، اتفاق كلمة أئمة الأنصار، وأساطين الفضلاء في جميع الأمصار، على تسميته بالعالم الربّاني، وشهادتهم له بأنه لم يوجد مثله في تحقيق الحقائق، وتنضيج المباني.

ويقول الحر العاملي:كان من العلماء الفضلاء المدققين متكلمًا باهرًا.. يروي عنه السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس وغيره …

والشيخ فخر الدين الطريحي يقول: شيخ صدوق ثقة، له تصانيف منها “شرح نهج البلاغة” لم يعمل مثله.

كذلك يصفه السيد حسن الصدر: الشيخ ميثم بن علي البحراني المعاصر للسكاكي صاحب  “المفتاح”، كان علّامة في العلوم العقلية والنقلية،  والعـلّامة الشيخ علـي البلادي البحراني (المـتوفّى: 1340 هـ .ق) يقول عنه: “العالم الرباني والعارف الصمداني كمال الدين الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني، وعبّر عنه المحقق الشريف في شرح المفتاح في أوائل علم البيان: ببعض مشائخنا، تنويهًا بشأنه وتعريضًا، وأثنى عليه صدر المحققين ميرزا صدر الدين الشيرازي في حواشي التجريد في مباحث الجواهر، والحكيم الفيلسوف سلطان المحققين، وأستاذ الحكماء والمتكلمين، نصير الملة والدين محمد الطوسي، شهد له بالتبحر في الحكمة والكلام، ونظم غرر مدائحه في أبلغ نظام. وأستاذ البشر، والعقل الحادي عشر، سيد المحققين الشريف الجرجاني على جلالة قدره ــ في أوائل فن علم البيان في شرح المفتاح ــ قد نقل بعض تحقيقاته الأنيقة، وتدقيقاته الرشيقة، وعبّر عنه: ببعض مشائخنا، ناظمًا لنفسه في سلك تلامذته، ومفتخرًا بالانخراط في سلك المستفيدين من حضرته، المقتبسين من مشكاة فطرته.

والسيد ميرزا صدر الدين محمد الشيرازي أكثر من النقـل عنه فـي حاشية شـرح التجريد التي أبدعها في كتـاب: (المعراج السماوي) وغيره من مؤلفاته التي لم تسمع بمثلها الإعصار، ما دام الفلك الدوار، وفي الحقيقة من اطلع على شرح نهج البلاغة الذي صنفه للصاحب خواجه عطاء ملك الجويني ــ وهو عدة مجلدات ــ شهد له بالتبريز في جميع الفنون الإسلامية، والأدبية والحكمية، والأسرار العرفانية..”.

والمحقق الشيخ عباس القمي (المتوفّى: 1359 هـ): ” كمال الدين ميثم بن علي البحراني العالم الرباني والفيلسوف المتبحر، المحقق والحكيم المتألّه المدقق، جامع المعقول والمنقول أستاذ الفضلاء الفحول، صاحب الشروح على نهج البلاغة”.

يروي عن المحقق نصير الدين الطوسي والشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني،                  ويروي عنه آية الله العلامة والسيد عبد الكريم بن طاووس. وقيل: إن الخواجة نصير الدين الطوسي تتلمذ على كمال الدين ميثم في الفقه، وتتلمذ كمال الدين على الخواجة في الحكمة”.

قراءة في فكره البرهاني والعرفاني

كما تبين من خلال الإطار الفكري الذي تتلمذ عليه الشيخ ميثم البحراني، أنه كان مبدعًا فيما كتب فيه، وذلك في إطار متسق من الفكر العقلي والقلبي، أو البرهان العقلي والعرفان الروحي على السواء، ومن ثم نجد أن الأمر كان فتحًا في علم الكلام…

أولًا: البرهان العقلي

لقد كانت لدى الشيخ ميثم، ­ كما يبدو، ­ فلسفة كفلسفة ابن سينا، ومن الملاحظ أن الفلسفة الإسلامية تقدمت على الفلسفة اليونانية  (9)، واشتهر في الكلام حتى أنه اتخذ الأسلوب الكلامي والفلسفي في شرحه لنهج البلاغة، ونهج في طرح الاستدلال نهج الخواجة نصير الدين في تجريد الاعتقاد واعتماده في استدلالاته على العقل غالبًا لا النقل؛ فيعتقد بأن النظر في معرفة الله واجب عقلًا، ويرى أنه لا يمكن الوصول إلى هذه المعرفة بالتقليد والنقل (10)؛ ونهج في باب النبوة الأسلوب الفلسفي الدقيق وطبقه على موضوعات: ما وهل ولم وكيف ومن؛ ثم بينه (11). أما فيما يتعلق بالحشر والمعاد فقد قبل رأي أبي الحسين البصري أن أجزاء الإنسان الأصلية التي لا تتغير ولا تتحول محشورة (12).

كما أن الشيخ ميثم يرى أن المعرفة قسمان: معرفة إدراكية/حدسية وتسمّى أيضًا “التصور”، وأخرى مكتسبة/حسية، وتسمّى أيضًا “التصديق (13). المعرفة المكتسبة تستحصل بواسطة الاستنتاج العقلي القائم على الحجج والبراهين الملموسة. وهو يرى بأن معرفة الله سبحانه وتعالى ممكنة أيضًا من خلال العقل العملي (المعرفة الحسية/التصديق)، بمعنى أن الإنسان يمكنه أن يصل إلى الحقائق دون مساعدة الوحي؛ هذا لا يعني أنه ينفي الوحي، بل أنه يرى أن العقل والجهد والتفكير الإنساني (بجانبيه النظري/ الإدراكي، والعملي/الحسي) بإمكانهما إيصال الإنسان لمعرفة الله والحقيقة.

ويعتبر الفلاسفة الإلهام والعرفان والرياضيات من مصادر المعرفة الإدراكية/الحدسية، أما المعرفة الحسية، فهي القائمة على العلوم التجريبية الملموسة والمعتمدة على قوانين طبيعية (فيزيائية وكيمائية وحيوية وغيرها) ثابتة يمكن اكتشافها والاستفادة منها في الصناعة والزراعة والطب والهندسة والبناء وغيرها من متطلبات الحضارة الإنسانية.

يشرح الشيخ ميثم أفكاره حول مصادر المعرفة في كتابه (شرح مائة كلمة للإمام علي (ع))           (14)، عند التعرض لموضوع “قوى النفس الإنسانية” قائلًا: اعلم أن النفس الإنسانية لها قوتان، نظرية وكلية.. أما العملية (أي المعرفة الحسية) فهي قوة محركة لبدن الإنسان إلى الأفاعيل الجزئية على مقتضى آراء، بعضها جزئية محسوسة وبعضها كلية أولية… وأما النظرية (المعرفة الحدسية)، فهي التي لأجلها يصح من النفس إدراك الأشياء على الوجه الصواب، وأن الحكمة النظرية (كمال المعرفة الحدسية)، هي “استكمال القوة النظرية في الإدراكات التصويرية والتصديقية حتى تصير عقلًا مستفادًا؛ أما الحكمة العملية (كمال المعرفة الحسية)، فهي “استكمال القوة العملية بتصور أنه كيف يمكن أن ينبغي أن يكون اكتساب الكمال بالملكة التامة على الأفعال الفاضلة حتى يكون الإنسان قويمًا على الصراط المستقيم، وأن السياسة قسم من أقسام الحكمة العملية؛ يشرح الشيخ ميثم رأيه حول الحكمة العملية (كمال المعرفة الحسية)، قائلًا: وأما أقسام الحكمة العملية فهي “حكمة خلقية وحكمة منزلية وحكمة سياسية، وذلك لأن كل عاقل فلا بدّ وأن يكون ذا غرض في فعله. وذلك الغرض إما أن يكون مختصًا به في نفسه وهو علم الأخلاق (الحكمة الخلقية)، أو يكون مختصًا به مع خواصه وأهل بيته؛ وهو علم تدبير المنزل (الحكمة المنزلية)، وإما أن يكون عائدًا إلى الإنسان مع عامة الخلق وهو علم السياسية”. وقد يزاد في الأقسام رابع، وهو غرض الإنسان بالنسبة إلى مدينته، وتسمّى حكمة مدنية، وهو تعلم تدبير المدينة بكيفية ضبطها ورعاية مصالحها. وهذا علم لا بدّ منه، لأنه الإنسان مدني بالطبع، فما لم يعرف كيفية بناء المدينة وترتيب أهلها على اختلاف درجاتهم لم يتم مقصوده، ويشير إلى أن “الحكمة المدنية” هي جزء من “الحكمة السياسية”، ويشرح فائدة الحكمة السياسية أنها تعلم “كيفية المشاركة فيما بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان”.

إن كتاب الشيخ ميثم (شرح المائة كلمة للإمام علي (ع)) يحتوي على الكثير من الأسس الأخلاقية والسياسية التي توضح المبادئ التي يعتمد عليها الشيخ ميثم. كما أن الكتب العديدة للشيخ ميثم، خصوصًا موسوعة شرح نهج البلاغة، وكتاب القواعد (قواعد المرام في علم الكلام) وغيرهما، توضح عمق الفلسفة الميثمية التي استفاد منها الفلاسفة الآخرون مثل الملا صدرا والجرجاني وغيرهما، ونلاحظ أن شروحات الشيخ ميثم سياسية في كثير من جوانبها. مثلًا، عندما يشرح قول الإمام علي (ع) “لا سؤدد مع انتقام”، يوضح قائلًا: أقول السؤدد الاسم من السيادة، والانتقام الأخذ بالعذاب لتقدم جريمة من المأخوذ عن حركة القوة الغضبية، كما سبق بيانه. وهو قد يكون محمودًا، وقد يكون مذمومًا. أما المحمود فما صدر موافقًا لرسم الشريعة في السياسات وتدبير المدن، وأما المذموم فهو الذي يخرج إلى طرف الإفراط من ذلك، وهو المقصور في هذه الكلمة بالذات المنافي للسؤدد، والسبب في مضادته له أن الانتقام مثير للقوى الغضبية ممن ينتقم منه، وحامل له على طلب المقاومة والدفع والمغالبة أنفة وحمية، أو على الهرب والترك، وكل ذلك مستلزم لتنفر الطباع وبعدها عن التآلف. والسؤدد (السيادة) إنما يحصل بالتواضع وخفض الجناح للتابعين ولين الكلمة واستجلاب طباعهم بأنواع التلطفات والمباسطات والتكرم والتجاوز عن بعض إساءتهم والصفح عن بعض جرائمهم ليحصل الأنس والمحبة الطبيعية التي هي سبب الألفة والانقياد، وذلك ما أدب الله تعالى نبيه بالآداب الصلاحية. فقال عز من قائل: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (15)، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾(16)”. ربط الشيخ ميثم موضوع السيادة بالشورى، وكذلك علاقة الانتقام السلبية أو الإيجابية بسياسات “تدبير المدن”.

فلسفة الروح والبدن عند الشيخ ميثم  

يقول الشيخ ميثم (17): والحكماء القائلون بثبوتها في العقل العمليّ دون العقل النظريّ قالوا: تكون السعادة والشقاوة لازمتين للأفعال الملائمة وغير الملائمة، كالصحّة لاعتدال المزاج، والمرض لانحرافه. واعلم أنّ هذه الأقوال مبنيّة على كون الإنسان مدركًا بعد موته. وهي جائزة عند مثبتي المعتزلة، لأنّ الذات باقية عندهم حال تعقّب الوجود والعدم عليها؛ وكذلك عند بعض أهل السنّة فإنّهم قالوا: الممكن لا يصير بانعدامه ممتنعًا؛ ومحالٌ عند غيرهم، لاستحالة تخلّل العدم بين شيء واحد بعينه، فإذن لا يكون المُعاد عين المبتدأ، بل إن كان ولا بدّ فهو مثله الحاصل في الذكر بعد النسيان هو ما أدركه أوّلًا بعينه، وهو عوده وليس ذلك بصحيح؛ لأنّ التعدّد ينافي الوحدة، وتماثل المعاد والمبتدأ لا يقتضي اتّحادهما.

وما شهدت به النصوص من كون أهل الجنة جُردًا مُردًا، وكون ضَرس الكافر مثل جبل أُحد، يعضد ذلك، وكذا قوله تعالى: ﴿كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلوداً غَيْرَها﴾).18).

ولا يبعد أن يكون قوله تعالى: ﴿أَوَ لَيْسَ الّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ بِقادِر عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ)(19). إشارة إلى هذا، والصحيح أن يقال: إنّ المُعاد في القيامة هو عين الإنسان الدنيوية باعتبار نفسه، وليس عينًا له باعتبار بدنه وحالاته البدنية وهذا واضح، وأنّ الإنسان مركّب من نفس وبدن، والبدن في هذه النشأة في معرض التحلُّل والتبدّل دائمًا، فهو لا يزال يتغيّر أجزاؤه، والمركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، فهو في كلّ آن غيره في الآن السابق بشخصه، وشخصية الإنسان محفوظة بنفسه ـ روحه ـ المجرّدة المنزّهة عن المادة والتغييرات الطارئة من قبلها المأمونة من الموت والفساد.

والمتحصّل من كلامه: أنّ النفس لا تموت  بموت البدن وأنّها محفوظة حتى ترجع إلى اللّه سبحانه، كما تقدّم استفادته من قوله تعالى: ﴿وَقالُوا ءَ إِذا ضَلَلْنا فِي الأَرْضِ أَءِنّا لَفِي خَلق جَدِيد بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرونَ *قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون﴾)20)؛ فالبدن اللاحق من الإنسان إذا اعتبر بالقياس إلى البدن السابق منه كان مثله لا عينه، لكن الإنسان ذا البدن اللاحق إذا قيس إلى الإنسان ذي البدن السابق كان عينه لا مثله، لأنّ الشخصية بالنفس وهي واحدة بعينها وفي أقوال الناس في حقيقة الإنسان وأنّـها أيّ شيء هي؟[1] اختلفوا في حقيقة الإنسان. فبعضهم قالوا: إنّ الإنسان هو هيكله المحسوس، وبعضهم قالوا: هو أجزاء أصلية داخلة في تركيب الإنسان لا تزيد بالنمو ولا تنقص بالذبول، وقالت الدهريّة: الإنسان ينعدم بموته ولا يكون له عود إلى الوجود. والقائلون بأنّ المعدوم شيء قالوا: بأنّه ينعدم بموته، ثمّ يعود إلى الوجود، وحينئذ يثاب أو يعاقب. أمّا انعدامه فلقوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فان﴾(21)، ﴿وكُلُّ شَيْء هالِكٌ إِلاّ وَجْههُ﴾) 22).

وأمّا عوده فلوجوب كونه مثابًا أو معاقبًا في الآخرة؛ الروح عندهم جسم سار في البدن، سريان النار في الفحم، والماء في الورد، والزيت في الزيتونة، وذهب جمهور الفلاسفة وأتباع المشائين إلى أنّه روحاني فقط؛ لأنّ البدن ينعدم بصورته وأعراضه، فلا يعاد، والنفس جوهر باق لا سبيل إليه للفناء، فيعود إلى عالم المجردات لقطع التعلّقات بالموت الطبيعي.

وذهب كثير من أكابر الحكماء ومشائخ العرفاء، وجماعة من المتكلّمين كحجة الإسلام الغزالي، والكعبي والحليمي، والراغب الإصفهاني، والقاضي أبو يزيد الدبوسي، وكثير من علماء الإمامية وأشياخ الاثني عشرية كالشيخين المفيد وأبي جعفر والسيد المرتضى، والعلّامة الطوسي وغيرهم ـ رضوان اللّه عليهم أجمعين ـ إلى القول بالمعادين الجسماني والروحاني جميعًا، ذهابًا إلى أنّ النفس مجردة يعود إلى البدن؛ أما الشيخ ميثم فقد قال: إنّ الشيئية مساوقة للوجود، ففناء الإنسان وهلاكه بالموت بمعنى تفرّق أجزائه وخروجه عن حدّ الانتفاع، لا فناؤه بالكلية، وهو مذهب أبي الحسين البصري: أنّ من تصوراتنا، تصوّر ما لا ينقسم كالوحدة، وتصوّر ما لا يمكن أن يشار إليه إشارة حسية كالمعاني الكلية، والصورة العلمية عارضة للنفس حالّة فيها، فلو كانت النفس جسمًا كان قابلًا للقسمة، وقابلًا للإشارة الحسّية، ولازمه كون الصور العلمية أيضًا قابلًا للقسمة وللإشارة الحسّية، لأنّ العرض تابع لموضوعه والحال تابع لمحلّه، هذا خلف وأجاب عنه صدر المتألّهين (ره ): بأنّ البرهان قام على أنّ كل حادث زماني محتاج إلى مادّة حاملة لا مكانه، ولا فرق في ذلك بين جانبي الوجود والعدم، لأنّ البرهان إذا تمّ في جانب الوجود، تمّ في جانب العدم بلا تفاوت أصلًا، نعم كل معدوم صرف لم يدخل في عالم الوجود لا يحتاج في عدمه إلى سبق حامل له، بل ذاته حاملة لعدمه بالمعنى الذي ذكر، وأمّا الأشياء التي طرأ عليها العدم بمعنى رفع الوجود الذي كان ثابتًا لها في الخارج، فلا بدّ لها من حامل لقوة عدمها…هما إمّا بدنيّان، كاللذّات الجسميّة والآلام الحسّية، وإمّا نفسانيّان، كالتعظيم والإجلال، وكالخزي والهوان. وتفصيلهما لا يعلم إلاّ بالسمع، واللذّة إدراك الملائم من حيث هو ملائم. والألم إدراك مناف من حيث هو مناف، فإن كان إدراكهما بالحواس فهما حسّيان وشرط الإحساس بهما أن لا يكونا مستمرّين، فإنّ الانفعال المستمر ممّا يبطل الإحساس. وإن كان إدراكهما بالعقل فهما عقليّان. والعقليّ أثبت، لكونه أبعد عن الانفعال المؤدّي إلى الزوال، وأوفر لاستغنائه عن توسّط الآلة، وأكمل لكون الموانع فيه أقلّ.

 

الإسلام والإيمان

قال الشيخ ميثم: الإسلام أعمّ في الحكم من الإيمان وهما في الحقيقة واحد، وأمّا  كونه أعمّ، فلأنّ من أقرّ بالشهادتين كان حكمه حكم المسلمين، لأن الإسلام الذي هو التسليم للحقّ الذي هو حقّ الاعتقاد وحق العمل، واختلاف الشرائع إنّما هو بالكمال والنقص دون التضاد والتنافي، ويجمع الجميع أنّها تسليم وإطاعة للّه سبحانه، فيما يريده من عباده على لسان رسله؛ فحقيقة الإسلام هي الانقياد والتسليم، وأمّا الإيمان فهو مشتقّ من الأمن، وإذا استعمل متعدّيًا كان بمعنى التصديق الّذي يلازمه أمن؛ قال الراغب: الإيمان التصديق الّذي معه أمن واختلفوا في حقيقة تلك الأمنيّة، فقال الزمخشري: حقيقته أمنه التكذيب والمخالفة.

فاتّضح ممّا تقدّم أنّ الإسلام والإيمان متغايران لغة، وأمّا باعتبار المصداق فالنسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، وذلك لأنّ كلًّا منهما يعتبر إمّا بلحاظ اللفظ، وإمّا بلحاظ العقد القلبي، فباعتبار اللفظ متّحدان، فإنّ التسليم والتصديق متّحدان لفظًا، وكذلك باعتبار العقد القلبي، فالتصديق القلبي يلازم التصديق كذلك، وأمّا إذا اعتبر أحدهما لفظًا، والآخر قلبًا كانا مختلفين، فمن المؤمن لفظًا من ليس بمسلم قلبًا، وبالعكس والشيعة تقول: أُصول الإيمان ثلاثة: التصديق بوحدانية اللّه تعالى في ذاته، والعدل في أفعاله، والتصديق بنبوّة الأنبياء، والتصديق بإمامة الأئمّة المعصومين من بعد الأنبياء. وقال العلاّمة المجلسي: “الإسلام هو الإذعان الظاهر باللّه وبرسوله وعدم إنكار ما علم ضرورة من دين الإسلام، فلا يشترط فيه ولاية الأئمّة عليهم السلام. الإيمان هو التصديق بالجنان، والقول باللسان مظهر له، والعمل بالأركان من ثمراته، وهذا ما ذهب ابن ميثم البحراني، الذي قال: “إنّ الإيمان عبارة عن التصديق القلبي باللّه تعالى وبما جاء به رسوله من قول أو فعل، والقول اللساني سبب ظهوره، وسائر الطاعات ثمرات مؤكِّدة له، واستدلّ بالآيات الّتي عدّت الإيمان من أفعال القلب، أو جعلت القلب محلًّا له، قال سبحانه: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ﴾؛ والذنب يقابل العمل الصالح، وينقسم إلى كبائر وصغائر. ويستحقّ المؤمن بالإجماع الخلود في الجنّة ويستحقّ الكافر الخلود في النّار؛ وقال تعالى: ﴿أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمان﴾ (23)، و﴿وَلَمّا يَدْخُلِ الإِيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾(24)، وقال: ﴿مِنَ الّذينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾)25)، واستدل عليه ببعض الأحاديث نحو قوله عليه السّلام: أوّل الدين معرفته، وردّ بأنّ المقصود من الحديث هو أنّ الإيمان وهو الإقرار والإذعان متوقّف على معرفة مّا، إمّا إجمالًا، وإمّا تفصيلًا، هذا مع أنّ هناك طائفة من الآيات جمعت فيها بين المعرفة والكفر والضلالة، فكيف تكون المعرفة إيمانًا؟ قال سبحانه: ﴿الَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُم﴾)26)، وقال: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾)27). وقال: ﴿إِنَّ الّذينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى﴾)28)؛ الإيمـان هو فعل الطاعات وترك المحرّمات، فمن ترك واجبًا أو ارتكب محرّمًا لا يستحق اسم الإيمان، وهذا هو مذهب المعتزلة والخوارج، والفرق بينهما أنّ الخوارج قالوا: من ترك واجبًا أو ارتكب محرّمًا صار مشركًا، والمعتزلة لم يقولوا بهذا، بل قالوا: هو فاسق، والفسق منزلة بين المنزلتين، وممّا استدلّوا به قوله تعالى: ﴿وَما كانَ اللّهُ لِيُضيعَ إِيمانَكُمْ﴾(29)؛ إذ المراد من الإيمان في الآية هو صلاتهم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة منها إلى الكعبة المشرَّفة؛ كما وردّ بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، ولا شكّ أنّ العمل أثر الإيمان، وإطلاق اسم الأثر على السبب شائع، والقرينة عليه ما تقدّم من الآيات الدالة على أنّ محلّ الإيمان هو القلب، وأنّ العمل متفرّع عليه؛ فالإيمان مركّب من التصديق القلبي والإقرار اللساني، وهذا مختار المصنّف في تجريد العقائد والعلاّمة الحلّي في نهج المسترشدين، ونسبه التفتازاني إلى كثير من المحقّقين وحكاه عن أبي حنيفة واستدلّ عليه بقوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾)30) .حيث جمع في الآية بين الجحود ـ الكفر ـ واليقين، ولو كان الإيمان إذعانًا قلبيًّا ـ اليقين ـ ما صح ذلك؛ وردّ بأنّ مفاد الآية أنّهم كانوا مع علمهم بالحق وإيقانهم به جاحدين له ظلمًا وعلوًّا، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾)31)؛ فمفاد هذه الآيات أنّ المعرفة بالحق وحدها ليست هي الإيمان المطلوب في الشريعة، بل يحتاج إلى إذعان بالقلب، ومن المعلوم أنّ الجحود باللسان ونحوه كاشف عن عدم تحقّق ذلك الإذعان، فلا دلالة للآية على نفي كون الإيمان هو الإذعان القلبي كما يرى أن الإيمان مركّب من ثلاثـة أُمور، هي: التصديـق بالقلب والإقرار باللسان، وهو يكون في النار خالدًا؛ وعند غيرهم المؤمن قد يكون فاسقًا وقد لا يكون، ويكون عاقبة أمره على التقديرين الخلود في الجنّة.  ومستند هذا القول طائفة من الأحاديث فُسّر الإيمان فيها بالأُمور الثلاثة، فروى أبو الصلت الهروي عن الرضا عليه السّلام، عن آبائه عليهم السلام، عن عليّ عليه السّلام، عن الرسول صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم أنّه قال: “الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان”.

يلاحظ مما سبق أن الشيخ ميثم (قدس) لم يكتف بشروحاته عن الروح والبدن والإيمان والكفر بالآيات القرآنية وحدها؛ ولكنه استخدم الشروحات المنطقية والدلالات الفلسفية والرؤى النبوية؛ كما عرض وجهات نظر مخالفيه من المسلمين وغيرهم ليصل إلى نتيجة يقينية مفادها أن الإيمان لا يمكن أن يتعارض مع العقل والضمير والوجدان على السواء؛ وأن الإسلام يجمع الأمة؛ على اختلاف مذاهبها والإيمان يزيد هذه الوحدة.

ثانيًا: العرفان الروحي: التصوف وحب أهل البيت

بحث شيوخ التصوف عن شخصيات عارفة لله عابدة ليتخذوها قدوة، فلم يجدوا إلا أهل البيت عليهم السلام  (32)، ولذلك تجد أكثر أصحاب الطرق الصوفية نسبوا طرقهم إلى أويس القرني رحمه الله، ثم إلى أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم السلام، وزعموا أنهم أخذوا منهم أفكارهم في معرفة الله تعالى وعبادته! ولهذا دخل التشيع بمعنى حب أهل البيت عليهم السلام إلى ثقافة الصوفية عمومًا، ودخلت مدائح علي عليه السلام في أناشيدهم وأذكارهم وأورادهم. وساعد على ذلك أن كبار شيوخهم رأوا كرامات ومعجزات مدهشة لأهل البيت عليهم السلام،كما روى ثابت البناني قال: (كنت حاجًّا وجماعة عباد البصرة مثل أيوب السجستاني وصالح المري وعتبة الغلام وحبيب الفارسي ومالك بن دينار، فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقًا، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث، ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها، فمُنعنا الإجابة فبينما نحن كذلك إذْ نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطًا، ثم أقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار ويا ثابت البناني ويا صالح المري ويا عتبة الغلام ويا حبيب الفارسي ويا سعد ويا عمر ويا صالح الأعمى ويا رابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن سليمان، فقلنا: لبيك وسعديك يا فتى. فقال: أما فيكم أحد يُحبه الرحمن؟ فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة، فقال: ابعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه! ثم أتى الكعبة فخّر ساجدًا، فسمعته يقول في سجوده: سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث! قال: فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب! فقلت: يا فتى من أين علمت أنه يحبك؟ قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنه يحبني، فسألته بحبه لي فأجابني. ثم ولى عنا وأنشأ يقول:

من عرف الرب فلم تُغْنِهِ معرفةُ الرب فذاك الشقِي

ما ضر ذو الطاعة ما ناله في طاعة الله وماذا لقِي

ما يصنع العبدُ بغير التقى والعز كـل العز للمتقِي

فقلت يا أهل مكة من هذا الفتى؟ قالوا: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقال شقيق البلخي: وجدت رجلًا عند فِيد (في طريق الحج) يملأ الإناء من الرمل ويشربه! فتعجبت من ذلك واستسقيته فسقاني، فوجدته سويقًا وسكرًا، وقال هشام بن حاتم الأصم، قال لي أبو حاتم، قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجًّا في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم، فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشمله في رجليه نعلان وقد جلس منفردًا فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلًّا على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه! فدنوت منه فلما رآني مقبلًا قال: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، ثم تركني ومضى! فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي وما هذا إلا عبدٌ صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحلَّني، فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني. فلما نزلنا واقصة إذْ به يصلى وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه واستحله، فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه، فلما رآني مقبلًا قال لي: يا شقيق أتل: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾. ثم تركني ومضى فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال! لقد تكلم على سري مرتين. فلما نزلنا زُبَالة إذا بالفتى قائمٌ على البئر وبيده رَكْوَةٌ يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر، وأنا أنظر إليه فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول:

أنت ربي إذا ظمئتُ إلى الماء        وقُوَّتي إذا أردتُ الطعام

اللهم سيدي ما لي سواها فلا تحرمنيها، قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء فتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب. فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد عليَّ السلام فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعمه علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكر! فوالله ما شربت قط ألذَّ منه ولا أطيب ريحًا، فشبعت ورويت وأقمت أيامًا لا أشتهي طعامًا ولا شرابًا، ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قُبَّة الشراب في نصف الليل قائمًا يصلى بخضوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة، وطاف بالبيت أسبوعًا وخرج، فتبعته وإذا له غاشية وموالٍ، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله يسلمون عليه! فقلت لبعض من يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد! فهذه الكرامات العالية الأقدار الخارقة العوائد هي على التحقق جلية المناقب وزينة المزايا وغرر الصفات، ولا يؤتاها إلا من فاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد، ومرت له أخلاف التوفيق، وأزلفته من مقام التقديس والتطهير وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

لقد تأثر المتصوفة بميراث أهل البيت وكثير من أقطاب الصوفية ينتسبون لبيت النبوة ويحرصون على إذاعته؛ مثل السيد أحمد البدوي والرفاعي والشاذلي وغيرهم من شيوخ التصوف؛ ويؤكدون أن الإمام عليًّا (ع) أول من لبس خرقة الصوفية؛ ولهم مصطلحات عرفانية مثل المقامات الوصولية والذوق والوجد والأنس والرضا؛ وهو ما نلمسه عند الشيخ ميثم البحراني؛ ولكنه يختلف عنهم بأنه أخذ العرفان مباشرة من فكر أهل البيت (ع) دون وسيط كما فعل باقي المتصوفة.

التصوف لدى الشيخ ميثم البحراني

للشيخ ميثم البحراني قصة اشتهرت في الآفاق مع بعض علماء العراق أنه كان في أوائل الحال معتكفًا في زاوية العزلة، مشتغلًا في تحقيق الفروع والأصول، فكتب إليه فضلاء الحلة صحيفة تحتوي على ملامته على هذه الأخلاق وقالوا: العجب منك أنت على شدة مهارتك في جميع العلوم والمعارف، وحذاقتك في تحقيق الحقائق وإبداع اللطائف، قاطن في طلول الاعتزال، ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال؛ فكتب في جوابهم هذه الآبيات، وهي لبعض الشعراء المتقدمين.

قد قال قوم بغير علم ما المرء إلا بأصغريه

فقلت قول آمري حكيم ما المرء إلا بدرهميه

من لم يكن درهم لديه لم تلتفت عرسه إليه

ثم إنه لما علم أن مجرد المراسلات والمكاتبات لا تنقع الغليل، ولا تشفي العليل، توجه إلى العراق لزيارة الأئمة المعصومين (ع) وإقامة الحجة على الطاعنين، ثم إنه بعد الوصول إلى تلك المشاهد العلية لبس ثيابًا خشنة، وتزيّا بهيئة رثة … ودخل بعض مدارس العراق المشحونة بالعلماء والحذاق فسلم عليهم، فرد عليه السلام بعضهم بالاستثقال، فجلس الشيخ ميثم في الصف الذي فيه النعال، ولم يلتفت إليه أحد منهم … وفي أثناء المباحثة، وقعت بينهم مسألة مشكلة دقيقة كلت عنها أفهامهم، فأجاب بتسعة جوابات بغاية الجودة والدقة، فقال له بعضهم بطريق السخرية والتهكم: (أخالك طالب علم)، ثم بعد ذلك أحضر الطعام فلم يؤاكلوه، بل أفردوه بشيء قليل على حدة؛ ثم إنه عاد في اليوم الثاني إليهم، وقد لبس ملابس فاخرة، بهيئة ذات أكمام واسعة، وعمامة كبيرة، وهيئة رائعة، فلما قرب وسلم عليهم قاموا تعظيمًا له، واستقبلوه تكريمًا.. وأجلسوه في صدر ذلك المجلس المشحون بالأفاضل المحققين، وأكابر المدققين، ولما شرعوا بالمباحثة والمذاكرة تكلم معهم بكلمات عليلة لا وجه لها عقلًا ولا شرعًا، فقابلوا كلماته العليلة بالتحسين والتسليم والإذعان على وجه التعظيم، فلما حضرت مائدة الطعام بادروا معه بأنواع الأدب، فألقى الشيخ كمه في ذلك الطعام.. وقال: كل يا كمي فلما شهدوا تلك الحال العجيبة أخذوا في التعجب والاستغراب، واستفسروه عن معنى هذا الخطاب، فأجاب: بأنكم إنما آتيتم بهذه الأطعمة النفيسة لأجل أكمامي الواسعة، لا للنفس القدسية اللامعة وإلا فأنا صاحبكم بالأمس، وما رأيت تكريمًا ولا تعظيمًا، مع أني جئتكم بالأمس بهيئة الفقراء وسجية العلماء، واليوم جئتكم بلباس الجبارين، وتكلمت بكلام الجاهلين، فقد رجحتم الجهالة على العلم، والغنى على الفقر، وأنا صاحب الأبيات في أصالة المال، وفرعية صفات الكمال.. فاعترف الجماعة بالخطأ، واعتذروا بما صدر منهم من التقصير في شأنه قدس سره، ثم قال لهم: قال أمير المؤمنين عليه السلام في مناجاته: إلهي ما عبدتك خوفًا من عقابك، ولا رغبةً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك. هذه القصة تدل على ما وصل إليه الشيخ من يقظة عرفانية وأدب فلسفي في ذات الوقت؛ فقد أعطاهم درسًا عرفانيًّا في كيفية تلقي العلم وأن السراويل ليست الدليل على المعرفة؛ كما أنه كان يترجم ما قاله الإمام جعفر الصاق (ع): كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، أما كلمات الشيخ ميثم  المنقولة عن الإمام علي (ع) تدل على هذا الاقتراب الصوفي، فقد قال رحمه الله في شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام: (قد حَذَفَ كلَّ ما سوى الحق تعالى عن درجة الاعتبار ولم يلحظ معه غيره، وذلك هو الوصول التام، ولذلك نسبه السيد الخوئي قدس سره بنحو الجزم، فقال في البيان: قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه: ما عبدتك خوفًا من نارك..إلخ.). فلا عبرة بمن نسبه إلى رابعة العدوية، المتأخرة عن عصر علي عليه السلام قرنًا ونصفًا، وقد أخطأ بعضهم في فهم معنى حديث أمير المؤمنين عليه السلام، فتصور أنه عليه السلام ينفي أن يكون عنده خوفٌ من عذاب الله تعالى، أو طمعٌ في جنته، مع أنه لا ينفي ذلك، بل يقول إنه يوجد معهما دافع أقوى منهما في شخصيته عليه السلام هو أن الله سبحانه أهل للعبادة، وأن هذا الدافع أقوى المحركات في نفسه وتوضيحه: أن الذي يريد الصلاة مثلًا، يوجد عنده عادةً أحد ثلاثة دوافع لها: دافعُ الخوف من عذاب الله، والطمع في ثوابه، أو دافعُ الرياء؛ ويوجد عند أفراد نادرين دافعٌ رابع، هو أنه يحب ربه ويراه أهلًا لأن يصلى له؛ والحرام هو الصلاة رياء للناس، والمقبول أن يصلى لله تعالى، بأي دافع يرجع إليه، كامتثال أمره أو طلب رزقه أو جنته أو حبًّا له.. إلخ.  وعندما يتحرك الإنسان للعمل بأحد هذه الدوافع فليس معناه عدم وجود الدوافع الأخرى، بل معناه أن أحدها كان فعّالًا، والباقي موجود مساعد أو غير فعال؛ كما قام الشيخ ميثم بشرح قول الإمام علي (ع)  لما سأله رجل أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره، بعد كلام طويل هذا مختاره: إن الله سبحانه أمر عباده تخييرًا، ونهاهم تحذيرًا، فكلف يسيرًا، ولم يكلف عسيرًا، وأعطى على القليل كثيرًا ولم يعص مغلوبًا، ولم يطع مكرهًا، ولم يرسل الأنبياء لعبًا، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثًا، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلًا ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾، فقال: إن عليًّا (ع) ربط بين التخيير الطوعي والتكليف الجبري، أو بين الرضا بالقضاء وحسن الأدب مع خالق السماء.

أسرار الحج وأعماله الباطنية العرفانية من شرح نهج البلاغة عند الشيخ ميثم

يبدو العرفان الذوقي ظاهرًا في شرح الشيخ ميثم للحج ومناسكه ـ كمثال على عرفانيته ـ من خلال شرحه لنهج البلاغة، فقد باتت مراتب اليقين والأنس والوجد والرضا، وكلها مفردات صوفية عرفانية يعود ميراثها للإمام علي وبنيه المعصومين، والشيخ ميثم عندما يكتب عن الحج نجده لا يشرح الحج ومناسكه بالروح العرفانية وحدها، بل أيضًا يضيف له أبعاده الفلسفية بما لا نجده عند آخرين كما نرى في حديثه عن قداسة المكان ورمزيته وأيضًا الزمان وإشارته.

قدسية المكان وثقافته: الرمز والإشارة

يرتبط المكان بالزمان بجذبات الحق ويعلمها المخلصون الذين يدركون القرب بالمجاهدة؛ وهي مرتبة الأنس التي يريدها الصوفي؛ فإذا ارتبط المكان بالروح يصل المرء إلى مرحلة الرضا ثم الاستئناس بمرتبة حق اليقين ثم عين اليقين؛ ولذلك نجد الشيخ ميثم يرى في الحج على المستويين المكاني والزماني دلائل روحانية عرفانية تجذب الروح وتخلب الوجدان؛ والحج ليس شعائر فقط؛ ولكنه معاني علوية تتماوج فيها الأفكار السماوية بالرؤية الأرضية؛ أو الروح والجسد؛ يقول الشيخ (قدس) (33): فأما الحج، فإنك لما عرفت أن الغرض الأول من العبادات هو جذب الخلق إلى جناب الحق، بالتذكير له ودوام إخطاره بالبال، لتجلى لك الأسرار على طول التذكار، وينتهي في ذلك من أخذت العناية بيده إلى مقام المخلصين، فمن جملة أسرار الله سبحانه المنزلة على لسان رسوله، تعيين موضع من البلاد، أنه أصلح المواضع لعبادة الله، وأنه خاص له ولا بد من تعيين أفعال تفعل في ذلك المكان، وأنها إنما تفعل في ذات الله سبحانه ونحن نذكر فضيلة من جهة السمع، ثم نشير إلى ما ينبغي أن يوظف فيه من الآداب الدقيقة ثم نشير إلى الوظائف القلبية والأعمال الباطنة عند كل حركة وركن من أركان الحج، مما يجري من تلك الأركان مجرى الأرواح للأبدان، فإذن ها هنا أبحاث:

الأول: فضيلة الحج من جهة السمع: رموز وأسرار

قال الشيخ ميثم: أما الفضيلة، فمن وجوه: الأول: قوله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، قال قتادة: لما أمر الله عز وجل خليله إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس نادى: (أن لله بيتًا فحجوه)، وقال تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، قيل: التجارة في المواسم والأجر في الآخرة، ولما سمع بعض السلف هذا قال: غفر لهم ورب الكعبة. الثاني: قال عليه السلام: “من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، وقد عرفت كيفية نفع العبادات في الخلاص من الذنوب. الثالث: قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ما رؤي الشيطان في يوم هو أصغر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة”، وما ذلك إلا لما يرى من نزول الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إذ يقال: “من الذنوب ما لا يكفرها إلا الوقوف بعرفه”، أسنده الصادق عليه السلام إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان سر ذلك: ما يحصل من رحمة الله، ويفاض على أسرار العبادة التي قد صفت بشدة الاستعداد الحاصل من ذلك الموقف العظيم، الذي يجتمع فيه العالم أشد اجتماع، فإن الاجتماع سبب عظيم في الانفعال والخشية لله وقبول أنواره.

الثاني: في الآداب الدقيقة: تخلية القلب

وهي عشرة: الأول: أن تكون النفقة حلالًا، ويخلو القلب عن تجارة تشغله سوى الله تعالى، وفي الخبر من طريق أهل البيت: “إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج على أربعة أصناف: سلاطينهم للنزهة، وأغنياؤهم للتجارة، وفقراؤهم للمسألة، وقراؤهم للسمعة”. وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصور أن تتصل بالحج، فكل ذلك مانع لفضيلة الحج ومقصود الشارع منه. الثاني: أن لا يساعد الصادين عن سبيل الله والمسجد الحرام بتسليم المكوس إليهم، فإن ذلك إعانة على الظلم، وتسهيل لأسبابه، وجرأة على سائر السالكين إلى الله، وليحتل في الخلاص، فإن لم يقدر فالرجوع أولى من إعانة الظالمين على البدعة وجعلها سنة؛ الثالث: التوسع في الزاد، وطيب النفس في البذل، والإنفاق بالعدل، دون البخل والتبذير، فإن بذل الزاد في طريق مكة إنفاق في سبيل الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “الحج المبرور ليس له أجر إلا الجنة”، فقيل: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: “طيب الكلام، وإطعام الطعام”. الرابع: ترك الرفث والفسوق والجدال، كما قال تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾؛ والرفث: كل لغو وفحش من الكلام، ويدخل في ذلك محادثة النساء بشأن الجماع المحرم، فإنها تهيج داعيته، وهي مقدمة له، فتحرم، ومن لطف الشارع إقامة مظنة الشيء مقام الشيء حسمًا لمادته، والفسوق: الخروج عن طاعة الله والجدال: هو المماراة والخصومة الموجبة للضغائن والأحقاد، وافتراق كلمة الخلق وكل ذلك ضد مقصود الشارع من الحج، وشغل عن ذكر الله؛ الخامس: أن يحج ماشيًا مع القدرة ونشاط النفس، فإن ذلك أفضل وأدخل للنفس في الإذعان لعبودية الله، وقال بعض العلماء: الركوب أفضل، لما فيه من مؤونة الإنفاق، ولأنه أبعد من الملال، وأقل للأذى، وأقرب إلى السلامة وأداء الحج، وهذا التحقيق غير مخالف لما قلناه، والحق التفصيل، فيقال: من سهل عليه المشي فهو أفضل، فإن أضعف وأدى إلى سوء خلق وقصور عن العمل فالركوب أفضل، لأن المقصود توفر القوى على ذكر الله تعالى، وعدم المشتغلات عنه. السادس: أن يركب الزاملة، دون المحمل، لاشتماله على زي المترفين والمتكبرين، ولأنه أخف على البعير، اللهم إلا لعذر حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته، وكان تحته رحل رث وقطيفة خلقة، قيمته أربعة دراهم، وطاف على الراحلة لينظر الناس إلى هيئته وشمائله، وقال: “خذوا عني مناسككم”. السابع: أن يخرج رث الهيئة، أقرب إلى الشعث، غير مستكثر من الزينة وأسباب التفاخر، حتى لا يخرج بذلك عن حزب السالكين وشعار الصالحين؛ روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إنما الحاج الشعث التفث، يقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى زوار بيتي قد جاؤوني، شعثًا غبرًا من كل فج”، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾؛ والتفث: الشعث والاغبرار، وقضاؤه: بالحلق وتقليم الأظفار. الثامن: أن يرفق بالدابة، ولا يحملها ما لا تطيق فقد كان أهل الورع لا ينامون على الدابة إلا غفوة من قعود، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تتخذوا ظهور دوابكم كرسي”، ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية، يروحها بذلك، فهو سنّة، وسر ذلك: مراعاة الرقة والرحمة، والتخلي عن القسوة والظلم، ولأنه يخرج بالعسف عن قانون العدل ومراعاة عناية الله وشمولها، فإنها كما لحقت الإنسان لحقت سائر الحيوان. التاسع: أن يتقرب بإراقة دم، ويجتهد أن يكون سمينًا ثمينًا، روي أن عمر أهدي نجيبة، فطلبت منه بثلاثمائة دينار، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنًا، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: “بل اهدها”، وذلك لأن المقصود ليس تكثير اللحم، وإنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن رذيلة البخل وتزيينها بجمال التعظيم لله، ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا”؛ العاشر: أن يكون طيب النفس بما أنفقه من هدي وغيره، وبما أصابه من خسران ونقيصة مال، إن أصابه ذلك فإنه بذلك يكون مكتفيًا إلى الله سبحانه عن كل ما أنفقه، متعوضًا عنه ما عند الله، وذلك علامة لقبول حجه.

إذن الشيخ ميثم حرص على رد شعائر الحج جميعها إلى التقوى النبوية؛ كما أظهر دلائل كل شعيرة من عرفان الروح وسيرة صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما يبدو التصوف في الإصرار على أن يكون التقشف عنوان للحج لكي يكون مبرورًا، ويكون جزاؤه جنة الله التي وعدها لحجاج بيته وزوار مرقد نبيه (ص)؛ وكلها إشارات النور وبراهين الروح ورمز الوجدان.

الثالث: الوظائف القلبية في مسيرة أعمال الحج… العرفان الذوقي

قال الشيخ: اعلم، أن أول الحج فهم موقع الحج في الدين، ثم الشوق إليه، ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة عنه، ثم تهيئة أسباب الوصول إليه من الزاد والراحلة، ثم السير، ثم الإحرام من الميقات بالتلبية، ثم دخول مكة، ثم استتمام الأفعال المشهورة، وفي كل حالة من هذه الحالات تذكرة للمتذكر، وعبرة للمعتبر، ونية للمريد الصادق، وإشارة للفطن الحاذق إلى أسرار يقف عليها بصفاء قلبه وطهارة باطنه إن ساعده التوفيق؛ أما الفهم: فاعلم، أنه لا وصول إلى الله إلا بتنحية ما عداه عن القصد من المشتهيات البدنية واللذات الدنيوية، والتجريد في جميع الحالات، والاقتصار على الضروريات، ولهذا انفرد الرهبان في الأعصار السالفة عن الخلق في قلل الجبال، توحشًا من الخلق، وطلبًا للأنس بالخالق، وأعرضوا عن جميع ما سواه، ولذلك مدحهم بقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾، فلما اندرس ذلك، وأقبل الخلق على اتباع الشهوات، والإقبال على الدنيا، والالتفات عن الله، بعث نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لإحياء طريق الآخرة، وتجديد سنة المرسلين في سلوكها، فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه، فقال: “أبدلنا بها الجهاد والتكبير على كل شرف”؛ يعني: الحج، وسئل عن السائحين، فقال: “هم الصائمون”، فجعل سبحانه الحج رهبانية لهذه الأمة فشرف البيت العتيق بإضافته إلى نفسه، ونصبه مقصدًا لعباده، وجعل ما حوله حرمًا لبيته، تفخيمًا لأمره، وتعظيمًا لشأنه، وجعل عرفات كالميدان على باب حرمه، وأكّد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره، ووضعه على مثال حضرة الملوك، يقصده الزوار من كل فج عميق، شعثًا غبرًا، متواضعين لرب البيت، مستكينين له خضوعًا بجلاله واستكانة لعزته، مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحومه مكان، ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم، ولذلك وظف عليهم فيها أعمالًا لا تأنس بها النفوس، ولا تهتدي إلى معانيها العقول، كرمي الجمار بالأحجار، والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية، بخلاف سائر العبادات، كالزكاة التي هي إنفاق في وجه معلوم وللعقل إليه ميل، والصوم الذي هو كسر للشهوة التي هي عدو لله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل، وكالركوع والسجود في الصلاة الذي هو تواضع لله سبحانه بأفعال على هيئات التواضع، وللنفوس أنس بتعظيم الله تعالى، وأما أمثال هذه الأعمال، فإنه لا اهتداء للعقل إلى أسرارها، فلا يكون للإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد امتثاله من حيث هو واجب الاتباع فقط، وفيه عزل للعقل عن تصرفه، وصرف النفس والطبع عن محل أنسه المعين على الفعل من حيث هو، فإن كل ما أدرك العقل وجه الحكمة في فعله مال الطبع إليه ميلًا تامًّا، فيكون ذلك الميل معينًا للأمر، وباعثًا على الفعل، فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحج على الخصوص: “لبيك بحجة حقًّا؛ تعبّدًا ورقًا”، ولم يقل ذلك في الصلاة وغيرها؛ وأما الشوق: فباعثه الفهم أن البيت بيت الله، وأنه وضع على مثال حضرة الملوك، فقاصده قاصد لله تعالى، ومن قصد حضرة الله تعالى بالمثال المحسوس، فجدير أن يترقى منه بحسب شوقه إلى الحضرة العلوية والكعبة الحقيقية التي هي في السماء، وقد بني هذا البيت على قصدها، فيشاهد وجه ربه الأعلى بحكم وعده الكريم. وأما العزم: فليستحضر في ذهنه أنه لعزمه مفارق للأهل والولد، هاجر للشهوات واللذات، مهاجر إلى ربه، متوجه إلى زيارة بيته وليعظم قدر البيت لقدر رب البيت، وليخلص عزمه لله، ويبعده عن شوائب الرياء والسمعة، فإن ذلك شرك خفي، وليتحقق أنه لا يقبل من عمله وقصده إلا الخالص، وأن من أقبح المقابح أن يقصد بيت الملك وحرمه مع إطلاع ذلك الملك على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويكون قصده غيره، فإن ذلك استبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير، أما قطع العلائق: فحذف جميع الخواطر عن قلبه، غير قصد عبادة الله، والتوبة الخالصة له عن الظلم وأنواع المعاصي، فكل مظلمة علاقة، وكل علاقة خصم حاضر متعلق به ينادي عليه ويقول: أتقصد بيت الملوك وهو مطلع على تضييع أمره لك في منزلك هذا، وتستهين به، ولا تلتفت إلى نواهيه وزواجره، ولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيغلق دونك أبواب رحمته، ويلقيك في مهاوي نقمته، فإن كنت راغبًا في قبول زيارتك فأبرز إليه من جميع معاصيك، واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك، لتتوجه إليه بوجه قلبك، كما أنت متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك وليذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة، فإن كل هذه أمثلة قريبة يترقى منها إلى أسرارها. وأما الزاد: فليطلبه من موضع حلال، فإذا أحس من نفسه بالحرص على استكثاره وطيبه وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير قبل بلوغ المقصد، فليذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر، وأن زاده التقوى، وأما ما عداه لا يصلح زادًا، ولا يبقى معه إلا ريثما هو في هذا المنزل، وليحذر أن يفسد أعماله التي هي زاده إلى الآخرة بشوائب الرياء، وكدورات التقصير، فيدخل في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾، وكذلك فليلاحظ عند ركوب دابته تسخير الحيوان له، وحمله عنه الأذى، ويتذكر منته تعالى لشمول عنايته ورأفته، حيث يقول: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَ بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، فيشكره سبحانه على جزيل هذه النعمة وعظيم هذه المنة ويستحضر نقلته من مركبه إلى منازل الآخرة، التي لا شك فيه، ولعله أقرب من ركوبه الحاضر، فيحتاط في أمره وليعلم أن هذه أمثلة محسوسة، يترقى منها إلى مركب النجاة من الشقة الكبرى، وهي عذاب الله سبحانه. وأما ثوب الإحرام وشراؤه ولبسه: فليتذكر معه الكفن، ودرجه فيه، ولعله أقرب إليه، وليتذكر منها التسربل بأنوار الله التي لا مخلص من عذابه إلا بها، فيجهد في تحصيلها بقدر إمكانه. وأما الخروج من البلد: فليستحضر عنده أنه يفارق الأهل والولد، متوجهًا إلى الله سبحانه في سفر غير أسفار الدنيا، ويستحضر أيضًا غايته من ذلك السفر، وأنه متوجه إلى ملك الملوك وجبار الجبابرة، في جملة الزائرين الذين نودوا فأجابوا، وشوقوا ما اشتاقوا، وقطعوا العلائق، وفارقوا الخلائق، وأقبلوا على بيت الله طلبًا لرضى الله وطمعًا في النظر إلى وجهه الكريم، وليحضر أيضًا في قلبه رجاء الوصول إلى الملك، والقبول له بسعة فضله، وليعتقد أنه إن مات دون الوصول إلى البيت لقي الله وافدًا عليه، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾، وليتذكر في أثناء طريقه من مشاهدة عقبات الطريق عقبات الآخرة، ومن السباع والحيات حشرات القبر، ومن وحشة البراري وحشة القبر وانفراده عن الأنس، فإن كل هذه الأمور جاذبة إلى الله سبحانه ومذكرة له أمر معاده؛ وأما الإحرام والتلبية من الميقات: فليستحضر أنه إجابة نداء الله تعالى، وليكن في قبول إجابته بين خوف ورجاء، مفوضًا أمره إلى الله، متوكلًا على فضله. قال سفيان بن عيينة: حج زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، فلما أحرم واستوت به راحلته، اصفر لونه، ووقعت عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: ألا تلبي، فقال: “أخشي أن يقول: لا لبيك ولا سعديك!”، فلما لبى غشي عليه وسقط عن راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه، فانظر رحمك الله إلى هذه النفس الطاهرة، حيث بلغ بها الاستعداد لإفاضة أنوار الله، لم تزل الغواشي الإلهية والنفحات الربانية تغشاها، فيغيب عن كل شيء سوى جلال الله وعظمته، وليتذكر عند إجابته نداء الله سبحانه، إجابة ندائه بالنفخ في الصور، وحشر الخلق من القبور، وازدحامهم في عرصات القيامة، مجيبين لندائه، منقسمين إلى: مقربين، وممقوتين، ومقبولين، ومردودين، ومرددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء، تردد الحاج في الميقات: حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج أم لا. أما دخول مكة: فليستحضر عنده أنه قد انتهى إلى حرم الله الآمن، وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله، وليخش أن لا يكون من أهل القرب، وليكن رجاؤه أغلب، فإن الكريم عميم، وشرف البيت عظيم، وحق الزائر مرعي، وذمام اللائذ المستجير غير مضيع، خصوصًا عند أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ويستحضر أن هذا الحرم مثال للحرم الحقيقي، ليترقى من الشوق إلى دخول هذا الحرم والأمن بدخوله من العقاب، إلى الشوق إلى دخول ذلك الحرم والمقام الأمين، وإذا وقع بصره على البيت فليستحضر عظمته في قلبه، وليترقى بفكره إلى مشاهدة حضرة رب البيت في جوار الملائكة المقربين، وليتشوق أن يرزقه النظر إلى وجهه الكريم، كما رزقه الوصول إلى بيته العظيم، وليكثر من الذكر والشكر على تبليغ الله إياه هذه المرتبة وبالجملة، فلا يغفل عن تذكير أحوال الآخرة في كل ما يراه، فإن كل أحوال الحج ومنازله دليل يترقى منه إلى مشاهدة أحوال الآخرة. وأما الطواف بالبيت: فليستحضر في قلبه التعظيم والخوف والخشية والمحبة، وليعلم أنه بذلك متشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت، بل طواف قلبك بذكر رب البيت، حتى لا تبتدئ بالذكر إلا منه، ولا تختم إلا به، كما تبدأ بالبيت وتختم به، واعلم أن الطواف المطلوب هو طواف القلب بحضرة الربوبية، وأن البيت مثال ظاهر في عالم الشهادة لتلك الحضرة التي هي عالم الغيب، كما أن الإنسان الظاهر مثال الظاهر في عالم الشهادة للإنسان الباطن الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب، وأن عالم الملك والشهادة مرقاة ومدرج إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح له باب الرحمة، وأخذت العناية الإلهية بيده لسلوك الصراط المستقيم، وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة الإلهية: بأن البيت المعمور في السماء بإزاء الكعبة، وأن طواف الملائكة به كطواف الأنس بهذا البيت ولما قصرت مرتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان، ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم، ثم كثيرًا ما يزداد ذلك التشبيه إلى أن يصير في قوة المشبه به، والذي يبلغ تلك المرتبة فهو الذي يقال: إن الكعبة تزوره وتطوف به، على ما رواه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله وأما الاستلام: فليستحضر عنده أنه مبايع لله على طاعته، ومصمم عزيمته على الوفاء ببيعته، (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا). ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه”، و لما قبله عمر قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك!! فقال له علي عليه السلام: “مه يا عمر، بل يضر وينفع، فإن الله سبحانه لما أخذ الميثاق على بني آدم حيث يقول: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾، ألقمه هذا الحجر ليكون شاهدًا عليهم بأداء أمانتهم، وذلك معنى قول الإنسان عند استلامه، أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي عند ربك بالموافاة”. وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم: فليستحضر فيه طلب القرب، حبًا لله وشوقًا إلى لقائه، تبرّكًا بالمماسة ورجاءً للتحصن من النار، في كل جزء من البيت، ولتكن النية في التعلق بالستر الإلحاح في طلب الرحمة، وتوجيه الذهن إلى الواحد الحق، وسؤال الأمان من عذابه، كالمذنب المتعلق بأذيال من عصاه، المتضرع إليه في عفوه عنه، المعترف له بأنه لا ملجأ إلا إليه، ولا مفزع له إلا عفوه وكرمه، وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو، وبذل الطاعة في المستقبل. وأما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت: فمثال لتردد العبد بفناء دار الملك، جائيًا وذاهبًا، مرة بعد أخرى، إظهارًا للخلوص في الخدمة، ورجاءً لملاحظته بعين الرحمة، كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي الملك في حقه من قبول أو رد، فيكون تردده رجاء أن يرحمه في الثانية إن لم يكن رحمه في الأولى، وليتذكر عند تردده بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان في عرصة القيامة، وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات، وليتذكر تردده بين الكفتين، ملاحظًا للرجحان والنقصان، مترددًا بين العذاب والغفران. وأما الوقوف بعرفه: فليتذكر بما يرى من ازدحام الناس، وارتفاع الأصوات، واختلاف اللغات، واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيرًا بسيرتهم عرصات القيامة، واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة، واقتفاء كل أمة أثر نبيها، وطمعهم في شفاعتهم، وتجردهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول، وإذا تذكر ذلك فيلزم قلبه الضراعة والابتهال إلى الله أن يحشره في زمرة الفائزين المرحومين، ولكن رجاؤه أغلب، فإن الموقف شريف، والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلائق بواسطة النفوس الكاملة من أوتاد الأرض، ولا يخلو الموقف عن طائفة من الأبدال والأوتاد وطوائف من الصالحين وأرباب القلوب فإن اجتمعت هممهم، وتجردت للضراعة نفوسهم، وارتفعت إلى الله أيديهم، وامتدت إليه أعناقهم، يرمقون بأبصارهم جهة الرحمة، طالبين لها، فلا تظنن أنه يخيب سعيهم من رحمة تغمرهم ويلوح لك من اجتماعهم الأمم بعرفات، والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد، وهو السر الأعظم من الحج ومقاصده، فلا طريق إلى استنزال رحمة الله واستدرارها أعظم من اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد على صعيد واحد؛ وأما رمي الجمار: فليقصد به الانقياد لأمر الله، وإظهار الرق والعبودية ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام، حيث عرض به إبليس في ذلك الموضع، ليدخل على حجه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره الله تعالى أن يرميه بالحجارة، طردًا له وقطعًا لأمله فإن خطر له الشيطان عرض لإبراهيم عليه السلام، ولم يعرض له، فليعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وهو الذي ألقاه على قلبه، ليخيل إليه أنه لا فائدة في الرمي، وأنه يشبه اللعب وليطرده عن نفسه بالجد والتشمير في الرمي فيه، يرغم فيه أنف الشيطان، فإنه وإن كان في الظاهر رميًا للعقبة بالحصى، فهو في الحقيقة رمي لوجه إبليس وقصم لظهره، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثال أمر الله، تعظيمًا لمجرد الأمر. وأما ذبح الهدي: فليعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال، فليكمل الهدي وأجزاءه، وليرج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءًا من النار، هكذا ورد الوعد، فكلما كان الهدي أكثر وأوفر كان الفداء به من النار أتم وأعم، وهو يشبه التقرب إلى الملك بالذبح له وإتمام الضيافة والقرى، والغاية منه تذكر المعبود الأول سبحانه عند النية في الذبح، واعتقاد أنه متقرب به بأجزائه إلى الله فهذه هي الإشارة إلى أسرار الحج وأعماله الباطنة.

يتبدى العرفان الذوقي ومعه البرهان الفلسفي عند الشيخ ميثم في إعطاء مسيرة الحج نوعًا من القداسة الروحية؛ وتتجلى فيها لواعج الشوق ومواطن الرق والعبودية لله والأنس بالقرب من الله،  والوحشة والاغتراب ثم الرضا بالقضاء؛ وهذه أمور يقول بها المتصوفة؛ وإن ظل الصوفية يأخذون من معين غير راجع كله إلى التراث الذي أخذ منه الشيخ ميثم البحراني؛ ولكنهم من بعض هذا التراث تمكن أهل التصوف من الاقتراب من كل ما أفردوا له أشواقهم وسفحوا له دموعهم..

خلاصة البحث

كما رأينا فإن الشيخ ميثم البحراني تعمق في كل العلوم والمعارف؛ واستقى من الحكمة                  – والتي هي ضالة المؤمن – على اختلاف مذاهبها؛ ولم يزده هذا التعمق إلا إيمانًا وتسليمًا، وقد ربط بين العرفان والبرهان، أو بين العقل والقلب ربطًا تلقائيًّا، وبنزعة إيمانية شاملة وعميقة ومؤثرة وباعثة على الإيمان وحريصة على البرهان، فاستحق اللقب الذي أنصفه به العلماء؛ وهو العالم الرباني بكل ما يحويه هذا اللقب من معاني شامله؛ ترتبط بالروح والعقل، أو بالبرهان والعرفان كما شرحناها….

 

مصادر البحث

1 – محمد جابر الأنصاري، من كلمة ألقاها في مؤتمر الشيخ ميثم البحراني، مجلة النور اللندنية، العدد 173-نيسان 2006، الصفحة 94.

2- ابن خلكان، وفيات الأعيان، طبعة مصرية قديمة، 1935، الجزء 2، الصفحة 364.

3- ابن خلكان، وفيات الأعيان، المصدر السابق.

4-  الإمام علي، نهج البلاغة، نسخة من الكمبيوتر 2/18.

5-  الإسكافي، المعيار والموازنة، (القاهرة: المطبعة الأميرية، 1927)، الصفحة 108.

6 – نهج البلاغة، 4/98.

7- ابن قتيبه، الإمامة والسياسة، (بيروت: دار الفكر العربي، بدون تاريخ)، الجزء 2، الصفحة 10.

8 – نقلنا أقوال العلماء في الشيخ ميثم (قدس سره) من موقع www.arabic.bayynat.org.lb الإلكتروني.

9 – الشيخ محمود محمدي عراقي، مؤتمر الشيخ ميثم وحياته العملية، الدوحة – 28 – 29 /11 / 2005.

10 – الشيخ ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، (قم المقدسة: الحوزة العلمية، 1398 ه)، الصفحة 28.

11 –  الشيخ ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام، مصدر سابق.

12 – الشيخ ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام، مصدر سابق.

13 – د. منصور الجمري، من الفكر السياسي للفيلسوف ميثم البحراني، مصدر سابق، بحث منشور على موقع    www.balagh.com   الإلكتروني.

14 – شرح الشيخ ميثم على المائة كلمة للإمام على (ع)، (قم المقدسة: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، بدون تاريخ)، الصفحة 63.

15 – سورة الشعراء، الآية 215.

16 – سورة آل عمران، الآية 159.

17 – منصور الجمري، من الفكر السياسي، مصدر سابق؛ وأيضًا قواعد المرام، الصفحة 156،  وكذلك: عن علي الرباني، ببعض التصرف.

18 – سورة النساء، الآية 56.

19 – سورة يس، الآية 81.

20 – سورة السجدة، 10.

21 – سورة الرحمن، الآية 26.

22 – سورة القصص، الآية 88.

23 – سورة المجادلة، الآية 22.

24 – سورة الحجرات، الآية 14.

25 – سورة المائدة، الآية 41.

26 – سورة البقرة، الآية 146.

27 – سورة النمل، الآية 14.

28 – سورة محمد، الآية 25.

29 – سورة البقرة، الآية143.

30 – سورة النمل، الآية 14.

31 – سورة البقرة، الآية 89.

32– الشيخ علي الكوراني، التصوف وحب أهل البيت (ع) من موقع www.alameli.org[2] الإلكتروني.

كذلك يستحسن قراءة كتب مثل: الفتوحات المكية لابن عربي، وأشعار ابن الفارض، وسير الأقطاب مثل البدوي والجيلاني وأبي العباس المرسي وغيرها الكثير، لنجد حجم الحب عند الصوفية لأهل البيت (ع).

33 – الشيخ ميثم، مصباح السالكين (خلاصة الشرح الكبير لنهج البلاغة)، تحقيق: الشيخ محمد هادي الأميني، (مشهد المقدسة: مجمع البحوث الإسلامية التابع للروضة الرضوية، 1408 ه)، ببعض تصرف.

 

 

Endnotes:
  1. في أقوال الناس في حقيقة الإنسان وأنّـها أيّ شيء هي؟: http://www.imamsadeq.org/book/sub3/gooad/index.html
  2. www.alameli.org: http://www.alameli.org

Source URL: https://maarefhekmiya.org/14177/irfanandphilosophy/