الأمن القومي الإسرائيلي بعد العام 2006

في ثاني جلسات منتدى قارئ للشباب، جلس كتاب الأمن القومي الإسرائيلي بعد العام 2006، على طاولة النقد والتشريح والنقاش العلمي، ففي حضور المؤلف الأستاذ “بلال اللقيس”، أدار الأستاذ “حسن حدرج” النقاش، حيث استمع الحاضرون من طلاب، ومثقفين، وباحثين، وأكاديميين، ومختصين بالشأن الإسرائيلي، كما شاركوا في إبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم، كما وبعض الإشكاليات التي استخرجت من مضمون الكتاب.

حيث أُشير إلى حسن اختيار العنوان المعبر بشكل تام ودقيق عن الموضوع الذي يتناوله الكتاب، والذي يعتبر من أكثر الموضوعات أهمية، كما وأكثرها تعبًا للباحث، لما تستلزمه من حركة رصد دقيق ومستمر لما نشر وما لم ينشر من مققررات مراكز الدراسات الأمنية والاستراتيجية، مع وجود بعض الصعوبات في لغة النص التي شابها بعض الارتباك.

أما في المضمون، فقد استوعب الكتاب معظم الأبحاث التي من شأنها أن تكن محورية للتأسيس للأمن القومي، ولم يتوجه للقارئ بخطاب تعبوي، بل استخدم لغةً علميةً هادئةً ومتواضعةً. ولكن لا بد من الإشارة لبعض النقاط التي كان هلى الباحث استدراكها في كتابه:

أوّلًا: كان من الواجب على الباحث أن يحدد المصطلح (الأمن القومي) ومصادره، وآلية تطوره وكيف يتقاطع مع الجغرافيا والرؤى المستقبيلية للولايات المتحدة الأمركية.

ثانيًا: كان ينبغي حسم النقاش داخل الكتاب حول الفارق في المسار بين الاستراتيجية والأمن القومي.

ثالثًا: كان الاستغراق في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على حساب بعض الأحداث التاريخية التي يجب أن تُلحظ إن في نص الكتاب أو على هامشه، فتحولات الأمن القومي دائمًا ما كانت تابعةً لأحداث كبيرة كما في عام 1948، ونكسة عام 1965، وبالتالي كان يجب إيضاح هذا المؤشر الذي يبنى عليه مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، وأيضًا على سبيل المثال التداخل في المساحة الجغرافية لإسرائيل، البارز في القرار 181، والتي ألف العالم أن هذه المساحة جزء من خريطة إسرائيل، كما موضوع إعلان الاستقلال في الجزائر، وفك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن الذي أعلنه الملك حسين إفساحًا في المجال لذلك الإعلان الذي قامت به منظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذا الإطار يمر موضوع التحديات التي جابهت الإسرائيلي في 2006 وحديث ميركل عن موضوع البواخر والسفن، التي قالت أنها جاءت لتحمي أمن وجود، وعليه تحول حينئذ الأمن القومي إلى أم وجود إسرائيل وليس توسعها وامتدادها.

رابعًا: تحدّث الكتاب عن أنّ أن الربيع العربي عزز من محور المقاومة والممانعة، وهذا ما لا نراه اليوم أبدًا.

خامسًا: دفع هذا الكتاب قارئيه لإعادة البحث في موضوع “الأمن القومي” وأفسح المجال لطرح بعض الأفكار، فالأمن القومي لا يمكن التوصل إلى تعريف دقيق له ومحدد داخل الزمان والمكان الذي يتحرك في مداره، مع مراعاة التعديل والتطوير انسجامًا مع المتغيرات التي تؤثر في بروزه إلى ميدان التداول والتطبيق، كما ولا يوجد إجماع لا من حيث التعريف ولا من حيث المستهدفين ولا من حيث سبل واستراتيجيات تحقيق الأمن القومي في أي دولة كانت.

كما من المفترض أن لا ترتكز أي دراسة في مجال الأمن القومي، على أراء الصحافيين والضباط وغيرهم وإلا تصبح النظرية الأمنية عبارة عن شتات يخرج عبر كلام هؤلاء وأفكارهم. في حين أن المصادر التي منها تستقى نظريات الأمن القومي، يجب أن تكون ضمن إطار مراكز الدراسات الاستراتيجية العليا، إضافةً إلى دراسة الإجراءات العملية التي تتخذها الإدارات السياسية والمدنية والعسكرية، فنظرية الأمن هي أعلى من مفهوم أمني محدود.

وعندما تحدث بن غوريون عن النظرية الأمنية تحدث ببعدها الوجودي وليس بالتعريف الأساسي لهذه النظرية، من هنا نلاحظ وجود إرباكات منهجية في هذا الكتاب يلحظها القارئ المتخصص والمتعمق عند كل قادة الرأي الأمنيين في إسرائيل (فالإرباكات منشأها أن الإسرائيلي نفسه، لا زال مربكًا أمام أمنه القومي) حيث يمكن أن نقول بإيجاز أن إسرئيل بدل أن يترسخ أمنها القومي عامًا بعد آخر نجدها تغرق في المزيد من التهديدات المتصاعدة. فبعد 77 سنة من التخطيط الذي سبق التأسيس، من أيام هرتزل، نجد أن الاستراتيجيات لا تحتوي على نظرية أمن قومي بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما لم يتحقق الأمن القومي الإسرائيلي، وهذا الأمر يثير السؤال: هل يوجد خطأ في تطبيق النظرية الأمنية؟ أم أن العدو الإسرائيلي لا زال عاجزًا عن صناعة النظرية الأمنية؟

أوافق كل من كتب وق{ا حول هذه المسألة أنها معقدة قليلا ومن الصعب غيجاد إيجابات

كاتب هذه الأوراق ليس مسؤولا عن الإجابة أو وضع خريطة طريق لخروج الإسرائيلي من مأزقه، كما كان عليه أن يعرض وجهات النظر ليؤكد للقارئ أن أمام الإسرائيلي تحديات عميق.

هذا منطوق الكتاب يعبر بين الذين ناقشوا الكتاب.

2- لا شك أن الكتاب هو في النهاية يرتبط بموضوع العلاقات الدولية، فالأمن القومي أصبحت مجال دراسات على مستوى العلاقات الدولية وتوسع هذا المجال إلى حد بات يناقش ليس فقط أمن الوجود بل ذهب أبعد ليناقش أمن المصالح بل وأمن القيم وبات المفهوم معقد بالسياسة.

من المؤكد عندما اخترنا إشكالية عنوان 2006، فلأن 2006 أرخت تحديات هائلة على الكيان الصهيوني، ولم تنصف معركة 2006 بآثارها وتداعياتها، فاليوم ربما كنت في إحدى الجامعات أقول أننا في 67 عندما خسرنا 40000 كلم مربع، وأتينا في 2006 وصنعنا هذا الانتصار، هذا الأمر يحتاج للوقوف والبحث حول التحول الذي حصل، فالأمور بحاجة إلى تفنيد وتظهير وتبيان أكبر، في العودة للموضوع أقول أنني أحب أن يكون هذا النقاش في سبيل التعميق لأن هناك الكثير من القضايا والموضوعات والإشكاليات.

أمّا الإجابات على هذه الإشكاليات فكانت مع المؤلّف الأستاذ بلال اللقيس، الذي اعترف بأنّ النص كان متعبًا بعض الشيء. وأشار في مسألة تحديد مصطلح “الأمن القومي”، إلى الإشكالية التي واجهها حول صحة استخدام مصطلح “القومي” والذي يكرس إسرائيل كقومية، الأمر الذي دفعه إلى التأني والتفكير مليًا، قبل أن يضطر للخضوع لسطوة المصطلح العلمي.

واعتبر في إجابته على الإشكالية المطروحة حول الربيع اعربي، وتأثيرة على محور المقاومة، بأن الربيع العربي مسألة مفتوحة، فيها إيجابيات بالنسبة للإسرائيلي كما فيها سلبيات، فكما يعتبر سحب السلاح الكيميائي من سوريا أمرا إيجابيًا له، فهو يرى في رحيل حسني مبارك وتخلي الأميركي عنه، مثار سؤال وشكوك حول الدولة التي تنفض يدها بسهولة من حلفائها حين تقتضي مصلحتها بذلك؛ فإذن هناك الكثير من النقاشات التي ولدت لدى الإسرائيلي حالة من المخاوف التي فرضت عليه التعاطي معها بشكل جدي، أولها أن الحراك العربي جعل للشعب وزن وحضور وكلمة، وهذا يثير المخاوف لديه من لحظة ثورية في يوم ما من المستقبل تنسف وجوده من المنطقة.

وأشار إلى أن الإسرائيلي راهن في وقت ما على الأحادية الأميركية في العالم، ولكن لا يعني هذا أبدًا أنه إذا ما تراجعت هذه الأحادية سيكون عليه الاتجاه لتوسيع العلاقات، لينضم في حلف مع خصوم للولايات المتحدة، نعم قد يرى الإسرائيلي ضرورة في تحصين نفسه، خاصةً أنه ينزعج من محاولة أميركا بناء رهاناتها على قوى غيرها في المنطقة (تركيا، التيارات السلفية، الإخوان المسلمون) إذا يرى في ذلك تهديد لدوره، وبناء جهة تحمل مشروعه ما ينفي مبرر وجوده، ولكنه لا يفترض رغم كل ذلك أن الروسي والصيني يمكن أن يشكل مظلة له.

عمليا في ظل غياب دور واضح للإسرائيلي، أو بروز قوة أو دولة قادرة على أخذ دور إسرائيل في حماية الوجود الغربي في المنطقة، دون أن تشكل عداء مع محيطها، يصبح لزامًا أن يتضاءل دور إسرائيل. ولذلك يعتبر الإسرائيلي مرحلة 1991 من أجمل مراحل تاريخه القصير، له لأنه كان حينها اليد التي ترسم أحادية أميركا في المنطقة.

أما في الحديث عن الأمن القومي، وهو الأمر الإشكالي حتى بين الإسرائيليين أنفسهم – يقول الأستاذ اللقيس – يجب الانتباه إلى أمر هام، وهو أن إسرائيل لا زالت مشروعًا، ولم تصبح دولةً بعد، وعليه فكل طرف فيها لديه تطلعاته وتصوراته المختلفة عن الآخر. فمفهوم الأمن القومي بالنسة لهم من أعقد الأمور لأنه أمن مشروع وليس أمن دولة واضحة المعالم. فمنهم من يرى تجلي الأمن القومي في العمل على الجبهة الداخلية، وآخرين يرون أن التركيز على الدور الأمركي هو الأصل، وهذا الموضوع لا زال في تفاعل ولم يستقر في إسرائيل بعد.

أما الاعتبار بأن الأمن القومي الإسرائيلي هو أمر خاص غير معلن، هو أمر غير ممكن، إذ لا يمكن أن تخفى الاستراتيجيات التي يترشح عنها ممارسة، ومفكرين ومؤتمرات. و”بن غوريون” تحدث عن الأمن القومي، ووضع 3 قضايا محورية للأمن القومي وهي:

  • الهجرة اليهودية على فلسطين.
  • التفوق الإسرائيلي.
  • الارتباط بقوة ثالثة كبرى.

أمّا اليوم في إسرائيل فهناك نقاش عميق جدًا، إذ يرى بعضهم أنهم قد استغرقوا كثيرا في العمل الأداتي، في حين يجب البحث في العمق، فهم يرون أن الجدار والتقنية العسكرية والاغتيالات لا تحل الأزمات القومية، ويرون الحاجة إلى إجابات حول الهويات.

أمّا التحوّل الكبير، الذي أشار إليه الأستاذ بلال اللقيس، الذي شهده الأمن القومي الإسرائيلي، بعد العام 2006، هو عجز إسرائيل عن تنفيذ ما أملت به الولايات المتحدة الأمركية، من قدرتها على صناعة شرق أوسط جديد، انطلاقًا من هذه الحرب، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمركية بنفسها، وببالغ الثقة مخاض تلك الولادة، قبل أن تخدش نتائج تلك الحرب الثقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.

 

 


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<