الديمقراطيّة القدسيّة

الديمقراطيّة القدسيّة

لشراء الكتاب

تحميل المقدمة

كلمة الناشر

يشكل هذا الكتاب إضافةً علميةً جديدة، حيث سعى الكاتب إلى دراسة العلاقة بين الدين والديمقراطية، وعمل على إبراز التكامل بينهما. فما يظهر للناظر إلى هذين المصطلحين من تناقض، لم ينتج عن عناصر موضوعية، إنّما ساهمت في بنائه تطورات تاريخية واجتماعية في بقعة محددة من الأرض، جعلت الإنسان يتصور مثل هذا الأمر. ولكنّ الغائص في حقيقة وبنية الدين سرعان ما سيجد غياب هذه الوقائع، لأنّه لن يجد تعارضًا بين النصّ الديني (الوحي والسنّة) والعقل والعلم، وأصوات الجماهير ورضاهم، بل سيرى العكس تمامًا، إذ الدين يحمل البذور الحقيقية للديمقراطية، التي تسمح بحرية التعبير من جهة، ومن جهة أخرى تحفظ حقيقته الوجودية، وهذا ما يقتضي إعادة النظر في السائد من المقولات والعمل على رفع اللبس الذي لطالما تمّ تداوله.

وهذا ما تصدى له هذا الكتاب الذي عمل على دراسة العقل الغربي ولا سيما العلاقة بين الدين والسياسة فيه، وحلل الأسباب الموضوعية التي استدعت الفصل بينهما، ثم توجه إلى تحليل العناصر المكونة له، والتي أدت في نهاية الأمر إلى إنتاج إنسان البعد الواحد، المفتقد للهدفية الوجودية، المتشيّئ والمتحوّل إلى مجرد آلة أو رقم ضمن معادلة نفعية، كلّ شيء فيها قابل للاحتساب.

فالعقل الغربي الذي قام على الإنسية وإلغاء ولاية الله، أفقد الإنسان إنسانيته، وحوّله إلى كائن غريب لم يغترب عن الله وحسب، بل عن نفسه، وما يتبدى من معالم حرية في الديمقراطية ليس في حقيقته إلا نمطًا جديدًا من أنماط العبودية، فالحرية مرسومة مسبقًا ومقيدة بجملة من المحرمات الدولة والقانون. وهذا ما يتناقض مع حقيقتها، التي تعني تعلّق إرادة الإنسان بالخير (الاختيار = اختيار الخير) من دون أيّ إكراه خارجي. فالحرّية – وهي أرقى صفات الإنسان – لا معنى لها إذا افتقدت عنصر الإرادة في الفعل وترك الفعل والانتقاد. وهذا ما تفتقده الديمقراطية الغربية، التي تنهب كل شيء بدءًا من الحرية الفردية.

بعد التحليل الذي أورده الكاتب، يصل إلى القول إنّ الإنسانية بحاجة إلى صياغة جديدة لمقولة الديمقراطية، تحفظ للناس حريتها وقدراتها التعبيرية، ولا تتناقض مع مندرجات الدين، فيقترح قيام “الديمقراطية القدسية” المنبعثة من الإرادة الإلهية، والمستندة على موافقة الشعب و”رضى العامّة”.

وهذا النمط من الديمقراطية، يكفل تحقق الأهداف الوجودية للإنسان، ولا يؤدي إلى استبداد مجتمع التقنية، ويحفظ البنية التداولية للمجتمع السياسي، ويؤدي إلى استقلال السلطات الثلاث، ومشاركة جميع أبناء الشعب في تحديد آليات الحكومة (السلطة) واختيار مدرائها، والتدخّل المباشر وغير المباشر للشعب في شؤون المسؤولين والمدراء وسلطات الحكم في مراحل اتّخاذ القرارات وتنفيذها كافّة، وتشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية، والالتزام بالقانون وتساوي جميع أبناء المجتمع وحتّى القائد ورؤساء السلطات الثلاث أمام القانون، وصيانة حرمة وحقوق الأقليات والمعارضين، والاقتصاد الحرّ الملتزم، والحكومة المسؤولة المتحمِّلة لمسؤوليّاتها، وغير ذلك.

فالديمقراطية القدسية هي الأكثر ملاءمة لحياة الإنسان، لأنّها تحقق غاية الوجود الإنساني بقيام مجتمع سياسي يقوم على عناصر ثلاث، تشكل قيم حقيقية هي: »التقوى«، و»التخصّص«، و»القبول العام«، مما يوفّر للمجتمع فرصة التمتّع بالمواهب والآثار الإيجابية الناجمة عنها.

ودار المعارف الحكمية إذ يضع أمام القارىء العربي هذا الكتاب، يسعى إلى فتح باب النقاش أمام الباحثين في عصر أخذت فيه المقولات الكبرى تتعرض لاهتزازات عنيفة، تستدعي استئناف القول فيها، وعرضها على بساط النقاش. وأهمية هذا الكتاب تدخل في هذا الإطار، إذ يُقدم الكاتب نصًا علميًا، يطرح من خلاله فكرةً جديدةً انطلاقًا من التجربة الواقعية التي مرت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي أكدت من خلال الممارسة العملية إمكانية قيام ديمقراطية مختلفة عن الديمقراطية الليبرالية، وهي تستطيع أن تحفظ المجتمع وقدراته التعبيرية دون الإخلال بالدين ومرجعيته.

وختامًا، يقدّم الدار جزيل شكره للسادة العاملين في القسم السياسي في المجمع العلمي العالي للثقافة والفكر الإسلامي، الذين كان لهم الدور الأبرز في إعداد هذا الكتاب من خلال ضبط فصوله وتشذيبها بالنحو المطلوب، كما ويقدم وافر شكره للإخوة العاملين في قسم التحرير والترجمة في معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، الذين أشرفوا على إصدار هذه النسخة من الكتاب بلغته العربية وحملوا على عاتقهم مهام التحرير والتدقيق والضبط اللغوي، سائلين المولى للجميع عظيم الأجر على ما بذلوا.

والله من وراء القصد.

 

 


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<