حفر في أركيولوجيا العدمية لدى ميشال فوكو

حفر في أركيولوجيا العدمية لدى ميشال فوكو

لشراء الكتاب

للتحميل 

كلمة الناشر

يشكل هذا الكتاب مدخلًا لفهم الوعي الغربيّ في مساراته المتعددة، فهو عندما أخذ “ميشال فوكو” كمادة انشغال أساسية، كان يعمل على إعادة تثمير الشخصية للكشف عن مسيرة نصف قرن من الحضارة الغربية، بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، والتساؤولات الحادة التي أفرزتها عن سبب العنف الذي أودى بحياة ملايين من البشر على الرغم من النبرة العقلانية التي كثيرًا ما تحدثت عنها هذه القارة العجوز.

وقد رافقت هذه الشخصية الأحداث الكبرى في التاريخ المعاصر، من الانتفاضات الطلابية عام 1968، إلى الثورة الإسلامية في إيران، فساهمت في بعضها وتكلّمت عنها، وتركت بصماتها الخاصة التي من الممكن العودة إليها، لرؤية كيفية تفاعل المثقف مع الأحداث. لذلك من الممكن أن نعتبر هذه الشخصية علامةً مميزةً في مسيرة الفكر الغربي، تلاقت عندها التيارات الفكرية المتنوعة من وجودية وماركسية وبنيوية، وعلى الرغم من ذلك أخذت لنفسها مسارًا ميّزها عن غيرها، فكانت هي الحدث، ليس في زمنها الخاص الذي عاشت فيه، إنّما في زمن القول الفلسفيّ الذي يستمر باستمرار فعالية القول.

وهذا الكتاب عن “ميشال فوكو” يشكل استعادةً لفكره، ولكنّها استعادة لم تكتف بعرض الأفكار بطريقة مدرسية، بل عملت على القيام بقراءة متجددة للفكر “الفوكوي”، حاولت أن تُظهِر كيفية معالجته لأزمة الفكر الغربيّ، لا سيما الجانب المنهجي منه، الذي وصل في نهاية الأمر إلى أفق مسدود، دفعه للكلام عن موت الإنسان.

وقد يتساءل بعض القراء عن الحاجة إلى مثل هذه الاستعادة في هذا الوقت بالذات، وعن الإضافة التي من الممكن أن تقدم من مثل هكذا عمل أكاديمي، وألا يشكل هذا ترفًا فكريًا؟

لا شك أنّ دار المعارف الحكمية عندما أزمع نشر هذا العمل بالشراكة مع مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانيات في تونس، قد لحظ هذا الجانب، وتنبه إلى الخلفية التي استدعت القيام بهذا الأمر. ولكن هذا الكتاب على الرغم من خصوصية الموضوع وتخصصه،لم يتوجه نحو “ميشال فوكو” إلا من أجل أمر آخر، شكل الخلفية للنشر. فهذا الفيلسوف الفرنسي بمعالجته لأزمة الفكر الغربي، يساعدنا من خلال عمله على “الهامشيّ” و”المقصيّ” في الحضارة الغربية على إعادة كشف الذات، وبذلك يكون هذا العمل بحقيقته متناولًا مسألة الذات وهويتها، ويصبح “فوكو” مدخلًا للنهوض من السبات المعرفيّ، واستشرافًا للمستقبل.

بالتالي، فما بُني من مواقف حول خصوصية الموضوع، ليس بالحقيقة إلا عبارةً عن مسبقة كثيرًا ما ترافق القارئ العربي، الذي يبني مواقفه على استنتاجات منتزعة من عناوين لم يتمّ التدقيق بمحتواها، فالقراءة المتسرعة قد توحي بأنّ “فوكو” كان مهجوسًا بالخصوصية الغربية، البعيدة عن واقعنا واهتماماتنا، وهذا الكلام فيه الكثير من الارتجالية، لأنّ النص الفوكوي يعبر بحقيقته عن أزمة فكرية كونية، لم تنتهِ فعاليتها حتى هذه اللحظة، وما نلحظه من عنف وقمع هو من نتائجها.

من هذا كلّه تتأتى أهمية هذا الكتاب، فهو يقدم قراءةً تنطلق من انشغالات ذات طبيعة ذاتية، فتتحدث عنها كآخر ولكنّها في تلك اللحظة تتحدث عن “الأنا” بكلّ تفصيلاتها وهواجسها. بالتالي هذا الكتاب قراءة بالذات في الذات، حتى لو أخذت شكلًا وصورة مختلفةً عنها.  

 

 


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<