أصل الاعتقاد بالقائم من آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم

أصل الاعتقاد بالقائم من آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم

فارق بين أصل أي اعتقاد وموضوعيته، وبين طبيعة تبنّيه عند من يؤمن به أو يلتزمه، وبين ما تحفّ المعتقدات من تفسيرات وتأويلات واستفادات.

هذا، ولا يخفى أن أهل الأديان، ومنهم المسلمين، انتهجوا طريقين معياريين كلّيين في عرض وتقديم معتقداتهم:

الطريق الأوّل، وهو الأكثر شيوعًا وتقليدية، هو الذي يعتبر أن ما نؤمن به إنما يعتمد على نحو معرفتنا بالله سبحانه، فنؤمن بالتوحيد، وأن الله ليس كمثله شيء؛ لأن الله كذلك، ونؤمن بأن المؤمن والعابد المخلص يدخل الجنة؛ لأن الله سبحانه عادل يجزي كلّ امرءٍ بما يستحقه. ونؤمن بالآخرة أو اليوم الموعود أو الخلاص لأن الله كذا وكذا، وحكمته تقتضي كذا وكذا… فيكون محور الاحتكام هو معيار معرفتنا به سبحانه. وهذه المعرفة ناتجة عن واحد من سبل ثلاث: إما سبيل النقل، أو سبيل العقل، أو سبيل الشهود، وقد تتشارك هذه السبل الثلاث في بعض صنوف معرفتنا بالذات الإلهية والصفات الإلهية، وما تستلزمه هذه المعرفة. لكن لا يخفى أن التأويل والتأمّل هما سيّدا الموقف في دوائر معرفتنا بالله سبحانه، مما يُنتج، وأنتج، مذاهبًا ومدارسًا واجتهادات كان لها حضورها القوي وما زال في تاريخ الأديان والمذاهب الإسلامية.

ومقتضيات الأخلاقية البحثية والاجتهادية تحكم علينا أن لا نرفض هذا الاختلاف الخلّاق، وأن لا نترك له سبيلًا للتأثير على أصل الثابت الاعتقادي، ومن ذلك موضوع أو أصل الاعتقاد بالمهدي (عج) عند مسلمي الشيعة الإمامية.

الطريق الثاني: وهو الذي يتعامل مع القراءة الدينية أو الإسلامية، وهي هنا محل اشتغالنا – ضمن اعتماد محورية الإنسان في الخطاب الديني – لذا، فإنه يعمل على درس فاعلية المعتقد في حياة الإنسان، لا على أصل مستلزمات الذات الإلهية وصفاتها.

وكثير من المعاصرين انتهجوا هذا النهج لمحاكاته الذوق الثقافي في هذا الزمن، فاستخدموا الأساليب الأيديولوجية والثورية واستكنهوا بعض المعطيات النفسية والاجتماعية والسياسية لتبيان فاعلية المعتقد في هذا الجانب، أو ذاك… ومن هذا النحو وعلى أساس معيارية ومحورية الإنسان في مقصد الخطاب الديني وجدنا من فسَّر أمور المعاد، وفلسفة الدعاء، وفلسفة الغيبة، وفلسفة المهدوية وغير ذلك.

حتى وصلت هذه التفسيرات والتأويلات لتعبِّر، رغم اختلافاتها المنهجية في القراءة، عن الخلفية الثقافية للقراءة الاعتقادية والدينية.

وقد شهدنا حوارات صعبة وشاقة فيها بين عناوين كبيرة من مثل مرتضى المطهري، وعلي شريعتي مثلًا… وفي ظني أن إقفال هذا الحراك أو سد الباب عليه أو تسخيفه سيحرمنا من مصدر غنًى فكري وثقافي واسع.

لكن يجب أن ننتبه جيدًا إلى ملاحظة حسّاسة وهي أن أغلب هؤلاء إنما انتهجوا لغة تسويغية فيما قدّموه، وإذا كانت غاية أهل الطريقة الأولى إثبات حقانية الدين أو المذهب والمعتقد، فإن غاية أهل الطريقة الثانية، بالغالب الأعم، السعي لعقلنة ما يؤمنون به، وتسويغه عند الآخر.

وبودي في ختام هذا الكلام أن أقول: إن إيماننا بالقائم من آل محمد صلّى الله عليه وآله، يرتكز على جملة أمور منها:

أولًا: النقل وما ورد في الروايات، وما نستفيده من بعض الآيات.

ثانيًا: الإمكان العقلي لأصل استمرار حياته، وأن مثل هذا الإيمان لا يستلزم محالًا.

ثالثًا: ما نجنيه من ثمار عملية وروحية وفاعليات اعتقادية في حياة الفرد والجماعة من أهل الاعتقاد. وهو مفتوح على المدى الروحي والنفسي والمفاهيمي للمعتقدين ما لم يخالفوا فيه ثابتًا عقائديًّا أو ركيزة إيمانية.. والله من وراء القصد.. وللبحث صلة.

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.


تعليق واحد

أكتب تعليقًا
  1. أبو حسين
    أبو حسين 20 أبريل, 2018, 20:58

    بسم الله الرحمان الرحيم

    قال تعالى”الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ”(الحج 41)
    “وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”(العصر 1-3)

    ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يفيد أن ظهور أو قيام الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف للتغيير، يتوقف على اكتمال عدة موصوفة تبلغ 313 عشر رجلا، أي أن عدم مبادرته للقيام وأداء مهمة التغيير بسبب عدم اكتمال العدة التي تشكل الشرط لوجوب القيام عليه، كالرواية: في دعائم الاسلام 7 (12465): عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، أنه قال: (إذا اجتمع للامام عدة أهل بدر – ثلاثمائة وثلاثة عشر – وجب (عليه) القيام والتغيير) ورواية أخرى طويلة من كتاب الغيبة، أكتفي إيراد المقطع إلى موضع الشاهد منها: حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النهاوندي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدثنا عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه دخل عليه بعض أصحابه، فقال له: جعلت فداك، إني والله أحبك وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: أذكرهم. فقال: كثير. فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون،…).
    ألا يعني عدم اكتمال العدة الموصوفة، أن في المسلمين تقصير يدل على اختلال في الإيمان أو يدل الجهل بالواجب منهم تجاه الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ناشيء عن الجهل بالإيمان الحقيقي بقضية الإمام ودوره ومستلزمات قيامه للتغيير بفعل عدم التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة أهل البيت عليهم السلام؟
    ألا يشكل اكتمال العدة شرطا ضروريا لأداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالتالي يجب السعي لأجل تحققه لكونه شرطا يتوقف عليه قيام الإمام للتغيير الذي بدوره(أي القيام للتغيير) أداء لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم السعي من الكبائر العظيمة؟

    الردّ على هذا التعليق

أكتب تعليقًا

<