المسلمون بين المواطنة الدينية والمواطنة السياسية

المسلمون بين المواطنة الدينية والمواطنة السياسية

لشراء الكتاب

تحميل الكتاب

كلمة المعهد

يطرح هذا الكتاب إشكاليّة المواطنة، وهي من المفاهيم المتداولة في الأدبيّات السياسيّة المعاصرة، حيث لا يخلو خطاب منه، وكأنّه لازمة ضروريّة، تُظهر حداثة المتكلّم ومراعاته للغة العصر، حتّى يخال المراقب أنّ هذا المفهوم يحمل في طيّاته وصفةً سحريّةً إذا ما طُبِّقت قادرة على تغيير واقع المجتمعات الإنسانيّة.

مع العلم أنّ هذا المفهوم، كما يشير إليه الكتاب، وليدة تجربة خاصّة عاشتها المجتمعات الغربيّة، وهي تحمل في طيّاتها صورة ذلك الصراع الحادّ، الذي نشب بين تحالف رجال الدين والإقطاع من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، وهو ما لا يتوافر في غيره من المجتمعات، وحتّى إذا توفر البعض منها، قد لا تكون الظروف والملابسات المحيطة بها مماثلةً، ممّا يفترض أن يتمّ رصد هذا الموضوع ومعالجته قبل الحكم عليه قبولًا أو رفضًا.

لذلك، عمل هذا الكتاب على معالجة هذا الموضوع من خلال مقدّمة تأريخيّة مهّدت للموضوع واستعرضت المحطّات الكبرى له؛ من الإصلاح الدينيّ والعقلانيّة الغربيّة، وصولًا إلى الثورة الفرنسيّة، وفي كلّ مرحلة من هذه المراحل أشار الكاتب إلى النتائج التي ظهرت، ليختم هذا الفصل من الكتاب بجملة من الأسئلة والملاحظات التي سيبني على أرضيّتها الفصول اللاحقة.

وهكذا، يبدأ الكتاب، في الفصل الثاني، بمعالجة المفهوم الحديث للمواطنة، فيتطرّق إلى العلاقة بين المواطنة والانتماء إلى مجتمع سياسيّ، ويلاحظ أنّ هذا المفهوم أخرج المجتمع من شكله الأوّليّ إلى المجتمع السياسيّ الذي يفترض إقامة نظام يقوم على الدستور والمؤسّسات والأجهزة، ممّا يعني أنّ هناك ضابطةً ومرجعيّةً يتمّ التعاطي مع الأفراد على أساسها سُمّيت الحقوق والواجبات، من خلالها يجري تحديد العامّ والخاصّ، بمعنى آخر المساحات المشتركة والخاصّة بين البشر، حيث مقولتا “الحرّيّة” و”السلطة” أساسيّتَين ومتلازمتَين في هذا التعريف، والحرّيّة هنا تتعدّى سياقها الفرديّ فتطال حرّيّة الأقلّيّات الدينيّة والإثنيّة والسياسيّة.

وينتقل الفصل الثالث إلى تطوّر مفهوم المواطنة، فيقوم من خلاله الكاتب برحلة في عالم المفاهيم من اللحظة الأثينيّة المتفرّدة ومفرداتها، من ديمقراطيّة ومساواة وحرّيّة، إلى التجربة الإمبراطوريّة الرومانيّة، وصولًا إلى الحداثة. ويبدو الكاتب، في هذا المجال، وكأنّه يرسم لنا الخريطة المعرفيّة لهذا المفهوم والخصوصيّة المعرفيّة الغربيّة فيه، وكأنّه يؤشّر إلى أنّ ما نقف عليه لا يخلو من خصوصيّة ذات، لا يمكن تعميمها على الشاكلة التي وصلت إلينا. هذا ولم يحسم الكاتب، من خلال هذا الفصل، الموقف من الموضوع، وتركه مفتوحًا لكي لا يفرض على القارئ موقفًا إيجابيًّا أو سلبيًّا من الموضوع.

هذا، وعلى الرغم من ما يوحي عنوان هذا الفصل من تشابه بينه وبين المقدّمة التاريخيّة، إلّا أنّ نظرةً فاحصةً تُظهر أنّ هذا الفصل قد عالج الموضوع من ناحية مفاهيميّة مُركِّزًا على محمولاته الحضاريّة، دون التطرّق إلى الجانب التاريخيّ إلّا بمقدار الحاجة إليه، أو لوجود سبب يستدعي اللجوء إلى هذا الأمر.

بعد التحليلات السابقة، يصل الكاتب إلى الفصل الرابع، الذي يشكّل النقطة الأكثر محوريّةً في الكتاب، حيث بدأه بسؤال “هل تتقبّل الرؤية الإسلاميّة فكرة المواطنة بمفهومها الحديث؟”. وردًّا على هذا السؤال، يبدأ برحلة تحليليّة أظهر من خلالها المبنى الفكريّ والرؤيويّ المتعلّق بهذا الموضوع، وتطرّق إلى البُعد التشريعيّ، وأكّد الكاتب أنّ الإسلام تحدّث عن نمط معيّن من المواطنيّة تتلاءم مع نظرته الكونيّة، وهذا يعني أنّ الرؤية الإسلاميّة لا تساوي بين المواطنين فحسب، وإنّما بينهم وبين من يحتلّون أعلى مواقع المسؤوليّة في إدارة الاجتماع السياسيّ.

وهذا يعني أنّ الإسلام قد دعا إلى نوع معيّن من المواطنيّة تختصّ به، تنظر إلى المجتمع باعتباره حقلًا واسعًا متعدّدًا، يستطيع أن يتقبّل كلّ ما يطرأ عليه أو يعيش فيه شرط عدم تصادمه مع الرؤية المؤسّسة. 

ويُختم الكتاب بفصل تحت عنوان “المسلمون بين المواطنة الدينيّة والمواطنة السياسيّة”، وفيه يتطرّق الكاتب إلى التيّارات الفكريّة التي عالجت هذا الموضوع، ويحدّد فيه ثلاثة اتّجاهات مركزيّة: الأوّل يعطي الأولويّة للانتماء السياسيّ؛ والثاني لا يؤمن بالمواطنة السياسيّة، ويشدّد على المواطنة الدينيّة، لا بمعنى الولاء للأمّة الإسلاميّة المتخيّلة فحسب، وإنّما الولاء أيضًا لمن يعتبرونه مؤمنًا بها، عاملًا في سبيلها، من أمراء وشخصيّات كارزميّة؛ أمّا الاتّجاه الثالث فهو الذي يُغلِّبُ الانتماء السياسيّ على حساب البُعد الدينيّ.

هذا الكتاب، على صغر حجمه، يحمل في طيّاته رؤيةً متكاملةً لموضوع المواطنيّة، لا يمكن لسطور معدودة أن تختزله، فهو يحمل في طيّاته رؤيةً وتجربةً كتبها الأستاذ الباحث عليّ يوسف، قد لا تتفّق معها، ولكنّها تفتح أفقًا لحوار حول هذا الموضوع الحسّاس.

والحمد لله ربّ العالمين

معهد المعارف الحكميّة

أحمـد ماجـد

الأستاذ علي يوسف

الأستاذ علي يوسف

الاسم: الأستاذ علي يوسف من قرية حانين جنوب لبنان، مواليد عام 1939م. - قرأ القرآن وتعلّم الكتابة وألمّ بمبادئ الحساب في كتّاب القرية. - حائز على إجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع من الجامعة اللبنانية عام 1964. - مدرّس مادة تاريخ الفلسفة العربية والأدب العربي في الثانويات الرسمية اللبنانية. - مدرّس مادة تاريخ العلوم والفلسفة العامة باللغة الفرنسية في ثانويات لبنانية عدة رسميّة وخاصة. - مارس العمل السياسيّ والاجتماعيّ بين عامي 1957 و1970. - مارس مهنة التعليم مدة 33 عامًا. - عمل مديرًا للقسم الثقافيّ ومديرًا لتحرير مجلّة البلاد الأسبوعيّة. - عمل محرّرًا في مجلّة الوحدة الإسلاميّة (1987 – 1993). - كتب العديد من المقالات الفكريّة والثقافيّة والسياسيّة. - عيّن مديرًا للتخطيط والإشراف في المؤسّسة الإسلاميّة للتربية والتعليم 1994-2003. - باحث في معهد المعارف الحكميّة منذ أواسط العام 2009. - شارك في العديد من المؤتمرات والندوات. - من مؤلفاته: 1. الشورى ونظم الأمر. 2. المسلمون بين المواطنة الدينية والمواطنة السياسية. 3. الإسلام وتهمة الإرهاب.


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<