صناعة الأمّة الإسلاميّة

صناعة الأمّة الإسلاميّة

لشراء الكتاب

تحميل الكتاب 

تمهيد

سماحة السيّد عليّ الخامنئي، هو إمام بالنسبة لعددٍ كبيرٍ من المسلمين الذين يعيشون وسط الأحداث الكبرى، ويقفون في الخطّ الأماميّ في مواجهة أعداء الأمّة الإسلاميّة؛ مسلمون مؤمنون بالقرآن، يحملون تصوّرًا عن الإمامة والقيادة قد يعجز عن فهمه من لا خبرة له ولا علاقة بالمفاهيم الدينيّة الأساسيّة.

فإمامة هذا الفقيه ليست مجرّد زعامة أو رئاسة دنيويّة، بل تحمل في طيّاتها حقيقةً شرعيّةً إسلاميّة، تفرض أن يكون صاحبها حائزًا على مجموعة من الشروط والمواصفات الرفيعة، وإلّا كان طاغوتًا.

وعلى هذا الأساس، لم تكن هذه الزعامة واقعًا مفروضًا نتيجة الغلبة في اللعبة السياسيّة ولا عبر صراع القوى على السلطة، وإنّما تحقّقت جرّاء اعتقاد هذه الجماعة المجاهدة بمعنى الإمامة الدينيّة وما تنطبق عليه في ساحة الواقع. ولقد كان هذا السيّد الجليل إمامًا، لأنّه مثّل بشخصيّته وأدائه المبادئ والقيم الدينيّة التي تؤمن بها تلك الجماعة، وتسعى لتطبيقها في واقعها وحياتها، على صعيد الشؤون المختلفة. ويصبح هذا الإمام هنا الناطق الرسميّ عن المشروع الدينيّ بتطلّعاته وأهدافه وبرامجه. وعندها سيرى أيّ مسلم ملتزم بالإسلام نهجًا وعملًا نفسَه ملزمًا باتّباع هذا القائد والسير على خطاه وطاعة أوامره وتوجيهاته.

ولأنّه قائد آمن بالإسلام وامتزجت تعاليمه بروحه وكيانه، فإنّه سيحمل في تحرّكاته مشروعًا يمثّل أطروحة الدين الإلهيّ في هداية المجتمعات البشريّة. وتسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن هذه الأطروحة أو الخطّة التي يتحرّك الإمام الخامنئي وِفقها في قيادة المجتمع وتحديد مسؤوليّات جميع الشرائح. وتنبع أهمّيّة هذه الدراسة من خلوّ ساحتنا الفكريّة من هذه الأبحاث التي ينبغي أن تهتمّ بمجال بناء الرؤية الشاملة والخطّة العامّة!

من المهم معرفة العوامل التي أدّت إلى غياب الاهتمام بهذا المجال الحيويّ، وأبعدتنا عن التوجّه إلى هذا البعد الأساسيّ في شخصيّة الإمام الخامنئي ودراسة حركته العامّة ومسؤوليّاتنا تجاهها. فمن شأن هذه المعرفة أن تساهم في إعادة النظر فيما يتعلّق بتقوية الارتباط بالولاية الشرعيّة التي ستكون أوّل ما نُسأل عنه يوم الحساب، وفي الارتقاء بها إلى مستوى الانسجام المطلوب. وأن نتعرّف، وهو الأهمّ، على المعالم الأساسيّة للمشروع الذي يقوده، من خلال معرفة:

  1. أهدافه النهائيّة.
  2. ما يتفرّع عنها من أهداف مرحليّة.
  3. متطلّبات المشروع ومستلزماته.
  4. ما أنجز لحدّ الآن من مراحل المشروع.
  5. العقبات التي يجب التغلّب عليها.
  6. وأخيرًا تحديد المسؤوليّات الملقاة على عاتق كلّ شريحة أو فئة أو فرد.

أمّا التعرّف على المبادئ التي ينطلق منها هذا القائد المسدّد، فسيكون له أكبر دور في تثبيت العاملين وفي جذب الآخرين؛ حيث تمثّل هذه المبادئ القواعدَ الأساسيّة لفهم أفكاره وتوجّهاته والمشاركة في همومه وأولويّاته.

ولن يمرّ وقت طويل لتظهر لنا نوعيّة هذه القيادة وطرازها، وذلك حين نتعرّف على لبّ عمليّة التغيير والإصلاح التي يقودها هذا الإمام؛ وهي عمليّة قيميّة تهدف إلى تثبيت القيم السامية في ثقافة المجتمع الإسلاميّ، والقضاء على ما علق بها من قيم سلبيّة، أدّت إلى انحطاطه وصيرورته لعبةً بيد الأعداء.

من عرف طبيعة التغيير القيميّ يدرك أنّه أشدّ الأعمال صعوبةً وأكثرها دقّةً، لا يقدر عليه إلّا عظماء القيادة، وخصوصًا إذا كانت القيم التي يسعون إلى تغييرها متجذّرةً راسخةً في عمق الكيان الاجتماعيّ وثقافته، وإذا كانت القوى العظمى المهيمنة تعمل بكلّ طاقاتها لإفشال هذه المساعي، وإذا كان الأصدقاء قلّةً والعاملون ضعافًا!

هذا، ولأجل ترسيخ القيم البديلة، وضمان بقاء فعاليتها، رأينا هذا القائد مؤمنًا بضرورة جعلها ثقافةً يمارسها الشعب ويطبّقها من خلال مؤسّسات قوية وبنية إدارية صلبة.

إنّها التربية السياسيّة وسياسة العباد بحسب الرؤية الدينيّة. حيث ينبغي إتمام مكارم الأخلاق من خلال الحركة الاجتماعيّة العامّة، وتثبيت الفضائل المعنويّة بواسطة العمل السياسيّ المتواصل.


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<