عصرنة الإيمان

عصرنة الإيمان

هل يمكن لنا أن نعصرن الإيمان الدينيّ؟

هناك من يفترض أن الإيمان هو ذاك الكهف الإلهيّ السرمدي القابع هنا في صدر كل إنسان وفي روحه، وهو لا يقبل أي تبدّل أو تحوُّل. وبالتالي، فإن ما نشهده من صنوف تأثير الزمن على أشكال الالتزامات الدينية وشعائرياتها لا علاقة له أو مدخلية في حقيقة الإيمان.

هذا في الوقت الذي يذهب فيه آخرون إلى أن الإيمان ليس حقيقة موضوعية قائمة بالذات، بل هو مجرّد نزوع ورغبة إنسانية تمثل ذاك الجنوح نحو أمر ما متعال وخلّاق ومتكامل، وهو جنوح نحتاجه كتعويض عن محدودية بشريتنا، لذا تقوم هذه الذات البشرية بخلق صورة تضفي عليها مواصفات منها، وتُلبسها لبوس الكمالات لما تعتقده كمالًا لا تصل هي إليه، ثم تطرحه أحيانًا عبر وسيط اسمه الأسطورة أو وسيط اسمه الدين. وليس خلف هذه الوسائط إلا رغبات وأوهام وتصورات بشرية، وما هي إلا تعبير عن نقص، من هنا صحّ للإنسان أن يولّد الكامل بحسب تغيّرات واقعه الزمني، بل وصحّ له أن يعصرن إيمانه حسب طبيعة اللحظة التي يعاصرها هذا الإنسان.

وإذا كان المنحى الأول يمثّل اتجاه الإيمان الديني الاعتقادي، فإن المنحى الثاني إنما هو التعبير الأصرح عن رمزية الإيمان ولا دينيته. إنه إيمانٌ يعبِّر عن نفسه بثقافة التكاسل والخيبة والتشرنق في هذا العالم. إلّا أنه بحسب النحو الثاني فإن المعاصرة للإيمان واقعة لا ريب فيها، لكنها تعبّر عن إيمان فيه الخصائص التالي:

  1. الخاصية الأولى: إيمان وهمي لا موضوعية ولا حقيقة له.
  2. الخاصية الثانية: إيمان يعبّر وينتج عن إحساس النقص، والرغبة الكاذبة في تحصيل كمال لا واقعية له أصلًا.
  3. الخاصية الثالثة: لا ينطوي هذا الإيمان إلّا على أبعاد نفسية وثقافية تنقاد للحظة، ولا علاقة لها بالمعتقد الديني إلّا من باب قراءته من خارج. عليه، فإن كل ادعاء بالصلة بين الإيمان الوهمي السرائبي، والإيمان الديني العقائدي هو ادعاءٌ غير صادق. من ذلك، ما نراه في كثير من أبحاث ومشاريع فكرية لشخصيات عملت على علمنة الدين مثل أركون، وسروش… أو مؤسسات من مثل ما نراه في نتاج بعضٍ من مجموعة: مؤمنون بلا حدود. ونحن وإن كنا نتابع باهتمام قراءاتهم النقدية، إلا أننا لا ينبغي أن نخلط بين إيمان سرائبي قارئ للدين من خارجه وخارج قيمه، وبين إيمان هو ديني عقائدي.

يبقى أن نسأل ونستطلع إمكانية المعاصرة لاتجاه الإيمان الديني العقائدي، وما معنى المعاصرة التي يقرها هذا الاتجاه؟

هذا ما سنثيره في وقت آخر، إذ ما زال للحديث صلة…

 

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.



لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<