نحو رؤية كونية عالمية

بدعوة من النادي الثقافي الجنوبي في الجامعة الأمركية في بيروت، ألقى مدير معهد المعارف الحكمية، سماحة الشيخ شفيق جرادي، الأربعاء في 26 تشرين الثاني 2016، محاضرةً تحت عنوان نحو رؤية كونية عالمية.

          حيث أشار في بداية حديثه، لمنشأ اصطلاح “الرؤية الكونية” في الفلسفة الغربية، وتحديدًا الألمانية، والذي يحدد عند معرفته، دور الإنسان الموجود في هذا العالم المحيط به، ويحدد علاقته به، ويتعرّف على مظاهره من خلال الحواس التي يمتلكها، فهي تمثّل إذن – الرؤية الكونية – نظرة الإنسان للكون والحياة والوجود. وبناءً على تلك النظرة يقرأ الإنسان الأحداث ويفسرها بما يتناسب مع رؤيته تلك.

          ومن ثمّ أوضح المراد من الرؤية الكونية التوحيدية، والتي تقوم على اعتبار الله خالق العالم ومالكه، هو الذي أنشأ الوجود، وخلق الحياة والموت، ورسم علاقةً عضويةً بين عناصر هذا العالم، فوضع سننًا لحركة الكون، وخلق الإنسان باعتباره مستخلفًا عليه وليس مالكًا له، وبالتالي تقع عليه مسؤولية حفظ هذه الأمانة والعناية بها.

          وهذه النظرة الكونية التوحيدية تحقق لنا ثلاثة أمور حددها سماحة الشيخ شفيق جرادي وهي:

  • كيف نفهم حقائق هذا العالم: حيث الله هو الخالق والمالك، ولكنه خلق أنظمةً تدير هذا الكون وهذا العالم، فجعل لهذه الحقائق مسببات تجري بها، وتضبطها.
  • موقع الإنسان من العالم: فكل إنسان هو شريك لكل الجماعة الإنسانية، والتي يجب أن تسير غي سبيل حفظ أمانة الله في خلقه، مع الالتفات لأصالة الدنيا، فلا آخرة لمن لا دنيا له، ولا راحةً في الآخرة لمن قبل ورضي بظلم ظالم في الدنيا، فكونية الطرح الإسلامي تكمن في بعده الإنساني.
  • دور الإنسان في تغيير العالم: والسبيل والمنهج القرآني في تغيير العالم، يقوم على مبدأ الرحمة وليس العنف، فحتى الجهاد هو سبيل لتدارك الظلم لا أكثر، فهو وسيلة لإفشاء الرحمة.

وبعد ذلك حدّد سماحة الشيخ معالم الرؤية الكونية التوحيدية، داعيًا لمحاولة الالتقاء عليها مع أصحاب الاتجاهات والآراء الأخرى، وذلك لطبيعتها التي تقبل الاشتراك ولو على الحد الأنى معها، وتمثّلت تلك المعالم بالتالي:

– هذا العالم واحد، يجب أن يكون كلًا متحدًا، ونحن إذ نؤمن بالمهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، لإيماننا بأن الله لا يسمح إلا بأن يكون هذا العالم واحدًا موحدًا.
– وحدة مصدر الخليقة وغايتها: فما من إنسان، سواء وعى ذلك أم لم يع، إلا ويتجه نحو حق وكمال يطمح إليه.
– ليس الإنسان مالكًا للأرض، بل هو مستأمن عليها، وسيسأل أمام الله عن كيف اعتنى بهذه الأمانة التي استخلف عليها.
– الدين أمر فطري، وفطريته هي في تعامله مع حاجات الإنسان كإنسان وليس كمسلم.
– العلاقة بين الدنيا والآخرة هي علاقة تكامل، حيث يبني الإنسان آخرته بناءً على ما بناه في دنياه، وليس بإهماله هذه الدنيا وشؤونها.

كما أوضح سماحته، بأنه حتى لو رأى الآخرون اختلافًا معنا في تلك النظرة، فإن ذلك لا يمنع من الالتقاء على أساس المشتركات، وأهمها البحث عن الحقيقة.

أمّا عن اتّهام الدين الإسلامي، وحملة تلك الرؤية التوحيدية بالعنف، فأوضح سماحة الشيخ شفيق جرادي، بأنّ يتهم الأديان بأنها تولد العنف، عم أنفسهم من دفعوا العالم إلى موجات من العنف المتفلت من أي حدود حينما أوقفوا الرقابة الذاتية على العالم، مستطردًا بأن من يستدل على عدم صلاحية الأديان لإثارتها العنف في العالم، فرغم الاعتراف بأن بعد المعتقدات الديني أثارت العنف، ولكن هو نفسه عندما يوهن الأديان ويهزا ويسخر بها، يشعل فتيل العنف بين الشعوب وأصحاب القناعات المختلفة.


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<