ابتلاءات ارتحال النبي

ابتلاءات ارتحال النبي

بمناسبة ارتحال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ألقى سماحة الشيخ شفيق جرادي، ضمن درسه الأسبوعي في معهد المعارف الحكمية، محاضرة قال فيها:

إنّ ارتحال النبي عن هذه الدنيا هو من الأحداث التي تمثل أشد حالات البلاء التي وقعت على المسلمون. والأسباب في ذلك عديدة. منها:

– انقطاع مباشرة الوحي للأرض والناس. وهذا يعني انقطاع التشريع وأصول وسنن الهداية الإلهية اليومية للناس. فوظيفة الوحي هي تسديد الناس في حركة الهداية الخاصة بهم. وهذا الأمر، أي ارتحال النبي وانقطاع الوحي، قد حصل في ظرف كان النبي (ص) قد أتم فيه نعمة الله، بأن أوصل كل ما يريده المولى سبحانه وتعالى من الناس إليهم. فالنبي لم يرتحل إلى ربه قبل أن يتم سنن الهداية الإلهية. وللآن وإلى قيام يوم الساعة، معجزة النبي الحقيقية التي تفرد بها عن أي نبي آخر هي هذه السنن التي تهدي الناس إلى عالمهم سواء عالم الأنفس أو عالمهم الاجتماعي أو الروحي. فيكفي للواحد منا أن يلتزم السنن النبوية لتنظيم حياته، سواء السنن التشريعية أو ما فيه إرشاد وموعظة.

– نبي يمثل الإرث الأكبر لأولي العزم من الرسل والأنبياء، بحيث كان خاتم النبوات في الأرض. والنبوات هي إنباء عن المولى، وعبارة عن الصلة المباشرة ما بين الناس وبين ربهم. وهنا لا بد من التوقف عند هذه النقطة حيث يخبرنا القرآن بأن الملائكة أمرت بالسجود لآدم بعد أن علمه الله الأسماء كلها. فما هي دلالة ذلك؟

بحسب الإمام الخميني، إن الذي يمثل تجلي الرحمة الإلهية والأسماء والصفات الإلهية على الخلائق هو هذا المستخلف في الأرض، وهم الأنبياء وأولهم آدم (ع) وأكملهم محمد (ص). إذًا خلافة عالم الأسماء على الأرض تمثل أعلى قداسة، وأعلى نموذج إلهي يمكن أن نتصوره للرحمة الإلهية. لذلك نبينا أسمي نبي الرحمة. واسم الرحمن، كما اسم الله، جامع لكل الأسماء الإلهية. والحياة قائمة على عالم الأسماء، مثلًا: الموت من الله المميت، والحياة من الله المحيي…. وهكذا. فكل هذه الأسماء والتي هي تجليات وفيوضات الذات الإلهية كلها موجودة في “الرحمن”. وقلب النبي (ص) هو الذي تجلت عليه حقائق كل هذه الأسماء.

بناء عليه، هذه الرحمة المهداة من الباري رُفعت بارتحال نبي الرحمة محمد (ص) وصار أثرها مشروطًا بشرط، ووقعت الأمة بالابتلاءات بعد ارتحاله؛ التشرذم، التفرق، الابتعاد عن السنن التي سنها (ص) فارتفعت بركة هداية الرحمة التي كان يمثلها نبي الرحمة محمد (ص).

– نبي (ص) كان يثبت في الناس قواعد الإخلاص لدين الله سبحانه وتعالى حيث يقول القرآن بشكل واضح: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. أي أخلصوا للنبي، كونوا أوفياء له تكونون بذلك أحبابًا للباري سبحانه وتعالى. هذا الإخلاص والوفاء والصدق في العلاقة مع رسول الله محمد تضعضع وضعف بعد وفاة النبي (ص). لذلك من تخلف عن ركائز الإخلاص انتُزعت منه هذه الرحمة والرعاية البانية المباشرة.

فما هو الواجب الذي لو أديناه والشروط التي لو التزمناها لدفعنا عنا البلاء؟!

إن السنن التي وضعها الله ونشرها النبي (ص) ليتبعها الناس إلى قيام الساعة ينبغي أن لا تموت وينبغي أن تبقى بعد رحيل النبي. فالرافع للابتلاءات بعد رحيل النبي هو حفظ هذه السنن، والشرط لذلك هو الإخلاص والوفاء واللذان يعنيان الثبات على الولاية.

الولاية هي عبارة عن إخلاص ووفاء لله تعالى وللرسول ولكل ما أراده الله والرسول. وبالولاية تحفظ السنن. بالولاية وحدها يمكن أن نحفظ الرحمة التي يمثلها رسول الله محمد (ص).

لذلك، نحن شيعة محمد بن عبد الله، حين نتحدث عن وجوب الثبات على الولاية، سواء قصدنا بها ولايتنا لأمير المؤمنين أو للسيدة الزهراء أو للأئمة من ولدها أو ولايتنا للقائم (عج)،  نتحدث عن الحقيقة الفعلية لهذه الولاية والتي هي تأكيد الوفاء والإخلاص للولاية الإلهية التي صدع بها الرسول (ص).

من هنا، يتوجب على كل مسلم التصدي للدفاع عن وجه رسول الله، عن اسمه، عن مقامه، عن رتبته، وعن موقعه. لأننا نعيش اليوم أعنف حملة يمكن أن يشهدها التاريخ ويقودها ثلاثة أطراف:

– قتل العشوائي والتكفير الفوضوي باسم الإسلام.

– حالة الارتداد التي تحصل في بعض صفوف المسلمين تحت عناوين الإلحاد.

– الخيارات الضيقة التي يعمل من يعمل ضد العالم الإسلامي على وضع المسلمين فيها. بحيث يخرجونهم عن دائرة الالتزام الثابت بمحمد وآل محمد (ص).

فإذًا وظيفتنا اليوم، أن نبين الحق من أجل أن ندافع عن وجه النبي وعن قيم وسنن النبي. وأفضل هدية يمكن أن تُقدم من مسلم لنبيه محمد (ص) هي التصدي والدفاع بأي وسيلة من الوسائل عن وجه الرحمة محمد (ص).

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.



لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<