ومضات رمضانيّة

ومضات رمضانيّة

نحن اليوم في شهر رمضان المعظّم، ونفوسنا قد تعوّدتْ على مكارمه التي لا تحصى ولا تعدّ بفضل الجليل الكريم سبحانه وتعالى لما نجد فيه من نعم متكرّرة، وخيرات ظاهرة وباطنة، وبركات نشعر بها وأخرى لا نشعر بها  .

أوّلًا: يعدّ شهر رمضان أفضل الشهور الاثني عشر، وقد ذُكر فضله بالنصّ القرآنيّ في قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1].

وبفضل ليلة القدر – الذي انطوى عليه – صار شهر رمضان أفضل الشهور بما فيها الأشهر الحرم الأربع. ففي أوّلها، شهر رجب الذي كانت فيه البعثة النبويّة الشريفة حيث بعثة خير البريّة، وصاحب المقام المحمود، مقام قاب قوسين أو أدنى. ثمّ يأتي شهر شعبان كالبرزخ بين بحرين لا يبغيان: شهر رجب وشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. وبعد شهر رمضان، يأتي شهر شوّال، وهو بمثابة وزير له، يُمِدّه بأيّام إذا صامها الصائم كان كمن صام الدهر كلّه. وشوّال كمثل شعبان برزخ بين رمضان وبقيّة الأشهر الحرم.

لذا كان صيام شهر رمضان هو شهر التّهيئة الروحيّة الضروريّة للوقوف بين يدي الرحمن في مقام القرب بأرض عرفات، حيث يتنزّل الله جلّ جلاله – بما يليق بجلال قدره – إلى السماء الدنيا إكرامًا لضيوفه الفائزين بلباس التقوى، وبالتوبة منه عليهم ليتوبوا .

ثانيًا: معنى رمضان في اللغة:

تقول العرب: رمض الغنمَ أيّ رعاها في الرمضاء، والرمضاء هي شدّة الحرّ. ورمض الطائرُ أيّ حرّ جوفه من شدّة العطش. من هنا، نخلص إلى أنّ اسم رمضان يشير إلى تشديد ارتفاع حرّ الجوف من عدم الأكل والشرب، وتشديد مضايقة النفس اللوّامة من كبحها لجوارحها، وامتناعها من متابعة هواها حتّى تتطهّر، وتتزيّن بما يتجلّى به عليها ربّها من مواهب المعرفة، وتشمّ روائح القرب من بارئ النسم دون أن ننسى الحديث الذي ذكر أنّ رمضان من أسماء الله تعالى ولذلك حثّ الحديث على قول شهر رمضان عند الحديث عن الشهر تحديدًا.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال:

كنّا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال: لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان، فإنّ رمضان اسم من أسماء الله عزّ وجل، لا يجيء ولا يذهب إنّما يجيء ويذهب الزائل ولكن قولوا: شهر رمضان، فالشهر مضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله عزّ وجل وهو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن جعله الله عزّ وجل مثلًا وعيدًا[2].

ولعلّنا نجد في أحرف رمضان ما يزيدنا إحاطة بمعناه؛ فالراء تشير إلى بدايته برحمة الله، وهي مشتقّة من اسمه الرحمن. وأمّا حرف الميم فهو يشير إلى المغفرة. ويرمز الضاد إلى الضياء الذي يفيض من “الله نور السماوات والأرض” على قلوب عباده المؤمنين حتّى يزدادوا إيمانًا مع إيمانهم. وأمّا حرف الألف، فقد يشير إلى الألفة التي يمنحها الله إلى عباده الصائمين حتّى يألفوا الإنابة على مولاهم، ويألفوا مواطن القرب وما يساعد عليها حتّى لا يلتفتوا عن المولى عزّ شأنه إلى سواه . وأمّا حرف النون فهو يشير إلى النجاة من النار، وقد جاء في خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.

ثالثًا: شهر رمضان رمز النصر والفتوحات:

وكيف لا يكون كذلك وقد اقترنت فريضة الصيام بأعظم انتصار عرفه المسلمون في غزوة بدر، حيث نصرهم الله وهم قلّة.

رابعًا: صيام شهر رمضان من مكفّرات الذنوب

 وهو موعد سنويّ يتوب فيه الله على عباده ليتوبوا بتيسير منه وبتجاوزه عن خطاياهم وعصيانهم، رحمة بهم .

خامسًا: حصاد ثمرة صيام شهر رمضان:

في أوّل ليلة من شهر رمضان تفتح أبواب الجنّة للصائمين من أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم. ويقول الله عزّ وجلّ يا رضوان افتح أبواب الجنان ويا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين.

وفي الحديث القدسيّ، يقول الله تعالى لجبرئيل عليه السّلام: “اِنزلْ على الأرض فَغُلَّ فيها مَرَدةَ الشياطين؛ حتّى لا يُفسِدوا على عبادي صومَهم”[3].

ونختم بحديث أهل بيت النبوّة عليهم السلام:

في حديث المعراج، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا ربّ، ما أوّل العبادة؟ قال: أوّل العبادة الصمت والصوم. قال: يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يُورث الحكمة، والحكمة تُورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح: بعسر، أم بيُسر”[4].

[1] سورة البقرة، الآية 185.

[2] الشيخ الصدّوق، من لا يحضره الفقيه (منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة في قمّ المقدّسة، الطبعة2، 1404ه)، الجزء 2، الصفحة 172.

[3] محمّد الريشهري، ميزان الحكمة (دار الحديث، الطبعة1، 1416ه)، الجزء 2، الصفحة 1117.

[4] المصدر نفسه، الجزء 2، الصفحة 1689.

السيّد محمّد محمود مرتضى

السيّد محمّد محمود مرتضى

الاسم والشهرة : محمد محمود مرتضى. مواليد عيتا الجبل (جنوب لبنان) 1965. - حائز على إجازة في الفلسفة – الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية-قسم الفلسفة . • حائز على ماجستير في الدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية في لبنان. • نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة – الجامعة اللبنانية (2015). • باحث متخصص بالحركات الإسلامية والتكفيرية. • من مؤسّسي معهد الحكمة المتعالية، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والمنطق الأرسطي ونظرية المعرفة في المعهد المذكور حتى عام 1996. • مدير المركز الإسلامي للدراسات من العام 1996 لغاية 1999 ومن الهيئة التأسيسية للمركز، ولا زال حتى الآن عضو الهيئة الاستشارية في هذا المركز. • أستاذ في معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية المذكور منذ عام 1999 في المواد التالية: - الفلسفة الإسلامية. - نصوص عرفانية. - مصطلحات الفلسفة والعرفان. - تاريخ العقليات في الإسلام. - نظرية المعرفة. - سيرة تحليلية - الحياة السياسية للأئمة ( كتاب السيد القائد إنسان بعمر 250 سنة). • شارك في عدد من المؤتمرات والندوات العلميّة. • له عشرات المقالات السياسية في جريدتي الأخبار والسفير. • له عدة مؤلفات وأبحاث، منها: 1. الأنبياء فوق الشبهات، الجزء الأول. 2. الأنبياء فوق الشبهات ، الجزء الثاني. 3. فلسفة العصمة عند الشيعة الإمامية. 4. إبستمولوجيا الوحي عند العلامة الطباطبائي، مجلة المحجة، العدد 25، 2012م. 5. الصلاة على محمد وآل محمد باب الوجود، مجلة العتبة، العدد الأول، 2014. • له عدة مقالات على موقع معهد المعارف الحكمية، وهي: 6. بناء الشخصية الإيمانية في فكر الإمام علي بن الحسين زين العابدين، دعاء مكارم الأخلاق نموذجًا . 7. ليلة القدر: التقدير الإلهي والقابليات الإنسانية. 8. ومضات رمضانية. 9. الغدير تتويج لعمل الأنبياء. 10. عشرة من عاشوراء (عشر مقالات حول عاشوراء). • له دراسات سياسيّة خاصة: - داعش وإعلان الخلافة: سؤال في الخلافة والخلاف. - قريبًا كتاب: صناعة التوحش (التكفير والغرب).


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
شهر رمضانليلة القدرالقرآنالصيامالربكةالنصر

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<