المحاضرة الثامنة- وجوه مستبشرة

تطرّق سماحة الشيخ شفيق جرادي في اليوم الثامن من سلسلة محاضراته العاشورائية إلى أن أهم عامل من عوامل الخروج من اليأس هو أن لا نتوقع من الدنيا وما فيها ما لا يُتوقع منها. والذي يمكن فعًلًا أن نراهن عليه في هذه الدنيا هو أن نبني للباقي من الحياة وهو ما بعد الموت، وأن يكون لا حول ولا قوة لنا إلا بالله.

ولفت سماحته إلى معاني الحياة، وهي عبارة عن:

  • الحياة لم تكن وبدأت بولادتنا.
  • أن رزقنا موجود فيها.
  • أن نترك أثرًا لنا فيها؛ بحيث نتفاعل مع الناس والناس تتفاعل معنا، وهو ما يسمّى العمل الذي يمكن أن يكون صالحًا، ويمكن أن يكون سيئًا.
  • أن يكون لنا قضية نحملها ونعمل لأجلها.
  • أن يكون كل ما لديك من فعل ونية وعمل وكل وجود في وجودك مسخّر لهذه الرسالة التي أرساها الله برسوله محمد، وأسقيت بدماء أشرف الناس وأقدس الناس من أمثال الحسين عليه السلام.

ورأى سماحته أن الدنيا لا يمكن أن نفهمها إلا بحالة واحدة وهو الموت، وأنه يوجد قضاء مبرم وهو الموت الذي يأتيك في أية لحظة، وأن ختم أي حياة منا هو الموت.

وأشار سماحته إلى أن لكل ثورة وكل نهضة منطقها الخاص وفلسفتها الخاصة، وفي حديث الإمام الحسين عليه السلام حينما عزم على الخروج إلى كربلاء: “الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. خُطّ الموت على ولد آدم مَخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف،…” نجد هنا إبراز لكل مضمون نهضته وحركته عليه السلام. لافتًا إلى أن الإمام عليه السلام أول ما بدأ، بدأ بالذكر (الحمد لله). وما شاء الله؛ حيث كل شيء مفتاحه بيد الله، ولا حول ولا قدرة ولا عمل لأي أحد إلا بالله العظيم. ثم يصلي الإمام عليه السلام على النبي محمد وأله في إشارة منه أنه بعد الله إذا أردت أن تعلن حقيقة مسيرتك عليك أن تضع العلامة البارزة ألا وهي ذكر محمد بن عبد الله (ص).

وأوضح سماحته أن عبارة الإمام الحسين “خط الموت على ولد آدم” أن الموت موجود على أعناقنا ونحن رهائن له، لكن الإمام عليه السلام ينظر إلى الموت على أنه تحقيق للحياة.

وتابع سماحته، أن الإمام الحسين عليه السلام عندما أعلن اشتياقه إلى أسلافه كان يرى أنهم تركوا معبرًا وانتقلوا إلى معبر آخر. وكان بنظره عليه السلام أن الحياة استمرار، والموت مفتاح لهذا الانتقال.

ولفت سماحته، إلى عبارة “رضا الله رضانا أهل البيت”؛ تعني أن شخصًا بعظمة الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن له إلا أن يعرف ما الذي يرضي الله عز وجل ويتخذه منهجًا له. وواحدة من أعظم رحمات الله علينا أن أنزل لنا كلامه بكتابه الكريم (القرآن)، وأرسل لنا عظيمًا كمحمد (ص) ملأ كل الحياة، وبهم نعرف ما يرضي الله. فهذه هي محورية الإمام الحسين عليه السلام لنظرتنا إلى الدنيا.

وأشار سماحته أن الحياة بحسب القرآن هي واحدة من اثنين:

1.    إما ان تكون من الناس الذين عملوا الصالحات فكتب لهم الحياة الراضية.

2.    وإما أن تكون من الذين خفت موازينه فأمه هاوية.

واعتبر سماحته، أن أساس النظرة للحياة أنها دار تجارب.

واعتبر سماحته أن الذين يضعون الأقفال على قلوبهم هلكوا عن بيّنة، والذين ترتفع أسهمهم نالوا الحياة الطيبة وعن بيّنة أيضًا.

لفت سماحته، إلى الأنا التي تظهر عندنا وأمثلتها كثيرة، أحيانًا نفعل الخير فقط نفعله لنبرز أمام الناس، ونتعلم فقط لنحقق رغباتنا، وهناك أناس حتى الصلاة تصليها فقط لترضي أنفسها، وليس الله، وغيرها من الأمور، التي تتمحور حول الأنا وهذا هو الغرور.

وأشار سماحته، إلى أنه يوجد في الدنيا مغريات كثيرة، لكن الله سبحانه يريد منا أن نعمل موازنة ومقايسة وأن نعترف أنه بعد الدنيا هناك حياة أخرى وأبدية.

ورأى سماحته أن معيار الحياة الضنك من غيرها، تتمثل بـ:

1.     هل ما زلنا محافظين على ذكر الله، وأنه إن وصلت لنا النعمة فهي من الله، وإذا ابتلينا ببلاء ما: فيا رب أرهن ابتلائي لك لتجزيني غيره؟

2.    أن نستمر في ذكر الله، بأن نتقرب إليه بالوسيلة العظمى وهي الصلاة على محمد وآل محمد.

3.    أن نلتزم بشريعة الله ودينه وعباداته وأهمها الصلاة.

4.    بأن نربط أنفسنا بإخلاص أن الموت قادم.

وتابع سماحته، أن أهل الإيمان مهما حصل معهم فإنهم يعتمدون على الله الذي لا يضيع أجر عمل صالح. فلا يمكن أن نضعف أو نسقط.

واعتبر سماحته أن العيشة الضنك يعيشها الأفراد كذلك تعيشها أمة بكاملها فإذا عاشت عيشة بطر فإنها تنهار.

وأكد سماحته، أنه لا يوجد بلد كلبنان، بفضل أمة آمنت بربها وبمحمدها وبعليها وبالحسن وبالحسين وبالقائم هي أمة حزب الله كانت لها الغلبة وهم أهل الفلاح لأنهم ارتبطوا بالله، وعاشوا وحب محمد بقلوبهم، واغتنموا فرصة وجود رجل عظيم هو الحسين فأحيوا ذكراه، فتحول لبنان من بلد مظلوم إلى بلد عظيم، فهذه هي العيشة الطيبة.

ولفت سماحته، إلى أننا أكثر الناس بلاءً وصبرًا وألمًا ووجعًا وقدرة على التحمل، فنحن أكثر الناس يجب أن نعرف مصدر قوتنا واعتمادنا، فنحن من تراب طين محمد وآل محمد. أنت فقط قل يا رب، وقل يا الله، فتصبح وحسب هذه الرواية أو ربما حديث قدسي: “لو أن السماوات والأرض كانتا على عبد من عبادنا رتقًا فنادانا لفتقناهما”.

ختم سماحة الشيخ شفيق جرادي محاضراته بالقول: إن شكل الحياة الطيبة التي علينا أن نعيشها، هي كما يقول الباري: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”؛ فمن كان كذلك ووضع رزقه بيد الله، الله يرزقه، ومن وضع عزه بيد الله أعزه الله.


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<