by هاشم الضيقة | مايو 6, 2020 12:11 م
(الحلقة الثانية: نماذج من الأزمات السياسية)
تقدّم في الحلقة السابقة من سلسلة “الدور القيادي للإمام الخامنئي في إدارة الأزمات” الحديثُ عن أهمّ الأزمات الأمنية، وبيان مواقف القائد واستراتيجياته في إدارتها وعلاجها، وفي هذه الحلقة نتناول أهمّ الأزمات السياسية التي واجهت الثورة واستطاع الإمام الخامنئي ببراعته وحسن قيادته أن يجنّب البلاد مآثمها، بل يختمها بنهاية مشفوعة بالعزة:
أولًا: حادثة ميكونوس وأزمة العلاقات الخارجية.
في أواخر العقد الثاني من الثورة أقدمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتمّ استدعاء سفرائهم منها عام 1988م. وتمتدُّ جذورُ هذا الإجراء إلى حادثة وقعت عام 1992م في فندق ميكونوس في برلين، حيث تعرّض نشطاء إيرانيون معارضون للثورة إلى هجوم مسلَّح فقتل أربعة منهم. وبعد ذلك ألقى جهاز الأمن الألماني القبض على أشخاص ستة ادّعى أنهم منفّذو العملية؛ خمسة من اللبنانيين وإيرانيٌّ واحد.
بعد عام 1990م حدثت جملة من المتغيّرات من ضمنها وساطة الشيخ رفسنجاني لإخراج الرهائن الغربيين من لبنان، أدّت إلى توجّه الاتحاد الأوروبي إلى سياسة إزالة التوتّر. استمر العمل على إزالة التوتّرات مع الأوروبيين إلى عام 1996م، حيث أصدرت المحكمة الألمانية قرارها بشأن متهمي ميكونوس وكانت النتيجة تصبُّ بمصلحة أمريكا والصهاينة فاتَّهمت النّظامَ في الجمهورية الإسلامية بالإجرام، وأصدرت قرارًا باعتقال السيد علي فلاحيان وزير الاستخبارات في حكومة الشيخ هاشمي، وذُكر اسم الإمام الخامئني والشيخ هاشمي وعلي أكبر ولايتي ومحسن رضائي في قائمة أعضاء لجنة التخطيط للاغتيالات في الخارج… شهدت العلاقات بين إيران والدول الأوروبية أقصى درجات التوتّر آنذاك، حيث تمّ استدعاء سفير إيران من ألمانيا وسفير ألمانيا من إيران. وفي عام 1997م أعلن الاتحاد الأوروبي انحيازه الكامل إلى جانب الحكومة الألمانية. وردّت إيران بالمثل على كل تلك الاتّهامات ووصفتها بالواهية والمتأثّرة بالإعلام الصهيوني.
تحليل قائد الثورة لحادثة ميكونوس.
اعتبر قائد الثورة أنّ حادثة ميكونوس هي مجرّد مسرحية مفتعلة حاكوا لها ملفًّا قضائيَّا، ويَكمُن هدفها في إيجاد الهوّة بين إيران وأوروبا، حيث وقع اختيارهم على ألمانيا الضعيفة سياسيًّا، وفي الوقت نفسه مؤثّرة أوروبّيًّا. والحقيقة – بنظر القائد – أن أمريكا وبدعم من الصهاينة قد أوقعوا ألمانيا في الفخ؛ إذ أدّى موقفها إلى خسران ثقة الشعب الإيراني بالحكومة الألمانيّة. وعلّق على ذلك بأنّ الأمريكيين قد ارتكبوا خطأ فادحًا بتحليلهم وأهدافهم الكامنة في عزل الدول الأوروبية وألمانيا خاصة عن إيران.
دور القائد في حلّ الأزمة.
لقد نفّذت الخارجيةُ الإيرانية طبقًا للسياسات الخارجية التي يحدّدها قائد الثورة بموجب المادّة 110 من الدستور، إجراءاتٍ أظهرت العزَّةَ والاقتدارَ السياسي للجمهورية الإسلامية:
بهذه المواقف العزيزة، والإجراءات الحكيمة لقائد الثورة والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية مرّت هذه الأزمة بانتصار مُشرِّف، واستؤنفت مرحلة جديدة من العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي، ولُقِّن الأوروبيون درسًا جديدًا في كيفية التعامل مع الجمهورية الإسلامية.
ثانيًا: مشروع “لجنة الخطر الداهم”.
اجتمعت “لجنة الخطر الداهم” التي تضمّ أبرز العناصر السياسية والعسكرية في أمريكا، واعتبرت ضمن آخر قرار لها في الشهر التاسع من عام 2005م أن الحرب الصّلبة ضد إيران لا طائل منها، وطالبت الحكومة الأمريكية بإيلاء أهمّية خاصّة لمشروع الحرب المعلوماتية للإطاحة بالنّظام من الداخل، بعد أن شهدت صلابةً استثنائية من الشّعب الإيراني، وفشل استراتيجياتها على امتداد السنوات الماضية. وقد خرجت هذه اللجنة بتقرير تحت عنوان: “إيران وأمريكا، الوجهة الجديدة” ضمّ خمس عشرة نقطة، نذكر أهمّها:
استعملت أمريكا في مشروعها المذكور أدوات متعدّدة من قبيل: تصعيد الخلافات الداخلية، وإيجاد الهوّة بين الحكومة والشعب، والتشكيك في مشروعية النظام، وإثارة الحرب الإعلامية.
استراتيجية قائد الثورة في مواجهة الأزمة.
يمكن تقسيم الأزمات السياسيّة إلى أزمات ظاهرة اجتازت جميع المراحل للتحول إلى أزمة بالفعل. وأزمات خفيَّة يتوفّر فيها شروط التحول إلى أزمة ظاهرة في ما لو لم يُعتنَ بها. من هنا، إن امتلاك استراتيجية لمواجهة الأزمات قبل البدء بإدارتها يعدُّ أمرًا ضروريًّا، وهنا نشير إلى الاستراتيجيات التي اتخذها القائد لتفكيك الأزمات وتجفيف منابعها قبل تصاعدها:
فكان التأكيد على الوحدة ونبذ الاختلاف من أهمّ السياسات الناجعة التي انتهجها قائد الثورة خصوصًا منذ أيار 1997م. وبهذا الصدد قال: “إنني أسعى إلى أن أقرِّب عمليًّا بين الاتجاهات المتعارضة قدر الإمكان، لكنني لا أحاول دمجها ببعضها، فإنني لا أرى في ذلك ضرورة، ولا ممكنًا أساسًا، ولعلّه ليس نافعًا أيضًا (…) إذا كانت البواعث خالصة لله حقيقة أين ما كانت، فالعمل سيكون سهلًا”[6][6].
وضمن هذه السّياسة يمكن استعراض جملة من كلماته:
ج. النصح والتأكيد المستمر على حفظ الوحدة: ذكر في كلمة له: “إن مصلحة البلد، ومصلحة الشعب، ومصلحة الثورة، تستوجب اليوم وحدة الكلمة وتآلف القلوب”[9][9].
ثالثًا: أزمة مشروعية مجلس الشورى الإسلامي.
قبل انتهاء الدورة القانونية لثلاثة من الأعضاء الحقوقيين في مجلس صيانة الدستور، رشَّحَ رئيسُ السلطة القضائية ستة من القانونيين إلى مجلس الشورى الإسلامي، وفقًا لما تمليه عليه المادة 91 من الدستور، ليَنتخِبَ مجلسُ الشورى ثلاثةً منهم، إلّا أنّ غالبية الكتلة البرلمانية لم تتعاون مع السلطة القضائية وعرقلت الانتخاب، بل أخرجَ المجلسُ انتخابَ الحقوقيّين من جدول أعماله. وعلى أي حال فإنّ ضرورة حضور كافّة أعضاء مجلس صيانة الدستور في مراسم أداء اليمين الدستورية لرئاسة الجمهورية، ألزم مجلس الشورى على عقد اجتماع لانتخاب الحقوقيّين الثلاثة، إلّا أنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة؛ إذ لم ينجح في كسب الآراء اللازمة للمشاركة في مجلس صيانة الدّستور إلّا واحدٌ من الستة، وبقي مصير الآخرين في هالة من الغموض. وقد أدّى عدم اكتمال مجلس الصيانة إلى مشكلتين؛ الأولى: ما يتعلّق بأداء اليمين الدستورية، والثانية: فقدان مجلس الشورى لمشروعيته القانونية بمقتضى المادة 93 التي تُنيطُ مشروعية مجلس الشورى باكتمال أعضاء مجلس الصيانة.
في الوقت المناسب تدخل قائد الثورة الإسلامية واقترح مخرجًا قانونيًّا للعبور من الأزمة:
على إثر ذلك، عقد مجلس تشخيص مصلحة النظام اجتماعًا طارئًا في 6 آب 2001م، وأعلن أن الخروج من المأزق يتمثّل بأمرين:
وافق قائد الثورة على هذا الحل بعد أن أضاف عليه بعض القيود، وبواسطة هذا التدبير انتهى تأجيج أزمة انتخاب حقوقيي مجلس الصيانة، وشبهة عدم قانونية مجلس الشورى. بعد ذلك وصف المتخصّصون كالبروفسور حميد مولانا التدبيرَ المذكور بـ “النجاح الباهر”[12][12].
ثمّة محطات عديدة على غرار ما تقدّم تعكس البراعة السياسية والدراية القانونية والفطنة والذكاء لدى الإمام الخامنئي في علاجه للأزمات السياسية، يُرجع فيها إلى المطوّلات من الكتب.
[1][13] سورة النساء، الآية 141.
[2][14] الإمام الخامنئي، 26 ذي الحجة 1411ه، لدى لقائه مسؤولي وزارة الخارجية والسفراء والقائمين بالأعمال في الجمهورية الإسلامية.
[3][15] الإمام الخامنئي، 22 ذي الحجة 1417ه، لدى لقائه حشودًا من العُمّال والمعلّمين على أعتاب يوم العمال ويوم المعلّم.
[4][16] الإمام الخامنئي، 13 شعبان 1420ه، كلمة لدى لقائه طلبة جامعة شريف الصناعية في طهران.
[5][17] الإمام الخامنئي، 11 جمادى الأولى 1419ه، جلسة أسئلة وأجوبة في جامعة طهران لإعداد المدرّسين.
[6][18] الإمام الخامنئي، 11 جمادى الأولى 1419ه، جلسة أسئلة وأجوبة في جامعة طهران لإعداد المدرسين.
[7][19] الإمام الخامنئي، 7 صفر 1421ه، خطبة صلاة الجمعة في طهران.
[8][20] الإمام الخامنئي، 7 صفر 1421ه، خطبة صلاة الجمعة في طهران.
[9][21] الإمام الخامنئي، 20 جمادى الثانية 1420ه، خطبة صلاة الجمعة في طهران.
[10][22] الإمام الخامنئي، 12 شعبان 1423ه، بيان موجّه إلى ملتقى مكتب تعزيز الوحدة.
[11][23] الإمام الخامنئي، 5 أغسطس 2001م.
[12][24] صحيفة كيهان، 9 أغسطس 2001م، الصفحة الأخيرة.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/10115/kiyada2/
Copyright ©2025 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.