الحوراء التي غيّرت العالم..

by الشيخ شفيق جرادي | ديسمبر 20, 2020 12:03 ص

قليلون هم الذين يشكّلون فارقًا في الحياة حين ولادتهم.
وقليلون هم مَن يعطون للحياة معنًى عند موتهم.
هكذا كانت ولادة الحوراء زينب عليها السلام، وكان موتها. وإذا كنّا، اليوم، نعيش ذكرى الولادة الميمونة لابنة أمير المؤمنين عليه السلام، وابنة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، فإنّا لن نتحدّث عمّا وهبته من حياة بموتها، بل عن حياتها التي شكّلَت فارقًا في حياة الإسلام وأمّة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وعلى آله. ولمّا كان المقام هنا يقتضي الإيجاز وترك التفصيل فإنّي سأورد ما يجول في خاطري ضمن نقاط محدّدة:
أوّلًا: لقد زيّنَت الحوراء زينب عليها السلام بيت محمّد صلّى الله عليه وعلى آله، الذي هو بيت أمير المؤمنين عليه السلام بفتاة بين أخوَين إمامَين قاما أو قعدا. وهي بذلك وصلَت حلقة الأسرة المزهوّة بالبنين والبنات. كما إنّها كانت تمثّل في عينَي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله صورةً لأمّها الزهراء عليها السلام. ممّا يعني أنّ روح الزهراء ستسري في الذرّيّة الطيّبة، وإنّ الكوثر الذي وُعد فيه النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله لن يقتصر على الذكور بل سيكون هناك تكوثرًا من الفاطميّات الزينبيّات.
ثانيًا: حفلت حياة السيّدة زينب بنحو من الحجاب الذي لا يُظهر المرأة حيث ينبغي أن تغيب، ولا يغيّبها حيث ينبغي أن تخرج شاهرةً كلمة الحقّ في وجه سلاطين الظلم والجور. لقد اعتزلَت الناس ونأت عن اختلاطهم ولهوهم ولعبهم لتمكث هناك على صراط الخلوة مع الله، تستقي من جوار العصمة نمير الروح والمعرفة حتّى قيل فيها العالمة غير المعلَّمة. والعابدة التي بزَّت الأقران حتّى أُشير إليها كما يُشار لأهل العصمة والإمامة في عبادتها وفي خلوصها التوحيديّ. ثمّ إنّها انغمسَت في الناس وبينهم إلى الدرجة التي صارَت فيها برهان الحقّ القاصم للسلطان، وبيان الإيمان المحيي لروح الوحي المحمّديّ والإلهام العلويّ، فما كان بالإمكان تمييزها عن بيان أبيها عليه السلام. وبعد هذا، كانت مسار الثورة الحسينيّة المتنقّلة بين البلاد والمدن والعباد تنشر سنن محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وترفع راية الشهادة الطامحة نحو تحقيق الظفر، وتحفظ عيال ذرّيّة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وتنظّم صفوف شيعة الولاية لمحمّد وآل محمّد صلّى الله عليهم أجمعين.
ثالثًا: إن كان الدين نظام حياة، وإن كانت الحياة في متطلّبات كمالاتها هي الدليل على صدق الدين وسلامة تطبيقه فإنّ أهل الدين هم حياة الإسلام الناطق بالكتاب والوحي. والدين على صلاحيّة تطبيقه. من هنا، كانت فكرة المعصوم نبيًّا كان أم إمامًا. إلّا أنّ البعض قد يعترض، فيقول المعصوم وحده (النبيّ والإمام) هو القادر على ممارسة الشأن الدينيّ وأمّا غيرهم فلا.
لذا، فإنّ الناس لا يمكن لهم سلوك درب الدين بالطريقة التي أرادها الله.
من هنا، جاءَت حياة السيّدة زينب عليها السلام كأمثالها من الناس ذكرانًا وإناثًا ممّن جاهدوا أنفسهم للاقتداء بدرب النبوّة والإمامة فوصلوا، ليقوم الدليل على أنّ هذا الدين هو حتّى لغير المعصوم. إنّه لكلّ العالمين ممّن خالفوا ربّهم واتّقوه.
الفارق في ولادة السيّدة زينب عليها السلام أنّها الفقيرة التي خرجَت من بيت فقير، رغم أنّ الدنيا كانت تحت أقدام أسرتها. وأثبتَت للوجود أن طوبى للفقراء، فإنّهم، بتقواهم وجهادهم، يصيغون الحياة.


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11279/sayyedazainab3/