من يخلف النبي (ص)؟

by الشيخ شفيق جرادي | فبراير 10, 2021 9:47 ص

يعتقد الشيعة أن من يخلف النبي محمد (ص) هو الإمام علي (ع)؛ لأن الخلافة هي بنص من الله ورسوله إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ولكنّها كانت لغيره (ع) بسبب ما حصل في التاريخ.

في هذا الجانب التاريخي، كان من الممكن أن نقع في مشكلة، وقد وقعت فعلًا، وهي أن غير الإمام علي استلم الحكم، لكن الإمام سكت عن هذا الأمر بشكل من الأشكال، ولم تحصل مشكلة توقع الأمة في فتنة معركة أو حرب.

وينبغي على الشيعة وغيرهم أن يتعلموا درسًا من هذا الموقف، وهو أنّ آل محمد (ص) بنهجهم لا يمكن أن يدخلوا في فتنة منشؤها السلطة. وإذا كانت السلطة تسبّب فتنة بين المسلمين وتفرّق وحدتهم وجماعتهم، فلا يمكن أن ينزلق فيها آل بيت محمد (ص) وشيعتهم.

يسلّم العقلاء من آل محمد وشيعتهم أنّ كل ما حصل في التاريخ قد حصل من باب التسليم. وهذا الموقف لا يعني عدم أهمية السلطة والحكم، إلا أنّ هنالك أمرًا آخر بموجبه يتقرر دين الناس والتزامهم، من هو بعد النبي محمد وله ما لرسول الله محمد من الأمر؟

يحدد مقتضى الولاية المصدر الذي على كل مسلم أن يعتمده من أجل تبيان المعتقد والأخلاق والسنن والمعارف. وفي معتقدنا الشيعي أنّ الولاية تمثّل خط محمد وعلي، وآل محمد وعلي، باعتبار كل إمام بمجموع الأئمة يمثّل المصدر الذي نعود إليه لمعرفة وتبيان أحكام ديننا والالتزام به.

الولاية بالنسبة لنا هي دين قاتلت السيدة الزهراء لأجل تثبيته. وكانت تريد أن تؤكد أنّ ترك ولاية علي بن أبي طالب هو ترك لدين محمد بن عبد الله (ص). إنّ هذا التمسك الشيعي بالولاية هو التزام وحفظ المعتقد والإيمان المتمثل بأمير المؤمنين علي (ع)، من هنا فإنّ أول شهيد ولاية بعد ارتحال النبي كانت السيدة الزهراء (ع). بناءً عليه، لا توحيد بدون ولاية، ولا إمامة بدون ولاية، ولا تماسك للأمة ونظام لها بدون ولاية محمد وآل محمد.

الإخلاص رزق من الله.

 بعد أن تحدثنا عن الولاية، نتحدث الآن عن الإخلاص الذي هو سر من أسرار الله كما ورد في بعض الروايات، “أقل ما قسمه الله على العباد من رزق هو الإخلاص”، وقد نجد الكثير من المسلمين والمجاهدين والعلماء والناس، ولكن الإخلاص أمر آخر لا يرزقه الله إلا لمن اختاره من الناس.

التشيّع على مستويات كما تشير الروايات، فيمكن أن يكون البعض شيعيًّا إن كان كأصحاب الحسين حينما بذلوا مهجهم دفاعًا عنه (ع). بينما يتمنى البعض أن يكونوا من أنصار الإمام علي (ع) الذين لهم كرامات عظيمة إلى درجة أنّ أحدهم وهو ميثم التمار كان يعرف حال منيّته التي سيصل إليها. فحينما أصدر الحاكم الأمر بصلبه وقتله بكى، فقالوا له بشماتة: إنّ الذي يطلب ما تطلب لا يفعل ما تفعل. فقال لهم: “ما لهذا بكائي، إنّما أبكي لأنّ سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حدثني أنّي أُصلب على هذه الشجرة، وأن يداي ورجلاي ولساني كلها تُقطع وفاءً وحبًّا له. فقال الحاكم: خذوه واصلبوه ولكن لا تقطعوا لسانه. فيما بعد، تقول الروايات: إنّ ميثم التمار بدأ بالحديث ولم يسكت، وتجمّع الناس حوله، فأمر الحاكم بقطع لسانه، عندما أرادوا قطع لسانه حمد الله أن هداه للحق من ولاية علي (ع). وكانت هذه الكلمات من آخر أقواله.

يمكن اعتبار المرء من خاصة الشيعة، ومن رتب كونه شيعيًّا بمقدار ما يترقى ويتكامل. والمدرسة الفاطمية هي التي تعلّم الناس على خلوص ذواتهم لله، ولحب رسول الله محمد وآله (ع). ونحن نعتقد أنّ الطريق لمثل هذا الخلوص التوحيدي بإمكاننا تحصيله إذا جاهدنا أنفسنا وأقبلنا عليها بشكل ضروري، وأن نلتزم تسبيح السيدة الزهراء (ع)، فإنّه من أيسر الطرق وأكثرها وصولًا للهدف.

وهنا، لا بدّ من التنبيه إلى عدة أمور:

الأمر الأول: التزام الأدب في تأدية العمل العبادي؛ كأداء الصلاة، وتسبيح الزهراء، وقراءة الدعاء، وتلاوة القرآن، وعدم التسرّع واستحضار الذكر، وينبغي أن تكون القراءة واضحة ومفهومة للآخرين.      

الأمر الثاني: التدبّر فيما تذكر، وينصح الإمام الخميني أن تدع عقلك يكتب على صفحة قلبك، وأن تتفكّر فيما تذكر، وأن تلقّن قلبك بما فكرت به. إنّ خلاصة التوحيد العملي موجودة في (الحمد لله)، وخلاصة التوحيد النظري الذي يؤثر على وضعك السلوكي موجودة في (الله أكبر)، وخلاصة تنزيهك للباري عز وجل وتعظيمك له موجودة في (سبحان الله). تسبيحة الزهراء (ع) علّمها رسول الله محمد للسيدة الزهراء (ع) والتي هي أشرف ما في هذا الوجود، وأهداها لها كهدية ليس لها مثيل في كل هذا الوجود. بناءً عليه، فإنّ هذا الإخلاص يُبنى بالتزام هذا الذكر.     

الأمر الثالث: المبدئية، وهي أن تستند حركاتك وأعمالك ومواقفك إلى المبدأ الذي تؤمن به، وإلى دينك ورسالتك وإسلامك. والمبدئية هي الشرط الأساس ليكون ما نقوم به رساليًّا مبدئيًّا، وتحمل هدفًا ووضوح رؤية، ومعنويات مستمدة من الروح التي بُثت في هذا العالم، لتكون رحمة للعالمين، وهي رحمة محمد. عندما تحتضن في قلبك الكوثر، وحب الكوثر والخير الكثير الموجود في قلبك، وأنت تصدر عن مبدئيتك ورسالتك وهويتك، تكون هي البصمة الخاصة بك.

الأمر الرابع: التأسي والمواساة، والتأسي هو أن تفعل فعل السيدة الزهراء (ع). ولدى بحثنا عن أكثر ما قامت به السيدة الزهراء في حياتها، فوجدنا أنّ أكبر إنجاز لها هو بناء أسرة في هذا العالم، وهي الوحيدة التي كان حقّها أن تسمى (أسرة آل محمد). يعتبر هذا الأمر إنجاز عظيم؛ لأنّ الأسرة هي أهم حتى من بناء الدولة، فلا يصح بناء دولة بدون مجتمع، ولا يصح بناء مجتمع بدون أسرة.

لقد بنى الغرب بيئة مجتمعهم على أساس المؤسسات، مثلًا مؤسسة المدرسة، ومؤسسة الجامعة، ومؤسسات أخرى للرعاية وهي كلها بديلة للأسرة. هذه المجتمعات هي على شاكلتهم لا تصلح عندنا وفي موازيننا.

إنّ الأصل في بناء أي ناظم لنا هو الأسرة. والنهج الفاطمي يقتضي تأسيًا بالزهراء (ع)، وأن يكون لدينا بناء لأُسَر تشبه الأسرة التي استشهدت فيها السيدة الزهراء حبًّا بالولاية، واستشهد فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على درب الولاية، واستشهد فيها الإمام الحسن على أصل الولاية، واستشهد فيها الإمام الحسين وكل من كان معه ليحفظ الولاية. هذا هو المراد في هذا الدين، إنّها أسرة تحفظ ولاية محمد وآل محمد، وهذا هو النهج الفاطمي الذي لا يمكن أن نغضّ النظر عنه.

وفي الختام، نسأل كيف يمكن أن نتصدق ونواسي السيدة الزهراء التي تصدقت بطعامها وطعام أسرتها ثم جاعت، أم أنّ المواساة فقط في أن يُقتل لنا ابن أو أخ أو غيرهم مواساة لها؟ وهل بإمكان الإنسان أن يقوم بعمل دون أن يكون لديه وجدان ديني محب للسيدة فاطمة الزهراء (ع)؟


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11954/nabi/