by الدكتور عفيف عثمان | فبراير 27, 2021 5:39 ص
عن حال المسلمين في الصين: “التعايش المعقّد”
الكاتب: مجموعة من الباحثين (ريتا فرج وآخرون).
الكتاب: الإسلام والمسلمون في الصين.
الناشر: مركز المسبار، دبي، 2015. في 388 صفحة.
تعود معارفنا القليلة عن “الإسلام في الصين” (1981) إلى المصري فهمي هويدي، ويرسم لنا من جديد مركز المسبار في دبي، لوحة بانورامية حديثة عن حال “الإسلام والمسلمون في الصين”، ذات القوميات المتعدّدة والأديان المختلفة ومنها الإسلام، حيث الغالب مذهب أهل السنة مع وجود قليل للشيعة وبعض الطرق الصوفية (دخلت في القرن السادس عشر). لكن، ولأسباب عدة ظهرت مذاهب وطوائف أخرى، كما يقول أسامة منصور، الأستاذ في كلية الدراسات العربية في الصين، وباتت العلاقات بينها متوترة على وقع الخلافات والانقسامات الموجودة خارج السور العظيم. غير أن مسلمي الصين (تعدادهم نحو 24 مليونًا وفق أرقام العام 2009، وقد تصل إلى 30 مليونًا بحسب البعض، ينتسبون إلى 10 قوميات أقلية من أصل الـ 56 التي تتكون منها الصين) نجحوا في بناء مؤسسات لهم تعتمد على المساجد (ما يقارب الأربعين ألف مسجد)، شيّدت على نمط العمارة المحلية من الخارج “لتُماثِل الأديان الصينية الشائعة”، والمدارس والأضرحة (القبة)، مثابة شبكات تؤمّن لهم الاستمرارية والبقاء والتماسك، برأي الباحث الصيني، جيان بينغ وانغ، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة شنغهاي، كما تؤدّي الطقوس والاحتفالات ومنها المولد النبوي الشريف، ورؤية الهلال أول وآخر يوم في رمضان، وعيد الأضحى، دورًا معتبرًا في تعزيز لحمة المجتمع المسلم.
والسؤال الكبير هو عن كيفية تعامل السلطة التي يمسك بها الحزب الشيوعي الصيني منذ العام 1945 مع الإسلام في الصين؟ الدين التوحيدي الذي وصل إليها في منتصف القرن السابع ميلادي عبر طريقي الحرير البري والبحري. بداية نظرت الدولة إليهم بوصفهم “أقلية عرقية”، وقبل الثورة الثقافية (1966-1976) تمتع المسلمون بحرية كبيرة في ممارسة شعائرهم، لكن في خلالها تمت محاربة الأديان والضغط على المؤمنين، وأتت لاحقًا سياسة الانفتاح لتعيد الاعتبار للممارسات الدينية وإعادة بناء المساجد، ويبدو أن الحكومة المركزية كانت تراهن على التنمية الاقتصادية سبيلًا إلى تغيير واقع المسلمين، حتى كادت “العقيدة الدينية أن تكون أداء”، كما يُعبّر الباحث الصيني، إسحق ماجيان فو. أما عالم الإناسة الأميركي، درو سي غلادني، المدرّس في جامعة كاليفورنيا، فقد بحث في “حوار الحضارات؟ الإثنية الارتباطية والإسلام في الصين”، ليبيّن كيف أن الإسلام يُشكّل نقضًا صارخًا لأطروحة هانتغتون حول “صراع الحضارات”، وأن الهويّات الإثنية تمثّل أيضًا احتمالًا في الدولة القومية الحديثة، وفي درسه لشعب “الويغور” (Uighurs)، يجد أن “الإسلام عامل واحد من بين عوامل توحيدية” لهويتهم، ويرى أن الهويات تخضع لـ “حوار” مستمر (يسميها هويات حوارية)، وسياقات تحتّم أحيانًا بروزها أو تراجعها، وعنده أن التحدّيات الكبيرة تفرض تجاهل الصراعات الصغيرة “لإيجاد حلول سلمية للصراعات الإقليمية والقومية”، ويدعو إلى الاهتمام “بطبيعة الهويات القومية المتغيرة” في مناطق الصين، كما إيلاء الاهتمام لدراسة التاريخ والثقافات.
أما روهان جونارانتا، الباحث السنغافوري، فيسرد في “السلفية التقليدية والسلفية الجهادية التكفيرية في الصين”، كيفية دخولهما إلى هذا البلد من طريق دراسة البعض في الخارج ومن ثم العودة، ويتحدّث عن ثلاثة أجيال من السلفية قدمت من الشرق الأوسط وجنوبي ووسط آسيا: مذهب الإخوان (معروف باسم إخواني Ikhwani)، دخل في أواخر القرن الثامن عشر، واستوحى المذهب الوهابي، ومن ثم استوعب الثقافة الصينية، ما أدّى إلى نشوء “نزعة وطنية صينية”، والمذهب السلفي في أواسط القرن العشرين، والتكفيرية نهاية تسعينيات القرن المنصرم، والتي نفّذت أعمالًا تخريبية وتهديدًا للسلطة، وينتهي الباحث إلى الإقرار بجاذبية الأفكار السلفية لعدم وجود أفكار مضادّة ذات وزن تعادلها.
يفحص هايون ما، أستاذ التاريخ في جامعة ماريلاند “العلاقة بين الويغور والدولة في الصين”، ويعتقد أن تشكيل الدول المستقلة الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى في التسعينيات من القرن المنصرم نمّى لدى الويغور شعورًا أقوى بالهوية، أدّى بالبعض إلى المطالبة بالانفصال عن الوطن، وهم ينعمون حقيقة بحكم ذاتي منذ العام 1955، وقد تأثرت علاقتهم بالدولة بسبب “الحرب على الإرهاب” التي أطلقتها واشنطن في أفغانستان، ما يفيد بتداخل العوامل المحلية والخارجية، واتسمت العلاقة مع الدولة الصينية المركزية حاليًّا بالتوتر، أو ما يسمّيه الكاتب “علاقة التعايش المعقّدة”.
في حين ترى جوليا فامولارو، الباحثة في جامعة يال، أن “منطقة شنجيانغ الويغور المستقلة: تهديد خفي للمسلمين التركمان”، وهي تحذّر من دعوات الأسلمة التي قد تفكّك نسيج المجتمع المحلّي، وتعرض لإجراءات السلطات للحد من تنامي دعوات التطرف والأنشطة “غير القانونية”، ومنها مراقبة الشبكة العنكبوتية، ومنع بعض أنواع الملابس الموسومة بالتطرف، وكل إجراء تراه مناسبًا لمحاربة “قوى الشر الثلاث: النزعة الانفصالية الإثنية، والتطرّف الديني، والإرهاب العنيف”. ولإعادة بناء الثقة تنصح الكاتبة السلطات بإعادة النظر في “كيفية إدارة السياسة الدينية”، فحظر الأنشطة ليس حلًّا ملائمًا، ولن يؤدّي إلّا إلى “زيادة التوتّر بين الإثنيات، وتعزيز احتمالات الاضطراب المجتمعي”.
يعرض تشونغ جيكون، أستاذ اللغات الأجنبية في جامعة بكين، “نشاط الاستعراب في الصين”، وهو قديم بدأ في أواخر عهد أسرة مينغ الملكية (1368 – 1644) بهدف تعليم اللغة العربية، ولم تنطلق أعمال الترجمة إلا في القرن الثامن عشر، ولم يُعرف “الاستعراب” بمعناه الكامل إلا في منتصف أربعينيات القرن العشرين المنصرم، وانصب اهتمامه على الأدب العربي، إلى ترجمة معاني القرآن الكريم، ويأمل الباحث أن يؤدي هذا الجهد إلى إثراء الصلات بين الشعبين الصيني والعربي. وتبحث لين فنغمين، رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة بكين، في “جحا والأفندي: شخصية من طريق شينجاين إلى أنحاء الصين”، وتعقد مقارنة بين هذه الشخصيات الفكاهية والطريفة لترى مقدار “التأثر والتأثير بين الأفندي الصيني وجحا العربي”. ويكتب حسين إسماعيل، الباحث المصري، عن “الإعلام الصيني في اللغة العربية”، بوصف الإعلام من عناصر قوة الصين الناعمة، وهو يعدّد وسائله من مجلات ووكالات أنباء وإذاعات وتلفزيونات، ومن ثم الإعلام الإلكتروني. وينظر عاصم أبو حطب، الباحث الاقتصادي المصري، إلى السياسة الخارجية تجاه العالم العربي، فيلخصها في “نفوذ اقتصادي ولين سياسي”، تعبّر عنه العلاقات التجارية البينية الكبيرة بين العالمين لصالح الصين، وانتهاج هذه الأخيرة “الحياد السياسي”، والعمل على التعاون المربح والتزام عدد من المبادىء في المنطقة العربية هي: الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.
بدورها تنظر نادية حلمي، الباحثة المصرية في الشؤون الصينية، إلى “الإسلاميون في الصين: حدود التأثير في العلاقة مع العالم العربي”، ويظهر عندها أن لا أحد من الحكومات العربية يرغب في الكلام عن المشاكل في منطقة شينجيانغ، التي يقطنها شعب الويغور. ويتقصى المصري، كرم حلمي فرحات أحمد، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية “أثر الإسلام والمسلمين في الصين”، وبحسب ما تفيد مصادره التاريخية فإن “المسلمين برعوا في ميادين الاقتصاد والفكر، واشتهروا بنشاطهم التجاري ونبوغهم العلمي، وكانت لهم مشاركتهم في الحضارة الصينية”، في الرياضيات والفلك والطب والصيدلة والهندسة المعمارية والآلية.
في الختام قراءتين، واحدة لكتاب “لمحة عن الثقافة في الصين” (تشنغ يوي تشن) أنجزتها الباحثة اللبنانية ريتا فرج، منسقة هذا العمل الغني (في 383 صفحة)، وثانية لكتاب “السبل المعقدة لتاريخ الويغور” (ريان توم)، قام بها الباحث السعودي، عبد الله حميد الدين.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/12186/motala3a2/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.