by معهد المعارف الحكميّة | مارس 16, 2021 12:20 م
يرتبط العنوان ببعض المرويات التي وردت حول ولادة النبي، أو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أو ولادة السيدة الزهراء، إلى القائم من آل محمد (عج). ومن هذه النماذج، نذكر ما حصل يوم ولادة النبي (ص) حيث امتلأت الدنيا بنوره (ص)، وحصل حدثان بحسب ما ترويه كتب السير:
الحدث الأول: انطفاء نار كسرى.
والحدث الثاني: هو انهدام أركان قصر قيصر، ولهذا الأمر دلالته.
وفي ولادة أمير المؤمنين (ع) يكفي أن نقول: إنّ هذا المولود المبارك ولد في بيت الله الحرام، وقد انشق حائط الكعبة لتدخل إليه والدة الإمام علي ولتلد هناك. وتروي بعض الأخبار أنّها شاهدت بعض النسوة بأنوار خاصة، وكنّ يساعدنها في ولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
أمّا في ولادة السيدة الزهراء (ع)، يروى أنّ النبي لما عُرج به إلى السماء اشتمّ رائحة طيبة، وسأل جبرائيل (ع) عنها فأخبره بأنّها تفاحة خلقها الله منذ الآماد البعيدة، ولا يعلم ما سرّها. بعد ذلك أُهديت التفاحة إلى رسول الله (ص) وأكلها، ثم من ثمار تلك التفاحة بعد أن رجع إلى الأرض واقترب من زوجه السيدة خديجة (ع) أنجبت السيدة الزهراء (ع). ولكن في بعض الروايات الأخرى ورد أنّه صام ثلاثة أيام وكان يأكل من ثمار الجنة، ثم بعد ذلك حدث ما حدث وكانت ولادة السيدة الزهراء (ع).
وفي ولادة الإمام الحسن فقد أُدخلت الفرحة بولادته إلى بيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وبالتالي بيت السيدة الزهراء، وبالتالي بيت رسول الله محمد (ص).
أما بخصوص الإمام الحسين فأنا سأذكر رواية منتشرة بشكل واسع جدًّا، ليس من المهم السند بمقدار ما تكون عليه وظيفتنا وعملنا في دلالتها وحيثيتها.
البعد الغيبي في ولادة المعصومين (ع).
تذكر الروايات أنه بعد شهادة السيدة الزهراء (ع) بحث أمير المؤمنين (ع) عن امرأة أنجبتها الفحولة من العرب، كي تنجب له ابنًا يكون عونًا لأبي عبد الله الحسين (ع)، وليكون كفيلًا للسيدة الحوراء زينب (ع)، هذه الامرأة كانت أم البنين التي أنجبت أبو الفضل العباس (ع). الإمام الحسين (ع) تزوج بامرأة خاصة انتجبها وانتقاها فكان منها ولادة الإمام زين العابدين (ع). إذًا كان هناك بعدًا غيبيًّا في ولادة المعصومين (ع) والذي يمكن أن نقسّمه إلى قسمين: قسم له عصمته الذاتية، وقسم آخر له عصمته الاكتسابية.
ثم ينبغي أن نتلقى رسالة غيبية من حياة الأئمة، وحياة النبي، وهي البشارة بخصوصية هذا المولود، وبانكشاف عالم الغيب على عالم الدنيا. كأنّما هذا المعصوم هو حبل الله الواصل ما بين الغيب والدنيا. كما أنّ هذا البُعد الغيبي له تأثيره الخاص في بنائنا الروحي، ومن دونه لا يمكننا أن نتحدث عن وجدان وعمق إيماني. فمن لم يؤمن صريحًا بالجنة والنار كيف يمكن أن يشتغل لتجنّب النار ويكون من أهل الجنة؟ من لم يؤمن بالملائكة حق الإيمان، كيف يمكن له أن يربط كثيرًا من تفاصيل حياته بالملائكة ودورهم؟ فمن هؤلاء الملائكة مَن هو موكول إليه مسألة الرزق أو الاستغفار أو كتب الأعمال وحفظها، ومنهم أيضًا من هو موكول إليه موضوع الموت، أو هذا الحدث العظيم المُتوقع الذي هو يوم القيامة، فالملك الموكل إليه نفخ الصور هو ميكائيل.
إنّ البناء الروحي والنفسي أمر ضروري لتحصيل الجانب الإيماني. والارتباط بما في هذا البعد من اللطف الغيبي في حياتنا هو من خلال ولادة هذا المعصوم. مثلًا، في الأمور الخاصة، أنّ ولادة النبي (ص)كانت عبارة عن فتح عظيم لنور إلهي عظيم، وتصل فيها إلى كسر إرادة وأسباب الخروج عن أي دين وحياني، يمثّله هذا المستكبر والحاكم في الأرض، وفي ذاك الوقت كانت نار كسرى التي انطفأت، وكانت أركان قصر قيصر الذي انهدمت. كأنّما ولادة رسول الله هي إيذان حرب على كل مستكبر وظالم.
ويكفي في ولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن نقول أنّه وليد الكعبة التي رفع بنيانها إبراهيم (ع) مع ابنه إسماعيل (ع). وتتقاطع بعض الأخبار أنّ الذي بناها أول ما بنيت هو آدم (ع) لتكون لله بيتًا، وحينما ينشق الحائط لتدخل إليه السيدة فاطمة بنت أسد إلى هذا المكان وليولد أمير المؤمنين هناك كأنّما الله سبحانه وتعالى بذاته أبى أن يستقبل أحد في هذه الأرض ولادة هذا الرجل العظيم الذي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قبل رب علي بن أبي طالب وإلهه؛ تأكيدًا لهذا البُعد العظيم في محورية شخصيته، بل أكاد أن أقول: إنّ هذا الحدث كأنّما يُشكّل كل توجّه نحو القبلة التي أعزّها الله وشرّفها، وفي القلب لا يوجد حب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو توجه شكلي للكعبة والقبلة، وحتى يكون التوجه فيه مضمونًا حقيقيًّا يجب أن نستحضر فيه ولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
أما بخصوص ولادة السيدة الزهراء (ع)، يكفي أن نقول: إنّ فاطمة الزهراء (ع) كانت تمثّل بالنسبة إليه نسائم الجنة ورحمة الجنة، ومقام القرب من الله سبحانه وتعالى، وهكذا الأئمة الأطهار، إلا أننا سنتوقف بالتحديد عند رواية خاصة عن الإمام الحسين (ع).
روي عن الإمام الصادق (ع) أنّ الحسين بن علي (ع) لما ولد أمر الله عز وجل جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول الله (ص) من الله ومن جبرائيل، قال فهبط جبرائيل فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له فطرس، كان من الحَمَلة بعثه الله عز وجل في شيء فأبطأ عليه (تأخر، بحسب المفروض أنّ الملائكة من أهل الأدب بحيث لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة، فعبد الله تبارك وتعالى فيها سبعمئة عام حتى ولد الحسين بن علي (ع)، فقال الملك لجبرائيل: يا جبرائيل أين تريد؟ قال إنّ الله عز وجل أنعم على محمد بنعمة فبُعثت أهنّئه من الله ومني. فقال: يا جبرائيل احملني معك لعلّ محمدًا (ص) يدعو لي. قال فحمله، فلما دخل جبرائيل على النبي (ص) هنّأه من الله عز وجل ومنه، وأخبره بحال فطرس. فقال النبي (ص): قل له تمسّح بهذا المولود وعُد إلى مكانك. قال فتمسّح فطرس بالحسين بن علي (ع) وارتفع، فقال يا رسول الله أما إنّ أمتك ستقتله وله عليّ مكافأة أن لا يزوره زائر إلا أبلغته عنه، ولا يسلّم عليه مسلّم إلا أبلغته سلامه ولا يصلي عليه مصلٍّ إلا أبلغته صلاته ثم ارتفع.
لهذه الرواية عدة دلالات:
أولها: أنّ الله عز وجل يهنئ رسول الله محمد بحدث حصل وهو ولادة الإمام الحسين.
ثانيها: أنّ جبرائيل لم يكن مجرد ناقل، بل ينقل له سلام الباري سبحانه ويسلّم هو عليه. فهناك أدب خاص كان يعمل جبرائيل من أجل أن يستثمره جيدًا، ألا وهو أن يسلّم على النبي ويحادثه، وأن يبلّغه أمرًا ما.
ثالثها: كيف تأخر هذا الملك وكيف نال مثل هذا العقاب؟ قد يكون العقاب بكسر جناحه بمعنى رفعته أو الكرامة التي بها يتسامى. ولكن كيف تأخر، هل هي معصية؟ هذا يضعنا أمام سؤال هل يمكن للملائكة أن تقوم ببعض من الأعمال التي لا ترضي الله؟ يغلب على ظني أنّ الملائكة يتمتعون بقدرة عالية على أن يطيعوا الله في كل ما يأمر الباري عز وجل ولا يعصون ربهم، ولكن هؤلاء إن خرجوا عن النعمة التي أنعم الله بها عليهم وتلبّسوا لبوس الاختيار يبدو أنّه أمكن لهم ذلك. من هؤلاء فطرس، وهاروت وماروت الملكين ببابل يعلّمان الناس السحر وما يفرق بين المرء وزوجه. إنّ فطرس عبد الله سبعمئة عام حتى ولد الحسين (ع) فهو كان يسعى للتوبة. عندما وصل جبرائيل وحدّث النبي عن فطرس طلب منه النبي أن يتمسّح بالحسين، فالتمسّح به هو التقرّب إليه.
إنّ مركز الشفاعة التي كانت لرسول الله (ص) هي عند الإمام الحسين (ع). ثمّ إنّ النبي وكّل أهل العصمة، وضعوا كل أسرار شفاعتهم بشخص وبذات هو أبو عبد الله الحسين (ع). وقد ورد أنّ الإمام الكاظم (ع) عندما مرض وعلم بذهاب شخص ما إلى زيارة الإمام الحسين، طلب منه أن يدعو له تحت القبة بالشفاء، فسأله مستغربًا كيف وأنت المعصوم وأنت مصدر البركة والخير؟ فقال له الإمام (ع): إنّ لله عز وجل أمكنة يستجاب فيها الدعاء، وأعظم هذه الأمكنة ما حُوي فيه ألا وهو جسد الحسين (ع).
بعد ذلك فطرس يستلم المبادرة بأن يبلّغ سلام كل زائر للإمام الحسين. والملفت أنّ فطرس كان من حملة العرش، والآن لا نعرف أين هو، وهل هذا يعني أنّه يصل السلام إلى ذي العرش ومنه إلى أبي عبد الله الحسين هذا وارد.
إن مقدار بركة الحسين وعظمته، ومناسبة ولادته علينا أن نبتهج بها بكل حمية وعزم وحب وشغف وقداسة ووقار، ففي أصل فرحنا بولادة الحسين أو أي معصوم من المعصومين هو مورد من موارد القرب إلى الله والعبادة له سبحانه وتعالى.
الجانب الغيبي ليس كل شيء في بناء شخصيتنا الرسالية، فإنّ البصيرة هي من ضمن الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها، والحمية والحماس أيضًا مورد من موارد خدمة الرسالة. ولكن بكل وضوح حتى يصل كل جهد وجهاد وعمل إلى مقام القرب من الله سبحانه وتعالى، لا بدّ أن نعمّق بُعد الارتباط بالغيب وعالم ما بعد الموت، وعالم ما فوق هذه الحياة الدنيا. ومحور تعميق هذا البعد هو التوحيد في إخلاصنا لله، ومن هذا التوحيد ينبغي أن لا نقصد أي مورد أو عبادة أو نحو من الوصول، إلا الطريق الذي حدّده وبيّنه الله وهدانا إليه دون غيره. من هنا نحن نقول إنّهم (ع) باب الله الذي منه يُؤتى وأننا لو وجدنا بابًا أفضل منه لسلكناه. يجب أن نبني هذا البعد الإيماني ونعمّقه ونبني أنفسنا فيه حينما يولد معصوم، فكيف إذا كان هو الإمام الحسين (ع)؟
الإنسان الكامل هو من لديه كل مميزات الكمال الإنساني. وهذا الإنسان الكامل في العرفان هو شخص يمثّل أنّ الحياة كلها تدور مداره، وبأنّه مستغرق في معرفته وعبادته لله، وهو قد وصل لأعلى مستوى الحامدين والشاكرين لله.
يعتبر غير الشيعة ممن يتحدثون عن الإنسان الكامل أنّ العارف الكبير هو قطب ويدورون حوله، ولكن نحن الشيعة نعتبر أن القطب الفعلي والإنسان الكامل الفعلي هم محمد وآل محمد (ص) وبأنّه هو جامع الكمالات. هذا القطب هو إنسان معصوم بمعنى أنّ الله حينما أنشأه وكوّنه كان تكوينه العصمة؛ بمعنى أنّ لديه من المعرفة العالية ما يسمح له إذا رأى منكرًا أن يعرف قدر المنكر فضلًا عن الحرام فلا يدخل فيه.
ومن عصمته اكتسابية؛ هو من عصم نفسه، وتقرب إلى الله عز وجل، بحيث صار يشبه الكثير من سلوكيات المعصوم (ع) مثل السيدة زينب (ع) وأبو الفضل العباس (ع) وعلي الأكبر (ع).
نحن نقتدي من حيث الأخلاق التي يجب أن نبني أنفسنا عليها بالأئمة الأطهار وبالمعصوم تكوينًا. وميزة المعصوم أنّ كل قابلياته فتحها على كل الفيض الإلهي، فلم يبق في وجوده شيء إلا وهو فيض من الله ومنّة عليه. إن كنّا نحيا حياة قطب وجودها هو القائم من آل محمد (ع)، وندعو الله أن نكون من أصحابه وأعوانه والذابين عنه، ستلحق بنا بركته (ع). ولكن الخطورة في أن يعتبر الواحد منّا بأنّ الروحيّة العالية للإنسان الكامل هي فقط في الجوانب التي يتحدث عنها العرفاء والمتصوفين، بل علينا أن نذهب إلى ما ذهب به النبي وأهل البيت، بأنّ الحياة بكل جوانبها الفردية والعبادية والمعاملات والأخلاقيات والقتال والجهاد والمقاومة والشهادة والسياسة وإدارة الحياة، كل هذه الأمور كان لأئمتنا صفة الكمال في الدخول فيها، والإنسان الكامل هو الذي يستطيع أن يقابله بكمال عالٍ وإنسانية عميقة وعالية.
علينا أن ندرس الإنسان الكامل في كتاب الله العزيز، وفي روايات رسول الله محمد، وسيرته (ص). وأن ندرسها في حياة أمير المؤمنين وأقواله، وفي حياة أئمتنا. ونحن نحمد الله أن وُلدنا في عصر الإمام روح الله الموسوي الخميني الذي تمكن من تقديم -في كثير من وصاياه وأقواله- نموذجًا لإنسان كامل بناءً على شخصية محمد وآل محمد (ص). وندعو الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا ببركة ميلاد الإمام الحسين بهذه الميزات.
أما موضوع الابتلاءات، ففي بعض الموارد الخاصة يمكننا القول إنّ الباري عز وجل تدخّل ففعل كذا، ولكن لا يمكننا تحديدها على النحو اليقيني، فالحياة تسير على ضوء سنن وطاعات، ومن هذه السنن أنّ هذا البلاء إذا وقع عمّ. يقول علماء الكلام إذا كان هناك شر قليل مع خير عميم فهذا الشر لا يُلحَظ. ليس البحث في الابتلاءات من الزلازل والبراكين والسيول في حصولها أو عدم حصولها، لأنّ هذه الظاهرة الطبيعية تحصل في كل مكان، ولكن الأمر الفعلي هو كيف نستقبل البلاء إذا حصل؟ هل نستقبله بعزم وثقة لا تتزلزل بالباري سبحانه وتعالى، فيتحول هذا البلاء إلى نعمة بين يدي الله سبحانه وتعالى؟ ثم هل نستقبله بعون بعضنا البعض؟ وأنا من جيل شهد في كثير من المآسي التي وقعت في لبنان وغير لبنان حملات التبرع التي كانت تحصل من الشعب الإيراني فقط من أجل نصرة من قالوا لا إله إلا الله. لذلك أنا أدعو الجميع من كل عقلي وقلبي ووجداني، علينا أن نعلن عن دعمنا للجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقد كنّا قبل إيران مجرد أكياس رمل يحتمي بها أهل النفاق والزيف والضلال والاستكبار، وكنا مجرد أرقام في معادلاتهم الظالمة، ونحن بالإمام الخميني وبعد إيران الثورة والدولة، أصبحنا أناس يُفتخر بهم ويقفون ليقولوا بكل ثقة دخلنا وأدخلنا هذه المنطقة في عصر انتصارات لا رجعة بعدها.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/12447/perfect/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.