الصداقة

الصداقة

تمهيد

عُرّفت الصداقة، بأنّها المودة والمحبة بين الأصدقاء. وعُرّف الصّديق: بأنّه الصاحب الصادق الود.

فتصادقا، تحابّا وتوادّا. والجمع أصدقاء وصُدقاء. وقد يُستعمل اللفظ للواحد والجمع والمؤنث. فيُقال: هو صديق، وهي صديق، وهُنّ صديق.

وجاء في التنزيل ﴿…أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ[1].

ويذكر الراغب الإصفهاني، في المفردات في غريب القرآن أنّ: “الصداقة صدق الاعتقاد في المودة، وذلك مختص بالإنسان دون غيره”.

ويقول الباري عز وجل: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ[2].

وذلك إشارة إلى قوله: ﴿الأخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَ الْمُتَّقِينَ[3].

الصداقة في الإسلام

إنّ موضوع الصداقة نفحة من نفحات الإسلام، وسمة من سمات الآداب الاجتماعية التي حُرِص عليها. فعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، من الركائز الأساسية التي تقوم عليها الرؤية الإسلامية. يُروى عن النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنّهُ سُئِل، عن أي الجلساء خير؟ فقال: “من ذكركم بالله رؤيته، وزادكم في علمكم منطقه، وذكركم بالآخرة عمله”[4].

فصُحبة الأخيار، ومن لديهم السمعة الطيبة، والخلال الكريمة، أصحاب الدين والعلم والتقوى، أمر يحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويقول الإمام الباقر، عليه السلام، مخاطبًا أحد أصحابه: “يا صالح اتبع من يبكيك، وهو لك ناصح، ولا تتبع من يُضحكك، وهو لك غاش، وستردون على الله جميعًا”[5].

الصداقة في التّراث الإنساني

تضمّن التراث الإنساني، كتابات غنية حول الصداقة والأصدقاء. فكان للفلاسفة والأدباء والمفكرون آراء حول هذا الموضوع. فأرسطو يتحدث عن ثلاثة أُسس للمحبة، وهي المنفعة واللذة والفضيلة. فصداقة المنفعة صداقة عَرَضِيّة، تنقطع بانقطاع الفائدة. وصداقة اللذة تنعقد بسهولة، وتنحل بسهولة، بمجرد تغير طبيعة اللذة. أما صداقة الفضيلة، فهي أفضل صداقة، وأكثرها دوامًا، لأنْها قائمة على الفضيلة، وفعل الخير.

ويطرح أرسطو سؤالًا حول الظرف الذي يكون المرء أحوج إلى الأصدقاء، أفي الرخاء والسعادة، أم الشدة والشقاء؟

ويأتي الجواب، أنّ المرء بحاجة للأصدقاء في الحالتين، فعند الشقاء يحتاج المرء لمن يدعمه ويسانده، ويخفف من وطأة حزنه، وعند السعادة تكون الحاجة لمن يشاركه فيها. وينهي أرسطو بأن الحاجة أشد إلى الصديق وقت الرخاء، لأنّ حضوره يجلب سعادة مزدوجة، قوامها العلاقة الطيبة مع الصديق والتمتع وإياه بالخيرات.

وقد تأثر ابن مسكويه بآراء أرسطو في الصداقة، فصنّفهم تماشيًا مع تصنيفه. فقال: إنّ صداقة اللذة تنعقد سريعًا وتنحلّ سريعًا، لأنّ اللذة مُتغيّرة وهي أكثر شيوعًا بين الفتيان، وأنّ صداقة المنفعة تنعقد بطيئًا وتنحل سريعًا، بانقضاء المصلحة وهي صداقة كبار السن.

أما صداقة الفضيلة تنعقد سريعًا وتنحل بطيئًا، لأن الخير باقٍ في الناس، فهي صداقة الأخيار.

ويذكر ضياء الدين السهروردي، في كتاب (آداب المريدين): أنّ الموافقة في الاعتقاد والدين، من شروط الصحبة، ويؤكد على ضرورة التأنّي في اختيار الأصدقاء. ويشير إلى وجود ثلاثة أصناف من الناس: فمنهم صنف كالغذاء لا يُستَغنى عنه، وصنف كالدواء نحتاج إليه أحيانًا، وصنف كالدّاء ننفر منه في كل حين.

ويذكر السهروردي، الآداب التي لا بدّ من مراعاتها في الصحبة، وهي حفظ الحرمات، وحُسن العِشرة والنصيحة، وملازمة الإيثار، والمعاونة في الدين والدنيا. ويوضح أنّ آداب الصحبة، تعتمد على قدر المصاحَب. فالصحبة مع المشايخ والكبرياء، تقوم على الاحترام والتوقير. والصحبة مع الأقران، تقوم على البِشر والانبساط وبذل المعروف. ومع الأصاغر بالشفقة والتأديب، والنصح بما ينفع. والصحبة مع الأستاذ باتباع الأوامر والنواهي والاحترام. والصحبة مع الخدم، بالتلطف والدعاء، ومع الغرباء بالبِشْر وطلاقة الوجه.

وجاء في كتاب (الصداقة والصديق) لأبي حيّان التوحيدي:

إنّ دوام الصداقة والمساعدة وتبادل الثقة، يؤدي إلى التشابه في الاختيارات والغايات، حتى تصير عادة كل من الصديقين، عادة واحدة، عندئذ يكون التفاهم بينهما أسرع وأوضح، حتى يكفيهما التعبير عن العتاب بلمحة أو إشارة لا يفهمها غيرها.

ومن جميل ما يذكر أبو حيان التوحيدي: أنّ الأنس بالصديق، أقوى من الأنس بالعشيق، لأن الصديق يصلح لكل الأحوال، في الجد والهزل، والقليل والكثير، فهو متعة للعقل والروح معًا.

ويذكر أبو حسن الماوردي، في كتاب (أدب الدنيا والدين): أن الإخوان ينقسمون إلى أربعة أقسام، وِفقًا لطلب العون أو تقديمه، فمنهم من يُعين ويستعين، وهو من يؤدي ما عليه، ويستوفي ماله، فهو كالمُقرِض يُسعف عند الحاجة، ويسترد عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته ومعذور في استعانته، فهذا أعدل الإخوان.

ومنهم من لا يُعين ولا يستعين، فهو متروكٌ قد منع خيره، وقمع شره فهو ليس بعدوٍّ يُخشى ولا صديقٍ يُرجى.

وأما من يستعين ولا يُعين، فهو لئيمٌ كلّ*، ومَهين مُستَذَل، فلا خيره يُرجى، ولا شره يُؤمَن، وليس له في الإخاء حظ.

أما من يَعين ولا يستعين، “فهو كريم الطبع، مشكور الصنع، قد حاز فضيلتي، الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلًا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة، فهو أكرم الإخوان نفسًا وأكرمهم طبعًا”.

ختامًا نقول: إنّ الإنسان لا يستطيع العيش مُنفردًا، فالحاجة إلى العلاقات الاجتماعية، ومعاشرة الآخرين، أمر يحكم العقل والقلب بضرورته. فوجود الفرد مع الجماعة، يحقق له الإشباع النفسي، الذي يُدرك معه الإحساس بالأمن والطمأنينة. ويحقق الإشباع الذهني الذي يأتي من الحوار والمناقشة. فالعلاقات الاجتماعية الناجحة السليمة، تدعم الصحة النفسية والجسمية للأفراد. لذلك الصداقة تُعَد قيمة إنسانية عظيمة، فلا عجب إن رآها البعض تسمو على القرابة.

مصادر المقالة:

*القرآن الكريم.

*أصول الكافي.

*المعجم الوسيط.

*المفردات في غريب القرآن للراغب الإصفهاني.

*الصداقة من منظور علم النفس (مجموعة باحثين).

*العلاقات الاجتماعية في الإسلام.

[1]  سورة النور، الآية 61.

[2]  سورة الشعراء، الآيتان 100و 101.

[3]  سورة الزخرف، الآية 67.

[4]  الشيخ الطوسي، الأمالي، الصفحة 157.

[5] مولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، الجزء 11، الصفحة 95.

*  ومعنى كلّ كما ورد في المعجم الوسيط:كلّ بصره أو لسانه، لم يحقق المنظور أو المنطوق. كلّ عن الأمر: ثقل عليه فلم ينبعث فيه.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الصداقة في الإسلامالصداقة

المقالات المرتبطة

البنيويّة

ثمّة عقبات عديدة تواجه الباحث في البنيويّة تظهر إلى العلن منذ الإطلالة الأولى التي يحاول فيها الباحث تقصّي البنيويّة في مدلولاتها أو مباشرتها فيما يمكن أن تختزنه من تحديد، فالبنيويّة تأبى عن التأطير

مشاريع فكرية 5 | الشيخ الدكتور عبد الكريم بهجت پور

الشيخ بهجت پور المواليد: 1965 م مدينة دزفول في محافظة خوزستان الدراسة الحوزوية: 1980 في دزفول، قم، وطهران أساتذة الخارج:

المحايثة: حياة

يبسط دولوز للحقل المجاوز بما هو مائز عن التجربة، وبما هو لا يحيل إلى موضوع أو إلى ذات؛ من حيث هو حقل محايثة محض، متفلّت من كلّ مفارقة للذات كما للموضوع، والمحايثة المحضة حياة، ولا شيء سوى ذلك، حياة لا ترتبط بكائن،

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<