by الشيخ شادي علي | ديسمبر 15, 2023 9:58 ص
مقدمة
تتناول الدراسة نماذج من عمليات التزوير الممنهج قام بها بالتدريج مجموعة من “المؤرخين”، فظلّت الأمة الإسلامية تتحمل تبعاتها إلى يومنا هذا، وتم توظيفها كأساس في جدار الفصل بين جناحي الأمة الإسلامية السنة والشيعة، وفيما قد يكون مفهومًا دوافع الخطاب الطائفي في وقتنا الحالي، لكن العجيب هو وجود هذه الصراعات الطائفية حتى قبل أن يعرف العالم الصحافة والإعلام المرئي والمسموع، والأعجب أنها موجودة في مدوّنات من المفترض أن أصحابها قد نذروا أعمارهم لخدمة العلم بكل تجرُّد من أيِّ عصبيةٍ جاهلية، إلّا أن الوقائع تقول شيئًا آخر، وربما كان التفكير الجمعي والخوف من مخالفة المشهور، وربما كان ذهب السلطان وسيفه أعذار كافية جعلت بعض “أهل العلم” لا يتورعون عن أن “يحرفون الكلم من بعد مواضعه”، ويتخلون -عمدًا أو تساهيًا أو كسلًا- عن النزاهة والأمانة والدقة العلمية المطلوبة لتناول روايات تأريخية يمكن أن تنتج أحكامًا بهذه القسوة بحق طائفةٍ كاملة “أتباع مذهب أهل البيت”، فضلًا عن تشويه حقائق التاريخ وما تبعه من اتساع الهوة وزيادة الاحتقان المذهبي والتخوين المتبادل القائم إلى يومنا هذا.
وهي حادثة الادعاء زورًا على شيعة منطقة الكرخ – في الجانب الغربي من بغداد- وزعم تحركهم بدافع عدائهم للحاكم السني آنذاك وانضمامهم إلى جيش هولاكو ومشاركة التتار في إسقاط بغداد والدولة العباسية.
ما نقله المؤرخ ابن واصل (604 – 697 هـ) في تأريخه للغزو المغولي لبغداد: “واتجه التتر إلى العراق، وجاء (بايجو نوين) في جحفل عظيم وفيه خلق من الكُرج، ومن عسكر (بركة خان) -ابن عم هولاكو-، ومدد (بدر الدين لؤلؤ) صاحب الموصل مع ولده (الملك الصالح) …”[2][1].
وبداية التحريف كانت من عند (اليونيني البعلبكي الحنبلي)، الذي حرّف -سهوًا [أو عمدًا؟]- في كلام (ابن واصل)، الذي دأب في النقل عنه[3][2]، فحوّل مصطلح “الكُرج” (يسمون اليوم بالجورجيين وهي طائفة مسيحية تسكن ما يسمّى حاليًّا دولة جورجيا) إلى مصطلح “الكَرخ” بمجرد نقل النقطة من بطن الجيم إلى ظهر الخاء، فأرَّخ (اليونيني) لواقعة سقوط بغداد فقال: “واتجه التتر إلى العراق، وجاء (بايجو نوين) في جحفل عظيم وفيه خلق من الكرخ، ومن عسكر (بركة خان) -ابن عم هولاكو-، ومدد (بدر الدين لؤلؤ) صاحب الموصل مع ولده (الملك الصالح) من جهة البر الغربي عن دجلة .. وخرج معظم العسكر من بغداد للقائهم ومقدمهم (ركن الدين الدوادار)، فالتقوا على مرحلتين من بغداد، واقتتلوا اقتتالًا كثيرًا، وفتقت فتوق من نهر الملك على البر الذي القتال فيه، ووقعت الكسرة على عسكر بغداد فوقع بعضهم في الماء، الذي خرج من تلك الفتوق، فارتطمت خيلهم وأخذتهم السيوف فهلكوا، وبعضهم رجع إلى بغداد هزيمًا، وقصد بعضهم جهة الشام …”[4][3].
وكرّر (الذهبي) رواية (اليونيني) فنقل النص كما هو وقال: “وفي جيشه خلق من الكرخ …”[5][4]، بالخاء أيضًا، لكنه امتنع عن ذكر هروب جمع من الجيش الإسلامي عقب المعركة إلى بلاد الشام.
بعد ما يزيد عن 200 سنة أتى (ابن تغري بردي) (813 – 874 هـ)، فأضاف من عنده على نص “وفي جيشه خلقٌ من الكرخ”، فينبري لوضع كلمتي “أهل” قبل “الكرخ”، و”الرافضة” بعدها، لتصبح الجملة: “وفي جيشه خلقٌ من أهل الكرخ الرافضة ومن عسكر …”[6][5].
ووصل الخلط بين الجيم والخاء إلى (هنري هوورث) فأورده في كتابه “تأريخ المغول”. ثم جاء الصحفي (ريتشارد كوك)، الذي قال: إنه استند بالدرجة الأولى إلى كتاب (هوورث) هذا[7][6]، فأقام عليه آراءه في موقف الشيعة، فرأى (كوك) أن اليهود شاركوا المسلمين السنة في الدفاع عن بغداد على عكس الشيعة الذين تحالفوا مع التتار، فضمن الكتاب تحليل (غاي لسترنج)، الذي أضاف إلى الواقعة مسحة تحليلية ويصيغ الحكاية في القالب التالي: “إن سكان الكَرخ والمحلة التي حول مشهد الإمام موسى الكاظم في الكاظمين كانوا من الشيعة، وهم يكرهون الخليفة السني، الأمر الذي دفعهم إلى الاتصال سِريًّا بالعدو الكافر”[8][7]. وفي موضع آخر يقول أيضًا عن أهل الكرخ الشيعة: “لم يشارك شيعة الكرخ أهل المدينة الشرقية في الدفاع عنها، وبقوا في المؤخرة يعاونون الغزاة”[9][8]. وفي موضع ثالث من الكتاب قال: “وكانت الشيعة قد ساعدت المغول في حملتهم هذه بكل ما تستطيع”[10][9].
ولقلة المصادر الأصلية المدونة باللغة العربية والفارسية، تتابع المؤرخون العرب ممن -راقهم هذا الكلام- فنقلوه من غير مراجعة ورجوع إلى المصادر الأصلية، فكتب الدكتور (مصطفى طه بدر) عن الواقعة يقول: “إن المسيحيين لم يشتركوا مع المسلمين في الدفاع عن المدينة، ونجوا من العذاب، الذي صبه المغول على تلك المدينة وأهليها، وكان موقفهم في هذا الأمر يشبه تمامًا موقف الشيعة. ولم يدافع عن بغداد في محنتها إلا أهل السنة واليهود”[11][10]. ثم يقول الدكتور بدر في موضع آخر: “كان موقف هؤلاء إزاء تلك الكارثة الرهيبة من أسوأ المواقف التي وقفتها إحدى الطوائف في أية أمّة عبر التاريخ”[12][11]. وانتهى الدكتور عبد السلام فهمي مما انتهى إليه الدكتور بدر: “وهكذا لم يدافع عن بغداد في محنتها ويلاقي من الغزاة العذاب والهوان إلا أهل السنة واليهود”[13][12].
وهكذا مع تعاقب الأجيال كانت تنمو بذرة الشقاق والفرقة، إلى أن أصبح من الطبيعي أن ترتفع أصوات الإدانة لأولئك الكرخيين الشيعة الذين أعانوا (!!) الغزاة على إخوانهم في الدين، بعد أن ألصق بهم “مؤرخ” هذه التهمة بتبديل محل نقطة واحدة في غير موضعها.
تقصّي الحقيقة
كان سكان الكرخ كما نقله (ابن باطيش)، الذي عاش في بغداد إبان تلك الفترة كما يقول: “الكرخ: إحدى المحال العربية، يوصف أهلها باللطف والرقة في الطباع …”، وتعددت الشواهد والأدلة على براءة شيعة أهل البيت (ع) من التهمة التي شاعت عنهم بمعاونة المغول في غزو بغداد، ومنها:
فلا السنة ولا الشيعة كانوا راغبين في قدوم المغول الذين ذبحوا المسلمين سنة وشيعة، علويّين وعباسيّين، بل ذبحوا حتى مسيحي تكريت، ولا يوجد أي شاهد تاريخي أن أيًّا من الفريقين اتصل بالمغول محسنًّا لهم غزو العراق أو بغداد ولا غيرها من بلاد المسلمين، خصوصًا وأنهم قد سمعوا بالفظائع التي كان أولئك المتوحشون يرتكبونها بحق سكان المدن والقرى التي دخلوها.
وكم أحدثت يد السياسة والمصالح الطائفية والعصبيات الفئوية من وضع الأحاديث فقلبت الحقائق إما باصطناع الحديث أو تحريفه، ففي أجواء استطاع المندسون أن يضعوا نقاط إضافية ويحذفوا نقاط أخرى ليقلبوا المعنى رأسًا على عقب، فقد أورد نصر بن مُزاحم، وهو من صحابة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ع] حديثًا عن الحسن البصري: “إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه”[20][19]. أما كيف تحوّل الحديث عندما وصل إلى يد المندسين فانتقلت نقطتي التاء إلى نقطة الباء، فقد أورد الخطيب البغدادي في عنوان محمد بن اسحاق بن مهران حديثًا مسندًا عن أبي الزُبير عن جابر قال: “إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه”[21][20].
مرة أخرى عندما يصبح النيل من طائفة من المسلمين -الشيعة الإمامية- هو علامة على “الشدة في دين الله”، أو سببًا للتقرب إلى أحد من السلاطين بغية نيل عطية أو تقلّد منصب، فيحدث أن يعبث المؤرخون بخبر ما بغية عدم تفويت فرصتهم في تقديم فروض الولاء وأدلة الإيمان.
الواقعة حدثت على عهد المستعصم بالله، في الوقت الذي كان فيه هولاكو متجهًا لغزو العراق، إذ شب حريق سنة 654 هـ في المسجد النبوي الشريف، وهو أمر وارد الحدوث، لكن جاء بعض المؤرخين اللاحقين فأصروا على رواية الواقعة بشكل رأوا فيه مجالًا للطرفة أو الضحك، الذي تحوّل لاحقًا إلى أساس للفتنة الطائفية، متناسين رسالتهم كمؤرخين ذوي مهمة شريفة هي نقل وقائع التاريخ بكل تجرّد كما هو، وعدم اتخاذ العلم سببًا للأغراض الدنيوية العاجلة:
ذكر المؤرخون المعاصرون لواقعة حريق المسجد النبوي أن سببه كما يقول مؤلف “كتاب الحوادث”: “إن القيِّم أشعل المصابيح فوقعت منها شرارة نار على ثوبه فاحترق، ثم تعدت النار إلى قفص من أقفاص القناديل فالتهبت المشاقة التي فيه، فانزعج القيم وشده بيده، إبريق فيه زيت، فصبه على النار ظنًّا منه أنه ماء، فازدادت النار التهابًا …”[22][21]. كما ذكر الأشرف الغساني هذا الخبر بألفاظ هي نفسها كما الرواية في كتاب الحوادث[23][22]، وتبعه على ذلك المؤرخ ابن واصل الشافعي (604-697 هـ)، فلم يخرج عن هذه الرواية[24][23]. وكذلك فعل ابن كثير الشافعي (701-774 هـ)، الذي نقل الواقعة في كتابه “البداية والنهاية” من أبي شامة[25][24].
لكن من يراجع الخبر في كتاب اليونيني الحنبلي (640 – 726 هـ) يفاجئ بشيءٍ جديد، حيث ينقل الواقعة في حوادث هذه السنة (654 هـ) بقوله: “فيها في ليلة الجمعة أول رمضان احترق مسجد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وكان ابتداء حريقه من زاويته الغربية من الشمال، فعَلِقت في الأبواب …، ونظم في حريق المسجد:
لم يحترق حرم الرسول لحادثٍ يُخشى عليه ولا دهاءَ العار
لكنما أيدي الروافض لامست ذاك الجدار فطهّرته النار”[26][25].
ثم نقل الذهبي الشافعي (673 – 748 هـ) الواقعة ذاكرًا السبب الحقيقي للحريق، إلا أنه أكّد سياق ملامسة أيدي الروافض لجدران المسجد من خلال نقل أبيات اليونيني الحنبلي بدون أن ينسبها إليه، فقال: “دخل بعض القوَمَة إلى خزانة ومعه مِسرجة فعَلِقت في الآلات، ثم اتصلت بالسقف سريعًا، ثم دبّت في السقوف آخذة نحو القِبلة، وعجز الناس عن إطفائها، فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد كلها، ووقعت بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس. واحترق سقف الحجرة النبوية، ووقع ما وقع منه في الحجرة …، ومما قيل في ذلك: لم يحترق حرم الرسول لحادث …”[27][26].
وتلازم نقل البيتين مع الواقعة في كتب التاريخ تارة كسبب للنكتة، وتارة كسبب جاد لتدخل العناية الإلهية بتطهير المسجد الحرام كما ذكر ابن شاكر الشافعي (ت 764 هـ)، وابن حبيب الحلبي الشافعي (710 – 779 هـ)، وابن تغري بردي الحنفي (813 – 874 هـ)[28][27]، وشمس الدين السخاوي الشافعي (831 – 902 هـ)، الذي ذكر أن الحريق سببته صاعقة من السماء (وليس خطأ القيّم) سنة 886 هـ، وذكر ذلك في ترجمته تلميذه عبد القادر بن شعبان الزيات الشافعي (820 – 892 هـ) بقوله: “وتعاني نظم الشعر ومدح به غير واحد، ومنه في الحريق الكائن بالمدينة النبوية: “لم يحترق حرم النبي لفاحش …”[29][28].
ثم ما لبثت أن اصطبغ بيتا الشعر بصبغةٍ مقدسة، لدرجة ادعاء السخاوي أن البيتين كُتبا على جدران المسجد النبوي، بواسطة يد من عالم الغيب امتدت فكتبتهما على أحد الجدران، وذلك حين مزج حكاية البيتين في سياق الكلام عن كرامات بعض المشايخ من “أهل الصلاح” حين قال في ترجمته: “كان شيخًا صالحًا حَبْرًا فاضلًا مقرئًا فصيحًا مات في صفر سنة 729 بالمدينة ودفن بالبقيع …، وأنه قال: وجد مكتوبًا في بعض جدران الحرم الشريف في الحريق: لم يحترق حرم الرسول …”[30][29]!
وهي الرواية التي سيكررها الديار بكري المالكي (ت 966 هـ)، بعد أن يضيف إلى الفرية بعض التقديم والتأخير ليزيد في صبغة قداسة بيتي الشعر، فيزعم أنهما “وُجدا مكتوبين على حائط المسجد بعد الحريق”، يقول: “إن أبا بكر بن أوحد الفرّاش، أحد القُوام بالمسجد الشريف دخل إلى حاصل المسجد هناك ومعه نار، فغفل عنها إلى أن علقت في بعض الآلات …؛ ووجد بعد الحريق في بعض الجدران المسجد بيتان وهما: لم يحترق حرم النبي …”[31][30].
ثم صار الاستشهاد بالبيتين سُنة ولازمة لدى من تلاهم من المؤرخين، على سبيل المثال جاء ابن العماد الحنبلي (1032 – 1089 هـ) ليشير إلى “حريق شب في المسجد النبوي سنة 734 هـ وإلى حريق شب سنة 886 هـ ثم يذكر في الحريقين بيتي الشعر نفسهما”[32][31].
وهكذا تكرر ذكر البيتين اللذان يلعنان “نجاسة الرافضة” في رواية وقائع حريق المسجد النبوي الشريف الثلاثة سنة 654 هـ، وسنة 729 هـ، وسنة 886 هـ، سواء كان السبب في الحريق إهمال من أحد القيّمين أو نزول صاعقة.
في كتابه المعروف “موسوعة الغدير” يذكر العلامة الأميني نماذج من التحريف المتعمّد يقول: “شَوَّهَ الطَّبَرِيُّ تَارِيخَهُ بِمُكَاتَبَاتِ السِّرِّيِّ الكَذَّابِ الوَضَّاعِ، عَنْ شُعَيْبٍ المَجْهُولِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ، عَنْ سَيْفٍ الوَضَّاعِ، المَتْرُوكِ، السَّاقِطِ، المُتَّهَمِ بِالزَّنْدَقَةِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي صَفَحَاتِهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ المُشَوَّهِ (701) رِوَايَةٌ وُضِعَتْ لِلتَّمْوِيهِ عَلَى الحَقَائِقِ الرَّاهِنَةِ فِي الحَوَادِثِ الوَاقِعَةِ مِنْ سَنَةِ 11 إِلَى 37 هـ … وَقَدْ سَوَّدَتْ هَاتِيكَ المخَارِيقُ المُخْتَلَقَةُ صَحَائِفَ تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَكَامِلِ ابْنِ الأثِيرِ، وَبِدَايَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَتَارِيخِ ابْنِ خَلْدُون، وَتَارِيخِ أَبِي الفِدَاءِ إِلَى كُتُبِ أُنَاسٍ آخَرِينَ اقْتَفَوْا أَثَرَ الطَّبَرِيِّ عَلَى العَمَى، وَحَسِبُوا أَنَّ مَا لَفَّقَهُ هُوَ فِي التَّارِيخِ أَصْلٌ مُتَّبَعٌ لَا غَمزَ فِيهِ، مَعَ أَنَّ عُلَمَاءَ الرِّجَّالِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَزْيِيفِ أَيِّ حَدِيثٍ يُوجَدُ فِيهِ أَحَدٌ مَنْ رِجَالِ هَذَا السَّنَدِ، فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي إِسْنَادِ رِوَايَةٍ.. والتَّآلِيفُ المُتَأَخِّرَةُ اليَوْمَ المَشْحُونَةُ بالتَّافِهَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ وَلَائِدِ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ كُلُّهَا مُتَّخَذَةٌ مِنْ هَذِهِ السَّفَاسِفِ..”[33][32].
يُنقل ابن خلكان في “وفيات الأعيان” أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال لـ الشعبي يومًا: كم عطاءك في السنة؟ فقال: ألفين، فقال: ويحك، كم عطاؤك في السنة؟ فقال ألفان، فقال: كيف لحنت أولًا؟ قال: لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت، وما أمكن أن يلحن الأمير وأعرب أنا، فاستحسن ذلك منه وأجازه[34][33]. والغريب أنّ هذا الرجل، الذي يحمل هذهِ المواقف ويحمل هذهِ النفسية الضعيفة أمام الأمراء وثَقَّهُ الكثير من المتخصصين في علم الرجال، كما أنه أحد شيوخ أبي الفرج الإصفهاني صاحب الأغاني، الذي نقل عنه تفاصيل مُزيفة عن سيرة السيدة سُكينة.
تجعلنا هذه الوقائع التاريخية بحاجة إلى إعادة النظر بعين الشك والريبة في أي أسباب تاريخية للخلاف السني الشيعي، وخاصة التي تصدر أحكامًا عامةً لا عقلانية وغير منصفة بحق الطائفتين، فمن خلال البحث ثبتت تهمة تزوير التاريخ وجعل العلم غرضًا لأهداف سياسية، ويجب كذلك، مراجعة الزعم القائل: إن التاريخ الإسلامي هو الإسلام نفسه، فقد ثبت من خلال البحث أن التاريخ “الإسلامي” ليس بالضرورة مُعبِّر عن الإسلام، وأنه لا بدّ من التمييز بين ضروريات الإسلام الربانية ممثلة في القرآن الكريم والعقل، والتي يمكن البناء عليها كأساس للوحدة الإسلامية.
[34] [1] طالب في الحوزة العلمية.
[2][35] ابن واصل، مفرج الكروب، الجزء 6، الصفحة 215.
[3][36] انظر مثلًا: ذيل مرآة الزمان، الجزء 1، الصفحة 256.
[4][37] ذيل مرآة الزمان، الجزء 1، الصفحتان 87 – 88.
[5][38] الذهبي، تاريخ الإسلام، الجزء 48، الصفحة 35.
[6][39] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، الجزء 7، الصفحة 49.
[7][40] ريتشارد كوك، بغداد مدينة السلام، الجزء 1، الصفحة 3.
[8][41] لسترنج، بغداد في عهد الخلافة العباسية، الصفحة 292.
[9][42] بغداد مدينة السلام، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 217.
[10][43] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 225.
[11][44] الدكتور مصطفى طه بدر، زوال الخلافة العباسية، الصفحتان 154 – 155، والصفحة 177.
[12][45] الدكتور مصطفى طه بدر، زوال الخلافة العباسية، الصفحة 154، أو محنة الإسلام الكبرى، الصفحة 192.
[13][46] د. عبد السلام فهمي، تأريخ الدولة المغولية في إيران، الصفحات 129 – 131.
[14][47] العراق في عهد المغول الإيلخانيين، الصفحة 55، ساندرز، تاريخ فتوحات المغول، الصفحة 111، فييه، أحوال النصارى…، الصفحة 380.
[15][48] أبو حامد المقدسي، دول الإسلام الشريفة البهية، الصفحة 28.
[16][49] الذهبي، العبر في خبر من غبر، الجزء 5، الصفحة 225.
[17][50] الذهبي، تأريخ الإسلام، الجزء 14، الصفحة 672.
[18][51] مجهول، كتاب الحوادث، الصفحة 355، ابن الطقطقي، الفخري، الصفحة 335، ابن شاكر، عيون التواريخ، الجزء 20، الصفحة 133.
[19][52] تشانغ تيه، سي شي كي، الصفحة 161، وتعريب العنوان هو مذكرات رحلة إلى الغرب. (نشرها برتشانايدر كاملة في “إيران وما وراء النهر”)، الصفحة 161، ونشر مختصرها باي نان رشيد وو، في سقوط بغداد، الصفحة 290.
[20][53] نصر بن مزاحم، وقعة صفين، الصفحة 26.
[21][54] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: 1/259.
[22][55]. مجهول، كتاب الحوادث، 332، انظر أيضًا: الصفحة 348.
[23][56]. الأشرف الغساني، العسجد المسبوك، 620. وربما كان مؤلفا هذين الكتابين ينقلان من مصدر واحد.
[24][57] ابن واصل، مفرج الكروب، 6/209.
[25][58] ابن كثير، البداية والنهاية، 13/225.
[26][59] اليونيني، ذيل مرآة الزمان 1/10.
[27][60] الذهبي، تأريخ الاسلام، 48/24 (ط تدمري).
[28][61] ابن شاكر، عيون التاريخ، 20/92؛ ابن حبيب، درة الأسلاك، المجلد الأول، الورقة 13، حوادث سنة 654 هـ؛ ابن تغري بردي، النوم الزاهرة، 7/36.
[29][62] السخاوي، الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، 4/268. وقد حور الناظم فيهما ليدعيهما لنفسه.
[30][63] السخاوي، التحفة اللطيفة في تأريخ المدينة الشريفة، 2/407، وكان أوردهما أيضًا فيه، 1/45 للمناسبة نفسها.
[31][64] الديار بكري، الخميس في أحوال أنفس نفيس، 2/419.
[32][65] ابن عماد، شذرات الذهب، 5/263، وفيه أن النار كانت بيد الفرّاش أبي بكر المراغي، 7/344.
[33][66] محسن الأميني، موسوعة الغَدِير، الجزء 8، الصفحة 328.
[34][67] ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3/25.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16361/historical-awareness/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.