“الاستشراق بين معرفة الذات ونقض الآخر”

by باسمة دولاني | يناير 1, 2024 1:51 م

أقام معهد المعارف الحكمية وضمن برنامجه الدوري “المنتدى الفلسفي” الخميس 28/12/2023، الساعة 3:30 عصرًا، في قاعة المعهد الكائن بمنطقة سان تيريز، مجمع يحفوفي، بلوك c، ط 3،  محاضرة بعنوان: “الاستشراق بين معرفة الذات ونقض الآخر” للأستاذ الدكتور نديم نجدي، وبحضور نخبة من المختصين والمثقفين.

افتتح اللقاء بترحيب من الشيخ سمير خير الدين بالمحاضر والحضور، بعدها استهل الأستاذ الدكتور نديم نجدي محاضرته بالحديث عن الاستشراق ونظرة شعوب الشرق إليه، حيث درجت العادة على التعامل معه على أنه شتيمة، في الوقت الذي هو عبارة عن دراسة الغربيين للواقع الشرقي.

وتابع الدكتور نجدي أنّ هذه الدراسة أدت دون شك إلى تشويهات كثيرة وافتراءات كبيرة بحق الشعوب الشرقية، وعندما نقول الشعوب الشرقية فهذا يعني أنها لا تشمل اليابان، ولا تعنى بجزء كبير من الصين، موضحًا، أن هذه الصفة وهذا المفهوم يُعنى بدراسة مناطق الشرق الأدنى، وجزء من الشرق الأقصى.

وعند الإنتهاء من تعريفه وتحديد النطاق الجغرافي للشرق، طرح بعض الأسئلة منها:

 ماذا فعل الاستشراق بالشرق؟ هل افترى عليه إلى درجة اختلاق شرق جديد؟

واعتبر أنّ الإجابة على هذا الأسئلة معقد جدًّا، لأن الاستشراق انبنى على مجموعة من سرديات تاريخية نقلها الرحالة، وهؤلاء كما تعرفون بأنهم يأتون من الغرب لمشاهدة ماذا يوجد في الشرق إما بدافع الفضول، وإما بدافع الاستكشاف المعرفيّ.

وأضاف: إنّ الاستشراق عندما قدم إلى الشرق، كان محكومًا بالصورة النمطية الراسخة التي كانت موجودة عند الرحالة عندما كانوا يأتون إلى بلداننا، والتي كانت تتحدث عن حكايا عن الجن والعفاريت، وعن كائنات غرائبية، وهذه الصورة النمطية هي التي كانت توجه بحوثهم عن الشرقيين أو عن واقع الشرق، فلم يكونوا أبرياء ليس لأنهم أرادوا الافتراء على الشرق، بل لأنهم  كانوا يمتلكون مثل هذه الذهنية المحشوة بموروثات عن الشرقيين، والتي تنظر إلى شعوب الشرق باعتبارهم عاطفيين ولا يفكرون بعقلانية، مع الإشارة إلى أنّ الاستشراق جاء بفترة عصر التنوير، في الوقت الذي كان يوجد لدى الغرب فائض معرفي، وأصبحت دراسة الشعوب الأخرى هي جزء من مناهج العلم بالواقع الغربي. فحاولوا تطبيقها على كائنات اعتبروها أدنى مستوى منهم.

 ولفت إلى أن الاستشراق بالأصل كله محكوم بالعلاقة التاريخية المحتدمة ما بين تخلف الشرق الحديث، وتقدم الغرب الحديث وتخلفه القديم.

واعتبر أن النزعة الشمولية للاستشراق أحالت هذا الشرق على تنوعه إلى وصفه بأن الشرقيين لا يفكرون وهم عاطفيون.

وأشار الدكتور نجدي بأن إدوارد سعيد تنبه إلى هذا الواقع، حينما قال: إن الاستشراق هو عبارة عن استمارة أدّت إلى تمثيل واقع الشرقيين؛ تمثيل من خلال الاعتماد على أدب الرحّالة.

وبعد أن انتهى من الحديث عن الأصول المرجعية للإستشراق، فرّق بين نوعين من الاستشراق، استشراق تقليدي أدى إلى تشويهات بحق الشرقيين، واستشراق غير تقليدي، وهذا الاستشراق هو الذي جعلنا نتعرف على المتنبي وابن الرومي، وهم من اكتشفوا هؤلاء الأعلام النيرة بثقافتنا وبتراثنا.

وذكر أنه كانت لدى الغرب مناهج بعلم الاجتماع كانت مستجدة، وقد أدت ببعض العلماء إلى محاولة تطبيق هذه المناهج على المشرقيين وعاداتهم وسلوكهم، لكن نتيجة الافتراءات التي كانت مبنية على تصورات مسبقة عن المشرقيين، لم تؤت هذه المناهج ثمارًا إيجابية.

وأشار إلى أن الشرقيين لديهم غرور أسبقيتهم الحضرية في التاريخ، والغربيين لديهم الاستعلاء بأنهم متقدمون على التاريخ.

وصرّح بأننا لم نوفق جدًّا إلى الآن بالرد على الاستشراق، لأن الرد على الاستشراق لا يكون مثل رد حسن حنفي (رحمه الله)، مع احترامنا له، حيث اعتبر بأنه يكفي أن ندرسهم مثلما درسونا.

 وعدّد الدكتور نجدي العوائق التي تواجهنا لدراسة الغرب، منها: ليس لدينا فائض معرفي كالذي حصل في الغرب، هذا بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية، استعمل الميكانيزمات أو دينامية المجتمع الغربي، يعني صراعات المفكرين فيما بينهم كدليل على أنهم بوضع سيء، وليسوا بحالة مثلى، ويجب أن نشير إلى تناقضاتهم لكي نفضح حجتهم.

ولفت إلى أن هناك أمر إيجابي للاستشراق يجب أن نذكره، فالاستشراق هو دراسة الآخر من الأنا إلى الآخر، والآخر هذا لا يستطيع أن يرى نفسه بعين نفسه، يحتاج إلى مسافة، ودائمًا الآخر يستطيع أن يرى واقعنا بشكل موضوعي أكثر.

أضاف، مع هذه السمة الإيجابية لدراسة المستشرقين تمت أشياء لها علاقة بوجدانيات الزائر وحنينه إلى الأنا. وهذا موجود في بلاد الغربة. دائمًا هذه تخلق عنده أحكام لها علاقة بهويته، والهوية دائمًا عندها نزوع للتعصب. مهما كانت الهوية والانتماء لديه نزوع طبيعي بنيوي للتعصب. والتعصب لهويتي يبرر وجودي، لكن يجب أن لا يصل التعصب لأناي إلى درجة أن ألغي الآخر كما فعل الاستشراق.

وسلط الدكتور نجدي الضوء على أن الصراع لن ينتهي إذا لم نبرز أن الشعوب الغربية كانت في زمن ما خاضعة ومتخلفة أمام التطور والنهضة الموجودة في العالم الشرقي، ويجب إبراز هذا الشيء المتحرك بالتاريخ، لكي نقول: أنتم لستم متفوقين إلى اليوم، ولا نحن متخلفين منذ الأزل، مشيرًا إلى أن هذا الصراع برز على إثر تدمير برجي التجارة العالمي في نيويورك، من كره بداوة العرب لمدنية الغرب، وبغض الإسلام لمسيحيتهم، وهذا ما يجهز الأرضية لإطلاق أحكام مسبقة، مما يعني أنه مع قليل من الإطلاق فإنه يبشر بصراع لن ينتهي على طريقة صدام الحضارات بأن المسيحية لن يصبحوا إسلامًا، ولا الإسلام سيكون مصيره مسيحية. بالتالي الصدام هو الذي سيحكم العلاقة إلى أبد الدين.

وتحدث الدكتور نجدي، أن التحول التكنولوجي قرّب المسافة بين الشرق والغرب، لأنه في جزء من الاستشراق والافتراءات بالاستشراق التقليدي له علاقة بالمسافة، ومع التحول التكنولوجي لم يعد هناك مسافة.

واعتبر أن سبب نجاح الغرب هو اعتراف الدولة أو النظام الليبرالي بالفرد والاعتماد على قوانين دستورية والتشريعات المهمة والمشاركة هي الأساس في نجاح الدولة الغربية.

وصرّح بأن عدم الاعتراف بنا، وبعدم السماح لنا بإدارة أنظمتنا بمعزل عن الغرب، وعدم السماح لنا بأن يكون لنا حق تقرير المصير بمعزل عنهم، وعدم ترك الوصاية لدينا، كل هذا يعتمد على الموروث الاستشراقي الذي يعتبر أنه من البديهي أن يسيطر الغرب علينا، لأننا غير مؤهلين لإدارة أنفسنا.

وأكد على أن السياسة الغربية التي نشهدها الآن هي ليست من بنات اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات أدت إلى هذه الذهنية التي تقول: إن هؤلاء المشرقيين غير قادرين على أن يحكموا ويديروا أنفسهم. وليس من السهولة إزاحة هذه الذهنية لصالح رؤية موضوعية وعقلانية عندهم، وقناعة راسخة تجعلنا نفهم ما يحصل بفلسطين. فلا يوجد موازنة أبدًا بين الأنا والهم.

وختم الأستاذ الدكتور نديم نجدي كلامه بالقول: إن صدام الحضارات هو المتحكم ويجب أن تبقى الأنا هي المنتصرة بأي وسيلة كانت، حتى لو اقتضى ذلك إلى التدمير والقتل كما يحصل في فلسطين.

ثم ختم اللقاء بمداخلات قيمة وعميقة من الحضور أجاب عنها الدكتور نديم نجدي.


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/16407/orientalism/