by الشريف خالد محيي الدين الحليبي | يناير 23, 2024 8:09 ص
تقديم
في هذا البحث نكتب عن الجهاد في سبيل الله من القرآن الكريم، وفي سبيل الله تؤدي إلى الشهادة، ولا بدّ من تصحيح بعض المفاهيم في الأحاديث التي تخالف القرآن، وأحاديث العترة النبوية المشرفة، وهو بحث ديني بنكهة سياسية… وذلك في ثلاثة أمور.
(1)
تصحيح فهم حديث
“أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”
استخدم المنافقون والذين في قلوبهم مرض وبدافع من الصهيونية أعداء دين الإسلام بأن قول رسول الله (ص) “عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال: (أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى). [رواه البخاري، ومسلم]. وهو حديث باطل، لأنه يطعن في دين الإسلام، وفي شخص رسول الله (ص)، وجادلوا بالباطل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ولو جعلوا كتاب الله قاعدة لفهم الحديث لعلموا المقصد والفهم الصحيح، الذي كان يقصده (ص)، وكذلك ما فهمه منه أهل بيته (ع) وصحابته الكرام؛ وذلك لأن في كتاب الله ثلاثة ألفاظ تدور حولها مواضيع القتل، وكل منها مختلف المعنى عن الآخر، وهو لفظ قتل وقاتل واقتتل، وكل منها يراد منه معنى محدد كما يلي:
ولذلك يقول الله تعالى في هذه المشاجرة إن وقعت بين مسلمين فعلى الناس الإصلاح بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، وهنا أمر الله تعالى بقتالها وليس قتلها، كما سنبين في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (سورة الحجرات، الآية 9).
أولًا لقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾(سورة النحل، الآية 125). فإن أصروا على كفرهم وعنادهم فقد أمر الله تعالى باجتنابهم كما في قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (سورة الكافرون، الآية 6).
وذلك في الذين لا يجادلون المسلمين ويحرصون على إلحاق الأذى بهم، وهذه هي مواجهتهم الأولى كما أمر الله تعالى، فإن عاندوا أكثر فقد أمر الله تعالى بعدم ولايتهم، بل ونفاق المسلم المتعامل معهم، وهي قريبة من عقوبة اللامساس التي افترضها نبي الله موسى على السامري؛ أي لا أحد يمسه أو يقترب منه قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾(سورة المائدة، الآيتان 51-52).
ثم يتدرج القرآن الكريم لمواجهة الذين يظاهرون على المؤمنين ويتآمرون عليهم في الخفاء، وهؤلاء لا عهد لهم، وقد أمر الله تعالى بإخبارهم أنهم لا عهد لهم وسيتم الانتقام منهم، قال تعالى: ﴿إِلاَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾(سورة التوبة، الآية 4).
وهؤلاء منهي عن ولايتهم لأنهم محاربين كما في قوله تعالى في التفرقة بين الكتابي المحارب وغير المحارب: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(سورة الممتحنة، الآيتان 8 و 9). بعد ذلك لا يوجد أمام المسلم غير الانتقال من مرحلة قاتل إلى قتل، وذلك معنى حديث رسول الله (ص) [“أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.. الحديث”… رواه البخاري، ومسلم].
وبالتالي، فإن الذين فهموا الحديث على خلاف ذلك الميزان القرآني في البيان والبينة فقد ضلوا، لأن ذلك يعتبر إجبار للناس على الدخول في دين الإسلام، وهذا أيضًا منهي عنه لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾.(سورة الكهف، الآية 29). وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لاَمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(سورة يونس، الآية 99). وبالتالي، ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (سورة البقرة، الآية 256).
وبناءً عليه أيضًا، يظهر خطأ كل من اتبع هذا النهج، حتى ورد في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير عن واقعة ظهور مجاعة في بعض قرى شمال الشام، فلما اشتكوا تلك الفاقة للخليفة قال لهم: اغزو الروم [تاريخ الكامل لابن الأثير]. وهذا ليس جهادًا في سبيل الله وفقًا لما ذكره الله تبارك وتعالى، ولا ما ذكره النبي (ص) في سنته.
وأخيرًا، كلمة لمن ينتقدون الحديث، هلّا راجعتم معتقد الصهيونية ونظرية الفكر القيامي لديهم في سفر حزقيال من العهد القديم، وهو الذي كان قال به شارون، وعمل ويعمل به وفق ما يعتقده والآن بشكل صريح حكومة نتنياهو الصهيوني، يقولون بالحيوانات البشرية وفق معتقدهم التلمودي والذي يقوم على إبادة جنس الخصم عبر قتل الأطفال والنساء والشيوخ والحيوانات، بل وتحريم استخدام كل شيء استخدمه الخصم، من أواني ومتاع وهذا نفس ما قام المهاجرون الأوروبيون الأوائل عندما غزو أمريكا لأول مرة ووفق معتقدهم التوراتي حرموا على أنفسهم أكل الجاموس، والذي كان منتشرًا بكثرة فأبادوه واستبدلوه بالبقر، والأهم من ذلك هو إبادتهم لسكان تلك القارة المنكوبة من الهنود الحمر، والحجة أنهم كما قال تعالى: ﴿أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ (سورة المائدة، الآية 18). وكان يقول الأب الإنجيلي بات روبرتسون: من ضرب يهوديًّا فكأنما وضع إصبعه في بؤبؤ عين الله. (راجع: تلمود العم سام لمنير العكش).
ومن هنا تفهم مدى الحقد والغل في انتقامهم من الخصوم وصدق الله العظيم لما قال فيهم: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾(سورة البقرة، الآية 74). فكل العالم يبكي على أطفال غزة إلا هؤلاء كل يومٍ يتفنون فيه بطريقة يبيدون بها شعبًا أعزل من السلاح، وفي نفس الوقت عند مواجهة المقاتلين يبولون على أنفسهم رعبًا في تناقض لا يدل إلا على نفسية مريضة تحتاج إلى تصحيح معتقد أولًا، وتحتاج أيضًا إلى علاجٍ نفسيٍّ لدى طبيب متخصص.
ومن الفكر الصهيوني القيامي عندهم نشر الفجور والرذيلة وسوء الأخلاق والربا لينزل سخط الله تعالى على الخصم، ثم يقومون هم بالغزو ليكونوا سيف الله المنتقم من هذا الخصم [كما فعل نابليون عند غزو سواحل الشام، فقد جلب بارجة من المومسات فلما اعترض القادة والممولين لحملته الصليبية قال لهم: أنتم ستضربوا وترجعوا، وأما هذه فستضرب وتضرب وتضرب. (راجع: أساليب الغزو الفكري لعلي جريشه).
فهل هؤلاء الذين ينشرون الزنا والشذوذ والأمراض الاجتماعية من كذب وغش وخداع أهدى، أم أمة الإسلام التي لا ترفع سيفها إلا على الظلم والظالمين وبقانون إلهي حدده الله تعالى؟ ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (سورة البقرة، الآية 194).
حتى ولو حارب المسلمون خصومهم، فلا يبيدوا خصمهم، بل أمر الله تعالى بقتال أئمة الكفر أولًا لعل تابعيهم يرجعون فلا تحدث تصفية وإبادة للجنس البشري، قال تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾. (سورة التوبة، الآية 12).
وهنا، فقاتلوا أيضًا كما بينّا، لا تعني قتلهم، بل البداية وعظهم وتذكرتهم بما عاهدهم الله تعالى عليه في كتبهم من الوصايا العشر تدعو لعدم الكفر بالله تعالى، أو الشرك والقتل والزنا والسرقة، وهي دعوة مكارم الأخلاق التي دعا إليها كل دين سماوي، بل وأرضي أيضًا، ثم التدرج في دعوة أئمة الكفر كما بينّا، وفي النهاية يأمر الله تعالى بقتلهم لعل الله يخلق خلفهم من يهتدي، فلا حاجة للجيش المسلم في سفك دماء مسالمين لا فائدة في الدنيا والآخرة من تصفيتهم إلا الإفساد في الأرض.
(2)
ما هو الجهاد في سبيل الله؟
يقول (ص): “المجاهد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا”.[“عن أبي موسى الأشعري قال: “سُئِلَ رَسُولُ الله (ص) عَنْ الرَّجُلِ: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله (ص): مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله”. متفق عليه].
وبالتالي فإن كلمة الله هي الجهاد والقتال في سبيله، والمفروض أن يقوم المسلمون بدور إيجابي نصرة لدين الله، كما نرى بعض الأمور التي تحرق القلوب.
الإجابة هي سكوت وصمت القبور في كل بلاد المسلمين حكومات وجماعات إسلامية، اللهم إلا بعض الشجب والإدانات والتظاهرات من شعوب مسلوبة الإرادة مكسورة من حكوماتها لا تقدم ولا تؤخر تظاهراتهم، ولا تغير من الموقف أي شيء، وتلك الحكومات قادرة على إنهاء هذه المهزلة التي يفعلها التيار اليميني المتطرف بكل الغرب بمكالمة تليفونية تتوقف حملاتهم على القرآن ورسول الله (ص).
وهذا شجع وطمّع بلدان أخرى في آسيا ومنها الهندوس في الهند ممن أحرقوا مساجد المسلمين ومنها مسجد بابري وإحراق المسلمين أحياء، كما فعلوا وفعل مثلهم البوذيون مع المسلمين الروهنجا بميانمار. وبالتالي فإن هزيمة المقاومة الإسلامية في غزة وكامل فلسطين (لا قدّر الله)، سيتبعها هدم الأقصى إن لم ينتبه حكام المسلمين لذلك.
ومع سكوت الحكومات الإسلامية والعربية، فهل قامت جماعة إسلامية شيعية أو سنية على السواء بغلق شركاتهم ومصالحهم وترحليهم بالقوة من بلادهم وإجبار الدولة على ذلك ولهم القدرة على ذلك؟
لقد سكت الجميع وسلموا أمرهم لحكومات ضعيفة عديمة الدين والأخلاق والعقل، ولذلك يقول رسول الله (ص): [“إذا رأيتُم الناسَ قد مرَجَتْ عهودُهم، وخفَّتْ أماناتِهم، وكانوا هكذا وشبَّك بين أصابَعه فالْزَمْ بيتَك، وأملِكْ عليك لسانَك، وخذْ بما تعرفُه، ودعْ ما تُنْكرُ، وعليك بأمْرِ خاصَّةِ نفسِك، ودَعْ عنك أمرَ العامةِ”. سنن أبي داوود، والنسائي في السنن الكبرى، وأحمد، وابن ماجه].
أي تم الفصل بين العقل والفهم، فأصبحوا معدومي العقل والضمير يقبلون على ما يهلكهم دون حراك، وصدق فيهم الإمام علي (ع) حينما قال: [وليضربن عليكم التيه أكثر مما ضرب على بني إسرائيل. (نهج البلاغة)].
3 . إن مواقف حكومات المسلمين في البت بقرارات مواجهة حاسمة لحل قضايا مصيرية للأمة العربية والإسلامية تتسم سياستهم بسوء التصرف، وفي كثير من الأحوال الانتهازية والجشع في جباية الأموال من شعوبهم، فلا يتحركوا إلا وفق مصالحهم الشخصية، فضاعت أمة العرب والمسلمين، وهنا وقع الإثم من الله تعالى على الجميع وما خافوا منه سيقع بهم؛ وذلك لأنهم خافوا المخلوق ولم يخافوا الخالق، قال تعالى: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (سورة التوبة، الآية 13). وإن هنا شرطية بمعنى الذي يخاف منهم فقد تحول من مؤمن إلى كافر وضال، قال تعالى فيه: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (سورة الزمر، الآية 36).
4 . إشكال قتال طائفة من المسلمين طائفة أخرى بحجة أنهم أهل توحيد وغيرهم مشرك بحجة أن هذا شيعي، وهذا صوفي، وهذا تابع للنظام، وهذا شيوعي، وهؤلاء طواغيت الجيش والشرطة، أو هؤلاء قبوريين، وهذا من مكائد الصهاينة بهذه الأمة ممن استخدموا بعض الشباب ليكونوا حربة في ظهر هذه الأمة، بدلًا من أن يجاهدوا في سبيل القرآن والرسول (ص) والمستضعفين فيقتلون أهل الإسلام ليقعوا في أكبر جريمة في كتاب الله، قال تعالى فيها: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾( سورة النساء، الآية 93). وهنا يكونوا قد ضلوا، فبدلًا من أن يقاتلوا أعداء هذه الأمة يوجهونهم نحو جيوش بلادهم وقادتهم فيسفكون دمائهم بغير حق، وبدلًا من أن يكونوا أشدّاء على الكفار رحماء بينهم كما في قوله تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (سورة الفتح، الآية 29). وهنا نكسوا على رؤوسهم، وقلبوا المعاني القرآنية فأصبحوا أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين، وهذا مما نهى الله تعالى عنه ورسوله، وبيّن أن فاعل ذلك ضال من الخوارج. قال تعالى فيهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ (سورة الكهف، الآيتان 103 -104) .
وقال فيهم النبي (ص): إنهم من ضلالهم [“يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان”].
(3)
القتال نصرة للمستضعفين قتال في سبيل الله
يبين تعالى أن سبيل الله تعالى بعد إعلاء كلمة الله لتكون هي العليا، لأن القتال في سبيل نصرة المستضعفين من هذه الأمة كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾. (سورة النساء، الآية 75) .
ولذلك يقول النبي (ص): [“إن الله يحب إغاثة الملهوف”. رواه أبو يعلي، والبزار، والطبراني، وحلية الأولياء، وشعب الإيمان للبيهقي]، ويقول أيضًا (ص): “من خذل مؤمنًا خذله الله يوم القيامة”. [عن جابر بن عبد الله، وأبا طلحة بن سهل الأنصاري يقولان: قال رسول الله (ص): “ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته”. قال يحيى: وحدثنيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وعقبة بن شداد، قال أبو داود: “يحيى بن سليم، هذا هو ابن زيد مولى النبي (ص)، وإسماعيل بن بشير مولى بني مغالة، وقد قيل: عتبة بن شداد موضع عقبة”. أخرجه أبو داوود].
ولم يحرك حكّام العرب ساكنًا، بل إن بعضهم متورط في إشعال الفتن وإبادة قبائل وشعوب في وقت سكت فيه بقية الحكام العرب والمسلمين، كأن الأمر لا يعنيهم حتى عمهم الله تعالى بالبلاء بسبب هذه اللامبالاة، وأصبحت الفتن والحروب تتنقل بين بلدة وأخرى كالنار في الهشيم.
ولقد كسر هذه القاعدة لأول مرة في التاريخ الحديث، أهل اليمن وجنوب لبنان وأهل العراق بإغاثتهم أهل غزة المستضعفين المحاصرين، والمنطق يقول بأنه سيلتحق بهم جماعات إسلامية أخرى قريبًا.
هذا توقع سياسي تحليلي وديني أيضًا ما داموا لا يعملون كعملاء لأعداء هذه الأمة الإسلامية ليكونوا شوكة في ظهرها أمام الهجمة الغربية الشرسة على المسلمين وكتابهم الكريم والتآمر بتعمد تجويع شعوب البلاد العربية، وافتعال الأزمات الاقتصادية، والفتك بهم بنشر أمراض مهلكة عن عمد، وتسليط بعض البلدان على بعض، وتسلط الحكام على شعوبهم حتى أفقروا الناس وأهلكوا الكثير من شبابهم، الذي أصبح يفر إلى البحر من بلاده إلى الغرب وهم يظنون أن الرحلة في البحر فيها خلاصهم فيقتلون ثلاثة أرباعهم في البحر غرقًا وينقذون الربع، ثم يبثون الصور على أنهم شرفاء أنقذوهم وأيديهم ملوثة بدماء كثيرة أخرى لم يرها أحد إلا الله في البحر، ويبثون بين الناس العدواة والضغينة والحروب والمكائد لإبادة الجنس العربي، وما السودان والصومال وجنوب اليمن وشماله ببعيد منا.
فالله تعالى قادر على أن يؤلف بين قلوبهم، ويجمع كلمتهم أمام حرق القرآن وإبادة المسلمين أمام الجميع حتى لا يكون لأحد من جيوش العرب التي تمتلك الكثير من العتاد والعدة والمال والرجال عند الله حجة في هلاكهم بالدنيا والآخرة؛ وذلك لأنه لا يصح إلا الصحيح [فقد أكلت يوم أكل الثور الأسود]، وقد يجمع الله تعالى كلمة الجميع لأنهم أمة واحدة لها لغة واحدة وكتاب واحد ونبي واحد وجغرافيا واحدة متصلة غير منفصلة بموانع مائية، وكل موارد العالم وكنوزه يمتلكونها، ولهم عقول على مستوى كبير من العلم والذكاء، فهي أمة لا تبيد، بل تبيد خصومها ولا يفرقها إلا خائن أو عميل، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. (سورة الأنبياء، الآية 92) .
إن شاء الله سيبارك الله تعالى في هذه الأمة، فقد حل زمان زوال ملك الظالمين من الأعراب الذين قال تعالى فيهم: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾(سورة التوبة، الآية 101). الذين أقاموا حفل لأجمل كلب في العالم وقت إبادة أهل غزة، وكل العالم يشاهدهم ويبكي على أهل غزة، وهم يحتفلون بالكلاب، وكذلك أيضًا حل زمان وعد الآخرة لصهاينة بني إسرائيل، الذي قال تعالى فيهم: ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾. (سورة الإسراء، الآية 104) .
وهذا وقت وزمان نصر المسلمين الذين سيجاهدون لجعل كلمة الله هى العليا ونصرة رسول الله (ص) والمسلمين المستضعفين، وهو زمان نزول ملائكة العذاب التي سيضرب الله تعالى بها جيوشًا من الكفار والمنافقين الذين خذلوا كتاب ربهم ولم ينصروا دينهم ولا المستضعفين، بل منهم من عاون المتجبرين وظنوا أن السلبية والخوف والصبر على العدو حكمة، وهم الذين جعلوا الله تعالى أوهن الناظرين إليهم.
وهؤلاء لم يزدادوا من الله إلا بعدًا بخروجهم عن عباءة الإيمان بالكلية لخوفهم من المخلوق دون الخالق، وزعمهم بأن ذلك سياسة وحكمة وعقل رصين. فهل الجبن وخشية المخلوق دون الخالق حكمة؟ أم أن دعم العدو شراكة تجارية ومصالح استراتيجية؟ وذلك هو الفرق بين جيوش اليمن المؤمنين الذين ناصروا كتاب ربهم وسينصرهم الله تعالى بنصرهم المستضعفين، وبين من خذلوا كتاب الله والمؤمنين المستضعفين. فالمؤمن لا يخاف إلا الله تعالى ولا يفر من معركة أمام عدو إلا ومات على كبيرة ويكون من أهل النار، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (سورة الأنفال، الآيتان 15و 16).
وهنا يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل إن جاءهم أحدًا يخوفهم من المخذلين كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (سورة آل عمران، الآية 173). وهنا ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ *بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ (سورة القمر، الآيتان 45و 46).
لقد قالت إحدى المؤمنات المسيحيات في أحد تسجيلاتها [لقد رأيت الله في غزة]، وهذا صحيح فالحق هناك عند المستضعفين كما في الحديث القدسي “أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي”. [سأل موسى ربه أين أجدك؟ فأجابه الله عز وجل: أنا جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني يا موسى، أنا عند المنكسرة قلوبهم. الزهد لأحمد بن حنبل، ص 354]. فكيف قرأت حديث رسول الله (ص) بقلبها وسريرتها السليمة دون أن تقرأه في كتبنا؟
وقال غيرها: [رأيت قصص القديسين أمامي على شاشة التلفاز في غزة]. ولكن منافقي العرب لم تتحرك قلوبهم والتي أصبحت كالحجارة أو هى أشد قسوة كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 74).
وهنا سيزيد الله تعالى المؤمنين الذين جاهدوا في الله هدى، وسينزل الله تعالى سخطه على الظالمين الذين خذلوا المستضعفين ودعموا الظالمين. وحسبنا الله ونعم الوكيل والله يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16449/provisions-of-jihad/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.