by الأستاذ أحمد أبو الخير | فبراير 12, 2024 9:09 ص
مقدمة
خلق الله سبحانه وتعالى الكون والمخلوقات بحكمته المتعالية بقوانين محكمة لا تحيد ولا تفنى، وأدرك الإنسان عبر أزمنة التطور خلال آلاف السنين بعض أسرار تلك القوانين، وما زال يحبو لمعرفة الكثير من الأسرار الإلهية، على أن أكثر الأشياء إدراكًا هو قانون الحركة.
ونحن نكتب عنه للقارئ غير المتخصص، بعيدًا عن مصطلحات علم الفيزياء، وأول ما نلاحظه هو قول الله جلّ شأنه، ما جاء في سورة الأنبياء، الآية 33: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾، وقوله تعالى أيضًا في سورة يس، الآيات 37-40: ﴿وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾. وفي فلك يسبحون، يعني ديمومة الحركة، ويسبحون في الفضاء الكثيف البعيد المتعدد، ونفهم من تلك الآيتين وغيرهما من الآيات أن قانون الحركة هو قانون إلهي، فلا شيء يسكن إلا استعدادًا للحركة من جديد، وهو دور علم الفيزياء.
علم الفيزياء
هو العلم الذي يختص بدراسة الظواهر وتفسيرها، ودراسة الموجات الضوئية والصوتية، والموجات التي تصدر من أجسام كل الكائنات الحية، وعلم الفيزياء يرتبط بعلوم أخرى مثل الرياضيات والفلك والإحصاء، وكل علم يأخذ من العلم الآخر ويخدمه.
وعلم الفيزياء يبحث في قانون الحركة، حيث يقول علماء الفيزياء بأنه يمكن تشبيه الحركة والسكون بحركة المروحة الكهربائية، وهي لا تتوقف عن الحركة فجأة، ولكنها تظل تهدأ بالتدريج حتى تتوقف.
الكون كله قائم على الحركة، والسكون حالة خاصة، كما جاء في القرآن العظيم؛ لأن كل شيء على سطح الأرض يتحرك بمنطق حركة الكرة، مثل الجسم داخل السيارة يتحرك داخلها من خلال حركتها وبنفس سرعتها، وإذا توقفت السيارة فجأة تحدث حركة ارتدادية للجهة العكسية، فيما يعرف بالقصور الذاتي.
تباطؤ الزمن
كلما زادت السرعة قلّ الزمن أو تباطأ، ولكي ندرك تباطؤ الزمن، لا بدّ أن نعرف أن الزمن على سطح الأرض يعادل 3 ونصف تقريبًا في ساعة المركبات التي تتحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء، وليس سرعة الضوء، لأن أي كائن لو انطلق بسرعة الضوء يتحول جسده من مادة إلى طاقة، فلا بدّ أن تخف سرعة المخلوق عن سرعة الضوء، وإذا كان زمن الرحلة بالنسبة لساعة رواد الفضاء تساوي سنة وشهر و16 يوم، فهي تساوي على سطح الأرض 60 سنة و3 شهور و5 ساعات، لأن الزمن بسرعة الضوء يتباطأ.
وبمنطق تباطؤ الزمن، لو ولد طفلان توأم، أحدهما رحل إلى الفضاء بسرعة أقل قليلًا من سرعة الضوء، وبقي شقيقه التوأم في الأرض سيعود من رحل للفضاء وعمره 5 سنوات، وشقيقه التوأم على الأرض عمره يكون 80 عامًا، لأن الزمن تباطأ في الفضاء، أما على الأرض يكون الانتقال بقوانين الجاذبية الأرضية المعروفة لنا.
سرعة الضوء
لكي ندرك إعجاز الخالق، نرصد بعض مصطلحات الفيزياء بتبسيط شديد. نجد أولًا أن سرعة الضوء في الثانية الواحدة = 300000 ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، وبناءً عليه فإن الذي عنده علم من الكتاب سار بسرعة أقل قليلًا من الضوء، وفي جزء من الثانية وصل من فلسطين إلى اليمن والعودة في مدة تقل عن الثانية ربما يكون الكتاب عند الذي عنده علم من الكتاب كان كتاب للعلوم الفيزيائية.
وإذا كان سرعة الضوء 300000 كيلو متر في الثانية الواحدة، تكون السنة الضوئية وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة شمسية كاملة -= 300000 في الثانية × 60 دقيقة × 60 × 24 ساعة × 365 يوم = مليارات من الكيلومترات في السنة الواحدة، وحاصل الضرب مليارات الكيلومترات بما لا يتخيل عقل الإنسان، عندما يحسب عدد الكيلوات للسنة الضوئية.
والله خلق الكون متناهي الكبر والاتساع لا يتخيله العقل، ويكفي للتدليل على ذلك أن مجرتنا المعروفة بدرب التبانة أصغر من أي مجرة، وبين المجرات ملايين السنوات الضوئية.
المعجزات والكرامات
ويمكن من خلال هذا المنطق، لنا أن نتخيل أن المعراج النبوي كان بسرعة أقل قليلًا من سرعة الضوء. والرسول (ص)، ربما انتقل بتلك السرعة في رحلتي الإسراء والمعراج بالسرعة الضوئية، حتى رُوي عنه أنه عاد من رحلته وفراشه كان دافئًا، ونلاحظ بيقين أن اسم الدابة التي ركبها النبي اسمها البراق، وهو اسم مشتق من البرق، والبرق في حد ذاته ما هو إلا ضوء.
والنار في محاولة إحراق النبي إبراهيم (ع)، ربما لم يتجاوز حريق النار سوى جزء من أجزاء الثانية، وعند محاولة الحرق جعلها الله تنطفئ بالجزء غير المرئي من سرعة الضوء، ومثلها وقوف الشمس ليوشع بن نون وللإمام علي بن أبي طالب، لم تتوقف الشمس إلا جزء من أجزاء الثانية، ولكن رؤيتها في الأرض تستمر فترة أطول، وهذا يعني أن الله عندما خلق الكون وقوانينه الإلهية لم يخرقها للنبي أو الولي إلا داخل نطاق العلم الإلهي.
وبنفس المنطق يمكن إدراك معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء والأوصياء، فالمعجزة أن الكرامة داخل نطاق سرعة الضوء فلا يلاحظها مخلوق، وتكون المعجزة لأي نبي وكرامة لأي ولي.
ومن خلال هذا الفهم، نرى أن انشقاق القمر بالقانون الإلهي الفيزيائي، انشق لمدة جزء من أجزاء الثانية، ولكن رؤية الانشقاق تظل فترة طويلة يحسبها البعض أن الانشقاق رآه كل العالم، وهو مثل انشقاق البحر لموسى وبني إسرائيل، وغيرها مما حدث لكافة الأنبياء، وهي جميعها معجزات حسية، ولذلك وفي نفس السياق ندرك أن المعجزة الكبرى للنبي الأعظم، كانت الكلمات، والكلمات هي التي تظل خالدة، والله أعلم.
وسبحان من قال في سورة فصلت، الآية 53: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، وسبحانه من خلق الخلق ووضع القوانين التي تدوم آلاف آلاف السنين.
وأدعو الله أن أكون قد وُفقت في الشرح بعيدًا عن طلاسم المصطلحات…
*[1] مستشار عام علم الفيزياء- وزارة التربية والتعليم – مصر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16487/physics/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.