by معهد المعارف الحكميّة | مارس 14, 2024 1:27 م
أقام معهد المعارف الحكمية، وضمن برنامجه الدوري “المنتدى الفلسفي” محاضرة بعنوان: “الترجمة والقول الفلسفي بالعربية” للدكتور حسين صفي الدين، وذلك نهار الجمعة 8/3/2024، الساعة 3:30 عصرًا، في مقر المعهد بالسان تيريز، مجمع يحفوفي، بلوك c، ط 3.
حضر اللقاء نخبة من أهل الاختصاص ومن المهتمين بالشأن الفلسفي.
استهل الدكتور صفي الدين محاضرته بالقول: لا شك أن كل لغة موجبة للترجمة إيجابًا ذاتيًّا، ولا علاقة في ذلك للفروقات بين اللغتين، فهنا لغتا الأصل والوصول لا تقدم على وحدة القصد. فالترجمة في هذا المجال وسيلة خادمة للمعاني والمباني الفلسفية.
واعتبر أنه إذا كان كلّ نصّ فلسفيّ قابلًا للترجمة مبدئيًّا. وإذا كانت كل لغة مكتوبة قابلة لاستقبال ذلك النص. فلا بدّ من طرح السؤال، كيف تنجز الترجمات الفلسفية منها إلى اللغة العربية؟ وبأي هدف وضمن أي خطة؟ وبالنتيجة هل تؤدي المطلوب منها؟ وهل كان هذا النقل آمنًا وأمينًا؟ أم يحصل انزياح في المعنى والمبنى يغلق النص على الفهم، أو يذهب به إلى مسالك أخرى؟ وبخاصة أن لغة الفلسفة لغة متميزة يتداخل فيها المبنى والمعنى بفعل الانسياق في سيستام، مع الأخذ في الاعتبار أن النص المترجم ينزاح بالضرورة عن النص المصدر، تبعًا لاختلاف بنية اللغة المنقول إليها عن بنية اللغة المنقول عنها.
وشدد على أن ما يجب الانتباه إليه هو الانزياح الناجم عن سوء فهم المعنى، أو عن عدم الدراية اللغوية في الاتجاهين، أو عن عدم الاختصاص، أو غياب استراتيجية للترجمة المستقلة، أو عن عائق عقيدي، أو حتى قلة صبر على الأفهوم.
ولفت إلى أن تجربة الترجمة التي نقوم بها اليوم هي الثانية بعد الأولى التي ابتدأت في المرحلة العباسية، وهي في بدايتها تعرضت لخيبات كثيرة، ومن الأسباب التي كانت تعيق الترجمة إلى العربية (في حينه) ضعف اللغة العربية في استيعاب المعاني الفلسفية الواحدة. ويرى ابن حزم “أن السبب في ذلك هو الشح بالعلم، والضن به من قبل المترجمين الأوائل الذين بدأت معهم الترجمة. حنين بن اسحق والآخرين، الّذين عملوا على الترجمة وفق قواعد مجال التداول السائد، وهذا ما جعل الترجمة تعاني من خللٍ كبيرٍ”.
ورأى أننا اليوم بحاجة إلى علم جديد هو علم المصطلحات، وهو أحد فروع علم اللغة التطبيقي، لِمَ لهذا العلم من أهمية، وهذا ما يأخذنا إلى التعريفات، حيث نجد في المعجم الوسيط “اصطلح”، بمعنى “اتفاق طائفة على شيء مخصوص”. وقال الجرجاني: هو عبارة عن اتفاق قوم تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضوعه الأول، وإخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر، لمناسبة بينهما. وقيل بحسب الجرجاني: “لفظ معين بين قوم معينين”. إذًا، المصطلح هو اتفاق على تسمية شيء محدود، وبمجرد أن ننطق به يعني بالتحديد هذا الشيء، وهذا الأمر لا يمكن قيام علم دونه، بل يمكن القول: إن المصطلح هو مفتاح العلوم. ولعل هذا ما حدا أن يكون اللفظ المستخدم في البدايات للتعبير عن المصطلح هو الحد لأنّه ما يحد المعنى. ومن خلال هذا التفريق للمصطلح، نستطيع أن نقول: إنه تقييد بمفهوم محدّد وفي مجال تقني معين، يستخدم في حقل محدد له معاييره وقواعده وضوابطه.
وتابع بالحديث عن ضرورة استقرار المصطلح الفلسفيّ، وإن كان هذا قد أخذ وقتًا طويلًا في التجربة الفلسفية الأولى، حتى استطعنا أن نصل إلى استقرار نسبي مع ابن رشد، مثال: ابن رشد في كتاب البرهان لأرسطو، بدأ باستخدام مصطلح السيالوجسموس Sullogismos – مشتقة من لفظ sullegius بمعنى الجمع. والجوامع؛ أي الجمع بين مقدمتين معلومتين بواسطة حد موحد مما يلزم عنه نتيجة معينة بالضرورة، ثم استقر على القياس، هذه الحركة التي قام بها ابن رشد، تُظهر كيفية تطور المصطلح الفلسفيّ.
أضاف، اهتمّ الفلاسفة بالترجمة، ويوجد نظريات متعددة متعلقة بها، وهي جمعت بين الأمانة والحرفية والتأويلية، وقد ساهم فلاسفة كبار في هذا الموضوع وأعطوا رأيًا فيه، وفي هذا المجال ذهب أنطوان بيرمان للحديث عن ضرورة العمل على مقاومة “النزعات التشويهية” في الترجمة. وإذا أردنا أن نسرد أسماء الفلاسفة الذي عملوا على موضوع الترجمة، نجد نفسنا أمام قائمة كبيرة من الأسماء مثل مارتن هيدغر، وجاك دريدا وغيرهم.
ختم الدكتور حسين صفي الدين محاضرته قائلًا: الترجمة نشاط إنساني يونيفرسالي، وهي ضرورة الآن، كما كانت في جميع الحقب التاريخية، وفي كل بقاع الأرض، ولا يمكن لأيّ مجتمع من المجتمعات التخلي عنها، وهي بدأت وستستمر ولا نتوقع من نظريات الترجمة أكثر من عون على تحديد المسائل والصعوبات التي يواجهها المترجم.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16617/tarjami/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.