حول علمانية من عندنا في المنتدى الفلسفي

by معهد المعارف الحكميّة | يونيو 5, 2024 11:35 ص

إعداد: إدارة المنتدى الفلسفي

عقد المنتدى الفلسفيّ في معهد المعارف الجكمية للدراسات الدينية والفلسفية يوم الرابع من حزيران جلسته الدورية، التي تحدث فيها الأستاذ الدكتور أمين الياس عن موضوع “حول علمنة من عندنا”، بدأت الندوة بكلمة لمدير الجلسة الدكتور الشيخ “سمير خير الدين”، الذي أكّد على ضرورة الحوار وأهميته في تنشيط العمل الفكري، ودوره في إحلال ثقافة الحوار، وأشار إلى أهمية مثل هذه الجلسات في تطوير الأفكار وفتح باب التثاقف. ثم انتقل إلى الحديث عن “العلمانية” ومنشئها واختلافها وانقسامها إلى “علمانيات متعددة” مما يجعل الحديث عنها، يحتاج إلى الكثير من العمل لإظهار مكوناتها والأسس التي تقوم عليها. بعد ذلك قدم المحاضر، وتحدث عن إسهاماته الفكرية، ثم دعاه إلى الكلام.

بدأ الأستاذ الدكتور أمين الياس كلامه باستعراض أصول المصطلح في الحضارة اليونانية تعني المشترك والشعب، واستخدمت بمعنى حاكم إدارة شؤون العالم، ثم انتقل المصطلح إلى المسيحية حيث تمّ التمييز بين الإكليروس رجال الكنيسة ولايكوس الناس العاديين، وهذا الفصل بين هذين النطاقين كان الأرضية التي بُني عليها مفهوم العلمنة التي أصبحت تعني أولئك الّذين لا ينتمون إلى طبقة رجال الدين، وهذا لا يعني أنّ هذا المصطلح أخذ شكله النهائي في هذه المرحلة؛ لأنّ ظهوره الفعلي سيتأخر إلى القرن السادس وظهور الإصلاح الكنسيّ مع مارتن لوثر، الذي عمل على تفعيل المصطلح، وأعطاه صبغة تقوم على الفصل بين السلطة الكنسية والحياة العامة.

وأضاف، هكذا نرى أن التحوّلات في الحياة الأوروبية كانت السبب الأساسي لظهور العلمنة، والتي وصلت إلى ذروتها مع ظهور نزعة للانتقال من الدين إلى الفلسفة، وهذا الأمر تبلور مع الثورة الفرنسية 1889، التي بُنيت على أرضية الأفكار الفلسفية التي ظهرت مع فلاسفة مثل “فولتير”، و”جون جاك روسو”، وتحولت إلى نظام في العمل، أخذ يتطور مع الوقت، فجاء إعلان الفصل بين الدين والسياسة عام 1905، ثم ثبت بعد ذلك في تبني العلمنة في دستور فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. والكلام هنا عن التجربة الفرنسية لا يعني أنّ جميع العلمانيات متشابهة ومتماثلة في جميع الدول، لأنّ هناك فروقًا جوهرية تختصّ في كلّ بلد، فالعلمانية البريطانية تختلف عن الأمريكية والألمانية، فنحن عندما نتحدث عن العلمانية لا بدّ من أخذ التجربة الخاصة بعين الاعتبار، فمثلًا العلمانية البريطانية تتحدث عن الفصل ولكن الملك هو رأس الكنيسة الأنغليكانية، وهي تتسامح بالموضوع الديني ومظاهره شرط أن لا يؤدي ذلك إلى استخدام الدين في السياسة، وإذا ذهبنا إلى ألمانيا نجد العلمانية مطبقة بشكل مختلف حيث تعترف الدولة بالمكون الديني وتقوم بتنظيمه. ما نريد قوله: إنّه يوجد علمانيات وليس علمانية واحدة.

واعتبر أنه إذا انتقلنا إلى العالم العربي والإسلامي، نرى أنّ موضوع التمييز بين الدين والسياسة حضر في القرن التاسع عشر، حيث أخذت هذه المجتمعات تطرح أسئلة حول العلاقة بينهما مع أنّ الموضوع يختلف في هذه المجتمعات عن مثيلاتها الغربية، فالمجتمع الشرقي يمتلك نفس التركيبة الاجتماعية بين المسلمين والمسيحيين، ولكنّ الخلاف يتمثل في المكون الديني والمذهبيّ، وبعد سنة 1860 والفتنة الطائفية التي حصلت في بلاد الشام، ظهر المعلم بطرس البستاني ابن الجبل، والذي بدأ حياته بالتوجة صوب اللاهوت، ولكنّه عدل عن ذلك فيما بعد، وأخذ ينشر مجموعة مقالات -عشر مقالات – في مجلة نفير سوريا أكد من خلالها على ضرورة الفصل بين الديني والسياسي، حيث رأت هذه الشخصية أنّ هناك فاصلًا بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، ولأول مرة استخدم المصطلح، واعتبره دالًّا على حرية الضمير في الإيمان والانتماء إلى ما تشاء أو حتى غير الإيمان من أجل بناء السلام الاجتماعي، وقد رادف البستاني بين العلمانية وغير الديني. وترافق هذا العمل مع ظهور الإرساليات لا سيما الأمريكية التي أسست الكلية البروتسنتية في بيروت عام 1866، وكما نعلم أنّ البروتستنتية لا تحتوي رجال دين، وهي إن بدأت بهذا الدور، ولكنّها تحوّلت إلى مؤسسة تعليمية، أثرت في بروز شخصيات علمانية فيما بعد. 

ولفت إلى أن العلمانية عرفت بعد ذلك نقاشات حول هذا الموضوع، ولكن ما حصل في العالم العربي من صراعات وحركات انقلابية بعد ذلك، أدّى إلى تراجع التداول في هذا المصطلح، ولم يبق فاعلًا إلا في بيروت التي قال عنها الراحل طه حسين بأنّها عاصمة الثقافة العربية، حيث شهدت الثقافة اللبنانية نقاشات حقيقية حول الموضوع بدءًا من الخمسينات والستينات، وصولًا إلى السبعينات ساهم فيها محمد الماغوط، وأدونيس وبدر شاكر السياب وغيرهم من الشخصيات الفكرية المركزية، كما شهدت الساحة الثقافية نقاشات بين أعلام تلك المرحلة من المفكرين والسياسيين، حيث كان بإمكان كلّ شخص أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع، فيتكلم عن ما يريد التعبير عنه. وقد تركزت الحوارات حول عدد من الأسئلة: نحن كمجتمع شرقيّ ما هي العلمانية التي تناسبنا؟ هل نبني علمانية تتوافق مع نموذجنا المجتمعي اللبناني أم نأخذ النموذج الغربي؟ وقد استمرت هذه النقاشات حتى الحرب التي وقعت عام 1975، فبدأت النقاشات تتراجع حول الموضوع، وهو ما ظهرت معالمه في مؤتمر عرمون، والبرنامج الوطني للحركة الوطنية اللبنانية، التي أغفلت عن ذكر العلمانية، وتحدثت عن إلغاء الطائفية السياسية. ولكن هذا لا يعني أنّ العلمانية قد غابت بشكل نهائي، حيث نلاحظ أنّ حضور هذا التيار يعود بين فترة وأخرى، وفي الفترة الأخيرة ظهر من خلال التجمع العلماني، الذي هو امتداد للحركة الاجتماعية التي أسسها الأب غريغوار حداد.

وبعد أن انتهى الدكتور أمين الياس من كلمته، أُفسح المجال للحضور من أجل السؤال والمداخلة، فدارت نقاشات تميزت بالعمق والصراحة، وانتهت الجلسة بكلمة شكر من مدير الجلسة للمحاضر والحضور، حيث أكد على ضرورة الحوار الفاعل والحقيقي بين المثقفين.


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/16705/secularism-4/