by محمد جواد فاضل عبد الرسول أبو الشعير الموسوي | أغسطس 28, 2024 9:19 ص
مقدمة
إن من أخطر أنواع الغزو الذي يمارس الآن هو الغزو الثقافي، وذلك بعد تطور تقنية الاتصال وجعل البعيد الذي لا ينال قريبًا متداولًا كقدح من الماء.
لقد مر العالم ـ الإسلامي خاصة ـ بمراحل من الغزو، وكان أولها السياسي الجاسوسي، ثم العسكري، ثم السياسي الدبلوماسي، وكان الغزو الثقافي مرافقًا لجميع المراحل بشكل مبطن أو ظاهر.
وهنا نقدم ـ على عجالة ـ مقالًا تحليليًّا حول مبدأ التجديد والعصرنة، والذي أخذ مأخذه في نفوس بعض، وذلك دفعًا لشبهة التخلف عن ديننا الحنيف.
نرجو من الله تعالى أن نوفق في إيصال فكرتنا بما يخدم الطريق الإيماني.
القسم الأول
في البداية أشير إلى أن التعامل مع أي مصطلح، هو أن نعطي معناه في لغته لا في لغة ثانية، ثم نفسره وفق هذا المعنى.
ومن خلال استقرائنا وجدنا أن المصطلحات التي تنتهي بـ(ism) في الإنجليزية يشير إلى أنه يمثل مدرسة فكرية.
هذا الاتجاه الفكري الذي يغلب العقل في القراءة فهو اتجاه (القراءة الفلسفية)، وهو ما يقابل المنهج التقليدي أو العرفي:
.(Traditional, Customary, Conventional, Classical)
وقد يطلق عليه أيضًا: (Intellectualism)، وهو مشتق من (منطقي، مفكر، عقلي، عقلانيrational:<adjective>).
(moderate) بمعنى الاعتدال (Reasonableness)، والأخيرة تأتي بمعنى كونه معقولًا وكونه معتدلًا، وليس معنى كونه معقولًا أن يكون مقبولًا من ناحية العقلاء[2][2] بشكل عام.
هذه المفردة لها معان عديدة، فمنها:
وعلى كل حال فالاتجاه مقارب للرابع من حيث التوجه لا الاصطلاح كما سيتضح.
وهو اتجاه التمسك بالقيم الروحية الذي يعني بالترجمة الحرفية الاتجاه الكنسي عند الغربيين، ورجال الدين بالعربية، والروحانيين بالفارسية. وهذا الاتجاه هو الضد للمادي (Materialism). علمًا أن (moral) تأتي بمعنى الضد للمادي، وتأتي معنى لكلمة (spirit)؛ أي الروح والمعنى.
وأما على الاصطلاح فإن:
وذلك لدور رجل الدين في بناء الجانب المعنوي والروحي. وهذا ما تصل إليه من خلال معنى الكلمة باللغة الأم.
أما المعنى الأول فليس محله هنا، فهذا الاتجاه يخص جانب الدين العقائدي، ولعلنا لا نجانب الحق إن قلنا بضرورته من جهة كونه مفيدًا ومنتجًا مع المنكرين من رأس، فإن هؤلاء لا يفيد معهم النص، لأنهم ـ مثلًا ـ لم يؤمنوا بمن صدر منه، كما قد يفيد هذا مع المؤمن بصاحب النص الذي ـ عادة ـ يلتزم به في علم الكلام في باب العقائد. إلّا أنه من الضروري الاعتراف بقاعدة لا إفراط ولا تفريط للموازنة بين المسلكين.
وهنا يكون البحث عقليًّا، وقد يؤتى بالنص من باب التشرف لا البرهان، أو من باب العثور على ما يساعد على الفهم المتحصل أو النتيجة البرهانية. عندها نعتقد بأن إضفاء سمة القراءة الفلسفية للنص مجرد تهمة إن لم نقل: إنها فرية على هؤلاء.
ولا يمكن هنا ترشيح الأسلوب أعلاه في البرهان على الفروع، أي فيما يخص جانبي العبادات والمعاملات، فمثل هذه النصوص تعتمد أسلوبًا آخر للوصول إلى الحكم الشرعي، وقد يداخل بعض بين العلوم الحقيقية والعلوم الاعتبارية في أصول الاستنباط، كما أدخلت بعض البحوث العقلية في أصول الفقه، ولكن النتيجة النهائية عدم تأثر النص وفهمه بطريقة فهم مقدمات الاستنباط. وعدم صحة إدخال هذا المسلك في مقام استنباط الفروع يمكن البرهنة عليه إنيًّا على الأقل، لعدم معرفة تحديد ملاكات الأحكام، كجهلنا سبب جعل صلاة الصبح ركعتين والقصر في الرباعية.
وأما على المعنى الثاني الذي يأخذ جانب الاعتدال، والذي قد يدافع عنه بأنه مسلك يتوسط بين التفريط (Negligence)، والإفراط (Excessive)، لنبذ التطرف والإرهابَيْن الفكري والجسدي. وإن كان الحق أنه قد تم التركيز على جانب الإفراط في هذا المسلك، ولم يعر أي أهمية تذكر إلى التفريط وكأنه مرغوب فيه، فمورس الإرهاب الفكري في الاتجاه الأول بشكل مبطن.
التدين يأتي بمعنى إما التلبس بدين ما، أو اتخاذ دين معين منهجًا في الحياة[3][3]. والمتدين، هو المسلم المطيع المقر بالجزاء والحساب يوم التناد والمعاد قال الله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (سورة المائدة الآية 3)[4][4].
ما يشمل الكتاب ـ أي القرآن الكريم ـ، أصله نصص، نَصَصتُ الحديثَ أنُصُه نَصًّا، إذا أظهرته. ونَصَصْتُ الحديث، إذا عزوته إلى محدِّثك به. والنَّصُّ الإِسْنادُ إِلى الرئيس الأَكبر والنَّصُّ التوْقِيفُ، والنصُّ التعيين على شيءٍ ما، ونصُّ الأَمرِ شدتُه. ونَصَّ الرجلَ نصًّا إِذا سأَله عن شيءٍ حتى يستقصي ما عنده، ونصُّ كلِّ شيءٍ منتهاه. والنصُّ أَصلُه منتهى الأَشياء ومَبْلغُ أَقْصاها.
مأخوذة من سنن: وهي الطريقة والسِّيرَة، وإذا أُطْلِقَت في الشرع فإِنما يراد بها ما أَمَرَ به النبيُّ (ص) ونَهى عنه ونَدَب إليه قولًا وفعلًا وتقريرًا[6][6]. والسنة بأقسامها ـ إجمالًا ـ إما مأخوذة من صاحبها بشكل مباشر أو منقولة.
المعصوم: هو صاحب السنة أو امتداده، شخص قد تدخلت عوامل معينة في صقل وجوده ليكون قدوة صالحة وأنموذجًا حسنًا.
أصلها عقد: عَقَدْتُ الحبلَ والبيعَ والعهدَ، فانعَقَدَ. وعَقَدَ الرُبُّ، أي غلُظ، فهو عَقيدٌ. والعُقدةُ بالضم: موضع العَقْدِ، وهو ما عُقِدَ عليه. والعَقِدَ أيضًا: بكسر القاف: ما تَعَقَّدَ من الرمل، أي تراكم، الواحدة عَقِدَةٌ. واعْتَقَدَ اقتنى. واعتقَدَ الشيءُ اشتدَّ وصلُب. واعْتَقَدَ كذا بقلبه. وليس له مَعْقودٌ، أي عَقْدُ رأيٍ. والمُعاقَدَةُ: المعاهدَة. والتعاقَدَ التعاظُلَ…
مصطلح معاصر يتبنّى أهله العقل بمعناه الأخلاقي لا الفلسفي، فهو مصطنع. ولعلنا نفهمه من مقالات كتبت في هذا الباب في النت بلغات متعددة. فكأنه يزاوج بين معنيي (moral) كما مر، الاتجاه الأخلاقي مع الالتزام بالجانب الروحي، وبمعنى آخر هو نبذ اللادينية بقيد العقلنة، فيقودك نحو المعنوية الاصطلاحية، فتحديد هذا النبذ بالعقلنة نتيجته الدين المعقلن.
هذا العنوان موجه إلى منكري الخالق تعالى، فإذا ثبت الأصل ثبت فرعه وإلا فالانهيار. وما نذكره هنا هو تنبيه على وجود الخالق لا برهانًا، فإن الله تعالى هو البرهان على الوجود، وليس العكس.
كل وجود له أحد وجهين لا ثالث لهما، وهو أنه إما أن يكون واجدًا أو مُوجَدًا، وللواجد معنيان:
المعنى الأول: ما يقابل الفاقد.
المعني الثاني: ما يقابل الفاعل.
وأما الثاني ـ أي المُوجَدُ ـ فقد عُلِم.
أما وجودنا فببديهة العقل ففاقد، ودليل ذلك السير طلبًا للكمال، وفاقد الشيء لا يعطيه[10][10]، ولا يكون الفاقد واجدًا بمعنى الفاعل.
إذن هو: مُوجَدٌ… فمن الذي أوجده؟
لو أوقد أحد سيجارته وسألت المنكر:
ماذا ترون يخرج من السيجارة؟
الجواب: الدخان.
لماذا يخرج الدخان؟
لإيقاد السيجارة.
لماذا أجبتم؟
لأنك سألت.
ولو أتيت بقطعة خشب أو حديد سوداء أو ملونة بأي لون آخر، وسألت:
كيف نجعلها بيضاء؟
نصبغها بالأبيض.
كيف نجعل الأبيض أبيضًا؟
هو أبيض بذاته.
ومنه تستنتج ما يلي:
أولًا: أنهم يؤمنون بقانون السببية العام لا الصدفة من خلال أمور:
أ. أنهم يجيبون بسبب السؤال وليس اعتباطًا أو صدفة.
ب. أن الجواب يبتني على العلاقة بين إيقاد السيجارة والدخان، وأن الأبيض أبيض بذاته، وكلاهما ليس صدفة.
ج. أن جوابهم بسبب التوجه إلى العلاقة بين إيقاد السيجارة والدخان، وإلى أن كل ذاتي لا يعقل احتياجه إلى سبب بخلافه في غيره، كذلك لا صدفة.
د. أنهم لو لم يعلموا لم يجيبوا بذلك الجواب، ولو سألتهم لقالوا: لأننا لا نعرف، وليس صدفة.
هـ. لو كان هناك شيء اسمه صدفة أو انقلاب مفاجئ لتوقفوا عن الكلام لأنه يمكن أن يكون (كيف حالك) شتيمة، و(لعن الله فلانًا) مدحًا.
ثانيًا: نستنتج أن الذاتي لا يعلّل، لأن السؤال عن كيفية جعل الأبيض أبيضًا خطأ من الأساس، وهكذا يجب أن ننتهي إلى سبب يكون سببيته عين ذاته فلا يسأل عن وجوده كيف وجد.
فننتهي إلى قانون السببية العام واجتماع النقيضين محال والذاتي لا يعلل.
في باب الأعداد تجد أن كل ما هو فرد وزوج وأول وأولي يرجع إلى الواحد، والواحد يطلق على كل فرد فيبقى بالمقايسة مع الأكثر قليلًا[11][11]، وتعدده ناشئ من الاشتراك مع واحد آخر من جهة الحاجة، فلا بدّ من ابتداء الواحد من الأحد، والأحد هو الذي تكون واحديته ذاتية وأوليته غير مسبوقة بعدم، وآخريته غير زائلة فهو منفرد في واحديته، فينتج أنه لولا الأحد ما وجد واحد ولا فرد فضلًا عن زوج.
أن الواحد أول العدد وباجتماعه مع واحد ينتج أول زوج، ومع هذا الزوج ينتج أول فرد، ومع هذا الفرد ينتج زوجًا ثانيًا، ومع هذا الزوج ينتج فردًا ثانيًا وهكذا، فيمكن تعدد الزوج والفرد.
وكل ما لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على واحد يسمى بالأَوَّليِّ، عندها تعلم أن الواحد أول الأعداد الأولية[12][12]، لأنه لا يقبل القسمة إلا على نفسه، وهو واحد فيكون كذلك. ويتضح أيضًا أن أولية الزوج والفرد ترجع إليه، والواحد فرد من الأعداد كما أن الزوج والفرد فردان، فكل زوج لوحده فرد، لذلك إذا جمعت بينه وبين زوجه الآخر تقول زوجين. وسبق القول بأنه يمكن تعدد الواحد العددي، لوجود ما به الاشتراك بين الواحد الآخر المنضم إليه، وهكذا مع التكثير وذلك بتعدد الأفراد، ولما تعدد الواحد امتنع أن يوجِد أيُّ واحدٍ واحدًا آخر، لاشتراكهما في الواحدية، ولكان إيجاد أحدهما الآخر ترجيح من غير مرجح، وهو محال لاستحالة اجتماع النقيضين[13][13].
نتيجة المنبه الثالث: أنه لا بدّ من وجودٍ تكون واحديته غير عددية لأنه لو كان عدديًّا لانتهى عند حد معين ليأتي الواحد الآخر.. وهذه الوحدة عين ذاته فهو الأحد..
ولقد بين الله سبحانه وتعالى هذا الأمر في القرآن الكريم[14][14] إذ قال: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[15][15]، أما لماذا؟ فجوابه أنه لما كان ـ على الفرض ـ آلهة أخرى فهذا مما به الاشتراك، وبينهما ما به الاختلاف ينتج: ﴿إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[16][16]. أما أن يكونا متشابهين تمامًا فهذا محال أيضًا؛ لأن كل واحد منهما واحد، ولكن ليس لوحده لأنه واحد من جهة، وليس واحدًا من جهة أخرى فيلزم أنه واحد وليس بواحد فيستحيل، فيتضح أنه واحد وفرد، ولكن ليس بمنفرد مطلقًا، وإذ لم ينفرد أو يتفرد فمن أوجده؟ وكذلك الواحد الآخر؟ وهكذا.
فتبين أن الأحد أول الأولين فهو واحد الواحد لذلك يسمى الأحد[17][17]، وعرف الفرد والزوج بالواحد، ولو رجعنا إلى كل فرد وزوج وكل أولي لوجدناه واحدًا كذلك.
فيعرف الواحد بالأحد؛ لأن كل واحد شريك للواحد الآخر بالواحدية، فيجب أن ينتهي كل واحد إلى الأحد فيعرف بنفسه واحديته عين ذاته، والذاتي لا يعلّل، فيطلق عليها حينذاك وصف الوحدانية.
ولما كان الواحد راجعًا إلى الأحد والفرد والزوج راجعين إلى الواحد[18][18]، فكل راجع إلى الأحد فيكون أول الأولين وآخر الآخرين[19][19] تبارك الله العظيم رب العالمين.
بل إن عظمته تعالى بانت ووضحت في أن كل أفراد عالم الإمكان يختلف عن غيره بالمرة مصداقًا، فكلٌ واحد حتى الزوج[20][20]، كما مر، ولكن ليس بأحد، والجمع والطرح وباقي العمليات الحسابية إنما هي من مقتضيات الحياة ومسهلاتها ليس غير.
ومنه نصل إلى لا بدّية رجوع المركب إلى البسيط فكل شيء مركب من شيء وواحد[21][21]، إلا الأحد فلا تركيب فيه منه ومن واحديته، فهي عينه فكان واحدًا أحدًا..
ولم التعجب من عدم قبول التجزئة؛ فالفرد لا يتجزأ ولو من جهة[22][22]، وهاك أي فرد من أفراد الإنسان إذا جزأته خرب، فهو من جهة لا يقبل التجزئة، ومن أخرى يقبلها، وهناك وجود لا يقبلها مطلقًا لأنه ليس بمركب.
أما الأحد فمنفرد، والواحد والثلاثة كل منهما فرد وهكذا، ولذلك جاء عن أهل البيت (ع) اقتران الفرد بالصمد، لأننا نعلم أن الفرد لا يتجزأ، ولكنه يمكن أن يكون هناك فرد غيره فيتكرر كصفة، فتجمع على أفراد، ولذلك يؤتى بالصمد بعد الفرد ليعلم أنه فرد يصمد إليه الأفراد وليس العكس، وأما التفرد والانفراد والفردانية فلا تحتاج إلى تكميل.
لما ثبت أن هناك خالقًا، وقد ثبت أننا نحن خلقه مست الحاجة إلى بيان بعض من خصائص عالم الخلق، ولنقل البعدين الروحي المعنوي والمادي.
أما وجود عالم المادة فلا أتصور أن ينكره عاقل، وإلا فهي السفسطة بعينها، وليس هناك داع لمناقشتها أصلًا، وأما عالم الروح والمعنى فسيتضح من خلال البحث، فلنتابع معًا.
إنه من الواضح جدًّا وجود عالم غير عالم المادة لأدلة كثيرة، نذكر منها:
ومن خلال هذا نثبت أن هناك وجودًا، أو بعدًا آخر في هذا العالم وهو البعد المعنوي.
ولما ثبت وجود بعد ثان لنا، وبسبب عدم تخلف وانفكاك الترابط ـ ولو في الجملة[23][23] ـ بين العالمين المادي والمعنوي الأكبر، سوف يظهر لنا من خلال هذا البحث أنه لا بدّ من قانون ينظم لنا شؤون العالَمَينِ، فلا يصح أن يكونا من غير خصائص وأحكام تترتب عليهما، ولا أقل يتوجه الاهتمام إليهما من قبل الخالق على حد سواء لسد الحاجات، كما هو حال البعد المادي من قبيل التنظيف والإطعام والمحافظة عليه من التلف.
ومن هنا يثبت وجود دستور لتنظيم العلاقة بين:
وفي كلا الأمرين مهما كانت كيفية وجود الخلق، وأنحاء وجوده، وأبعاده.
مما يثير التعجب حقًّا أنك لو أتيت مواقع الملحدين على الإنترنت مثلًا، أو حكوماتهم، لوجدت أن لهم نظامًا معينًا مبرمجًا لا يقبلون فيه من يخالفه، بل ويحاسبون ويعاقبون. فإذا ذكرت خالق الكون، أنكروا عليك ذلك، ويرون العالم بلا رقيب.
طيب، أين العقل والحكمة، وأين الحكم الصحيح؟
لا إله إلا الله تعالى عما يصفون محمد رسول الله (ص)، سبحان الله ألا يؤمنون، علي أمير المؤمنين كيف ينكرون.
لماذا أنكر الخالق؟
لأنني لا أراه؟
لا أتحسسه؟
من قال بأن كل لا مرئي ليس له وجود؟
هل ينكر المكفوف كل شيء؛ لأنه لا يرى أي شيء؟
هل رأيت روحك التي في جسدك؟
الكهرباء في السلك؟
ألا ترى أثرهما في الوجود ألا ترى أن الهواء يحرك التراب؟
ما الذي يُسْتَلُّ من الجسد ليخمد حتى يكون كحجارة صماء من غير حراك؟
لا تعتقد أصلًا بوجود سبب الإيجاد؟
فهل تنكر أمك وأباك؟
تنكر أنك تصنع الأشياء؟
إن صنعت.. هلا نفخت فيه ما يجعله مثلك؟
ارجع إلى نفسك، هل وجدت اثنين من غير جمع لواحد وواحد؟
وإن كان هناك واحدان فمن أين جاءا؟
أمن نفسيهما أم أوجدهما واحد آخر؟
وهل هذا الواحد نفسه، الذي أوجدهما أم كل واحد أوجده واحده؟
فإن كان الواحد الأول نفسه الذي أوجد الواحدَينِ فإنه يجب أن يتميز عنهما بواحدية غير التي فيهما، وإلا رجع السؤال نفسه.
هروبًا من القانون، الذي هو التكليف؟
يريد المنكر أن يتحرر من التكليف الذي يرفعه إلى عليين فيسقط في عبودية السفل.
هل تستطيع أن تنكر الواضع للقانون؟
هل هناك وجود من غير قانون؟
فإن أنت أنكرت القانون فهذا ليس معناه إنكار واضع القانون، أو ما يسمى بالحكومة ورأسها.
إذن… لا يمكننا أن ندّعي بأننا قادرون جميعًا على الاتصال بذلك العالم، وقد مست الحاجة إلى معرفة خصائص ذلك البعد، عندها مست الحاجة إلى وجود واسطة بين ذلك العالم وبيننا وهو النبي والرسول.
ولتنويع مجالات الاستدلال إليك ما قاله القس جيمس أَنِس[24][24] في كتابه علم اللاهوت النظامي في إثبات الوحي والتكليف:
هل تُغني شهادة الطبيعة عن إرشاد الوحي؟
لا يستطيع إنسان بدون إرشاد الوحي أن يعرف شروط الخلاص، فذلك يتوقّف على تعليم الكتاب المقدس، الذي منه وحده نعرف حالتنا الطبيعية، واحتياجاتنا الروحية، وشروط الخلاص، ومَن الذي يناله؟ أما الذين يعتقدون أن أعمال الله وحدها تعلِّم ما يكفي لإرشاد الإنسان الساقط إلى الخلاص فهم العقليون والماديون الذين ترفضهم كل الطوائف المسيحية. ولقد بحث البشر عن كيفية تبرير الخاطئ قرونًا عديدة ولم يحصلوا على ما يفيدهم لا من ضمائرهم، ولا من الطبيعة الخارجية.
ما هو الدليل من شهادة الطبيعة على أن الإنسان مسؤول أمام الله بغَضّ النظر عن الوحي؟
هذا واضح من رومية 1: 20. ومن الأدلة التي تتّفق مع شهادة الوحي حالة الإنسان وعلاقته بالكون، فالإنسان بحواسه يبحث عن الأمور الطبيعية، وبوجدانه يبحث عما يختص بحياته الروحية، ويجد في الخارج والداخل ما لا يقدر أن يعلّله إلّا في علاقته بخالقٍ مجيد يستحق الشكر والحمد والعبادة من الجميع على الدوام. وكلما دقَّق الإنسان في البحث يرى ما يشهد لمشيئة مبدعٍ عظيم خلق الكائنات لغاياتٍ فائقة ومقاصد سامية، ولا بدّ أنه صاحب العقل والحكمة والمشيئة والقدرة. وكلما نظر الإنسان في أحواله الداخلية تحقق أنه ذو مسؤولية روحية أمام حاكمٍ روحي عظيم، ينبغي أن يقدّم له الإكرام والطاعة والخدمة اللائقة. وعلى هذا يكون الله الخالق حاكمًا أخلاقيًّا له حق التسلط على الإنسان. فإذا أشهد الإنسان ضميره وعقله، وأصغى إليهما بإخلاص نال منهما أوضح شهادة. وإذا أضفنا لشهادة الطبيعة شهادة الوحي وتعاليم المسيح وأعماله وفاعلية الديانة المسيحية في العالم اتَّضحت لنا عظمة مسؤولية الإنسان أمام الله.
لقد اهتمت الديانات السماوية ببعدي الإنسان المادي والمعنوي، وربطت بين هذين البعدين عن طريق الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات، وذلك لتحرير الروح التي في عالم المعنى من التعلق بعالم المادة، لتتناول من عالم العلم والعقل، وللتحضير إلى يوم النشأة الأخرى، وإلا فستبقى في عالم الجهل والخيال والزيف والتزيين.
وضرب الله تعالى لنا مثلًا من شقين، فقال عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾[25][25]، أخبر الله تعالى عن هذه الشجرة بأن أصلها ثابت، وأما أغصانها ففي السماء، فإذا أردت أن تذهب إلى الأصل فما عليك إلا أن تتعلق بأغصانها فتسير في عروقها فتذهب إلى المقام الطيب. وأما الأخرى فقال فيها عز من قائل: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾[26][26]، فمن تعلق بأغصانها فسوف يبقى معلقًا ليس له من قرار فلا يحصل على الدنيا التي أرادها ولا على الآخرة التي عزف عنها، لأنه بعد أن ذهب إلى الأغصان سوف يذهب إلى الجذور فلا ينال منها إلا السفل[27][27].
إن حالة الاطمئنان التي عبّر عنها القرآن الكريم بقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً﴾[28][28]، إذن فالحالة التي يريد الله تعالى إخراجنا منها هي حالة الاطمئنان والركون إلى عالم المادة، لغرض الارتقاء إلى عالم الروح والمعنى لمحدودية الأول نسبة إلى الثاني، قال الله الجليل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾[29][29].
والذي ينقلنا من هذه الحال هو الحذر، قال الجليل: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[30][30]، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾[31][31]، قال في الصحاح في اللغة[32][32]: الحَذَرُ والحِذْرُ: التَحَرُّزُ. وقد حَذَرْتُ الشيءَ أَحْذُرُهُ حَذَرًا. ورجل حَذِرٌ وحَذُرٌ، متيَقِّظٌ مُتَحَرِّزٌ.. وقال في لسان العرب[33][33]: (طمن) طَأْمَنَ الشيءَ سَكَّنه والطُّمَأْنِينَةُ السُّكونُ، واطْمَأَنَّ الرجل اطْمِئنانًا وطُمَأْنينة أَي سَكَن.
بنظرة متفحصة في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾[34][34]، نرى أن الحياة المعنوية تنقسم إلى قسمين: هما حياتا السعادة والشقاوة، وهما على طرفين: أحدهما الدرجات: ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾[35][35]، وأهل الدرجات في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[36][36]. والطرف الآخر طرف الدركات وكمثال عليه: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا﴾[37][37]، فأهل الدركات في قول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾[38][38].. وعلى ذلك فالقسمان هما:
القسم الأول: السعادة.
القسم الثاني: الشقاء أو الشقاوة.
وبحسب المرور في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة، والتزود منهما ينقسمان إلى قسمين:
القسم الأول: الزائل.
القسم الثاني: الدائم.
ونستخلص القسمين من الآيات الكريمة على حد سواء، قال جل جلاله في كتابه العزيز: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾[39][39]، ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[40][40]، ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾[41][41]، ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾[42][42]، وهكذا في آيات مباركات أخر.
وينقسم ما يكسبه كل منهما بحسب الحقيقة والبطلان إلى قسمين:
القسم الأول: حقيقي.
القسم الثاني: باطل ومزيف.
ونستخلص القسمين من قول الله العزيز العليم الحكيم: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾[43][43]، ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾[44][44]، ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾[45][45]، ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾[46][46]، ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾[47][47]، وقال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾[48][48]، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[49][49].
إن لعالم المعنى مراحل متعددة بتعدد المراحل التي يمر بها الإنسان ببعده المادي[50][50]، ولكل مرحلة ما يناسبها من خصائص، وكذلك تختلف باختلاف مراتب العلم والعمل، أما المراحل فتندرج تحت ما يلي:
وهي تختص بالبعد الروحي للإنسان، الذي يكون محكومًا في الجملة بخصائص عالم المادة.
وهذه المرحلة يمكن تقسيمها إلى ما يلي:
أ. فترة ما بعد ولوج الروح إلى حين مغادرتها الجسد.
وهذه فترة يتم فيها التحضير لبنية الجسد ليوم القيامة وما بعده، وذلك عن طريق مجموع ما يحصل عليه الإنسان من علوم ومعارف وما يقوم به من أعمال.
ب. فترة البرزخ.
هذه الفترة يتغلب فيها البعد الروحي على المادي: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[51][51]، ولكن يبقى للجسد نوع وجود واحترام خاص كما هو حال الشهداء، قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾[52][52]، ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[53][53]، فنحن نعلم أنهم أحياء بموجب إخبار الله تعالى، ولكن يبقى قسم منا غير شاعر بهم وبحياة أجسادهم، وهذا ما جسدته الآية الكريمة الأولى، وأما الثانية فبينت كيفية رزقهم، فبينت لنا أن رزقهم عند الله تعالى أي يرزقون عند ربهم. وأما الكفار فقد جاءنا القرآن الكريم منهم بمثال: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾[54][54].
ج. فترة الرجعة.
وهذه شبيهة إلى حد ما بفترة ما قبل الموت، إلا أنه يختلف عنه بالمشاهدة التي حصلت عند الاحتضار وفي البرزخ، ومن ثم يعودون للبرزخ إلى يوم القيامة.
ومهما تصل إليه الحياة المعنوية في عالم ما قبل يوم الحساب تبقى مقيدة بأحكام عالم المادة لما يختص به هذا العالم من تزاحم الأضداد.
وهي مرحلة عالم يوم الحساب، وهو عالم النشور والنشأة الآخرة، قال تعالى: ﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[55][55]، والذي يتحكم ببنية الجسد هنا ما جاء به الإنسان من السعي في مجالي العلم والعمل قبل يوم القيامة.
وهي مرحلة الحياة الخالدة قال عز وجل: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾[56][56].
لما كانت الدار الدنيا دار امتحان فمهما كانت فيها من الملذات فهي بالقياس إلى دار القرار لا تكاد تذكر، قال الله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾[80][80].
وأما نشأتها فغير نشأة الحياة الدنيا، ونستشف ذلك من خلال أوصاف أصناف الناس، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[81][81]، ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾[82][82]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً﴾[83][83]. وكذلك نستشف ذلك من قوله عز وجل: ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[84][84]، فيجتمع العمى مع البصر، والبصر مع العمى، والبياض والسواد، والسواد والبياض، كل بحسب العلم والعمل.
إن من أهم سمات وجود هذا العالم[89][89]، أنه لا بدّ من وجود نظام يسير وفقه، وإلا فإنه محكوم بالعبثية، ثم الفشل والدمار، ولولا هذه السمة لما تحرك حتى من أنكر الخالق لوضع الدساتير التي يتم بها إدارة الأعمال التي يتولونها.
هنا سنبحث في مسألة مهمة وهي توضيح صورتي المسلكين الإلهي والوضعي، لغرض التمييز بينهما، وذلك لتحديد منهجيتهما، ومدى واقعيتهما وصلاحهما.
لتحديد نقطة الانطلاق الصحيحة في هذا البحث، أبدأ بمفاتيح الدخول فيه عن طريق بيان مدرستين أساسيتين قد ظهرتا بين المسلمين وكل منهما له خصائصه.
اعتقد هؤلاء بوجود امتداد للرسول (ص) وهم أهل بيته، وذلك بحسب وصيته التي بينت ذلك. وقد أسس أئمتهم الأصول والقواعد التي من خلالها يصلون إلى حكم أي حادثة. والسائرون على هذا النهج هم أهل التشيع. من تأريخ هذا الخط:
وهذه مدرسة قائمة أيضًا، قد اعتقد السائرون عليها بفتح دائرة التشريع إلى أصحاب النبي (ص) ومن جاء من بعدهم[90][90]. ومن تاريخ هذا الخط:
ما الفائدة من بعث رسول خاص يتوسط بين عالمينا المعنوي والمادي إذا تساوى أصحابه به من حيث التشريع، فمن البداية يكون كل منهم رسول نفسه وينتهي الأمر؟
أما هذا التصنيف فلا يمكن ترشيحه على نفس الدين، لأن الدين واحد، ليس لنا خيار فيه، وعلى ما تقدم فإن الحكم بصحة أحد المسارين يحدد بما يصل إليه الجدل القائم بين الخطين.
وأما صحة ما جاء من نقاط في هذا التصنيف فالبحث التحقيقي كفيل ببيان ذلك.
نشأت تيارات سياسية واقتصادية واجتماعية لا دينية[91][91]، تسير هذه التيارات وفق ما يسنه واضعها ولما يراه مناسبًا، ولكن يبقى اتجاهها مبرمج متحد الهدف بإطار واحد وهو العلمانية، وكما أشرت.
وكانت القوة العسكرية مرافقة للأولى ـ أي السياسية ـ سواء أكانت مجتمعة مع الاقتصادية والاجتماعية أو مع واحدة منهما أم لم تجتمع.
وارتكبت المجازر الوحشية والمروعة مع كل ما هو على وجه الأرض، بل وانتقل التعذيب وإجراء التجارب الكيمياوية وغيرها من الأسلحة الفتاكة على سجناء الفكرة.
نأخذ طرفًا من أنظمة الحكم والفلسفات الحاكمة لما يهم محل البحث، وإلا فهناك غير ما سيمر عليك مما تقدم.
هي نظام حكومي تعود فيه السلطة وممارستها للأمة ممثلة فيمن تختاره بمحض إرادتها وملء حريتها. أو ما يعرف بـ[حكم الشعب القائم على رغبة الأكثرية][92][92].
ليس هناك تعريف محدّد متفق عليه لها[93][93]، إلّا أنها مشتقة من لفظ (Liberalism) وتعني الشخص الكريم، النبيل، الحر، ولعل الأخير هو الذي ارتكزت عليه دلالة اللفظ.
وحتى القرن الثامن عشر الميلادي لم يكن مصطلح ومعنى وفكر الليبرالية شائعًا، وإنما كان مصطلح ـ ليبرال ـ هو الشائع ويقصد به الشخص المتحرر فكريًّا، وفي القرن التاسع عشر ظهرت الليبرالية كمذهب فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي في أوروبا.
إن هذا المصطلح الغربي من أشد المصطلحات غموضًا، لما قد اختلف معرفوه فيه اختلافًا كبيرًا، إلا أنها ترجع في النهاية إلى أحد أركان الديمقراطية الغربية، وهي الحرية بالمفهوم الغربي فقط، فتقود في النهاية إلى العبودية للغرب.
هناك ديمقراطيتان:
الديمقراطية الأولى: العالمية، وكانت تنقسم إلى قسمين تبعًا للقوتين وإن كانتا متفقتين من حيث مجابهة الدين وخاصة الإسلامي باستلام دفة الحكم. وانفردت الآن بعد سقوط إحداهما وفشل أطروحتها وبقاء آثارها الفيتوية فقط على مستوى مجلس الأمن الدولي، بل ويطالب أتباع الباقية رفع الحصانة الفيتوية عن مقابلتها، وهاتان الديمقراطيتان هما الحاكمتان قبلًا والأخيرة الآن وهي التي تستبد بالأمر.
والديمقراطية الثانية: وهي التي على مستوى دول العالم، وقد علمت من أن هذه الديمقراطيات وإن كانت حاكمة ولكن على مستوى دولها فقط، ولكنها مع ذلك محكومة من قبل الديمقراطية العالمية قبل سقوط أحد المعسكرين وبعده سواء أ كانت هذه الدول رافضة لها بحكم التقسيم الجغرافي على الأقل، أم راضية بها، ولكنها إن رضيت فذلك من دواعي الاستقرار الظاهري مقابل أن تكون سوقًا للسينوتورات فقط، وإياها أن تحلم بالإنتاج، ويبقى الرئيس والحكومة ومن معهم يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، ولا يفكرون بمستقبل أبناء وطنهم، أما أبناءهم فهم على سيرة السيد الرئيس أو جلالة الملك أو معالي حضرة صاحب السمو الوالد، وإلا فهي تعاني مما عانت من اختيارها.
وأقصد بالمحكومة؛ أي التي تعم التحكم المباشر وغيره، فقد يكون الحكم عن طريق الضغوط العدائية التي تمارس ضدها، وقد تكون الحكومة برأسها كحضرة المحافظ في الدولة المتحكم بها.
وأما محكومية الديمقراطيات فعن طريق الضغوط التي تمارس على كافة المستويات والأصعدة، وأنت خبير بذلك فلا تحتاج إلى مزيد تفسير.
وكذلك عن طريق سوق القوتين سابقًا، أو دولة اللصوص الآن الناس البعيدين عن الدين والذين يشكلون الغالبية أمام المتدينين على مستوى العالم، وهم اليوم يطرحون أنفسهم وفكرهم على هذا الأساس، بل ويسلكون طريق التعجرف لا التمدن في طرح أنفسهم على الساحة، ولا يسمحون لأحد أن يختار ما يريد، فإن حصلت مقاومة قالوا: إرهاب وطالبوا بعقلنة الدين. وكمثال بسيط ما يحصل الآن في بعض الدول التي اختارت لنفسها بغض النظر عن إرادة الإرادة الأمريكية، ترى نظامها محارب لا يتمكن من العمل كما يخطط بسبب تخريب المخرب الأمريكي، والمخرب الأمريكي يطلق عليه النظام، والنظام في تلك الدولة يسمى مخراب، هذا كله بغض النظر عن كون النظام إسلاميًّا أم ليس كذلك.
وتبقى جميع الديمقراطيات مرصودة من قبل الديمقراطية العالمية الحاكمة، فتمارس ضد الدولية ومعها أبشع أنواع أخوات الديمقراطية.
وبكلمة واضحة إن كان الليبراليون يشكلون الغالبية، نادوا بالديمقراطية، وإلا فانتظروا منهم ما تخشون، لأنهم حينئذ يتصرفون وفق حرياتهم التي تطال كل حرمة.
ثمة دول قائمة على الاستبداد العلني والمكشوف وهي دول الانقلابات العسكرية، وهذه الدول تحكمها وتتحكم بها الديمقراطية العالمية أيضًا، فهي المحرك المخفي للقلق الدولي، والانقلابات، بل وقد تلاحظ الانقلاب مألوفًا حتى في الدول الخاضعة للانتخابات الدستورية، ولكن إذا فازت شريحة غير مرغوب فيها عند الديمقراطية العالمية.
يتضح أن نظام الديمقراطية الحاكم الآن هو العالمي، ولكن مع رفع القيد الموضوع على الغالبية ـ كما في العراق ـ أو من يقف ضد أمريكا، والقيد هو: (حكم ديمقراطي للأغلبية مع عدم استئثار هذه الأغلبية بالحكم)، أما في أمريكا فإذا كانت النسبة 51% فهذا فوز وهذه غالبية، ويتم تشكيل حكومة تامة ـ وليست حكومة وحدة وطنية ـ مباشرة لئلا تتعطل الدولة عن الرقي، فإذا طالبت أقلية بهذا القيد ـ كما في لبنان ـ تنقلب الدنيا لأن هذا التفاف على الديمقراطية، وهو ممنوع.
قالوا في العلمانية إنها النسبة إلى العالم[94][94]، ولكن الظاهر أن هذا المعنى ومن ثم هذه النسبة من باب ما تؤول إليه في النتيجة، وإلا فإن معنى (Secularism) بالإنجليزية هو الدنيوية أو عدم المبالاة بالدين، وفي النتيجة أن الحياة معناها أن تتعايش مع الواقع المفروض ثم ينتهي إلى أن يكون هذا الواقع عالميًّا. نعم قد يقال: إن هذا المعنى ـ أي النسبة إلى العالم ـ صحيحًا وفقًا لما ستراه من أصل اشتقاق هذه الكلمة فتابع أدناه.
إن أصل هذه الكلمة (Secular)، والتي تعني [دنيوي، غير منتسب إلى رهبانية ـ وفي الإسلام غير منتسب إلى رجال الدين ـ، يحدث كل قرن، منتقل من جيل إلى آخر، كاهن عالمي، أحد العامة]، فإن كانت هذه الكلمة مرادفة لـ(Irreligious)؛ أي الملحد، فليس لنا أن نتبنى معناها على أنه الكاهن العالمي إلا بحذف الكاهن لأنه مختص بالدين فتصح النسبة إلى العالم، نعم إذا عمت كلمة (الكاهن) كل من دان بأمر عندئذ يناسب ذلك معنيين لهذا الكلمة: (يحدث كل قرن، منتقل من جيل إلى آخر)، فيصح المعنى وتصح النسبة. وعلى كل حال فإن النتيجة واحدة بحسب ما يؤول إليه فكر هذه النزعة.
ذلك لأن العلمانية بحسب النشأة هي نزعة أيديولوجية فلسفية فكرية سياسية اجتماعية ترى الاكتفاء الذاتي للعالم، فالتدبير فيه يعود إلى الأسباب الذاتية المودعة فيه.
إن مرجعية تدبير المجتمع الإنساني والدولة والحياة ـ بحسب هذا الفكر ـ هو العالم والواقع والدنيا، ومن ثم فإن الحاجة إلى مدبر من خارج هذا العالم ومن وراء هذه الطبيعة منتفية، والإنسان مكتف بذاته، يدبر شؤونه ويبدع قيمه ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس في حاجة إلى شريعة سماوية تحكم هذا التدبير. والعصر ـ أي الظرف ـ إذن هو الذي يخلق الدستور الذي يخطه المنظرون وفق ما يرونه هم، وهذا الكون بما فيه يكون حقل تجارب هؤلاء.
ونصل إلى نتيجة ما يريد هؤلاء وهي أننا علينا أن ننسى عالم المعنى بالمرة، ونبقى نعيش هذا الواقع المادي.
ولكن قد يقال: إن بعض من تبنى هذا الفكر هم من المتدينين، فكيف تحكمون على هؤلاء بما مر ذكره؟
قلنا: أولًا الحكم بالتدين أو عدمه على شخص هذا كله بحسب الظاهر، وثانيًا قد يكون مثل هؤلاء قد بهرتهم حياة الغرب، أو قد اختلفوا مع غيرهم فيكون تبنيهم للعلمانية كردة فعل، ثم إن النتيجة واحدة، لأننا سوف نصل إلى هذه الحالة العامة أخيرًا سواء أشئنا أم أبينا.
لقد نشأت العلمانية في أوروبا في سياق عصر النهضة بحسب ما يرون، وكانت من أبرز معالم فلسفة التنوير الوضعي الغربي، التي جابه بها فلاسفة عصر الثورة ـ في القرنين السابع عشر والثامن عشرـ سلطة الكنيسة بعد أن مارست شتى أنواع الظلم، وبعد أن تجاوزت حدودها في العناية بجانب خلاص الروح، وعالم السماء، وترك ما لقيصر له.
لقد سادت في أوروبا نظرية (Theory Of The Two Swords)؛ أي نظرية السلطتين، وهما السلطة الدينية (Religious authority)، والسلطة المدنية (Secular authority)، فالأولى كانت للكنيسة، والثانية لإدارة شؤون الدولة.
ثم جمعت الكنيسة السلطتين معًا تحت قبضتها، تحت حكم البابا في ظل نظرية السلطة الواحدة (Theory of one Sword)[95][95].
أضفت الكنيسة قداسة الدين وثباته على المتغيرات الدنيوية والاجتماعية، وتبنت أفكارًا وعلومًا ونظمًا معينة، من خلالها رفضت وحرمت وجرمت كما تشاء، وبذلك دخلت أوروبا عصورها المظلمة، الأمر الذي استفز الأتباع، فنشأت منه ردة فعلهم الذي كان من نتائجه التحرر من كل ما له علاقة بالدين. وقد نشأ في هذه الظروف تياران في إطار فلسفي للعلمانية الأوروبية:
ويقف هذا التيار بنطاق عمل هذا الخالق عند مجرد الخلق فيحرر الدولة والسياسة والاجتماع من سلطان الدين، مع بقاء الإيمان الديني علاقة خاصة وفردية بين الإنسان وبين الله. ومن فلاسفة هذا التيار هوبر (1588/1679م)، ولوك (1632/1716م)، وليبيز (1646/1716م)، وليسينج (1729/1871م)، وروسو (1712/1778م).
وبقيت للعلمانية صبغة غربية حتى القرن التاسع عشر، ثم جاءت إلى بلادنا الإسلامية من خلال النفوذ الأجنبي والاستعمار الغربي آنذاك.
بسرعة خاطفة أشير إلى طريقة دخول هذه المفاهيم إلى العالم العربي ـ كمثال من الواقع كنا قد عايشناه ـ، ثم بتبع ذلك عالم التطبيق.
لو راجعت أعلام الزركلي لوجدت الطريقة التي دخل فيها هذا الفكر المنظم والمدعوم، وذلك بإنشاء المؤسسات الثقافية التي ارتدت هذا الثوب وكانت تكن في طياتها السم الزعاف.
ومن أمثلة ذلك الصحف والمجلات والجمعيات والأحزاب القومية التي أسست من قبل الذكور والإناث، في العراق ومصر والشام. أما في العراق فلم تنجح كثيرًا تلك الجمعيات، لكون الغالبية من مكوناته من الشيعة[96][96]، ولكنه مع ذلك كانت هناك حركة ملحوظة للشيوعيين، فتصدى لها المتدينون ورجال الدين، وانتهت إلى الفشل، وتحقق النجاح بشكل مفرط في مناطق السنة وخاصة الدعوة إلى القومية وعند الأكراد كذلك، ولكن كردة فعل على موقف العرب السنة إضافة إلى الدعم الغربي لهذه الحركة لتشتيت أمر المسلمين.
وأما دول المغرب العربي فقد نالت ما نالت من هجمة ثقافية متوحشة من قبل فرنسا وإيطاليا خاصة، فلا حاجة لتأسيس جمعيات وطبع صحف ومجلات تنقل المجتمع إلى ما كان يريد هؤلاء.
إن تعاقب الحكم الذي لم يستمد من سيرة المعصومين على الدول العربية الذي حوّل النظام إلى نظام ظالم بغيض، مضافًا إلى ذلك وهو الأدهى والأمر، أن هذا الحاكم كان يستمد سلطته الروحية من علماء الدين الذين عينهم البلاط.
إذن حكم غير مستند إلى دليل شرعي قد أضفيت عليه الصفة الشرعية، أتحدى أي إنسان لا ينقلب على مثل هذا الدين ـ و(هذا) قيد مهم ـ، والنتيجة ما نراه اليوم.
في مصر ـ إبان فترة الاحتلال البريطاني ـ أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتابًا عنوانه (الإسلام وأصول الحكم)، قدّم عن طريقه صياغة لأفكار الليبرالية العلمانية بلغة أزهرية، وكان قد تلقى قسطًا من تعليمه في جامعة أكسفورد، وأسبغ عليه منصبه في القضاء وزنًا أدبيًّا افتتن به من افتتن. وكان قد زعم فيه أن الإسلام دين وعبادة فقط، ولا دخل له بالحكم ولا السياسة، وبناء عليه فلا أساس لمشروعية منصب الخلافة، ولا صحة لوجود شيء اسمه الحكم الإسلامي حتى في عهد الرسالة، حيث كان الرسول (ص) مجرد مبلِّغ للدين والرسالة، ومما زاد في افتتان الناس فيه، ما أضافه (طه حسين) الذي كان من دعاة التغريب، وفي ذلك الحين، نشأ اختلاف حاد اتجاه ما أحدثه أتاتورك، بلغت حدته أن عدّه بعضهم مرتدًّا، واعتبره آخرون مجدّدًا[97][97].
نعم تصدى الشيخ مصطفى صبري (1869-1954م) آخر شيوخ الإسلام المفتين في الدولة العثمانية لذلك وأصدر كتابًا بعنوان: (الرد على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة)، ولكنه لم يوقف توغل الفكر العلماني في هذه الدول.
من خلال تصفح وجوه العلمانيين واستقراء أفكارهم تجد فيهم ما يلي:
فهي إذن دعوة مبطنة لعزل الدين والمتدينين، عن الساحة ليس غير.
سؤال: لماذا؟
الجواب: لأنهم جعلوا حكم الدين الإسلامي كحكم الكنيسة.
لكي نناقش النقاط الثلاث المتقدمة علينا أن نحدد مصاديق الفكر العلماني، ثم بعدها نقع على الحقيقة.
فلو رجعنا إلى تعريف العلمانية أو الفكر العلماني لوجدنا أنه يعني مرجعية التدبير للمجتمع الإنساني والدولة والحياة، إلى الإنسان الذي يدبر شؤونه ويبدع قيمه ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس هناك أي حاجة إلى شريعة سماوية، والعصر هو الذي يخلق الدستور. وهذا يعني أن كل من يضع تشريعًا من عنده من دون أن يرجع إلى دليل جاءه من المشرع المعصوم[98][98]، فهذا التشريع يكون علمانيًّا، وإن كان بندًا واحدًا، فيحكم على دستوره بالعلماني، أما ما رآه هو فمعلوم، وأما ما كان من الله تعالى، فلقد استحسنه هو وإلا لكان قد جعل ما من الله تحت طائلة التغيير.
وخير دليل على انطباق ضوابط الفكر العلماني على كل حكم لم يصدر من الله تعالى، أو ممن حمله أمر تبليغها قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ* وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[99][99]. ولا دليل على حجية مدارس القياس والرأي والاستحسان والمصالح المرسلة. وهذا سيتضح أكثر في القسم الرابع فتابع.
وبعد ما تقدم يتضح أن الثورة الأوروبية التي قامت ليست ضد الدين المسيحي ومتدينيه، بل ضد من جاء بتشريعات من عنده نسبها إلى الدين بعدما أضفى على نفسه قدسية معينة وهالة مبهرة يخوف بها من يريد أن يتخطاها.
والآن نأتي إلى النقطة الأولى: نتفق مع العلمانيين فيها ولكن ليس مطلقًا، وذلك لأن الدين إن كان قديمًا والتشريعات التي فيه تعرضت لأيادي غير المعصومين، فهذا ليس بدين الله، مهما كان المنتسب والمنتسب إليه، أي مسيحيًّا كان أم مسلمًا أم غيرهما، وإن كان هذا الدين قد نسخ، فنحتاج إلى إثبات الناسخ والمنسوخ، عندها يسهل الخطب، فينتهي عذر القدمية.
وأما النقطة الثانية: والتي تحدثت عن تحديد الدين لحرية المعتقد والتطرف الفكري، فإن العلمانية عندما تدعو إلى نفسها تكون متطرفة كذلك، فلماذا يصح تطرفها الفكري ولا يصح من غيرها؟
وأما النقطة الثالثة: أي فيما يخص الدين والسياسة، فعلينا أن نحدد مفهوم السياسة ونتفق عليه، ثم بعد ذلك نتفق على تباين الطريقين أو توافقهما. فإذا كانت السياسة هي الكذب والخداع والتنصل من المواثيق والعهود واللياقة والأخلاق والقيم، ومصافحة النساء، وشرب الخمور في المؤتمرات، فنعم. ولكن هنيئًا للعلمانيين على هذه الصفات. وإن لم تكن كذلك فإن الدين هو السياسة. فليس للعلمانيين أي وجود هنا.
تبين مما تقدم أن تأريخ العلمانية وإن كان ليس بأقدم من حكم الله عز وجل إلا أن جذوره ما أخبرنا به الله عز وجل في قوله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[100][100]، ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾[101][101]، ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى﴾[102][102]. نعم لم تكن في تلك المرحلة قد عرفت بهذا المصطلح، إلا أنها من حيث المضمون واحد، وهذا كاف في مقام الحكم بوحدة التوجه دون التسمية أو الاصطلاح.
تطرقنا في بحث خصائص الحياة المعنوية إلى مثال الشجرتين، وكذلك تطرقنا إلى حالة الاطمئنان.
إن الله تعالى لا يريد منا أن نكون خائفين مطلقًا، بل من مخالفته، ومخالفته لا تعني إلا الباطل، فهل يرضى أحدنا أن يسير بشيء صنعناه إلى الخراب؟ ولا يريد أن نكون حذرين مطلقًا، بل من الركون إلى هذا العالم، لأن هذا يعني الغفلة عن العالم الآتي، وهذا أيضًا يؤدي إلى الخراب، فيأتي نفس السؤال السابق.
الفراهيدي في كتاب العين تحت مادة [رقب] قال: رَقَبْتُ الشيء أَرْقُبُهُ ورِقبانًا أي انتظرت.. والتَرَقُّبُ: تنظر الشيء وتوقعه. والرَّقيبُ: الحارس يشرف على رِقْبةٍ، يحرس القوم. والرَقيبُ: الحافظ. وفي الصحاح في اللغة تحت المادة نفسها: الرقيبُ: الحافظُ. والرقيبُ: المُنْتَظِرُ. تقول: رَقَبْتُ الشيءَ أَرْقُبُهُ رُقوبًا، ورِقْبَةً ورِقْبانًا بالكسر فيهما، إذا رَصَدْتَهُ. والمَرْقَبُ والمَرْقَبَةُ: الموضعُ المُشْرِفُ يرتفع عليه الرقيبُ. وراقَبَ اللهَ في أمره، أي خافه. والترَقُّبُ: الانتظار، وكذلك الارتقاب..أ.هـ. فالرقابة إذن حراسة وانتظار.
ومنه يتبين أن هناك فرق كبير وبون شاسع بين الرقابتين المعنوية والمادية؛ فالأولى تغني عن تعيين رقباء على الأفراد لأن الرئيس إن جعل الرقابة مادية، فسيحتاج إلى رقيب لكل فرد فرد، وسيحتاج إلى تعيين رقيب على الرقيب لا إلى نهاية لأنه لا يجد معصومًا في النهاية. ولو انتهى الأمر إلى هذا الحد لقبلنا، ولكن من الذي سيراقب الرئيس؟ ومع كل هذا هل سيستطيع الرئيس أن يفرض رقابة على الأفراد في جميع الأزمنة والأمكنة؟ هذا لا يكون بل أشبه بالمحال.
إن الدين هو المتكفل ببناء الرقابة المعنوية عند الفرد على نفسه، ثم صعودًا إلى المجتمع. عندها يحصل الانتقال إلى حالة السلام في الدنيا والسعادة في الآخرة.
ولكننا نبقى مع ذلك بحاجة إلى الرقابة فنحن لا نعيش في المدينة الفاضلة ـ كما يقولون ـ ولكنه مع ذلك تبقى هذه الحاجة أقل بكثير من الركون إلى الرقابة المادية.
فمن يتكفل لنا بصنع ما يصنعه الدين؟
سنتطرق هنا إلى بحث مقارن بين المسلكين، ولذلك سنحدد إطاريهما، لغرض الوصول إلى النتيجة المبتغاة في مسألة الدعوة إلى المعنوية والتجديد والعقلنة.
هنا نقوم ببيان معالم للمسلكين من خلالها يتم تحديد متعلق التجديد والعقلنة، ومن خلال ذلك يتم قبول التعامل مع هذه الدعوة والانتقال إلى مستوى التنفيذ. وذلك كما يلي:
أ. الناحية النظرية، أي في أصل التشريع، ثم تتبعها الناحية العملية.
فنقول: هل يجب النظر في أصل التشريع لغرض الوصول إلى منظومة حديثة تضمن لنا هذا المبدأ؟
ب. ناحية فهم النص، وهنا يفترض أصلًا سلامة الأدلة أي النصوص، ولكن فهمها يحتاج إلى سعة في الصدر.
فهل نحتاج إلى إعادة النظر في فهم النصوص الواردة في التشريع؟
ج. الناحية العملية، وهي كيفية الأداء ـ أي سلامة الناحية النظرية، وسلامة الفهم ـ.
فهل نحتاج إلى حركة تربوية تفقه المنفذين أخلاقيًّا؟
د. الشعائر المستحدثة.
وهنا يفترض سلامة ما تقدم إلا في حال الشعائر المستحدثة.
فهل نحن بحاجة إلى توجيه الشعائر التي استحدثها الأتباع؟
أ. طريقة قراءة الفكر والفكر المقابل.
ب. طريقة التعايش.
مما تقدم من هذه المحطة يجب أن نعلم أن العقيدة غير التجربة بالمرة. ذلك لأن اعتناق العقيدة مبني على مبدأ عدم صحة المقابل ثم الانتماء، وإلا فإن الحكم بصحة أو بطلان مسار لا يمكن النطق به ما لم يصل إلى نتيجة ترفض عقيدة الطرف المقابل والرأي الآخر ولكن على مستوى الاعتناق. فالعقيدة إذن أمر لازمه التطرف، ومع عدمه يبقى الإنسان متذبذبًا ليس له قرار. إذن تقرر أن العقيدة تلازم التطرف، إلا أن هذا في الاعتناق، وعندئذ لا يتسبب هذا في أي مشكلة.
إن الخطورة تكمن في الوصول إلى مرحلة التطرف في طريق إيصال العقيدة، ثم يصل الأمر إلى جواز ارتكاب قتل المخالف، واستحلال حرمه، وهذا ما يطلق عليه في الوقت الحاضر الحركات التكفيرية عند المتدينين، والإرهابية عند غيرهم.
ثم إن رفض وقبول الطرف الآخر يمكن أن نتصوره فيمن يبقى متمسكًا بعقيدته من دون أي تنازل ويرفض الآخرين إلى حد الإبادة، أو فيمن يرفض الآخرين ولكنه يقبل التعايش معهم ويحاول إلغاء بعض من تفاصيل عقيدته نزولًا عند رغباته، أو رغبات الطرف المقابل أو كليهما، أو يرفض الآخرين ولكنه يتعايش معهم فقط.
أ. قبل التشريع؛ أي مسلك الحسن والقبح العقلي.
ب. بعد التشريع؛ أي مسلك الحسن والقبح الشرعي.
هناك مسلكان في فهم القبح والحسن للأفعال، مسلك يقول: إن القبح والحسن عقليان، أي إن العقل يحكم بقبح القتل والكذب والسرقة، ومسلك يقول: القبيح ما قبحه الشرع والحسن ما حسنه الشرع، وكل طرح أدلته في معركة كلامية، نتج عنها ـ بحسب القراءة للأدلة ـ أن الكفة صاحبة الثقل لصالح العقل.
ولي هنا بيان أقول فيه: إن في رفع التكليف عن فاقد العقل والطفل، وفي رفع القلم عن النائم والناسي وفاقد الوعي، لهو خير دليل على المسلك العقلي في حسم هذا النزاع.
ولا يشكل بإيجاب الدية عند القتل خطأً، فهذا أمر ثان، فالقتل العمد فيه قصاص القتل في الجملة وبحسب تفصيل في محله.
قد تعهد دعاة العولمة[103][103] ومفكروها تبني إنتاج نظريات ومفاهيم يلفتون أنظار الآخرين إليها، لكي يميلوا بهم عن معتقداتهم أيًّا كانت.
وقد مر الحديث عن العلمانية ولادة ومنهجًا وتعاملًا، وأما هنا فنحن بصدد بيان مذهب يواكب الثورة الصناعية أو الثورة ضد الكنيسة التي حصلت من حيث الضخامة والزخم.
إن مصطلح (Modernism)، الذي فسر بالحداثة ـ وضعًا وكتعبير معاصر ـ، له معان عديدة، فمن هذه المعاني: العصرية، ومنها: النزعات العصرية، ومنها: النزعة اللاهوتية التحررية. وكيفما كان فإن العصرية ـ تقريبًا ـ هي القاسم المشترك بين ما تقدم من معانٍ، لأن التحرر المقصود هنا من القيود القديمة، ويمكننا التوصل إلى ذلك استقراءً عن طريق مجمل التصرفات التي تصدر من الحداثيين.
نعم هناك من نقل المصطلح إلى العربية بحسب ما يرى له من معنى فقال في الاشتقاق: جاء هذا المصطلح من لفظ (حدث)، والحق إنه وإن كان هذا اللفظ قريبًا من المعنى، إلا أنه لا يعطي نفس المضمون، خاصة إذا أخذ المصطلح الصبغة أو الاتجاه اللاهوتي، كما قد يكون.
ولا يمكننا أن نعطي معنى المعاصرة (modernity)، والتحديث (modernization) نفس معنى مصطلح (modernism)، لأن المعاصر والتحديث لا بد منهما وذلك للتجدد والتطور، الذي هو من الصفات الأساس لهذه الحياة، وأما مصطلح (modernism) فيختلف عنهما تمامًا؛ إذ إن الأخير إنما هو مذهب يتبنى التحديث والمعاصرة. ولكنه في الحقيقة انقلاب على كل ما أضفي عليه صبغة القديم والسلفية من قبل منظريه.
نرجع إلى نقطة الصفر وهي من خول لأحد الحكم على فكر غيره بالبطلان؟ وهل كان الذي قام بالتصنيف معصومًا؟ أم يبقى هو وغيره خاضعًا لإمكان الخطأ وإمكان الصواب؟
ولن نجانب الحقيقة إن قلنا نحن مع مصطلحي (modernity) و(modernization) الذي أسس لهما أهل البيت (ع)، وخذ مثالًا جاء في نهج البلاغة[105][105]: (لا تقسروا أولادكم على آدابكم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم).
فنحن ملزمون إذن وبموجب الأدلة بمعاصرة الأحداث ومتابعة التجديد والتغيير الاجتماعي والفكري، وما أحدثه اختلاف الزمن عبر الأجيال، ولكن يبقى ذلك وفق ما هو مرسوم ومحدد من قبل أهل بيت العصمة (ع)، حيث الضوابط والمعايير التي لا تتعارض مع الدستور الإلهي.
يمكننا أن نفرق بسهولة بين دستورين حاكمين، أحدهما ليس محكومًا إلا لله عز وجل: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾[106][106]. فلا فرق بين جميع الخلق إلا بدرجات تطبيق الدستور. والثاني محكومًا للواضع يغيره كيف يشاء ومتى يشاء وحيث يشاء.
ولو أمعنا النظر لوجدنا أن أفضل وأحلى سمة في الأول أنه منتسب إلى الله تعالى، فلا يمكن الطعن فيه. وأبرز سمة اتسم بها مقابله أنه انتسب إلى البشر دعاة التغيير والتطور، بل وهذا هو واقعهم وبشهادتهم[107][107].
ومما مر عليك بات واضحًا أيضًا أن أكبر عيوب القانون البشري أنه يفرض التغيير كقاعدة مؤسس لها، فيشمل بذلك حتى التغيير.
عندها سيأتي يوم يتغير فيه طلب التغيير إلى طلب الثابت، فإن الأتباع ـ على الأقل ـ سوف يصلون إلى حقيقة واحدة، وهي أن البشرية كانت حقل تجارب هؤلاء المنظرين، وسوف يتجهون إلى المعنوية وينبذون المادية.
ولكي نفهم البحث هنا جيدًا، علينا أن نتعرف على قاعدة الإلزام التي قد جاءت عبر رواية عبد الله بن جبلة عن غير واحد عن علي بن أبي حمزة سأل أبا الحسن (ع) عن المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال (ع): ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم.
وقد قلنا سابقًا: إن الديمقراطية (Democracy) هي النظام الحكومي الذي تعود فيه السلطة وممارستها للأمة ممثلة فيمن تختاره بمحض إرادتها وملء حريتها. أو ما يعرف بـ[حكم الشعب القائم على رغبة الأكثرية].
وقد مر سابقًا أن العلمنة قد وضعت لذلك حدودًا وذلك عن طريق الليبرالية. فإذا فازت الغالبية ورضيت العلمنة منها فبها، وإلا فتمارس الضغوط كل الضغوط من دون صبر أو هوادة ومن جميع النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنتيجة أن يدخل الإرهاب بشتى أنواعه إلى الدولة التي لا ترضى العلمنة عن ديمقراطيتها.
وأما عالم العلمنة بذاته فلا يصل إليه أحد ولا يمكن لأحد التلاعب فيه، لأنه بحسب الوضع والواضع أمر قد فرغ منه، فلا كلام في ثباته.
فلنأت إلى قاعدة الإلزام التي مر ذكرها قبل أسطر وهي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، ولنطبقها بالمنظور الإلهي.
أراد إبليس أن يتلاعب بعالم ما فوق الأرض، فمنعه الله عز وجل وقال له لا سبيل لك هنا، فاخرج واذهب إلى عالم المادة، ولكن اعلم أنك ومن سيتبعك تحت قيد المشيئة.
أنزل الإنسان إلى الأرض ومعه الدنيا وإبليس، وبعث الله تعالى الرسل والأنبياء، فمنذ آدم (ع)، وعلى مدى آلاف السنين، يأتي المندوب ويتحدث عن طريقة الحكم والإصلاح، فيقبله القليل ويرفضه الكثير. وبالرغم من كل التحذيرات من أن مصير كل وضعي غير إلهي يرتسم عليه الفشل والدمار، ولكنه لا ينفع ولم ينفع. فإليك مدرسة السماء في عدم بقاء الالتواء والباطل، وإليك مدرسة مع آدم، وإليك مدرسة الأرض مع نوح (ع)، وبينهما من حيث شدة التدمير وبقاء الأصلح كثير.
ماذا سيحصل؟ إن الغالبية ترفض حكم السماء وتسير في حكم إبليس: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾[108][108]، والغالبية تكره الناصح الأمين: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾[109][109].
الجواب: أعطى الله تعالى المجال تلو المجال، والفرصة تلو الفرصة، لأن الغالبية لا تريده ولا تريد حكمه، ولقاعدة: ﴿فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾[110][110]، ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[111][111]. ولكن سيأتي يوم توقف المشيئة الإلهية كل محاولات إبليس وجنوده، فستستنفذ فيه طاقاته جميعها في محاربة النظام الإلهي، فيتوجه نخبة إلى طلب الحل، وبغض النظر عن عدد المتوجهين، سيبعث الله تعالى من يدخل الرهبة والخوف في قلوب المجرمين فينتهي بذلك حكم العلمنة وأدواتها.
إذن، فالعقلنة كمبدأ ليس لأحد أن ينثر عليه الغبار ويرميه بالتهم ويقيم البراهين على فساده وانحرافه، كيف وهو مبدأ العقلنة! وبتبع ذلك تكون الدعوة إليه. ولكن تحديد متعلقها أمر يحتاج إلى النظر، ولا يكونن تابعًا للأهواء كالحكم بتهمة الإرهاب على كل من يرهب الإرهابيين.
هنا نبحث وبشكل جدي ما يحتاج إلى العقلنة فعلًا لكي نكون وسطًا، غير متزمتين وخير الأمور أوساطها، فإن كان هناك تصرف ما قد انحرف عن الدين تخلّفًا أو حداثة فها هو صوتنا ونطالب مع المطالبين بتهذيبه وعقلنته.
ما الأمر الذي يجب النظر فيه واقعًا لتوجيهه وتهذيبه؟
الجواب: إن كان على ما نقول من أن الدين هو الدستور الإلهي فـ(لا) تصح الدعوة. وإن كان على خلاف ذلك، كما لو تدخلت أصابع غير المعصوم في صياغته فهذا ليس بدين الله، فـ(نعم) غيروا ما شئتم فإنه علماني.
إن القراءة العقلانية للدين إن كانت تعني تغيير موضوع الأحكام الشرعية، أو كانت تقوم بالالتفاف لقراءة الموضوع متغيرًا فهذا يجرنا إلى العلمانية، عندها نحتاج إلى الرجوع إلى الدين. وإلا فإن الدين لم ولن يحارب العقل.
الجواب: [نعم] إذا كان تصرف هؤلاء ليس مطابقًا للحق، وكما رسمت لهم الشريعة. و[لا] إذا كان تصرفهم مطابقًا للحق، وكما رسمت لهم الشريعة.
الجواب: بالرغم من إضفاء صبغة الاحترام والتقدير للعالم عند مدرسة أهل البيت (ع)، ولكن هذا الأمر لم يترك هكذا من دون قيد. ويمكن أي شخص أن يقرأ عن شرائط التقليد، فستجد هناك بابًا خاصًّا لشرائط مراجع التقليد، وكيفية تصرف المكلف عند خروج الفقيه عن العدالة، إذن هناك احترام ولكنه مقيد.
فلسنا من دعاة إسقاط الإنسان والتشهير به، كما يحصل في حملات الدعاية للانتخابات الأمريكية ـ مثلًا ـ، وكذلك لسنا من المدافعين عن المنحرفين عن الصواب، بل نحن ممن يحترم الآخر إلى آخر لحظة يكون فيها محترمًا هو لنفسه.
الجواب: إن كانت تلك الشعائر التي انتهجها الناس متوافقة مع النص، فـ(لا) كلام فيها، وإن تحدث فيها غيرنا، قال العزيز العليم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[112][112]. وإن كانت ليست كذلك فهي لست من الدين في شيء فـ(نعم) لأنها أخيرًا ترجع إلى عقلنة ما ليس بشرعي، وهذا لا بأس فيه.
الجواب: نعم ولكن ليس كل ما يتصرف به فرد أو مجموعة من أتباع ديانة ما أو أهل عشيرة أو محلة، يترشح الحكم من خلاله على المنتسب إليه، فنرجع إلى أصل الدعوة فننظر فيها.
الجواب: [نعم]، إن لم تكن موجهة.
لنفهم أولًا ما تعنيه عبارة (ردة الفعل). فهناك قاعدة فيزيائية مفادها: (إن لكل فعل ردة فعل تساويه بالقوة وتعاكسه في الاتجاه).
هذه القاعدة إن كانت صحيحة 100% في علم الفيزياء، فإنها قد لا تنطبق في علوم أخرى إلا من جهة لكل فعل ردة فعل، وأما في حساب القوة والاتجاه فقد تختلف اختلافًا كبيرًا. وعلى كل حال أناقشها هنا بما يلي:
أولًا: على مستوى نفس التشريع
وهذا المستوى فيه جهتان:
جهة الإحسان
أما من جهة الله تعالى، فقوله عز وجل: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[113][113]، ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾[114][114].
جهة الإساءة
وأما من جهة الإساءة فقوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[115][115]، ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾[116][116].
والجزاء هنا يخضع إلى قوانين إلهية ليس محلها هنا.
ثانيًا: على مستوى المجتمع
إن هذا الجانب غير منضبط بقواعد معينة، إلا بحكم الأخلاق والتدين الصحيح، وإجمالًا بالظروف البيئية التي تحكم الفرد ومن ثم المجتمع. فقد يحسن إلى المحسن وقد يغدق عليه، وقد يساء إليه وقد ينكل به. وكذلك للمسيء قد يقابل بالمثل، أو قد يحسن إليه، أو قد يتغاضى عنه، أو قد ينكل به.
الجواب: نعم، ولكننا نرجع إلى وضع الضوابط وكذلك عن واضعها من يكون. فقد تكون ردة الفعل في محلها، كحالات الدفاع عن النفس أو الوطن.
هذه قصة قرآنية تبين لنا كيف يفرض الله تعالى مبدأ كون الحل الأمثل والمنقذ لا بدّ أن يكون عند المعصوم المغيب[117][117].
قال عز وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾[118][118].
وجاء عنهم صلوات الله تعالى عليهم: (إن في صاحب هذا الأمر سننًا من الأنبياء (ع)، سنة من موسى بن عمران، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم، فأما سنة من موسى بن عمران فخائف يترقب، وأما سنة من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما سنة من يوسف فالستر، يجعل الله بينه وبين الخلق حجابًا يرونه ولا يعرفونه، وأما سنة من محمد (ص) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته)[119][119].
نبي من أنبياء الله تعالى لم يتوسم فيه إخوته النبوة فحاولوا قتله إلا أن أحدهم قد أشفق عليه ـ بحسب الزعم ـ فقال: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾[120][120]، وأخيرًا ألقوه.
فجاءت سيارة ولم يتوسموا فيه النبوة، فلم يسألوا أنفسهم كيف سقط هذا الغلام في البئر ولم يمت؟ منذ متى كان هنا؟ ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾[121][121].
وقد بيع بثمن بخس: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾[122][122]، ماذا تتصور؟ كيف يفعل الله تعالى بمن عمي قلبه عن معرفة نبيه؟ كيف يرضى الله تعالى بهذا؟
ودخل بيت العزيز ولم يتوسم أهل هذا البيت النبوة فيه. ولما كبر عرضت زوجة العزيز نفسها عليه ولم تتوسم فيه الصلاح: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾[123][123].
فجذبته: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[124][124]، وفوق كل هذا كذبت عليه.
ولم يتوسموا فيه النبوة؛ إذ خلصه الله تعالى بشهادة عجيبة من طفل: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾[125][125].
ثم أودعوه السجن: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾[126][126].
عندها جاء التخطيط الإلهي: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[127][127].
ويدخل معه السجن اثنان، لا واحد ولا ثلاثة، ويحل لهما اللغز، ومع كل هذا لم يتوسموا فيه النبوة، نعم بدأ توسم الإحسان فيه: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾[128][128].
خرج الناجي ونسي الموقف: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾[129][129]. ولو أنه ذكر ذلك لما كان هناك فائدة من كل ما تقدم.
وحق لله تعالى أن يجد طريقة لإظهار الحقيقة، فيجب أن تضرب الأرض بقحط جزاء على ما اقترفته أيدي البعض: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾[130][130].
كيف؟ إن الرؤيا رآها الملك، ولو أن أحد العامة رآها لما كان هناك اهتمام بالأمر، ومع كل هذا قال: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾[131][131]. فعجز الجميع..
عندها يأتي الحكم: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ* قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾[132][132].
عندها خرج من السجن ومكنه الله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾[133][133].
أخيرًا اعترفتم بفضله وحاجتكم إليه؟
ولما ظهر الحق على هذا المستوى فليظهر مع إخوته كذلك: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[134][134].
أيها المؤمنون.. أيها الناس: إن الحل عند الغائب المعصوم، إن الله تعالى عندما ذكر لنا هذه القصة ليست للنزهة والمتعة وكما يقولون: ولد ضاع ووجده أبوه، إنما هي للعبر والدروس.
كل سوف يراه فيقول له أإنك لأنت الإمام المهدي؟ أإنك لأنت الحجة بن الحسن؟
لقد ضيع الناس أنبياءهم والطرق المؤدية بهم إلى الخير إلى أن وصل الحد إلى آخرهم محمد (ص)، ثم ضيع الناس آله (ع). فكان حقًّا على الله أن يجعلهم في تيه ويخفي وليه الرابع عشر…
إذا أعطيت ابنك مصروفه فضيعه مرة أو مرتين تحرمه من الثالثة.. ألا يساوي الأنبياء والأوصياء مصروف أبنائنا؟!!
طيب نظرك وقلبك بهذه المجموعة من الروايات:
(في القائم شبه من يوسف، قلت وما هو؟ قال: الحيرة والغيبة)[135][135].
(في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء، سنة من موسى في غيبته، وسنة من عيسى في خوفه ومراقبته اليهود وقولهم مات ولم يمت وقتل ولم يقتل، وسنة من يوسف في جماله وسخائه..)[136][136].
(وأما شبهه من يوسف فإن إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه..)[137][137].
(إن في القائم من آل محمد (ص)، شبهًا من خمسة من الرسل: يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم. فأما شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن. وأما شبهه من يوسف بن يعقوب عليهما السلام فالغيبة عن خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب (ع) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته..)[138][138].
(إن في صاحب هذا الأمر شبهًا من يوسف (ع)، قال: قلت له: كأنك تذكره حياته أو غيبته؟ قال فقال لي: وما ينكر من ذلك، هذه الأمة أشباه الخنازير إن إخوة يوسف (ع) كانوا أسباطًا أولاد الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتى قال: أنا يوسف وهذا أخي، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عز وجل بحجته في وقت من الأوقات كما يفعل بيوسف، إن يوسف (ع) كان إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يومًا، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك، لقد سار يعقوب (ع) وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يفعل الله عز وجل بحجته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك له كما أذن ليوسف، قالوا: أئنك لأنت يوسف. قال: أنا يوسف)[139][139].
(وفي القائم (ع) سنة من موسى بن عمران، وهو خفاء مولده وغيبته عن قومه، وفيه سنة من يوسف، قيل: كأنك تذكر خبره وغيبته. قال: وما ينكر هؤلاء أشباه الخنازير من ذلك. إن إخوته وهم أسباط لم يعرفوه حتى قال لهم: أنا يوسف، فما تنكرون أن يسير القائم في أسواقهم ويطأ بسطهم، وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرفهم نفسه)[140][140].
(إن في صاحب هذا الأمر سننًا من الأنبياء (ع) سنة من موسى بن عمران، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم، فأما سنة من موسى بن عمران فخائف يترقب، وأما سنة من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما سنة من يوسف فالستر، يجعل الله بينه وبين الخلق حجابًا يرونه ولا يعرفونه، وأما سنة من محمد (ص) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته)[141][141].
سيأتي اليوم الذي تطلب فيه نخبة من الخلق التوجه إلى الحق بعد انقطاع السبل، وذلك عندما لا يجدون من طريق العلمانية إلا المادة والضياع، وبالرغم من كل التنبيهات على هذا الأمر بدءًا بمدرسة السماء من قصة آدم (ع) إلى آخر يوم من حياة العلمانية.
عندها سيأتي الحل على يدي صاحبه عليه أفضل الصلاة والسلام، إذ لم ينجح تجديد وحداثة وعلمانية وديمقراطية وكل أفرغ ما عنده وما في جعبته، ويتحول من كان ينتظر التجديد الإلهي إلى ساعٍ فيه، وتذهب جهود الجاهلية إلى هباء.
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾[142][142].
*[143] نال هذا الكراس جائزة تقديرية في الدورة الحادية عشرة لمهرجان الشيخ الطوسي لسنة 1430 هجري قمري، 1387 هجري شمسي، 2009 ميلادي.
[1][144]. هذا البحث رجعنا فيه إلى المترجم ـ الوافي ـ وبعض القواميس الإلكترونية.
[2][145]. الاختلاف بين العقلي والعقلائي؛ أن الأول لا يختلف ولا يتخلف فهو على نحو اجتماع النقيضين محال، وأما الثاني فيختلف ويتخلف وغير منظور فيه مسألة اجتماع النقيضين محال.
[3][146]. راجع، لسان العرب، 13/220 بتصرف.
[4][147] الشهرستاني، الملل والنحل، الجزء 1، الصفحة 38.
[5][148]. تهذيب اللغة، 4/183ـ. جمهرة اللغة، 1/50. لسان العرب7/97.
[6][149]. المراد من التقرير ما يراه صاحب السنة ثم لا يعترض، وهو من أقر يقر.
[7][150]. الصحاح في اللغة، 1/484.
[8][151]. من مجموع الاطلاع على مقال في شبكة راصد الإخبارية لحسين محمد العلي في6/7/2007 عنوانه: المعنوية “الدين المعقلن”، تعليقًا على مقال نذير الماجد “الممارسة الدينية بين التجربة والتكليف”، استشهد بمقال لمصطفى مليكيان. ومن خلال الاطلاع إجمالًا على السايت http://manaviat.blogfa.com/[152]، وما كتبه حيدر حب الله وغيره حول العقلنة والمعنوية والحداثة، تم الخروج بهذا الموضوع.
راجع http://www.malekiyan.blogfa.com/post-64.aspx[153] وكذلك سايت جريدة المدى.
[9][154]. محمد جواد فاضل، الأدلة مأخوذة من كتاب المرأة بين الدستورين،.. مخطوط.
[10][155]. فلو أردت أن تعطي شخصًا هدية ـ مثلًا ـ فإما أن تكون مالكًا لها حقيقة ثم تمنحها، وإلا فلو اقترضت من غيرك كنت فاقدًا من رأس.
[11][156]. قال أمير المؤمنين (ع): “كل مسمى بالوحدة غيره قليل”، شرح النهج للشيخ محمد عبده، 1/112، خ65.
[12][157]. قيد العددية مهم فلا يصح القول بأن الواحد أول مطلقًا من دون قيد إلا على الأحد. وكذلك هناك فرق بين أول الأولين، وأول الأولية، فالأول أول لأول حقيقي، والثاني أول لمنسوبات إلى الأول.
[13][158]. أما لماذا يكون الترجيح من غير مرجح محال فمفهوم من كونه أصلًا هو ترجيح فيجب أن يكون بسبب مرجح ومن غير مرجح، فيكون مرجحه من غير مرجح فيجتمع النقيضان فيستحيل.
[14][159]. الإتيان بالآيات تشرّفًا، وإلا فإن المنكر لا يستدل له من القرآن الكريم.
[15][160]. سورة الأنبياء، الآية22.
[16][161]. سورة المؤمنون، الآية91.
[17][162]. قال أمير المؤمنين (ع) في إحدى خطبه التوحيدية: “واحد لا كالعدد”.
[18][163]. اللهم صل على النور الأول محمد وآله الطيبين الطاهرين.
[19][164]. قال تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (سورة الحديد، الآية 3)، والسلام على أمير المؤمنين حيث قال في الدعاء: “يا أول الأولين وآخر الآخرين”. ارجع إلى دعاء كميل.
[20][165]. راجع كتب اللغة، فإن الزوج حقيقته واحد، وإذا اجتمع مع زوجه يسمى الاجتماع زوجان.
[21][166]. وإن كان بأحد اللحاظات هو زوج ولكنه واحد أيضًا.
[22][167]. ليس المراد هنا الجوهر الفرد.
[23][168]. لأن هناك من الأجساد ما يبلى ويتفكك في التراب، وهناك ما يبقى محفوظًا كأجساد الشهداء.
[24][169]. علم اللاهوت النظامي، الفصل الثاني من فصول المقدمة، س(7ـ8)، للقس جيمس أَنِس.. راجعه ونقَّحه وأضاف إليه، القس منيس عبد النور.
[25][170]. سور إبراهيم، الآيتان 24 ـ 25.
[26][171]. سورة إبراهيم، الآية 26.
[27][172]. محمد جواد فاضل، الإشراقات النورانية في التدبر في الآيات القرآنية. مخطوط..
[28][173]. سور الإسراء، الآية 95.
[29][174]. سورة يونس، الآية 7.
[30][175]. سورة التوبة، الآية122.
[31][176]. سروة البقرة، الآية235، وكذلك قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ (سورة المائدة، الآية92)، و﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ (سورة الزمر، الآية9)، وغير ذلك من الآيات الكريمة.
[32][177]. الصحاح في اللغة، 1/120.
[33][178]. لسان العرب، 13/268.
[34][179]. سورة هود، الآية 105.
[35][180]. سورة النساء، الآية 96.
[36][181]. سورة هود، الآية 108.
[37][182]. سورة النساء، الآية 145.
[38][183]. سورة هود، الآية 106.
[39][184]. سورة آل عمران، الآية 14.
[40][185]. سورة النساء، الآية77.
[41][186]. سورة التوبة، الآية 38.
[42][187]. سورة آل عمران، الآية 197.
[43][188]. سورة البقرة، الآية 212.
[44][189]. سورة الأنعام، الآية 137.
[45][190]. سورة الأنفال، الآية 48.
[46][191]. سورة فاطر، الآية8.
[47][192]. سورة محمد، الآية 14.
[48][193]. سورة محمد، الآية 3.
[49][194]. سورة الحج، الآية 62.
[50][195]. وهناك مرحلة غير مرتبطة بالبعد المادي وهي مرحلة أخذ العهد والميثاق، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (سورة الأعراف، الآية 172).
[51][196]. سورة المؤمنون، الآية 100.
[52][197]. سورة البقرة، الآية 154.
[53][198]. سورة آل عمران، الآية 169.
[54][199]. سورة غافر، الآية 46.
[55][200]. سورة الواقعة، الآية61.
[56][201]. سورة ق، الآية34.
[57][202]. سورة الحج، الآية 54.
[58][203]. سورة الأعراف، الآية 8.
[59][204]. سورة الشورى، الآية 20.
[60][205]. سورة الأعراف، الآية 185.
[61][206]. سورة آل عمران، الآية 107.
[62][207]. سورة الفرقان، الآية 16.
[63][208]. سورة الشورى، الآية 20.
[64][209]. سورة الإنسان، الآية 13.
[65][210]. سورة النساء، الآية57.
[66][211]. سورة العنكبوت، الآية52.
[67][212]. سورة الأعراف، الآية 8.
[68][213]. سورة الأعراف، الآية 9. سورة المؤمنون، الآية 103. سورة القارعة، الآية 8.
[69][214]. سورة البقرة، الآية 174.
[70][215]. سورة النساء، الآية 10.
[71][216]. سورة الروم، الآية 7.
[72][217]. سورة الشورى، الآية 20.
[73][218]. سورة البقرة، الآية 162.
[74][219]. سورة المائدة، الآية 37.
[75][220]. سورة الحج، الآية 22.
[76][221]. سورة الأحقاف، الآية 20.
[77][222]. سورة المرسلات، الآية 31.
[78][223]. سورة الغاشية، الآية 7.
[79][224]. سورة الصافات، الآيتان 22، 23.
[80][225]. سورة غافر، الآية 39. سورة الأنعام، الآية 32. سورة غافر، الآية 39.
[81][226]. سورة آل عمران، الآيتان 106، 107.
[82][227]. سورة الإسراء، الآية 72.
[83][228]. سورة طـه، الآيتان 124، 125.
[84][229]. سورة الواقعة، الآية 61.
[85][230]. سورة الكهف، الآية 110.
[86][231]. سورة البينة، الآية 8.
[87][232]. سورة ق، الآية 22.
[88][233]. سورة المطففين، الآية 14.
[89][234]. بغض النظر عن نحو وجوده.
[90][235]. بل شاع هذا النهج بين أتباع الديانات السماوية الأخرى، وليس فقط بين المسلمين.
[91][236]. أعم من كونها ملحدة أم غير ملحدة.
[92][237]. المعجم القانوني لحارث سليمان الفاروقي، 1/208.
[93][238]. هذا الكلام باعتراف المفكرين الليبراليين أنفسهم، فقد جاء عن رائد قاسم في شبكة هجر في واحة الحوار المعاصر ما يعطي هذا المعنى. أما البحث اللغوي فيرجع به إلى قواميس اللغة مثل المورد أو الوافي الذهبي.
[94][239] . مفاهيم إسلامية 358، موقع وزارة الأوقاف المصرية.. والمكتبة الشاملة.. بتصرف.
[95][240]. مفاهيم إسلامية/359، موقع وزارة الأوقاف المصرية… بتصرف..
[96][241] . وكذلك لم تنجح هذه الحركات للتأثير في مناطق الشيعة في الشام.
[97][242] . نظرات في منازلة النوازل/32.. المكتبة الشاملة.. بتصرف.
[98][243] . أعم من كونه الله تعالى أم من أعطاه الله تعالى الحق في ذلك.
[99][244]. سورة المائدة، الآيات 44، 45، 47.
[100][245]. سورة البقرة، الآية 34.
[101][246]. سورة الحجر، الآية 31.
[102][247]. سورة طـه، الآية 116.
[103][248]. كما اخترعوا لنا مصطلح مؤسسات المجتمع المدني، فأي مخترع جاءنا بهذا المصطلح الذي ترسخ وبدأ بالنمو بين المجتمعات العربية خاصة، وذلك بعد إسقاط نظام طواغيت البعث في العراق. فإنه وإن كان قد انطبق ضده على نظام البعثيين الذين لم يعرفوا معنى للمدنية، خاصة بعد أن ظهرت جرائمهم بعد سقوط حكمهم، ولكنه في الحقيقة له آثار سلبية على نفس المجتمع ليس من حيث كونه اصطلاحًا لفظيًّا وانتهى الأمر، ولكنه في الحقيقة يشير إلى أمر آخر، من حيث كون من جاء به لنا. إن لهذا المصطلح من الناحية العملية أطراف عديدة: فمنها المجتمع الذي ينقسم إلى قسمين: الأول المتوحش، والثاني الفريسة، ومنها المدنية: والتي تعني التحول من حالة الوحشية إلى حالة التطور والتحضر، ومنها: المجتمع أو الذي جاء بالمدنية بشكل عام، وهذا من حيث الوهلة الأولى يتطرق الذهن فيه إلى أمريكا، ولكن الواقع غير هذا بالضبط. فإن أمريكا لم يكن لها تاريخًا مدنيًّا إلا القتل والدمار منذ نشوئها على ركام وجماجم المجتمعات السابقة لها من السكان الأصليين لهذه المنطقة، مرورًا برعاة البقر، إلى هيروشيما، إلى دعم الأنظمة الجائرة واللقيطة والمحتلة، إلى عالم أحادية القطب. فأي مدنية أتت بها أمريكا وحلفاؤها لتسمي المؤسسات التي أنشئت لغرض أداء وظائف معينة بهذا الاسم؟ سؤال يطرح بين العقلاء.
[104][249]. مجلة قضايا إسلامية معاصرة، موضوع: الدين والتراث في عصر الحداثة، ونوقشت هناك بعض ما جاء عند الأخ مليكيان.. نقلًا عن موقع جريدة المدى على الإنترنت.
[105][250]. شرح النهج، 20/267/102.
[106][251]. سورة مريم، الآية 93.
[107][252]. الحق إن لم نقل بالتغير والتغيير، ما وصلنا إلى ما نراه الآن من علوم معارف، ولكن يبقى هذا ليس على إطلاقه كما يريدون هم.
[108][253]. سورة المائدة، الآية 50.
[109][254]. سورة الأعراف، الآية 68.
[110][255]. سورة التغابن، الآية 6.
[111][256]. سورة آل عمران، الآية97.
[112][257]. سورة البقرة، الآية 120.
[113][258]. سورة البقرة، الآية 261.
[114][259]. سورة الأنعام، الآية 160.
[115][260]. سورة القصص، الآية 84.
[116][261]. سورة الأنعام، الآية 160.
[117][262]. هذا البحث مأخوذ من كتاب الإشراقات النورانية في التدبر في الآيات القرآنية.. تفسير سورة يوسف (ع)، وارتباطها بالإمام الحجة بن الحسن المهدي (عج). مخطوط غير مطبوع..
[118][263]. سورة يوسف، الآية 7.
[119][264]. معجم أحاديث المهدي (عج)، 4/396 وما بعدها.
[120][265]. سورة يوسف، الآية 10.
[121][266]. سورة يوسف، الآية 19.
[122][267]. سورة يوسف، الآية 20.
[123][268]. سورة يوسف، الآية 23.
[124][269]. سورة يوسف، الآية 25.
[125][270]. سورة يوسف، الآيات 26، 27، 28.
[126][271]. سورة يوسف، الآية 32.
[127][272]. سورة يوسف، الآية 36.
[128][273]. سورة يوسف، الآية 41.
[129][274]. سورة يوسف، الآية 42.
[130][275]. سورة يوسف، الآية 43.
[131][276]. سورة يوسف، الآية 44.
[132][277]. سورة يوسف، الآيات 47، 48، 49.
[133][278]. سورة يوسف، الآية 55.
[134][279]. سورة يوسف، الآية 90.
[135][280]. الشيخ الطوسي، الغيبة، الصفحة 163.
[136][281]. الشيخ علي الكوراني، معجم أحاديث المهدي (عج)، 3/240.
[137][282]. الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، الصفحة 28.
[138][283]. المصدر نفسه، الصفحة 327.
[139][284]. الشيخ الكليني، الكافي، 1/336.
[140][285]. قطب الدين الرواندي، الخرائج والجرائح، 2/934.
[141][286]. كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، الصفحة 351.
[142][287]. سورة الفرقان، الآية 23.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16904/morale/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.