التراث ورؤية معاصرة للسبع المثاني والقرآن العظيم

by الدكتور علي أبو الخير | يناير 6, 2025 9:22 ص

تقديم

دائمًا ما نكرر أن القرآن العظيم كتاب هدى ورحمة ودين إلهي، وليس كتاب علوم أو فلسفات، وليس أيضًا كتاب كونيات، هو كما نص في أكثر من آية، أنه هدى للمتقين وللمؤمنين، والقرآن كتاب حوار، حيث دخل في حوارات مع المؤمنين والمشركين والمنافقين، وذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة، لعبادة الله، ولحفظ كرامة الإنسان، ومنحه دائمًا حرية الاختيار حتى بين الإيمان والكفر.

ووسط كل ذلك، توجد إشارات علمية في سياق الآيات القرآنية، قد تكون مبهمة أثناء نزول القرآن الكريم، ولكن النبي (ص) لم يفسرها لهم، لأنها لا تتفق مع علوم عصرهم، وربما فعل الإمام علي (ع) ذلك، عندما شرح بعض الآيات القرآنية، بما يوحي ببعض الإشارات العلمية، مثل خطبته التي ذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض، وغيرها من الإسهامات الفكرية لأمير المؤمنين(ع).

وفي نفس السياق نجد أن للقرآن الكريم إعجازات لا يمكن تجاوزها، ولا بدّ من التفكير فيها، مثل الرياح اللواقح وكيفية خلق وتشكيل الأجنة في بطون الأمهات، وغيرها من الآيات التي تشير إشارات عابرة، تصلح ليستنبط منها العلماء ما يؤكد إيمان المؤمن، وما يثبت إلهية المصدر القرآني، وهو بالتالي صالح لكل العصور، وصالح لأن يفهمه كل البشر على اختلاف أعراقهم ودياناتهم.

ومن ضمن الإشارات الغيبية التي تركها القرآن للزمن المستقبلي، بحيث تفيد في زيادة الإيمان، وفي قدرته الخالدة في تحدي المخالفين، وفي قدرته على نشر التسامح بين الناس.

لقد ورد في القرآن كلمات كثيرة ليست من لغة العرب، مثل إستبرق، وهيت لك، والزنجبيل والفردوس[1][1]، وغيرها ثم تعربت، وصارت من المفردات العربية.

ولهذا تأمل كثيرون في معنى الآية القرآنية الكريمة 87 من سورة الحجر ﴿ولقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾، واختلفت التفاسير حول تلك الآية، هل السبع المثاني هي القرآن، أو بعض منه، أم جزء مختلف عنه، ثم مندغم فيه، وهل يوجد ما يدل على أن الرسول (ص) أوتي القرآن ومثله معه، بحيث يكون معها كتابان، هما القرآن والسبع المثاني.

في هذه الدراسة نرصد بعض التفسيرات العصرية الجديدة، للمثاني السبع، وكذلك العلاقة بين ما في التفاسير المأثورة في كتب التراث، وبما جاء في التفاسير الحديثة.

تأتي الدراسة في ثلاثة محاور وخاتمة.

المحور الأول: السبع المثاني في كتب التراث.

ورد في كتب التفاسير عدة معاني مختلفة للسبع المثاني، نستعرضها بإيجاز، فقيل إنها السبع سور الطوال في القرآن، وقيل إنها سور الحواميم السبع، أي التي تبدأ بكلمة “حم”، وقيل: إنها سبع صحف من الصحف النازلة على الأنبياء.

وقد كثر الاختلاف في قوله: “من المثاني”، أولًا  من جهة كون “من”، هل هي للتبعيض أو للتبيين، وكذلك اختلف في كيفية اشتقاق لفظة المثاني، ولماذا سميت بالمثان؟

والذي يتبادر للذهن هو أن  كلمة “من” للتبعيض، فإنه سبحانه سمى جميع آيات كتابه مثاني؛ إذ قال: ﴿كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ (سورة الزمر، الآية 23)، وآيات سورة الحمد من جملتها فهي بعض المثاني لا كلها.

ويبدو أن المثاني جمع مثنية اسم مفعول من الثني بمعنى اللوي والعطف والإعادة، قال تعالى: ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ (سورة هود، الآية 5)، وسميت الآيات القرآنية مثاني، لأن بعضها يوضح حال البعض، ويلوي وينعطف عليه كما يشعر به في قوله: ﴿كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ﴾، حيث جمع بين كون الكتاب متشابهًا يشبه بعض آياته بعضًا، وبين كون آياته مثاني.

وفي كلام النبي (ص) في صفة القرآن: “يصدق بعضه بعضًا”[1][1]،  وعن الإمام علي (ع) “ينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض”[2][2]، أو هي جمع مثنى بمعنى التكرير والإعادة كناية عن بيان بعض الآيات ببعض.

[1][3] الشيخ جعفر السبحاني، الإيمان والكفر في القرآن والسنة، قم، مركز الأبحاث العقائدية،ـ1415هـ، الصفحة 212.

[2][4] الإمام علي(ع)، نهج البلاغة، نسخة كمبوترية، الخطبة 129.

وروي عن أمير المؤمنين (ع): “إن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم، وسمعت رسول الله (ص) يقول: إن الله عز وجل قال لي يا محمد ولقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإن الله عز وجل خص محمدًا (ص) وشرفه بها، ولم يشرك معه فيها أحدًا من أنبيائه، ما خلا سليمان (ع) فإنه أعطاه منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، يحكي عن بلقيس حين قالت: ﴿أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ (سورة النمل، الآيتان 29 – 30) ألا فمن قرأها معتقدًا لموالاة محمد وآله الطيبين منقادًا لأمرها مؤمنًا بظاهرهما وباطنهما، أعطاه الله عز وجل بكل حرف منها حسنة كل واحدة منها أفضل له من الدنيا، وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها”[4][5].

وقالوا أيضًا: إن المثاني مأخوذة من الثناء، أي المدح والحمد، فآيات سورة الفاتحة سبع آيات كلها آيات ثناء على الله سبحانه وتعالى، ولذا سميت السبع المثاني، والرسول (ص) في هذه الحالة هو: الثاني المُثني، أي المادح والحامد، ولو سُميت الحمد يصبح الرسول (ص) هو الحامد أو محمد وأحمد، والقرآن كله في الفاتحة، ولهذا أفرد الله متنه على الرسول (ص) بالفاتحة المباركة.

ولما كان القرآن تفصيل للفاتحة أصبح القرآن كله ثناءً على الله سبحانه وتعالى عند أهله، فصح أن يسمى القرآن كله مثاني، كما ذُكر آنفًا.

أمّا السبب في التسمية، فقد اختُلف فيه، فقيل: لأنّها تُثنّى في كلّ صلاة، وقيل: لأنّ فيها الثناء مرّتين، وهو “الرحمن الرحيم”، أو لأنّها مقسومة بين الله وعبده قسمين اثنين، وقيل إنّ المثاني جمع المَثنية، من الثني بمعنى اللَّي والعطف والإعادة.

وورد أيضًا أن المثاني الناطق هم: الأئمة (ع)، وهم سبع آيات ثناء على الرسول (ص) في هذه الأرض، وفي جميع العوالم، تفتخر الملائكة بخدمتهم وأتباعهم، وضرب أعداء الله بين أيديهم، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة الثمانية ولد الحسين والقائم المهدي (ع)، والأئمة من ولد القائم المهدي (ع)، وقد ورد عنهم (ع): أنهم هم المثاني، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[5][6].

وقد تكون المثاني السبع، هو كل سبق من التفاسير، قد تكون سورة الفاتحة، أو الحواميم أو السور الطوال، وأيضًا هم الأربعة عشر المعصومين، وهو ما يطابق القرآن، وشروحه المستنبطة سواء كانت من الجامعة الإمامية[6][7]، أو خلال الفهم المتوارث إمامًا عن إمام.

المحور الثاني: الحروف القرآنية.

لو عدنا للآية القرآنية لوجدناها تنص على عطف ومعطوف عليه، فقد ذكرت السبع المثاني معطوف عليه، والقرآن معطوف، وهنا نأتي ببعض التأملات[7][8]:

1 . لقد عطف القرآن على السبع المثاني، وهذا يعني أن القرآن شيء والسبع المثاني شيء آخر، وأن السبع المثاني ليست جزءًا من القرآن، وقد وضعها الله سبحانه وتعالى قبل القرآن، حيث ميّزها عليه بالأفضلية من ناحية المعلومات.

2 . لا يمكن أن يكون القرآن جزءًا من السبع المثاني، لأن السبع المثاني سبع آيات، والقرآن أكثر من ذلك.

3 . وجب أن يكون هناك تجانس ما بينهما حتى يتم عطف أحدهما على الآخر، فإذا تم عطف القرآن على أم الكتاب، فوجه التجانس بينهما أنهما موحيان من الله … وهكذا نرى عندما عطف ﴿ثيباتٍ وأبكاراً﴾[8][9]؛ أن الثيب غير البكر ولكن كلاهما من النساء[9][10].

وبما أن القرآن العظيم هو نبوة محمد (ص) والنبوة علوم، فهذا يعني أن السبع المثاني هي من النبوة وفيها علوم.

وهكذا نفهم قول النبي (ص) “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه”[10][11]، ما هو إلا تعليق على هذه الآية، فإذا كانت السبع المثاني هي مثل القرآن، فهذا يعني أن المعلومات الواردة فيها لا تقل كمًّا ونوعًا عن المعلومات الواردة في القرآن، ولكن جاءت بطريقة تعبيرية مختلفة عن طريقة القرآن، وهذا لا يجوز، فالسبع المثاني، من جنس القرآن من حيث معجزته، فلا هي بديل عنه، ولا يمكن فك ارتباطها به.

4 . لقد ميز السبع المثاني عن القرآن بأن أطلق عليها مصطلح (أحسن الحديث)، وذلك في قوله: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (سورة الزمر، الآية 23). فقد أطلق على القرآن مصطلح الحديث، وأطلق على السبع المثاني مصطلح أحسن الحديث، حيث إنه تم تمييزها، وهذا التمييز بأن القرآن آيات متشابهات فقط، وأحسن الحديث يحمل بالإضافة إلى التشابه صفة المثاني ﴿كتاباً متشابهاً مثاني﴾، أما القرآن فكتاب متشابه فقط.

المثاني في اللغة العربية.

فما هي المثاني؟ لقد جاء في مقاييس اللغة ما يلي: “الثاء والنون والياء أصل واحد، وهو تكرير الشيء مرتين، أو جعله شيئين متواليين أو متباينين”[11][12].

وجاء فيه: “المثناةُ”: طرف الزمام في الخشاش[12][13]. وإنما يثنى الشيء من أطرافه فالمثاني هي الأطراف[13][14].

ومن هنا كان لكل سورة مثناة أي طرف، فالمثاني إذًا أطراف السور وهي إذًا فواتحها.

يبدو هنا أنه من خلال الأولى أن نسمي الفاتحة بالسبع المثاني، لأن الفاتحة هي سبع آيات في فاتحة واحدة هي فاتحة الكتاب.

ولكن السبع المثاني هي سبع آيات، كل منها فاتحة، أي هي سبع آيات وهي في الوقت نفسه سبع فواتح.

يبقى احتمال واحد، وهو أنه بما أن الكتاب واحد، وبما أنه مؤلف من 114 سورة، فيلزم أن تكون السبع المثاني هي سبع فواتح للسور، كل منها آية منفصلة في ذاتها، فإذا نظرنا إلى فواتح السور نرى فيها السبع المثاني وهي:

1 – الم 2 – المص 3 – كهيعص 4 – يس 5 – طه 6 – طسم 7 – حم.

فما هي: الر، المر، طس، ن، ق، ص؟

يمكن القول: إن هذه حروف كل منها جزء من آية، وليس آية منفصلة تامة في ذاتها.

فالآية الأولى في سورة القلم هي ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾.

أما الآية الأولى في سورة البقرة فهي ﴿الم﴾، وأما ﴿عسق﴾ فهي ليست فاتحة لسورة، لأنها الآية الثانية في سورة الشورى، والآية الأولى هي ﴿حم﴾، فإذا نظرنا إلى عدد الحروف “الأصوات” الموجودة في الآيات السبع المذكورة أعلاه نراها تتألف من أحد عشر حرفًا (صوتًا) هي:

1 – الألف 2 – اللام 3 – الميم 4 – الصاد 5 – الكاف 6 – الهاء 7 – الياء 8 – العين 9 – السين 10 – الطاء 11 – الحاء.

وإذا أخذنا بقية الحروف “الأصوات” الموجودة في الر، المر، طس، عسق، ن، ق، ص، والتي لا تشكل آيات منفصلة في ذاتها كبداية، وفيها آية واحدة ليست كبداية هي عسق، فنرى أن فيها ثلاثة حروف (أصوات) غير موجودة في آيات السبع الفواتح وهي: 1 – القاف 2 – الراء 3 – النون[14][15].

فمن هذه الأصول تتألف كلمة “القرآن”، لأن كلمة القرآن مشتقة من “قرأ”، ومعنى “ق ر أ” الجمع كما في المقاييس، وكذا معنى “ق ر ن”، وعليه فالقراءة والقرن جمع وفيها استقراء ومقارنة، وإذا أضفنا الحروف (الأصوات) الثلاثة الإضافية إلى السبعة الفواتح التي تشتمل على أحد عشر حرفًا، يصبح المجموع أربعة عشر حرفًا (صوتًا) مختلفًا، أي 7 × 2 + 14، وهذه هي أيضًا سبع مثان.

لقد قيل الكثير عن الحروف في أوائل السور القرآنية، قال الزمخشرى: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف، فجميع هذه الحروف في جملة (نص حكيم قاطع له سر)، فسبحان الذي دقت كل شيء حكمته، قال: “لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثًا ولا سدى، ومن قال من الجهلة: إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيرًا.. ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا”[15][16].

وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي  ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن بحروفه المقطعة، قال الزمخشرى: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت.. وكرر التحدي بالصريح قال: وجاء منها على حرف واحد كقوله: (ص، ن، ق)، وحرفين (حم)، وثلاثة (الم) وأربعة مثل (المر) و(المص)، وخمسة مثل (كهيعص، حمعسق)، لأن أساليب كلامهم على هذا مـن الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة أحرف وعلى أربعة أحرف وعلى خمسة أحرف لا أكثر من ذلك، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف، فلا أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسعة وعشرين سورة[16][17].

وقال بعضهم عن (كهيعص) التي جاءت في سورة مريم: “هو اسم تخشاه السماء والأرض”. وقال آخرون: قبيل موت رسول الله (ص) وهو على فراش الموت، قال: “يا كهيعص اغفر لي”. وحروف “كهيعص” على وجه التحديد يتبارك بها الناس ويكتبونها على واجهات منازلهم ومحلاتهم التجارية للبركة دون فهم لمعانيها[17][18].

ولنا أن ننظر لهذا الكم من التناقض والتباعد، ومن ثم لم يحدث اتفاق على فهم سر معاني الحروف القرآنية، التي جاءت في أوائل السور، ولذا نحاول الوصول لمعاني جديدة بمعلومات قديمة متجددة.

المحور الثالث: عربية القرآن وعجمية السبع المثاني.

لو تأملنا الآيات القرآنية الشريفة لوجدنا أن القرآن العظيم اشترط عربيته، فهو كتاب عربي ولسان عربي، وذلك بمقتضى أحد عشر موضعًا في القرآن تؤكد تلك العروبة القرآنية.

والآيات هي: ﴿إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (سورة يوسف، الآية 2)، و ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ﴾ (سورة الرعد، الآية 37)، ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ (سورة النحل، الآية 103)، و ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ (سورة فصلت، الآية 144)، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (سورة الشورى، الآية 7)، وباقي الآيات التي نصت على عربية القرآن، فهو بلسان عربي مبين، وأنه قرآن عربي غير ذي عوج، ولذلك جاءت آياته واضحة ظاهرة، وعندما وردت كلمات غير عربية، فقد تمت صياغتها بحيث أُضيفت للغة القرآنية ففهمها المسلمون، ومن ثم انتقلت للغة العربية في كل الكتابات.   

ولكن الأمر اختلف مع السبع المثاني، حيث لم تُشترط عربيتها، ولكنها جاءت عامة ليمكن تفسيرها في أوقات لاحقة كثيرًا عن عصر النزول.

ولقد جاءت من لغة أخرى وهي اللغة المصرية، هذا ما رآه باحث مصري هو الأستاذ سعد عبد المطلب العدل في كتابيه “الهيروغليفية تفسر القرآن”، و “السبع المثاني”، حيث ذهب لرأي جديد، وهو أن السبع المثاني، ليست مجرد حروف (أصوات)، ولكنها كلمات مصرية قديمة، تُعرف باللغة الهيروغليفية، ويرى أن الحروف القرآنية، ما هي إلا كلمات هيروغليفية، وأن اللغة المصرية تنطق الضاد والحاء، فمثلًا، حرف الطاء في اللغة العربية يُنطق بالهمزة، أما في اللغة المصرية القديمة يُنطق طا فقط بدون الهمزة، وكذلك حرف الياء، في العربية بهمزة، وهو كلمة باللغة المصرية بدون همزة، أما حرف العين في كهيعص، يُنطق عيييين، بأربعة ياءات، والأمر ليس كذلك في اللغة المصرية، وهكذا كما سنرى في تلك الدراسة.

ولكن وقبل الحديث عن تفسير سعد العدل عن السبع المثاني نكتب قليلًا عن اللغة الهيروغليفية.

الهيروغليفية

الخط الهيروغليفي: “هو أول الخطوط التي كتب بها المصري القديم لغته، وقد اشتقت كلمة (هيروغليفي) من الكلمتين اليونانيتين (هيروس) ( Hieros ) و(جلوفوس) ( Glophos) وتعنيان الكتابة المقدسة حيث إنها كانت تستخدم للكتابة على جدران الأماكن المقدسة لديهم مثل المعابد والمقابر[18][19].

كما أنها كانت كتابة منقوشة تتم على الأحجار بأسلوبي النقش البارز أو الغائر على الجدران الثابتة، وعلى الآثار المنقولة، مثل التماثيل واللوحات والصلايات.

وتتكون الكتابة الهيروغليفية من مجموعة من النقوش المستمدة من الحياة اليومية، فهي كتابة تصويرية، بالإضافة لوجود حروف أبجدية، وإن كانت أكثر تعقيدًا من الأبجدية المعروفة الآن في اللغات المنتشرة، فالأبجدية في الهيروغليفية تنقسم لثلاثة مجموعات[19][20]:

المجموعة الأولى: هي الحروف الأحادية، أي الحروف أحادية الصوت مثل الحروف المعتادة اليوم.

المجموعة الثانية: الحروف الثنائية الصوت، وهي عبارة عن رمز أو نقش واحد ولكن ينطق بحرفين معًا.

المجموعة الثالثة: وهي الحروف ثلاثية الصوت، وهي عبارة عن نقش أو رمز واحد، ولكن يعني ثلاثة، وذلك بالإضافة لمجموعة من العلامات الأخرى، والتي لا تنطق نهائيًّا، وإنما هي من أجل أغراض نحوية مثل تحديد المثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وبعض الرموز المؤكدة للمعنى والتي تعرف بالمخصصات[20][21].

ظلت الهيروغليفية ككتابة متداولة حتى القرن الرابع الميلادي، ثم تم فك رموزها في العصور الحديثة بمساعدة الكشف الأثري لحجر رشيد[22] على يد ضابط فرنسي، وحل رموزه فيما بعد على يد الفرنسي شامبليون[21][23].

هذه خلاصة ما جاء في أغلب المصادر التي تحدثت عن الهيروغليفية.

إلا أن هناك باحثان عربيان هما  ‏الباحث المصري د.عكاشة الدالي، من المعهد الأركيولوجي في جامعة لندن[22][24]، والباحث السوري يحيى مير علم، قد توصلا إلى أن أبا بكر أحمد بن علي بن قيس بن المختار المعروف بابن وحشية النبطي الكلداني (توفي سنة 296)[23][25] كان أول من فك رموز اللغة المصرية القديمة وميز أنواعها في كتابه “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام”، المخطوطة تم نسخها عام 241 هجرية (861 م)، وكان أول من كشف عنها المستشرق النمساوي جوزيف همر وقام بطبعها في لندن عام 1806.

مما دفع يحيى مير علم إلى التأكيد أن شامبليون لا بد وأن يكون قد اطلع على هذه المخطوطة قبل قيامه بفك رموز حجر رشيد الذي عثر عليه بالقرب من مدينة رشيد شمالي مصر، على بعد 65 كيلومترًا شرق الإسكندرية، وتعود أهميته إلى وجود نصوص بالهيروغليفية وما يقابلها من مضمون باللغة اليونانية القديمة منقوشة عليه، وقام شامبليون بترجمة النقوش في عام 1822.

وقد كان ابن وحشية مطلًّا على العديد من اللغات القديمة المعروفة في زمنه، ومن بينها الكردية والنبطية والفارسية والهندية، وبلغ عدد الأقلام (اللغات) التي عرفها 89 لغة، من بينها الهيروغليفية التي تضمنتها المخطوطة المعنية بالدراسة..

ويشير مير علم إلى أن ابن وحشية وضع في مخطوطته اللغات القديمة وحروفها وما يقابلها من حروف باللغة العربية، ومن بين هذه اللغات إلى جانب الهيروغليفية اللغات المصرية القديمة، مثل الديموطيقية والهيروطيقية والقبطية القديمة إلى جانب الآشورية والكلدانية والنبطية[24][26].

تلك هي اللغة الهيروغليفية، ولها شأن في دراسة علم المصريات، وقد وجدت بعض كلمات هي هيروغليفية في مصطلحات اللغة العربية، كما يرى سعد العدل، فكلمة “يثرب”، تُنطق (يث) بمعني مهاجر، و(رب) وتعني نبي، وتكون الكلمة، مهاجر نبي، أو المدينة التي هاجر لها رسول الله، في تنبؤات تاريخية، ربما كانت مقدسة في وقت من الأوقات، وكذلك كلمة عرفات، وتعني في الهيروغليفية، سُلم السماء، وغيرها من كلمات كثيرة يراها الباحث.

ومن خلال ذلك يمكن التطرق لمعاني الحروف (الأصوات) القرآنية في أوائل السور.

الرؤية المعاصرة للسبع المثاني.

استعرض الباحث سعد عبد المطلب العدل الآراء حول السبع المثاني التي تحدث عنها القرآن الكريم، ثم يخلص إلى أن السبع المثاني هي فواتح السور، فهي كما ذكر كثيرون من المفسرين (14 أي 2×7)، ولكنها بلغة مصرية قديمة.

ويبدأ قراءته لمعاني فواتح السور بالهيروغليفية فيقول: “… وهذا يتفق مع الآيات التالية وأسباب نزولها حيث السبع قوافل اليهودية، وقد أثبت نفس الباحث في كتابه “إخناتون أبو الأنبياء” أن يهود الجزيرة العربية كانوا، ما يزالون يتكلمون اللغة المصرية القديمة[25][27].

بعد أن يتحدث عن تلك الحروف المقطعة في القرآن، ومقارنة ما جاء باللغة الهيروغليفية، فسّر تلك الحروف كما يلي:

  1. 1. كهيعص: في أول سورة مريم ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾، حيث تستهل السورة بالرمز كهيعص، يقول: “.. ولا نجد لها في كتب التفسير أي تفسير أو شرح منطقي علمي سوى جملة: الله أعلم بمراده، أو ما ورد في كتب التفسير القديمة، ولكن هذا الرمز (كهيعص) جملة تامة من اللغة المصرية وهي كالتالي[26][28]:

– كاف: وتعني يكشف النقاب عن سر، يفض سرًّا، يجلي سرًّا، يظهر حقيقة يقينية.

-هـ: تنُطق ها بدون همزة. وتعني: يتنزل من السماء.

-ي: تُنطق بدون الهمزة، وتعني لهذا، إليك، ثم تتلو جملة خطاب مباشر.

-عين: وتُنطق عيييين بأربعة حركات، وتعني حقيقي، صادق، حسن.

-صاد: وتعني: يقول، يحكي، حكاية، قصة، ذكر.

والترجمة الكاملة لهذه الجملة من اللغة المصرية إلى اللغة العربية: سنكشف لك النقاب عن سر منزل إليك من السماء، فانتبه إليك القصة الحقيقية، ثم يسرد القصة في ذكر عبده زكريا.

فيكون معنى وتفسير هذه الجملة في سياق افتتاحية سورة مريم، فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه محمدًا (ص) ليعلمه ويعلم البشر الذين هم عنوان الرسالة بسر يكشف النقاب عنه لأول مرة بعد أكثر من ستمائة سنة، وهذا السر ينزله الله تعالى على محمد من السماء، فانتبه يا محمد، إليك القصة الحقيقية التي سننزلها ونفيض فيها، وهي قصة حكمة ميلاد المسيح من أم بلا أب، وهذا القصص هنا هو أصدق القصص في مقابل ما قال أتباع السيد المسيح، والله سبحانه يطلع محمدًا (ص) على السر الخفي والقصة الحقيقية للعائلة الإبراهيمية وتاريخ النبوة الحقيقي[27][29].

ولهذا ولأن النبوة لم تكن قد اكتملت بعد، ولأن الله وعد إبراهيم بالنبوة لختامها، ولأن اليهود غير مستحقين للنبوة، فقد كانت أعظم نقلة في تاريخ النبوة على الإطلاق، انتقلت النبوة إلى البيت الإسماعيلي ليبعث محمدًا (ص) نبيًّا ورسولًا وختامًا للأنبياء والمرسلين لتكتمل رسالة الإسلام بالإسلام الذي دعا إليه أبو الأنبياء إبراهيم الخليل (ع).

  1. ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾[28][30]، وتعني في المعجم المصري: جهلوا، هبطوا، انحطوا، غفلوا، تبلدوا.

ونفس الكلمة ما تزال موجودة في اللغة القبطية بمعنى جهل، انحط، فسد.

أما معنى آيات سورة القلم طبقًا لهذا التفسير: جهلوا وجهل القلم الذي يسطرون به، وجهالة ما يسطرون أن ادعوا عليك الجنون، فقد أنعم الله عليك بالنبوة وإنه لمجزيك جزيل الأجر وإنك لعلى خلق عظيم، وسنرى من منكم المفتون، أهم بجهالتهم وانحطاطهم أم أنت يا محمد بخلقك وسمو أخلاقك؟

  1. ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾[29][31].
    كلمة قاف تعني في اللغة المصرية القديمة: يتعالى على، يسخر من، يتعجب من.

إن السورة لا تبدأ بأسلوب قسم ومما يؤيد ذلك أن افتتاحية سورة (ق) ليس أسلوب قسم، وإنما هو علامات الترقيم القرآني التي ضنت بنفسها هنا أيضًا (كما في نون)، فلو كان ثمة أسلوب قسم لكانت علامة الآية ضرورية بين كلمة “ق”، والقرآن المجيد، والأمر ليس كذلك هنا.

  1. ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾[30][32]، ومعناها بالهيروغليفية: يقول، يحكي، يتقول، يسوء سمعة، يسيء إلى..

وبالتالي فإن تفسير الآيات العشر الأولى من سورة (ص) كما يلي: تقولوا عليك وأساءوا واتهموك بإتيان ما ليس له سند، وتقولوا على القرآن وأساءوا إلى ما تبلغ به من قصص السالفين، بل هم في استكبار وإعراض عما تبلغ به، وهم لا يتعظون بما فعل الله بمن سبقهم، وتعجبوا كيف يأتيهم نذير منهم، واتهموك باختلاق كل ما تتلوه من قرآن، ويطمئن الله رسوله بأنهم مهزومون في نهاية المطاف.

  1. ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾[31][33]، وتتكون (طه) من مقطعين: “ط”: بدون همزة وبمد طبيعي حركتان، وهـ، بدون همزة أيضًا وبمد طبيعي حركتان أيضًا، وهما ليسا بأي حال من الأحوال من حروف الهجاء العربية، ولو كان الأمر كذلك لكتبتا أولًا: طاء – هاء، ولنونتا: طاءٌ – هاءٌ، وطه ليست بأي حال من الأحوال اسمًا للرسول (ص)، لأن هذا يفتقر إلى الدليل العلمي[32][34].

والمقطع (ط) في اللغة المصرية القديمة معناه: يا رجل، أو يا أيها الرجل القوي، أو الرجل الحق. والمقطع: (هـ): معناه انتبه.. تطلع.. انظر.. والكلمتان معناهما إذن: يا هذا، أو يا أيها الرجل القوي، أو الرجل الحق، انتبه أو انظر.

وتفسير الآيات من 1- 9 في ضوء ما سبق: يا هذا (يا رجل، أو أيها الرجل القوي، أو الحق في إيمانه، يا حبيبي)؛ أي الرسول (ص) انظر، أو انتبه لما يقال لك الآن، (أو انتبه لسبب ما أنت فيه الآن من معاناة): نحن لم ننزل عليك القرآن (أي الرسالة برمتها) لتشقى به، يا محمد وبسببه، بل أنزلنا عليك لتذكر به من يخشى الله ويرهبه ويخافه.

  1. ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾[33][35]. كلمة “يس”، أصلها الكلمة المصرية القديمة التي تنطق: يا سي – ن.

وتعني باللغة العربية: بلى، إي، يقينًا، حقيقة، فإذا أضيف لها حرف – ن- وهذا الحرف من خصائص اللغة المصرية، فإن إضافته إلى الكلمة – ياسي- فإنها تفيد أن جزءًا من الجملة أو الكلام قد استبعد أو حذف[34][36].

ومن إعجاز لغة القرآن الذي ليس له حدود أنه استخدم حرف – ن- في كلمة ياسين ليدل على الجزء المحذوف من الكلام، وهذا الجزء المحذوف منه هو في الحقيقة غير ذات أهمية بالنسبة لله تعالى، ومن باب أولى ليس أهلًا للجدل فيه أو مناقشته بالمرة، ويتمثل هذا الجزء المحذوف في قول الكفار والمشركين للرسول: لست مرسلًا، لتأتي سورة يس بعد ذلك، وتؤكد نبوة الرسول (ص)، وتكليفه من قبل الله سبحانه بالرسالة[35][37].

وقد يسأل سائل: ألم تكن كلمة  “بلى” العربية تعوض عن “يس” لتحل هذه الإشكالية، ولكن نجدها لا تحل المشكلة، أولًا: لأن كلمة “بلى” لا يبدأ بها كلام في اللغة العربية، وثانيًا: كان يحتاج استعمالها إلى ذكر كل القصة والإدعاءات المهترأة المفتراة ضد شخص النبي(ص)، وما كان هذا مقام ذكرها في افتتاحية سورة يس.

7 . ﴿حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[36][38]، أما عن معنى (حم* عسق) فأمكن تقسيم كلمة حم إلى قسمين: حا مي – يم.

وبالبحث المعجمي المصري وضح الآتي:

– حامي: وتعني كائن سماوي.

– يم: وتعني بواسطة، عن طريق أو بطريق، هو الواسطة والكلمتان معًا تعنيان: بواسطة كائن سماوي، الكائن السماوي هو الواسطة، أي أمين الوحي جبريل هو الواسطة.

– أما عسق فتعني – عين: العبد… نعم العبد، أي المحبب إلى الله، الجميل، الصادق.

  – سين وتعني: رسول، مبعوث.

– قاف: وتعني: الذي يظهر فجأة، قوي، ذو شرف وعزة.

إن مطلع سورة الشورى في ضوء ما سلف: أن الروح الأمين جبريل (كائن سماوي أو ملاك) هو الذي يتنزل عليك، أو هو الواسطة، يا أيها النبي، وهو عبد من عبادنا الصالحين، أو هو رسول قوي، جميل الهيئة عزيز عظيم الهيبة والشرف، وبنفس هذه الكيفية وبواسطة الروح الأمين جبريل أوحى الله العزيز الحكيم إليك، كما أوحى إلى من سبقوك من الأنبياء والرسل، وهو الذي تنشق السماوات واحدة واحدة عظمة له، والملائكة يسبحون حمدًا وشكرًا له ويستغفرون لمن في الأرض والمغفرة من عنده وحده، أما أولئك الذين اختاروا لأنفسهم أولياء من دونه فالله يعرفهم، وما عليك إلا البلاغ.

  1. ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾، مطلع سورة النمل:

 – ط: وتعني يا أيها الرجل القوي الحق.

– سين: وتعني رسول كما أوضحنا في عسق.

يصبح الرمز  “طس”  في سورة النمل بأنه يعني: يا أيها الرجل القوي الرسول، أو يا أيها الرجل الحق والمبعوث، إن القرآن كتاب واضح مبين، وهو هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وبالآخرة مصدقون..

  1. ﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، مطلع سورة الشعراء، وكما جاء في تفسير “طس”، في أول سورة النمل بأنه يعني: يا أيها الرجل القوي الرسول، أو يا أيها الرجل الحق والمبعوث.

أما الرمز “م” فيعني: الذارف الدمع، الباكي، كما تعني أيضًا: بئر أو عين الماء. ولن نفاجأ عندما نرى الشبه القوي في المعنى بين معنى الرمز (م)، والتعبير (لعلك باخع نفسك) في الآية الكريمة.

وهذا التعبير يعني: القاتل نفسه غيظًا وغمًّا، والبليغ في هذا التعبير: علاقته بـ (بخعت البئر “الركية” بخعًا حتى ظهرت ماؤها)[37][39]، والعين تقال كما هي لبئر الماء فهي تقال أيضًا للعين عضو الإبصار[38][40].

والمعنى يتضح الآن: لعمرك يا أيها الرسول (يا محمد) يا ذارف الدمع، يا أيها المغتم والمهموم بهموم الرسالة، لعلك قاتل نفسك من الغم حتى يؤمن الكفار، لو أردنا أن نهلكهم ونقضي عليهم لجحودهم وكفرهم لاستطعنا.

  1. أما “طسم” في أول سورة القصص فتعني في تفسير الآية ﴿طسم تلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، يكون لعمرك يا أيها الرسول (يا محمد) يا ذارف الدمع، يا أيها المغتم والمهموم بهموم الرسالة، سنتلو عليك خبر موسى مع فرعون وقومه، من أجل أن تعرف أن حمل الرسالة كبير، ثم بدأ القرآن الكريم يسرد قصة موسى، وينص على جعل وراثة الأرض للمستضعفين، فالآية الخامسة من السورة تقول: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾بسبب ادعاءات المشركين عليه ونكرانهم له وتشكيكهم في مضمون الرسالة ومصدرها ومآلها.
  2. الحروف المقطعة في بداية سورة الأعراف وهي (المص) تعني: (بحقك يا أيها النبي (لعمرك أيها النبي) المكلف والمغتم، الذارف الدمع، والمشغول والمهتم بما كلف به، والمكلف بما يقص عليه الله عز وجل).
  3. بقية السور التي بدأت بـ (الم) ففي تفسيرها نحو ما في سورة الأعراف.
  4. السور المفتتحة بقوله تعالى: (المر) وهي سورة الرعد. والمفتتحة بـ (الر) وهي سورة يونس، وسورة هود، وسورة يوسف، وسورة الحجر، وسورة إبراهيم… والجديد في هذه السور حرف (ر)، وهي في شكلها عبارة عن فم الإنسان وتدل عليه أيضًا وعلى وظائفه ومنها الكلام، وأن المراد (مرا) لا (ر). وأنّ معنى (مرا) يميل بهواه، أو يميل به الهوى، والمعنى: يا أيها النبي المكلف بالرسالة المهموم بهمومها والمشغول عليها والحزين المكتئب المغموم بسبب تكذيب الكفار لك، ويا أيها المرتاب الذي راح يشك فيما هو بصدده.

انتهت الرؤية، وتلك الرؤية الجديدة، قد تكون غريبة، ولكن لا يمكن رفضها لمجرد الرفض، ولكننا أوردناها من أجل طرحها للنقاش، وليس الجدل بالطبع، فالنقاش يثري المعارف، ويصل في النهاية أن القرآن الكريم بالفعل لا تنقضي عجائبه وحقائقه.

خاتمة

ليس بالضرورة أن نقدس التفاسير القديمة لأنها قديمة، بما للماضي من شبه قداسة، كما لا يمكن قبول كل ما ورد في التفاسير العلمية لبعض الآيات القرآنية، ولكن الأصل في هذه الدراسة هو أن القرآن الكريم، يأتي بالمقبول عقلًا ونقلًا، ولم يحدث أن تعارض العلم مع آياته الشريفة.

وأخيرًا، يمكن قبول أن السبع المثاني هي سورة الفاتحة، وهم المعصومون الأربعة عشر، وفي نفس الوقت يمكن أن تكون السبع المثاني هي لغة هيروغليفية قديمة، كما ورد حديثًا، وكما قرأنا في القديم.

فالقرآن خالد على مر العصور والدهور، وكل عصر نجد في القرآن ما يفهمه البشر، فهو جاء على لسان أمير المؤمنين (ع)، فقد قال في صفة القرآن: “ثم أنزل عليه الكتاب نورًا لا تطفأ مصابيحه، وسراجًا لا يخبو توقده، وبحرًا لا يدرك قعره، ومنهاجًا لا يضل نهجه، وشعاعًا لا يظلم ضوءه، وفرقانًا لا يخمد برهانه، وتبيانًا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعزًّا لا تهزم أنصاره، وحقًّا لا تخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الإسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون، وأعلام لا يعمى عنها السائرون، وآكام لا يجوز عنها القاصدون، جعله الله ريًّا لعطش العلماء، وربيعًا لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونورًا ليس معه ظلمة، وحبلًا وثيقًا عروته، ومعقلًا منيعًا ذروته، وعزًّا لمن تولاه، وسلمًا لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وعذرًا لمن انتحله، وبرهانًا لمن تكلم به، وشاهدًا لمن خاصم به، وفلجًا لمن حاج به، وحاملًا لمن حمله، ومطية لمن أعمله، وآية لمن توسم، وجنة لمن استلام، وعلمًا لمن وعى، وحديثًا لمن روى، وحكمًا لمن قضى”[39][41].

هذا والله تعالى أعلم، وهو من وراء القصد.

 

[1][3] دائرة المعارف الإسلامية، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الشارقة، 1998، الجزء 26، الصفحات 8222- 8224.  

[2][4] الشيخ جعفر السبحاني، الإيمان والكفر في القرآن والسنة، قم، مركز الأبحاث العقائدية،ـ1415هـ، الصفحة 212.

[3][42] الإمام علي(ع)، نهج البلاغة، نسخة كمبوترية، الخطبة 129.

[4][43] الشيخ جعفر السبحاني، الإيمان والكفر في القرآن والسنة، مصدر سابق، الصفحة 213.

[5][44] الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي الصدوق، عيون أخبار الرضا، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1984، الجزء1، الصفحة 270. 

[6][45] نقصد بالجامعة، هي التي توارثها الأئمة (ع).

[7][46] د. محمد شحرور، القرآن والسبع المثاني، من موقع الدكتور شحرور – http://www.shahrour.org[47]

[8][48] سورة التحريم، الآية 5.

[9][49] د. محمد شحرور، القرآن والسبع المثاني، مصدر سابق.

[10][50] الحافظ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تفسير ابن كثير، القاهرة، الدار القيمة، 1993، الجزء1، الصفحة 12.

[11][51] معاجم اللغة العربية: لسان العرب، ومختار الصحاح وغيرهما، وهي موجودة في شبكة المعلومات الدولية – الإنترنت، بتصرف في النقل، يراجع القارئ ومن يشاء من المعلقين.

[12][52] معاجم اللغة العربية: لسان العرب، ومختار الصحاح وغيرهما، مصادر سابقة.

[13][53] معاجم اللغة العربية: لسان العرب، ومختار الصحاح وغيرهما، مصادر سابقة.

[14][54] سعد عبد المطلب العدل، السبع المثاني، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2005، بتصرف، حيث تم استعراض رأي الباحث في تلك الرؤية، ولم نحدد أرقام الصفحات نظرًا لأن الاستعراض من كامل الكتاب، هو وكتاب الهيروغليفية تفسر القرآن، يلاحظ ذلك.

[15][55] ملاحظة: ابن كثير كان يعلم مدلول الحروف الرقمية أ =1، ل = 30، م = 40، وهى مفتاح سر فك طلاسم الحروف المقطعة كما يتضح من قراءة تفسيره.

[16][56]الحافظ ابن كثير، تفسير ابن كثير، مصدر سابق، الجزء1، الصفحات 35 – 38. 

[17][57] المصدر نفسه.

[18][58]  تم الاعتماد على موقع إلكتروني،  http://ar.wikipedia.org/wiki[59] – بتصرف.

[19][60] اhttp://ar.wikipedia.org/wiki[59] ، مصدر سابق.

[20][61] اhttp://ar.wikipedia.org/wiki[59]، مصدر سابق.

[21][62]  أسماء بنت محمد الحميضي، الحروف المقطعة، هل تفسرها الهيروغليفية؟- قـراءة نـقـديـة لكـتـاب “الهيروغليفية تفسر القرآن”، بحث مقدم في كلية التربية، الرياض، قسم الثقافة الإسلامية، 2002، الصفحة 7.

[22][63] أسماء بنت محمد الحميضي، الحروف المقطعة، هل تفسرها الهيروغليفية ؟ مصدر سابق، الصفحة 7.

[23][64] المصدر نفسه، الصفحة 8.

[24][65] سعد عبد المطلب العدل، الهيروغليفية تفسر القرآن، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2002، بدون رقم صفحة، حيث تم الاعتماد على صفحات الكتاب في العرض والتقديم.

[25][66] المصدر نفسه.

[26][67] سعد عبد المطلب العدل، الهيروغليفية تفسر القرآن، مصدر سابق.

[27][68] المصدر نفسه.

[28][69]  سورة القلم، الآيتان 1و 2.

[29][70]  سورة ق، الآيتان 1و 2.

[30][71]  سورة ص، الآيتان 1و2.

[31][72]  سورة طه، الآيتان 1و2.

[32][73] سعد عبد المطلب العدل، الهيروغليفية تفسر القرآن، مصدر سابق.

[33][74]  سورة يس، الآيات 1-5.

[34][75] سعد العدل، السبع المثاني، مصدر سابق.

[35][76] سعد عبد المطلب العدل، الهيروغليفية تفسر القرآن، مصدر سابق.

[36][77]  سورة الشورى، الآيات 1- 3.

[37][78] سعد العدل، أبو الأنبياء إخناتون، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2003، الصفحة 214.

[38][79] السبع المثاني، مصدر سابق.

[39][80] نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة 198. 

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [1]: #_ftnref1
  4. [2]: #_ftnref2
  5. [4]: #_ftn4
  6. [5]: #_ftn5
  7. [6]: #_ftn6
  8. [7]: #_ftn7
  9. [8]: #_ftn8
  10. [9]: #_ftn9
  11. [10]: #_ftn10
  12. [11]: #_ftn11
  13. [12]: #_ftn12
  14. [13]: #_ftn13
  15. [14]: #_ftn14
  16. [15]: #_ftn15
  17. [16]: #_ftn16
  18. [17]: #_ftn17
  19. [18]: #_ftn18
  20. [19]: #_ftn19
  21. [20]: #_ftn20
  22. لحجر رشيد: http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%AC%D8%B1_%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF
  23. [21]: #_ftn21
  24. [22]: #_ftn22
  25. [23]: #_ftn23
  26. [24]: #_ftn24
  27. [25]: #_ftn25
  28. [26]: #_ftn26
  29. [27]: #_ftn27
  30. [28]: #_ftn28
  31. [29]: #_ftn29
  32. [30]: #_ftn30
  33. [31]: #_ftn31
  34. [32]: #_ftn32
  35. [33]: #_ftn33
  36. [34]: #_ftn34
  37. [35]: #_ftn35
  38. [36]: #_ftn36
  39. [37]: #_ftn37
  40. [38]: #_ftn38
  41. [39]: #_ftn39
  42. [3]: #_ftnref3
  43. [4]: #_ftnref4
  44. [5]: #_ftnref5
  45. [6]: #_ftnref6
  46. [7]: #_ftnref7
  47. http://www.shahrour.org: http://www.shahrour.org/
  48. [8]: #_ftnref8
  49. [9]: #_ftnref9
  50. [10]: #_ftnref10
  51. [11]: #_ftnref11
  52. [12]: #_ftnref12
  53. [13]: #_ftnref13
  54. [14]: #_ftnref14
  55. [15]: #_ftnref15
  56. [16]: #_ftnref16
  57. [17]: #_ftnref17
  58. [18]: #_ftnref18
  59. http://ar.wikipedia.org/wiki: http://ar.wikipedia.org/wiki
  60. [19]: #_ftnref19
  61. [20]: #_ftnref20
  62. [21]: #_ftnref21
  63. [22]: #_ftnref22
  64. [23]: #_ftnref23
  65. [24]: #_ftnref24
  66. [25]: #_ftnref25
  67. [26]: #_ftnref26
  68. [27]: #_ftnref27
  69. [28]: #_ftnref28
  70. [29]: #_ftnref29
  71. [30]: #_ftnref30
  72. [31]: #_ftnref31
  73. [32]: #_ftnref32
  74. [33]: #_ftnref33
  75. [34]: #_ftnref34
  76. [35]: #_ftnref35
  77. [36]: #_ftnref36
  78. [37]: #_ftnref37
  79. [38]: #_ftnref38
  80. [39]: #_ftnref39

اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/17004/koran/