حفريات الخطاب الغربي- بنية الإستعراب

حفريات الخطاب الغربي- بنية الإستعراب

إن النظر في القرآن الكريم، ميزانه راجحٌ في الإحاطة بمقصد الشهود الحضاري، ومن أمارات هذا المقصد، قول الله عز وجل: {وَلَوْلاَ دفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.

وإذا استقصينا غرض الخطاب الغربي في قراءة الآخر، وحَجَجْنا قعره، فإننا نأخذ من كثب اعتبار الخطاب الغربي جزءًا من تدافع الناس.

فباب ثنائية الغرب وما سواه في هذا الخطاب غير مُبهم، ومصادر قانون المركز والطرف فيه بيّن، وبالإمكان أن ندرك كيف يتخذ الغرب عُمْدة، مركزيته الثابتة، في قراءة ما سواه حضاريًا وثقافيًا.

ومن شأن المقاربة التفكيكية لتلك القراءة، أن تسهّل الاقتناع بأن ما يحرّك دواليب ثنائية الغرب وما سواه، في موازاة ثنائية المركز والطرف، هو ثنائية الغالب والمغلوب حضاريًا وثقافيًا.

ويتّخذ هذا السوى طابعًا استثنائيًا مع كيان الإسلام، لأنه يتعلق بثلاث خصوصيات مجالية معرفية:

1- الحضارة؛ وهي مجموع الإنتاج الخطابي والسلوكي المستند إلى القيم الإنسانية الحية.

2- الثقافة؛ وهي مجموع الإنتاج الخطابي والسلوكي، المستند إلى القيم القومية الحية، أي القيم المرغوب فيها والمطلوب العمل بها.

3- التراث؛ وهو أرحب من الثقافة، لأن التراث يشمل القيم القومية الحية، والقيم التي لم يعد مجتمع الأمة الخاص يرغب فيها، أو يطلب العمل بها. فهي إذًا، قيم قومية ميتة. وتبعًا لذلك، فإن المراد بالتراث، جملة المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية، التي تحدد الوجود الإنتاجي للإنسان المسلم، في أخذه بمجموعة مخصوصة من القيم القومية والإنسانية، حية كانت أم ميتة.

إن الباحث اللبيب لابد أن يلحب السبيل لإدراك توقّد مركزية الغرب لصناعة صورة هامشية للشرق، من خلال إعادة المنظومة الخطابية الغربية بتشكيل الخصوصيات المجالية المعرفية الثلاث (الحضارة- الثقافة- التراث)، وقراءتها بأدوات إجرائية ومناهج ورؤى نابعة من الخصوصيات المجالية المعرفية للغرب، باعتباره مركزًا.

إن ما نستشرفه في إجالة الفكر في مركزية الخطاب، هو استقصاء سبر صناعة الآخر، من خلال مقاربة تنبجس بالموضوعية. وقد أحسن ابن رشد الأندلسي الحفيد (توفي عام 595ه.قـ)، بيان مقومات المقاربة الموضوعية، في قوله: ” يجب علينا، إن ألفينا لمن تقدمنا من الأمم السابقة، نظرًا في الموجودات واعتبارًا لها، بحسب ما اقتضته شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك، وما أثبتوه في كتبهم. فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم، وسررنا به، وشكرناهم عليه. وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه، وحذرنا منه وعذرناهم”.

ولا يختلف اثنان في أن مقومات المقاربة الموضوعية، أعمق من اختزالها فيما هو وظيفي. ونحسب أن العمدة، هي نوع القراءة التي يقرأ بها العقل البشري؛ الوجود والكون والعالم….تحميل المقال

بدر المقري

بدر المقري

ولد في 13 أيلول 1962، في مدينة وجدة في المغرب. حائز على إجازة في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في جامعة محمد الأول في المغرب. وشهادة المدرسة التطبيقية للدراسات العليات، قسم العلوم التاريخية والفيلولوجية، باريس. ودبلوم في الدراسات المعمقة في الآداب، من جامعة محمد الأول في المغرب. كما حاز على شهادة دكتوراه الدولة في الدراسات الاستشراقية من الجامعة نفسها. له العديد من المساهمات الفكرية، ما بين الكتب والمقالات العلمية والمحكمة.



المقالات المرتبطة

الحضور المعرفي في النظرية الإسلامية المعاصرة (1)

ما هي الجدوى التي سعى إليها فلاسفة الإسلام من تقسيم العلم إلى حضوري وحصولي؟ وإلى أي مدى توسّع المعاصرون منهم في تكشيف نظرية عن المعرفة على ضوء المناهج والآراء العلمية المعاصرة؟ وهل قدم العلم الحضوري إضافة متميزة إلى نظرية المعرفة أم أنه زاد من تعقيد الأمر وضموره؟

الدين وإشكالية الشر عند إخوان الصفا

رغم الخلاف بين التيارات الدينية الإسلامية حول مصدر الشر والألم، فإن وجودهما يمثل حقيقة أكيدة في الفكر الإسلامي،

أحياء عند ربهم يُرزقون..

غدا ظمأ كربلاء نهرًا يروي أرواح العاشقين فتعبّ منه في كلّ زمان ومكان، كلٌّ بمقدار. فكلُّ بذلٍ في هذا الطّريق، قليله كثير، وكثيره قليل، وكما قال الإمام الخميني (قده): ” كلّ ما لدينا من كربلاء”.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<