دراسات في الدولة والسلطة

دراسات في الدولة والسلطة

لشراء الكتاب

تحميل الكتاب 

مقدّمة

 يشكّل مفهوم الدولة مادّة مهمّة للدراسة والنقاش منذ زمنٍ بعيدٍ، فهي لم تكن ولم تصبح محلّ اتفاق لدى فقهاء القانون والسياسة منذ بدأ البحث فيها. وقد نشب الخلاف على نشأتها، كما على غايتها وشرعيّتها.

ففي مجال النشأة، تتباين مواقف المفكّرين بين ثلاث مدارس:

  • مدرسة التوافق
  • مدرسة الغلبة
  • مدرسة التطوّر

أمّا مدرسة التوافق، فتعتقد أنّ جماعات البشر تعاقدت على إقامة الدولة وتفويضها حقوقًا كان الناس يتمتّعون بها على نحو إفراديّ أو جماعيّ.

فأصحاب وجهة نظر التوافق الانفراديّ طرحوا نظريّة “العقد الاجتماعيّ” من هوبز إلى لوك إلى روسو. دون أن يستطيعوا إثبات مدّعاهم تاريخيًّا، ولا أن يحلّوا جميع ما ينجم عنه من مشاكل نظريّة.

أمّا أصحاب وجهة نظر التوافق الجماعيّ، طرحوا نظريّة “العقد السياسيّ”، أي العقد القائم بين ممثّلين لجماعات، قبائل، مدن، قادة دويلات، قادة طوائف، إقطاعيّين… لإقامة سلطة فوقهم وعلى أرضهم. لكنّ هؤلاء خلطوا أحيانًا بين إقامة دولة وإقامة نظام حكم، لا سيّما حيث استمرّ العقد يحكم علاقات السلطة بعد قيام الدولة.

وأمّا مدرسة الغلبة، فتقوم على أساس القوّة والقهر، بحيث يفرض تجمّع بشريّ سلطته على تجمّعات أخرى بعد هزيمتها ماديًّا أو معنويًّا، ولعلّ ابن خلدون هو المنظّر الأساسيّ لهذه المدرسة.

وأمّا أصحاب مدرسة التطوّر، فرأوا أنّ الدولة تطوّرت عن العائلة، نتيجة توسّعها وانتشارها، أو تقليدًا لنظامها وتوسيعًا له، وليس من برهان حسّيّ على هذه النظريّة.

وفي البحث عمّن أقام الدولة تاريخيًّا هناك نظريّات مختلفة، لأنّ الأصول غارقة في التاريخ، ولم يكن ممكنًا إماطة اللثام عنها. وهكذا طرحت على الأقلّ نظريتان:

الأولى، تقول إنّ أصحاب الطموح من زعماء الجماعات البشريّة هم الذين بادروا بالقوّة أو بالإقناع إلى إقامة الدولة وشكّلوا نظامها حسبما رأوا وتمكّنوا.

الثانية، وهي التي يدافع عنها السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر، وترى أنّ الدولة هي من فعل الأنبياء تنفيذًا لأمر الله تعالى ويستشهد بدولة الرسول (ص) في المدينة ثمّ في الجزيرة العربيّة، ومن قبلها دولة يوشع بن نون وريث موسى (ع).

وفي مجال معالجة غاية الدولة، يمكن طرح أهداف متعدّدة منها:

  1. إنّ من أقاموا الدولة هدفوا إلى الاستقرار والأمن، لجهة الداخل ولجهة الخارج، وإلى انتظام الحياة الاجتماعيّة على طريق سعادتهم.
  2. إنّهم هدفوا إلى السيطرة المادّيّة والمعنويّة، عن طريق الهيمنة على الجماعات الأصغر عند التأسيس وعند التطوير والوسع.
  3. إنّهم أرادوا إقامة حكم الله في الأرض بما يؤمّن العدالة والرفاه والطمأنينة وإنفاذ أحكام الشريعة.

وأخيرًا، وفي مادّة الشرعيّة والأساس القانونيّ، انقسمت الآراء بشكل حاّد؛ فمنهم مَن رأى أنّ الشرعيّة هي شرعيّة إلهيّة، بمعنى أنّ كلّ نظام لا يقوم على ما أمر الله به يكون غير شرعيّ. ومنهم مَن رأى أنّ الشرعيّة بشريّة، أي أنّها مستمدّة من إرادة الناس فإذا خالفها فهو فاقد للشرعيّة.

بينما مدرسة القانون الوضعيّ لا تهتمّ إلّا بالقانون الذي يضعه البشر، وتعدّه أساس الشرعيّة. وهنا، تتصادم النظريّات، فنرى مدرسة القانون الطبيعيّ ومدرسة القانون الدينيّ، علمًا أنّ القانون الوضعيّ إذا أمَّن الشرعيّة فهو يفتقد إلى المشروعيّة ما لم ينبثق عن مصادرهما، وإلّا فهو غير مشروع، وغير مشروع النظام الذي ينبثق عنه.

أمّا مدرسة القانون الطبيعيّ، فتطرح الكثير من المشاكل التي تتعلّق بالغموض وعدم وجود المرجعيّة الواضحة، لذلك سندعها في هذا البحث غير المخصّص لمثل هذه المسائل، لنناقش مدرسة القانون الدينيّ في مجال الدولة وسلطتها. كما طرحت مدرسة القانون الدينيّ نظريتي ولاية الأمّة على نفسها، وولاية الفقيه.

فالنظريّة الأولى: نظريّة ولاية الأمّة، ترى أنّها تفضي إلى ما أفضى إليه الحكم الإسلاميّ على مرّ العصور، أو إلى ما عانته الأنظمة العالميّة الأخرى.

أمّا النظريّة الثانية: نظرية ولاية الفقيه، فترى أنّه من الواجب أن تحكم الشريعة سلوك الحاكمين.

ولمـّا كانت الشريعة لا بدّ لها من حملة منفّذين، ولـمّا كان هؤلاء هم الفقهاء، وجب من هنا أن يمارسوا الرقابة والإشراف والإرشاد والتقويم في الحكم حتّى يأتي منسجمًا مع ما أراده الله من استخلاف الإنسان في الأرض.

هذه الأمور هي محاور هذا الكتيب تحت أربعة عناوين:

  1. بين الدولة المدنيّة والدولة الدينيّة.
  2. مشكلة المشروعيّة والشرعيّة.
  3. الوليّ الفقيه.
  4. بناء الدولة الحديثة عند الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (قده).

 


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<