آراء في العلم الديني
لا يخفى أنّه كان يُلاحظ طوال التاريخ، وبين الفينة والأخرى وجود بعض الاختلافات والتناقضات بين الاكتشافات العلمية الإنسانية والتعاليم الدينية، ولكن لم يُنظر أبدًا في الحضارة الإسلامية إلى تياريّ العلم والدين على أنّهما تياران متنافسان ومتعارضان؛ إذ كانت مرحلة تفتّح العلم، هي مرحلة رِفعة الدين والتديّن أيضًا؛ وكذلك الأمر كانت مرحلة أفول وانحطاط هذه الحضارة مرحلة أفول وانحطاط العلم والدين أيضًا. أمّا في العالم المسيحي فقد كان الوضع مختلفًا منذ البداية. فالحقبة التي ساد فيها الدين لدى الأوربيين، كانوا من الناحية العلمية متخلفين نسبيًا؛ ومن ثمّ ترافقت مرحلة التطورات العلمية التجربية في الغرب مع مرحلة انحطاط وزوال مكانة الدين في المجتمع. وقد انتشر هذا الجو في المجتمعات الإسلامية أيضًا، مع دخول الثقافة الغربية إلى المجتمعات الشرقية. وشهدت أغلب البلاد الإسلامية بشكلٍ تدريجي منافسةٌ بين نظامين تعليميين، أحدهما نظامٌ تعليميٌّ تقليدي كان يُدار من قِبل القيادات الدينية في المجتمعات الإسلامية والآخر نظامٌ تعليميٌّ حديث، كانت قد أسسته وأدارته الدول – تلك الدول التي كانت تحت سيطرة الدول الغربية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر – وهكذا فإنّ التحدّي الذي ظهر في الغرب على مدى عدة قرون بين العلم الجديد – الذي يعتمد على التجربة أكثر من أيّ شيءٍ آخر – والدين، قد تحقق في الدول الإسلامية في أقل من عدة عقودٍ؛ فقد اعتبر أتباع العلوم الجديدة أنّ العلوم التقليدية والنظام التعليمي التقليدي غير علميين، وقدّموهما على أنّهما رمز “الدين”، في حين أنّهم قدّموا أنفسهم رمزًا “للعلم”، وقد سلّم معظم متعلّمي النظام التقليدي لهذه الأدبيات والمقولات؛ وطُرحت مسألة تعارض أتباع العلوم الجديدة وأتباع العلوم التقليدية بصفتها صراعات العلم والدين في المجتمع.
في ظلّ هذه الأجواء، ومنذ بداية ورود هذه العلوم، حاول البعض التوفيق بين هاتين الساحتين. والقضية كانت أنّه هل يستطيع العلم الجديد التحوّل بطريقةٍ تمكّنه من الانسجام والتوافق مع النظرة الدينية؟
هذا العمل الذي اتخذ فيما بعد اسم “أسلمة العلوم” في بعض الدول، قضيته الأساس هي: هل يمكن الوصول إلى علم يأخذ العقلانية الإنسانية على محمل الجدّ ويلتفت أيضًا بشكل عميق وجدّي إلى تعاليم الوحي؟ تحميل البحث