نحو ثورية أصيلة في إعلامنا الثقافي
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[1]. {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[2].
الدعوة إلى سبيل الله سبحانه، وظيفة الأنبياء والأولياء والصالحين والرساليين، وقد وضعت الآية القرآنية ثلاثي القيم التي ينبغي التقيد بها أثناء التبليغ، كما رسم المقصد لهذه الدعوة، وهو الوصول إلى حالة الود والتآلف مع البيئة المحيطة بأهل الدعاة والمبلغين.
أما ثلاثي القيم فهو: الحكمة، والموعظة الحسنة، والحوار؛ أي الجدال بالتي هي أحسن. وما سنركز عليه ابتداءً هنا هو الحكمة، وهي قيمة تحمل العديد من المصاديق التي تمثلها، من ذلك البرهان. إذ ذهب بعض المفسرين والفلاسفة أن المقصود بالحكمة هو البرهان، في الوقت الذي ذهب فيه غيرهم لاعتبارها الحجة البينة والدليل الساطع على المراد أو المطلوب.
وهناك من يذهب للقول أن الحكمة هي وضع القول أو الأمر في موضعه الصحيح.
وحينما نقول، وضع الأمر أو القول في موضعه الصحيح؛ فهذا يعني أن نراعي جملة من الأمور، منها:
- خصوصية المُـخاطب، ثقافته، قابلياته، كيف يمكن أن يتلقى الأمر والقول، وغير ذلك.
- خصوصية الزمن، إذ لكل وقت حاله الخاص ومقتضياته ومتطلباته، ومزاجه الخاص، فلا يصح أن نحاكي أهل زمان معين بأسلوب أو آلية أو مقولة لا تنسجم ولا تصلح للزمن الذي هم عليه.
- خصوصية القول والقالب الذي نقدّمه في البلاغ والإبلاغ.
هذه الأمور وغيرها هي من المسائل التي علينا أن نحسنها في الموعظة، وأن نحكم طرحها لنكون من أهل الحكمة حين نشرها وبثّها.
لذا، إن مراعاة الخصوصية شرط في تأدية أقدس وأوضح الأفكار والرسالات. واليوم نحن نلحظ أن تخلّف الجماعات الإسلامية لا يقتصر على المستوى الثقافي فقط، بل أحد أهم الأسباب هو تخلّفها في آليات الدعوة والإبلاغ والتي تتمركز اليوم في الإعلام الثقافي.
إن أهم الأفكار اليوم، وأكثرها نضجًا وفعاليةً ذاتية ما لم تستطع أن تعبِّر عن نفسها من خلال إطار موضوعي صالح للإيصال والانتشار، فإن هذه الأفكار لن تغادر مواقعها أبدًا، ولن يبلغ أمرها المراد.
إن احتراف لغة الإعلام واعتماد وسائله وآلياته دون الانزلاق إلى قيم مشوهة حفّت بتلك الوسائل من مثل: التبليس، والبهتان، ورغبة الإثارة، والاستقطاب العددي.
أمّا ما هي عليه كثير من الوسائل الإعلامية المحسوبة على جهات إسلامية من جمود، أو غلو وتحريض، أو عدم الدقة في الهدفية، مما لا يحقق حسن الإبلاغ والحوار الموصل للتراحم والتآلف مع الآخر، فإنها مما يدمي القلب؛ إذ مجمل هذا الوضع يكشف عن انخفاض في وعي الدور الإعلامي، كما يكشف عن تردٍّ في الثقافة الإسلامية والإنسانية بعامّة.
أما كيف يمكن تطوير هذا الوعي والقدرة على ممارسة الدور الإعلامي الهادف؟ فهو أمرٌ متروك لأهل الخبرة والحِرفة والاختصاص. لكننا نقول وبوضوح: إن توفير الرؤية الإسلامية العميقة والواضحة لدور الإعلام الثقافي في زماننا وعصرنا هذا، هي شرط لندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة.
[1] سورة النحل، الآية 125.
[2] سورة فصلت، الآية 34.