by الشيخ شفيق جرادي | مايو 27, 2016 7:20 ص
فارق بين أصل أي اعتقاد وموضوعيته، وبين طبيعة تبنّيه عند من يؤمن به أو يلتزمه، وبين ما تحفّ المعتقدات من تفسيرات وتأويلات واستفادات.
هذا، ولا يخفى أن أهل الأديان، ومنهم المسلمين، انتهجوا طريقين معياريين كلّيين في عرض وتقديم معتقداتهم:
الطريق الأوّل، وهو الأكثر شيوعًا وتقليدية، هو الذي يعتبر أن ما نؤمن به إنما يعتمد على نحو معرفتنا بالله سبحانه، فنؤمن بالتوحيد، وأن الله ليس كمثله شيء؛ لأن الله كذلك، ونؤمن بأن المؤمن والعابد المخلص يدخل الجنة؛ لأن الله سبحانه عادل يجزي كلّ امرءٍ بما يستحقه. ونؤمن بالآخرة أو اليوم الموعود أو الخلاص لأن الله كذا وكذا، وحكمته تقتضي كذا وكذا… فيكون محور الاحتكام هو معيار معرفتنا به سبحانه. وهذه المعرفة ناتجة عن واحد من سبل ثلاث: إما سبيل النقل، أو سبيل العقل، أو سبيل الشهود، وقد تتشارك هذه السبل الثلاث في بعض صنوف معرفتنا بالذات الإلهية والصفات الإلهية، وما تستلزمه هذه المعرفة. لكن لا يخفى أن التأويل والتأمّل هما سيّدا الموقف في دوائر معرفتنا بالله سبحانه، مما يُنتج، وأنتج، مذاهبًا ومدارسًا واجتهادات كان لها حضورها القوي وما زال في تاريخ الأديان والمذاهب الإسلامية.
ومقتضيات الأخلاقية البحثية والاجتهادية تحكم علينا أن لا نرفض هذا الاختلاف الخلّاق، وأن لا نترك له سبيلًا للتأثير على أصل الثابت الاعتقادي، ومن ذلك موضوع أو أصل الاعتقاد بالمهدي (عج) عند مسلمي الشيعة الإمامية.
الطريق الثاني: وهو الذي يتعامل مع القراءة الدينية أو الإسلامية، وهي هنا محل اشتغالنا – ضمن اعتماد محورية الإنسان في الخطاب الديني – لذا، فإنه يعمل على درس فاعلية المعتقد في حياة الإنسان، لا على أصل مستلزمات الذات الإلهية وصفاتها.
وكثير من المعاصرين انتهجوا هذا النهج لمحاكاته الذوق الثقافي في هذا الزمن، فاستخدموا الأساليب الأيديولوجية والثورية واستكنهوا بعض المعطيات النفسية والاجتماعية والسياسية لتبيان فاعلية المعتقد في هذا الجانب، أو ذاك… ومن هذا النحو وعلى أساس معيارية ومحورية الإنسان في مقصد الخطاب الديني وجدنا من فسَّر أمور المعاد، وفلسفة الدعاء، وفلسفة الغيبة، وفلسفة المهدوية وغير ذلك.
حتى وصلت هذه التفسيرات والتأويلات لتعبِّر، رغم اختلافاتها المنهجية في القراءة، عن الخلفية الثقافية للقراءة الاعتقادية والدينية.
وقد شهدنا حوارات صعبة وشاقة فيها بين عناوين كبيرة من مثل مرتضى المطهري، وعلي شريعتي مثلًا… وفي ظني أن إقفال هذا الحراك أو سد الباب عليه أو تسخيفه سيحرمنا من مصدر غنًى فكري وثقافي واسع.
لكن يجب أن ننتبه جيدًا إلى ملاحظة حسّاسة وهي أن أغلب هؤلاء إنما انتهجوا لغة تسويغية فيما قدّموه، وإذا كانت غاية أهل الطريقة الأولى إثبات حقانية الدين أو المذهب والمعتقد، فإن غاية أهل الطريقة الثانية، بالغالب الأعم، السعي لعقلنة ما يؤمنون به، وتسويغه عند الآخر.
وبودي في ختام هذا الكلام أن أقول: إن إيماننا بالقائم من آل محمد صلّى الله عليه وآله، يرتكز على جملة أمور منها:
أولًا: النقل وما ورد في الروايات، وما نستفيده من بعض الآيات.
ثانيًا: الإمكان العقلي لأصل استمرار حياته، وأن مثل هذا الإيمان لا يستلزم محالًا.
ثالثًا: ما نجنيه من ثمار عملية وروحية وفاعليات اعتقادية في حياة الفرد والجماعة من أهل الاعتقاد. وهو مفتوح على المدى الروحي والنفسي والمفاهيمي للمعتقدين ما لم يخالفوا فيه ثابتًا عقائديًّا أو ركيزة إيمانية.. والله من وراء القصد.. وللبحث صلة.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/4106/%d8%a3%d8%b5%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%af-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a2%d9%84-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b5%d9%84%d9%91%d9%89-%d8%a7%d9%84/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.