الإسلاميون، مصائر شتّى

by الشيخ شفيق جرادي | يونيو 9, 2016 7:38 ص

أعلن قادة حزب النهضة التونسي عن نيتهم الانتقال من كونهم حزبًا دعويًّا ليتحولّوا إلى حزب سياسي.

وهذا ما بات يشكّل إشارة إضافية لما تؤول إليه بعض الحركات الإسلامية في موقعها من العمل الدعوي؛ إذ لا يخفى طبيعة الحراك السياسي الذي يخوضه أردوغان في تركيا، على رغم الاعتبارات والملامح الإسلامية التي يرفعها أو يقف تحت ظل شعاراتها، حتى إنّا بتنا نسمع بالنموذج التركي في منهجية العمل الإسلامي، وهي منهجية تتماشى، وعن قصدية واضحة، مع العلمانية التركية. إلّا أنها تريد أن تتخفف من غلواء العلمانية الأتاتوركية، كما تريد التخفيف من الدعوية الإسلامية، وتعمل لإسلام سياسي معلمن، فهل نهضة راشد الغنوشي تذهب اليوم بنفس الاتجاه؟

ثم ألم تتجه حركة الإخوان المسلمين في مصر بنفس المسار عندما أرادت تسنّم الحكم إلى درجة تخلّي محمد مرسي عن اللقب الذي أولاه إياه بعض مشايخ السلفية “عمرو بن العاص”، وذهابه لمراسلة زعيم إسرائيلي هو شيمون بيريز، وفقط تحت عنوان التكتيك السياسي لاستدراج عطف الولايات المتحدة الإمريكية.

وفي هذا تغليب منطق السياسي المصلحي البراغماتي على الدعوي الأصولي. علمًا أنه وبرغم ذلك، فقد وصل الأمر ببعض الأكاديميين الغربيين للقول أن هذا الإسلام السياسي إنما فشل لنقصان منسوبه السياسي، فلا بالدعوي تمسّكوا، ولا من السياسي انتفعوا.

مما قد يثير تساؤلات حول مصير هذه الحركات والجماعات الإسلامية، وهل إن الإسلام والمسلمين الإسلاميين، يمرون بنفس المرحلة التي مر بها العروبيون بعد نكسة عام 1967م، وبدء انهيار القومية العربية.

إن مرحلة القلق المنبئ عن تصدُّع ما في الحركات الإسلامية يشي بأخطار كبيرة وواسعة، فمنهم من وقع في مصيدة الفصل بين السياسي والدعوي، ومنهم من صار فريسة لغلواء المذهبية والعصبية كما حصل مع الشيخ يوسف القرضاوي، ومن انتهج نهجه من مثقفين أمثال أبو يعرب المرزوقي وآخرين. ومنهم من ارتمى في أحضان بدعة السلفية المُستحدثة؛ وأقصد بالسلفة المُستحدثة حركات التكفير الداعشي والقاعدي، ومنهم من أخذ يساير المثاقفين مع الغرب من العرب وغيرهم ممن ترسَّم العقلية الغربية في قراءة الإسلام، واندفع في تأكيد روابطه مع تمويلات خليجية أمنية وسياسية كانت وما زالت تستهدف بُنى الإسلام السياسي، الإخواني منه على نحو الخصوص، فأنشأت مراكز ومؤسسات تروِّج للقيم العلمانية تحت اسم الديننة والأسلمة، بحيث تفرّق الجمع بعد توحّدهم في أصول الرؤية الإسلامية أحزابًا وفرقًا متناحرة.

وخشية أن يفهم أحدٌ من كلامي هذا أني أصوِّب على أتباع مذهب معين، أود التأكيد أن هذه الإشكالية لا تقتصر على مذهب، بل هي تنسحب على كل اتجاه قلق في ديار المسلمين، مهما كان انتسابه المذهبي.

وحتى لا يعتقد أحدٌ أن الصورة قاتمة إلى أقصى درجاتها، فلا بد لي من القول أن جماعات الإسلام الممانع والمقاوم هم وحدهم الذين ما زالوا يحافظون على أصالة العلاقة بين السياسي والدعوي.

وهم وحدهم ما زالوا يحفظون جدلية العلاقة بين الدعوة والدولة، وبين الإبلاغ والجهاد. وللحديث صلة.

 


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/4249/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d9%88%d9%86%d8%8c-%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%b1-%d8%b4%d8%aa%d9%91%d9%89/