القيّوميّة الإسلاميّة بين السياسة والعبادة

by الشيخ شفيق جرادي | يوليو 11, 2016 12:03 م

 

{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليُظهره على الدين كلّه…}[1][1]

{…لتكونوا شهداء على الناس…}[2][2]

تقوم الرسالة الإسلاميّة على أصل مركزيّ بأن لعمارتها العباديّة والأخلاقيّة والشرعيّة، بل وعمارتها المعرفيّة أيضًا. وهذا الأصل هو التوحيد باعتباره العقيديّ والقيميّ المؤسِّس لإنسان الرسالة الوحيانيّة. ولا ينظر الإسلام للإنسان نظرةً تجزيئيّةً، بل يعتبره حقيقةً متكاملةً ذات حيثيّات وشؤون لا تنتظم إلّا بانتظام كامل الأبعاد… حيث إنّه لا تكتمل التقوى إلّا بمجتمع مبنيٍّ على سياسة تقوانيّة، ولا تنشأ سياسة تتّقي الله إلّا بروح عابدة لله وقيم دينيّة مبنيّة على الرحمة والإخلاص. بهذا المعنى، فإنّ إجراء أيّ فصل بين ما هو عباديّ أو دينيّ من جهة وبين ما هو سياسيّ من جهة أخرى، يُعدّ فصلًا تعسّفيًّا يفتقر إلى الموضوعيّة. إذ لا يمكن فهم الكثير من أبعاد العمل العباديّ وثماره التي يمكن جنيها إلّا من خلال ربطها بالبعد السياسيّ… من ذلك، على سبيل المثال: صلاة الجماعة بحركاتها التي يتابع فيها المأموم الإمام وتأسيسها لروحيّة الإمرة السياسيّة بعمق عباديّ، بحيث إذا لم يصلح الإمام ضاعت الصلاة وضاعت الجماعة العباديّة والسياسيّة. والحجّ بما هو مشهد مكثّف لمسار الأمّة العقائديّ – السياسيّ رغم اختلاف قوميّاتها وشعوبها. وبنفس الإطار يمكن وضع نظام الزكاة والخُمس الحسّيّة… إلى ما هنالك.

وهذا التعاضد والتماهي بين ما هو سياسيّ وعباديّ في الإسلام ينعكس على طبيعة الشريعة كما الحضارة الإسلاميّة، حيث إنّ الأمّة كلّما اقتربت من هذا التماهي السياسيّ – العباديّ، عرفت هويّتها بشكل أوضح، واستطاعت الترقّي في مشروعها الرساليّ وأخذ موقعها الحضاريّ بين الأمم.

ويذهب الإمام الخامنئيّ إلى أنّ سرّ الرقيّ الحضاريّ الإسلاميّ، إنّما كان نتيجةً لمثل هذه المزاوجة، وإنّ الأمّة قد شهدت تدهورًا وانحطاطًا عند كلّ مرّة كانت فيها تتخلّى عن أواصر العلاقة بين الدين والسياسة، وعليه، فإنّ أحد أسباب وأسرار التطوّر العلميّ والثقافيّ والحضاريّ الذي لحق إيران مع نهضة الإمام الخميني قدّس سرّه، إنّما كان نتيجةً لنهج في ذاتها جزءاً سياسيًّا وكذلك السياسة تنطوي في ماهيّتها على بُعد عباديّ وإنّ خلوّ أيّ منهما من هذه المضامين والأبعاد يمكن أن يودي إلى السقوط أو الانحطاط.

عليه، فإنّ قرارة أسباب التأخّر أو التقدّم عند المسلمين، لا يصحّ أن نقرأه من زاوية تاريخيّة فقط، بل ينبغي أن نسبر التاريخ من الإيمان والرؤية العقائديّة التي تنظر للماضي من موقع استمرار الحياة العقائديّة في الحاضر، فتسعى إلى إحداث التغيير في مسارات حركة التاريخ. ذلك أنّ النظر للتاريخ من موقع التراكم الزمنيّ أو الظرف الوجوديّ قد يؤسّس لفواصل بين حقبات الزمن، أمّا النظر إليه من موقع المعرفة الإيمانيّة وتراكم التجارب المعرفيّة، فإنّه يقودنا لجعل الزمن أحد أهمّ أسباب النهوض وكسر قيود الجهل والتخلّف. 

 

[1][3]  سورة الفتح، الآية 28.

[2][4]  سورة البقرة، الآية 143.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [1]: #_ftnref1
  4. [2]: #_ftnref2

Source URL: https://maarefhekmiya.org/4612/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d9%91%d9%88%d9%85%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%88%d8%a7/