تطبيقات الديداكتيك وانعكاساته على الدرس الفلسفيّ

تطبيقات الديداكتيك وانعكاساته على الدرس الفلسفيّ

لشراء الكتاب

تحميل الفهرس+كلمة الناشر

 

كلمة المعهد

 يطرح مسار الفلسفة أسئلةً حول مسيرها، بل يتحوّل المسار نفسه إلى السؤال، السؤال العابر للحدود، مطلق الحدود؛ لأنّه سؤال الإنسان في عمق إنسانيّته. وما دام الأمر كذلك، فإنّ السؤال الفلسفيّ متأجّج ما صدقت الإنسانيّة. وبالتالي، فهو عابر للأزمان والأقوام لأنّه الإنسان المفكّر بالطبع، والتوّاق إلى معرفة نفسه أبدًا، والمندفع لاستكشاف عالمه دائمًا. لذا، كان الإنسان عارفًا بالعالم دون الإحساس به فقط.

فإذا كان دور الفلسفة يكمن في كونه يبلور نظرةً للإنسان إلى نفسه ووجدانه ووجوده، نظرةً إلى العالم وظواهره وحركته وطبيعة قراءته وفهمه ومآله، إلى الإنسان الآخر ونظام العلاقات معه، إلى الحياة وفلسفتها ومسارها ومصيرها، فعلى أساس تلك النظرة يتحدّد سلوكه تجاه نفسه والآخر والبيئة التي يعيش فيها، وباقي المخلوقات. عند ذلك تكون الفلسفة ذات مهمّة رؤيويّة.

وكذلك يكمن دور الفلسفة في كونها تعطي القدرة على توليد السؤال، وتحفر عميقًا لتتبدّى تأمّلاتها أسئلةً في لحظات القلق الوجوديّ الذي يتوقّد أكثر كلّما غار السؤال، في لحظة تأمّل حثيث،  فيتحوّل المتأمَّل فيه إلى مادّة وموضوع يسائل المتأمِّل، فيصبح المتأمَّل صامتًا، والمتأمِّل فيه موردًا للإجابة، ولا سيّما إذا كان السؤال الوجوديّ سؤالًا مؤلـمًا مرتبطًا بالإنسان وصراطه ومصيره ووجوده. فمهمّة الفلسفة عند ذلك مهمّة توليديّة.

وإذا كان من خلالها يفهم أنظمة الترابط بين الظواهر الوجوديّة، بحيث يضحي المشهد للوجود من زاوية العلاقات بين قوانينه وأحكامه والآثار المترتّبة على ذلك، عندها ستكون مهمّة الفلسفة مهمّةً منظوميّةً نسقيّةً.

والسؤال المحوريّ في هذا السياق هو كيف تُعلَّم الفلسفة؟

فهل يقتصر الدور التعليميّ للفلسفة على نقل المقولات الفلسفيّة التي ابتكرها السابقون من الفلاسفة بنحو الترداد الذي يعيد نفسه في الأزمان كقضيّة طُرِحت في زمنها وظروفها وجيلها، ثمّ فُكِّكت عن ذلك وبُتِرت من سياقها وأخذت تتقلّب بين العصور؟

هل بالإمكان بناء فكر فلسفيّ منظوميّ من خلال تعليم منهجيّة التفكير الفلسفيّ، والمشاركة في إنتاج السؤال الفلسفيّ، والإجابة الفلسفيّة من غير الاعتماد على حواشي المطوّلات، بل من خلال الاعتماد على الكامن في الذات من بذور التفكير الفلسفيّ لحلّ المشكلات الفلسفيّة والمعرفيّة؟

في هذا السياق، نُطلّ على هذه الدراسة القيّمة التي تدور حول ديداكتيك الفلسفة للدكتور سمير زيدان الذي يعتبر أنّها تستقي أهمّيّتها من تركيزها على تحليل المحتويات المعرفيّة ومن إسهامها في تحويل المعارف الفلسفيّة إلى معارف مُعَدّة للتعلّم، معتبرًا أنّ الديداكتيك يشكّل مدخلًا مناسبًا للتعمّق في تحليل المحتويات المعرفيّة التي يلحظها المنهاج الرسميّ. والتحويل الديداكتيكيّ يمكّن أستاذ الفلسفة من اقتراح مسالك محدّدة تنهل من معين الموروث الفلسفيّ بقصد تغذية وتوضيح مضامين وأهداف المنهاج ومن ثَمَّ المبادرة إلى صياغتها على شكل تعلّمات وإجراءات صفّيّة.

لذلك، فإنّ ديداكتيك الفلسفة، الطامح إلى تحويل بعض النتاج الفلسفيّ إلى مادّة تعليميّة متحدّدة معرفيًّا ومهاريًّا، يشكّل في الواقع العين الفاحصة التي تنظر في آنٍ معًا في مضامين وأهداف المنهاج من جهة أولى، وفي الممارسات والإستراتيجيّات الملائمة لتحويل ما يُسطّره المنهاج إلى أهداف تعلّميّة وإلى لحظات أو إجراءات صفّيّة مناسبة من جهة ثانية. ففي ديداكتيك الفلسفة تشابك بين طرفَين: المنهاج الرسميّ بما يمثّله من سلطة مؤسّسيّة، والتخطيطات والممارسات الصفّيّة؛ أي وضعيّات التنفيذ التي يقوم بها الجسم التعليميّ.

ويضيف الدكتور زيدان

والمعلوم أنّ الديداكتيك، الذي يسعى إلى تحليل المعارف المسطّرة في المناهج وتحويلها إلى تعلّمات، لا يحظى بسمعة طيّبة لدى الفلاسفة نظرًا لما يشكّله من خطورة على الطبيعة النقديّة للتفلسف. مع ذلك، فإنّ تعليم الفلسفة قد استطاع أن ينتج ديداكتيكه الخاصّ.

ويستعرض رأي توزي الذي

استطاع أن يقدّم العديد من التطبيقات وأساليب التعلّم مبيّنًا إسهامها في بناء وتنمية قدرات التفلسف الأساسيّة عند المتعلّم، وكذلك إسهامها في وضع المتعلّم في أجواء من التفكير تقوده إلى تعديل تمثّلاته الأولى التي سبق له أن حصّلها من المجتمع ومن الثقافة المحيطة به.

وكان المقصد

يتلخّص في تنوير أساتذة المادّة إلى كيفيّة إدماج العلوم التربويّة والشروط الديداكتيكيّة مع مقتضيات التفلسف بالشكل الذي يساعدهم في عمليّة انتقاء الأدوات والتقنيّات التعلّميّة وفي عمليّة تحديد الأهداف الإجرائيّة والتعلّمات المطلوبة في الدرس الفلسفيّ. إنّه إذًا تنوير يجعل أستاذ المادّة في وضعيّة المتفحّص للآمال والمخاوف الناتجة عن تطبيقات الديداكتيك في الدرس الفلسفيّ، بحيث لا يكون متطرّفًا للجانب الديداكتيكيّ البحت، بل يحاول باستمرار أن يحيله إلى ما يناسب أصول التفلسف وخصوصيّته.

وبالتالي، فإنّ المنطلق الحقيقيّ لكلّ مداخلة ديداكيتكيّة ناجعة يفترض به الانطلاق من الواقع التعليميّ ومشكلاته، أي من دراسة حاجات تتركّز على ما يواجه تعليم المادّة من معوّقات مختلفة.

 لقد تميّزت هذه الدراسة بأنّها نمط جديد في تعلّم الفلسفة وتعليمها، نمط يعتمد على مشاركة المتعلّم في توليد المقولات الفلسفيّة ما يجعل الدرس الفلسفيّ درسًا تفاعليًّا يضجّ بالحياة والتفكير والرؤى. ويُخرج حصّة تعليم الفلسفة من الرتابة البغيضة، رتابة التلقّي السالب الذي لا يحرّك الدفائن، ولا يثير العقول، ولا يستفزّها للتفكير والتحليل والمشاركة واقتراح الحلول.

هذه الدراسة التي تقدّم تنظيرًا لديداكتيك الفلسفة مع تطبيقات ديداكتيكيّة جديرة بأن تُقرَأ قراءةً منهجيّةً وتربويّةً لما لها من آثار مثمرة على صعيد الدرس الفلسفيّ تعلّمًا وتعليمًا، علّها تكون مدماكًا في بناء الإنسان من خلال بناء مفاهيمه وفلسفته بنحو استقلاليّ، مرتكز على المباني العلميّة الدقيقة لتكون النتائج كما المقدّمات دقيقةً.

وهذا يجعلنا نتنبّه من كثير من الأفكار، فالفلسفة ليست كلّ تفكير وكيفما كان، ولا أيّ نتيجة يمكن وصفها بالفلسفيّة. وهنا تكمن مسؤوليّة المعلّمين في توجيه المتعلّمين والأخذ بأيديهم حذرًا من الانحراف العقائديّ والدينيّ السلوكيّ وهذه مسألة بالغة الخطورة؛ لأنّنا لا نريد بناء أيّ فلسفة، بل بناء فلسفة حقّة تهدف للوصول إلى الحقيقة الصافية، وتحفظ إيمان المؤمن وعقائده وأخلاقه.


  1. أمير
    أمير 10 فبراير, 2024, 11:26

    أريد نسخة من الكتاب مشكورين

    الردّ على هذا التعليق

أكتب تعليقًا

<