اجتهادات لوركا

اجتهادات لوركا

الشعوب لا تنسى من قدموا تضحيات فى سبيل حريتها، فما بالنا إذا كانت التضحية بالروح. والتاريخ يستطيع فى معظم الأحيان تسجيل الحقائق مهما تكن قوة من يزيفونه. وكثيرة هى الحالات التى يجوز القول فيها إن التاريخ «صحح نفسه» بعد أن زيفه من كتبه أولاً. والمنتصرون هم من يكتبون الروايات الأولى فى التاريخ من وجهات نظرهم. وهذا هو ما فعله أتباع نظام فرانكو عقب انتصارهم فى الصراع الداخلى ضد القوى التقدمية الاسبانية فى ثلاثينيات القرن الماضى. فقد ذهبوا إلى أبعد مدى فى تشويه ضحاياهم، وخاصة المثقفين المشهورين الذين كان العالم يعرفهم، كما حدث مع الشاعر الكبير فدريكو لوركا الذى قتلته ميليشيات فرانكو فى أغسطس 1936. ولكن الأيام تدور، ويأتى من يعيد كتابة التاريخ ويُنصف لوركا ورفاقه المثقفين الذين ضحوا مثله من أجل حرية شعبهم، مثل ميجل أرنافدت وأنطونيو مانشادو وغيرهما.
كان الاستقطاب قد بلغ أعماق المجتمع الاسبانى، ووضع لوركا فى مواجهة أبناء عمه المجندين فى ميليشيات فرانكو. ولذلك دبروا عملية خطفه وآخرين من زملائه واقتادوهم إلى بلدة قريبة من غرناطة، وأطلقوا النار عليهم.وقامت سلطة فرانكو بتزوير وثيقة وفاة للوركا تزعم أنه توفى نتيجة جروح أُصيب بها عرضاً خلال الحرب، وعُثر على جثته فى 20 أغسطس 1936 ملقاة على الطريق بين بلدتى ألفا كار وبيثنار. وأثبت مؤرخون بعد ذلك كذب تلك الرواية، ووَّثقوا قصة خطف لوركا وقتله بدم بارد. ومع ذلك حاول رجال أعمال رجعيون إعادة تزوير التاريخ، فمولوا عام 2005 إنتاج فيلم وثائقى سعى إلى تفريغ النزاع بين لوركا وأبناء عمه من محتواه السياسى وجعله نزاعا محض عائلى. لكن محاولتهم فشلت، وسقط الفيلم من ذاكرة التاريخ التى احتفظت بقصة نضال لوركا الذى يحيى ملايين الأسبان هذه الأيام ذكرى مرور 80 عاما على رحيله. ويُعاد بهذه المناسبة تنظيم معرض بديع يُجسَّد تاريخ الحرب الأسبانية بأشكال فنية مختلفة مثل الرسوم والكارتون والصور الفوتوغرافية والتماثيل وغيرها. شاهدتُ هذا المعرض فى مدريد عندما تصادف حضورى معرضها السنوى للكتاب عام 2006 مع احياء ذكرى لوركا السبعين. ووجدته محفوراً فى ذاكرتى حين طالعتُ أنباء إحياء ذكراه الثمانين.



لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<