الإنسان والمجتمع والحكم والسلطة والحاكميّة

الإنسان والمجتمع والحكم والسلطة والحاكميّة

تحميل البحث 

إنّ الباحث في الأصول العقديّة والفقهيّة الإسلاميّة لدى مختلف الطوائف فيها يتبيّن له بوضوح أنّ علومها المختلفة تحاكي أحوال ومتغيّرات وأوضاع “الإنسان الفرد”، فمعظم هذه الأحكام الأصوليّة متعلّقة ببيان الحقوق والواجبات الفرديّة التي تقع على الإنسان باعتباره مركز وجود وغاية الرسالات السماويّة، ولذلك فقد انطلقت متعلّقات هذه الحقوق من ذاتيّة فرديّة، “الأحكام العباديّة”، إلى ذاتيّة اجتماعيّة، “العقود”، إلى ذاتيّة كونيّة، “العقائد” و”السنن الخلقيّة”؛ وعليه فإنّنا نلمس بالكاد اهتمامًا للباحث الأصوليّ في الأحكام المجتمعيّة، أو ما يمكن وصفه بمنظومة حقوق وواجبات المجتمع تجاه الذات والآخر تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…﴾[1] باستثناء النزر القليل ممّا اختص بمعالجة أحوال الحاكميّة والسلطة على المستوى الشرعيّ، والفقهيّ، الحكميّ، باعتبار أنّ السلطة تمثّل وسيلةً من وسائل نشر الدعوة وإقامة حكم الله في الأرض، وأنّ الحاكميّة هي ضمانة تحقّق الغايات الجماليّة المطلقة من قبل الفرد الحاكم وفق مراد الله في إطار اجتهاديٍّ نسبيّ.

لذلك، فإنّ النظام السياسيّ، أو السلطة، أو المنهج الحكميّ (الحاكميّة)، أو نظام الحكم دارت كلّ مقاصدهم على عنوانَين أساسيَّين، هما طهارة المجتمع، فيما يشكّل ذاتًا فرديّةً مجتمعةً، وتحقيق نبل مقاصد الشريعة الغرّاء، ولو تمّ ذلك بشكل نسبيّ، وذلك عبر أحكام سلطانيّة تفاوتت في تقديراتها وأسسها بين مختلف المجتهدين والمجدّدين عبر التاريخ.

وهنا نتساءل: لماذا لم يذخر التراث عبر التاريخ بأبحاثٍ إضافيّة عن الأحكام السلطانيّة؟

وهل يمكن الوصول لذلك، وهناك علاقة ملتبسة بين التراث و”سلطانه”، والسلفيّة  “وقداستها”، والتاريخ “وهيمنته”؟ ثمّ إنّ إغفال الباحث الأصوليّ لمفردات هامّة واستراتيجيّة في الدائرة الاجتماعيّة المحيطة بحركة البشر عمومًا، شكّل خاصرةً رخوةً تحسب للمسيرة العلميّة التي أغرقت تراثنا بتفصيلات أحوال الذات الفرديّة مقلةً في معالجة موقع العرف الاجتماعيّ في التشريع مع تطوير الأسانيد التي يمكن أن تحقّق الإفادة منه، أيضًا العصبيّة القبليّة، والعادات، والتقاليد وتوظيفهم في عمليّات التغيير الشرعيّ وفق المنظومة الإلهيّة، أيضًا إفادة الحضارة الساعية لتأكيد ذاتها المستمرّة من حركة التفاعل والتأثّر الإنسانيّ المطلقة، وتطوير شروط وأدوات القياس، والنظر في ما يمكن أن يحقّق عالميّة الإسلام، وترسيخ أنّ دين الله بحقّ هو رحمة للعالمين.

[1] سورة البقرة، الآية 148.



لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<